الذات اليهودية وتناقضاتها
بين معاداة السامية ولا سامية الأنا
تشيردراسات الانتروبولوجيا الثقافية (الشخصية الاممية و/أو القومية) الىاشتراك الشعوب السامية (العرب واليهود عموماً) بجملة سمات تميز شخصياتهمالثقافية وتدمغ ثقافتهم بطابعها. ولعل أهم هذه الصفات صفتان رئيستان هما :1 ـ البكائية 2 ـ عقدة المؤامرة. ولقدلعب الدين الاسلامي دوراً مقرراً في الحد من هاتين السمتين وانعكاساتهماعلى الشخصية العربية. ولقد وصل هذا الدور الى تحريم الاسلام لقائمة منالمناسبات البكائية وتصنيف بعضها في خانة “غير المستحبة”. كما لعب الاسلامدوراً في الحد من أثر عقدة المؤامرة. لكن هذه الأخيرة عاودت الظهور بقوةاكبر عبر الممارسة الفعلية لأدوار المؤامرة. حيث يمكن الربط بين معاودةانفجار هذه العقدة وبين بداية اضمحلال الدور السياسي للعرب مع بدايةالحروب الصليبية. وكان من الطبيعي أن تتصاحب هذه المعاودة مع احياء ذكرياتتجارب المؤامرة السابقة. الامر الذي ادى الى تراكم هذه التجارب وترسيخ هذهالعقدة (المؤامرة) التي لا تزال لغاية اليوم مهيمنة على الشخصية العربية.
فيالمقابل نجد ان اليهودية ترسخ البكائية وتجسدها لدى اليهود في “حائطالمبكى” ذلك الرمز الديني المقدس لدى اليهود المرسخ لبكائيتهم. التي تنعكسعلى الشخصية اليهودية بالحاجة العصابية ـ القهرية لايجاد بكائيات فرعية(1). ومع طغيان السمة النفعية على هذه الشخصية فانها تختار وتفضل اعتمادالبكائيات القابلة للتوظيف والاستثمار. من هذه الزاوية نستطيع ان نفهم تلكالنشوة اليهودية باستحضار ذكرى الهولوكوست وتضخيمها واستعادة تفاصيلهابصورة نمطية ـ تكرارية (Stereotype)تصل الى حدود الهيستيريا (2). اذ يستحيل على اي باحث معاصر ان يتمكـن مـناحصاء البكائيات اليهودية في هذا المجال. فهنالك ملايين منها. موزعة مابين ذكريات شخصية ومرويات (على لسان اشخاص عايشوا الهولوكوست) وافلامسينمائية ومقالات صحفية وقصص وروايات وخواطر ودراسات نفسية واجتماعيةوسياسية … الخ. حتى يمكن القول بأن اليهود تمكنوا من تغطية هذه البكائيةعبر جميع فروع المعرفة ووسائل الاتصال المتاحة.
والشخصيةاليهودية لا تكتفي بالرمز الديني (حائط المبكى) او التاريخي (اسطورةالماسادا والهولوكوست وغيرها). بل هي تبحث عن بكائيات اكثر فرعية. فهيتحتاج الى بكائية خاصة بكل حارة يهودية والى بكائية خاصة بكل عائلةيهودية، حيث لا شك بأن تعدد البكائيات هو من الامور المرغوبة لدى اليهود.وهذا الميل للبكائيات يقودنا الى مناقشة متعددة محاور البحث نختصرها بطرحالاسئلة: هل كان هذا الميل البكائي دافعاً لليهود، عبر تاريخهم، كي يلعبوادور الضحية؟. وهل لهذه المذابح تاريخ ام انها روايات مختلقة تتحول لاساطيرمع مرور الوقت؟.
فيالمقابل تطرح قائمة اخرى من الاسئلة منها: ماذا لو حدث وان تكررت المذابحاليهودية، وفق ما يتوقعه اليهود، الا يجدر لهذا التكرار ان يستوفقناللتساؤل عن سببه او أسبابه؟. وهل يمكن علمياً التسليم بأن تكراراً مملاًعلى هذه الصورة يمكنه أن يعود الى مبدأ الصدفة؟. خصوصاً وأن علماء النفسالمعاصرين بدأوا يطرحون بجرأة وبقناعة دور الضحية نفسها باجتذاب الاعتداء.فتكرار تعرض امرأة ما للاغتصاب لا بد له من أن يطرح السؤال عن اعتمادهاسلوكاً اغوائياً يغري المغتصبين ويجتذبهم. واعتمادها لهذا السلوك لا بد لهأن يكون على علاقة بكسب ما تحققه من خلال هذا السلوك. وعليه فانه منالطبيعي ان يلجأ دارسو الضحايا لتقسيمهم الى فئتين. الأولى فئة الضحاياالحقيقين. وهم الذين يتعرضون للاعتداء بالصدفة والثانية فئة الضحاياالوهميين. وهم الذين يستفزون المعتدي (يصورة شعورية أو لا شعورية) ممايجعلهم عرضة لتكرار الاعتداء. ولسنا في وارد الدخول في التفاصيل، لذلكنكتفي بالتذكير بأن للعدوان، وبالتالي للضحية، أشكال ومناسبات يصعب حصرها.وكذلك نذكر بأن العدوان يمكنه أن يصيب أشخاص وجماعات وفئات وأحياناًشعوباً بكاملها.