الشخصية اليهودية الإسرائيلية والروح العدوانية
عمر كيلاني
صحيفة تشرين الأسبوعية: 23 كانون الأول 2002
يؤكد د.رشاد الشامي في مقدمة كتابه (الشخصية اليهودية الإسرائيلية والروح العدوانية) أن المجتمع الإسرائيلي بحكم ظروف تكوينه منذ بداية الصهيونية في العصر الحديث أفرز نمطاً يهودياً عدوانياً ألقى بظلاله على مجمل السلوك العام لكل من ينتمي لهذا المجتمع.
وقد استعرض في فصول الكتاب الخمسة، الأطر التي تكونت فيها هذه الشخصية: أطر الانعزالية الجيتوية، والانعزالية الصهيونية، والجيتوية الإسرائيلية، كما استعرض بعض السمات الأساسية للشخصية اليهودية الاسرائيلية وجذور ودوافع روحها العدوانية تجاه العرب، مؤكداً أن الجيتو والصهيونية هما وجهان لعملة واحدة هي الانعزال اليهودي عن شعوب العالم والحياة داخل إطار وبناء عقائدي وتاريخي وسيكولوجي واجتماعي واقتصادي منفرد عن سائر الشعوب.
وهكذا تم خلق «إسرائيل» لأكبر جيتو يهودي في التاريخ والمكونة من خمس مجموعات هي: اليهود الاشكناز، والسفارديم، والصباريم، واليهود الروس، ويهود الفلاشا، ولذلك لا يمكن التحدث عن شخصية يهودية إسرائيلية واحدة. ويرى الكاتب أن شخصية الصبار (أي اليهود الاشكناز الذين ولدوا في «إسرائيل») تقدم مثالاً فريداً عن الكيفية التي يمكن بها للأيديولوجيا أن توجه كل شيء في حياة الإنسان وأن تتدخل في عمل الطبيعة وخصائصها في نمو الكائن البشري. فإذا كان هدف الايديولوجيا هو التغيير فإن الايديولوجيا الصهيونية ثم الايديولوجيا الإسرائيلية قد نجحت إلى حد كبير في تغيير شخصية اليهودي من اليهودي الجيتوي الى اليهودي العدواني. ويشير المؤلف إلى نوعين من الحقائق المدمرة للخصائص النفسية للشخصية الصبارية خاصة والإسرائيلية عامة:
الأول: حقائق خارجية لعل أهمها وجود شعب غير يهودي في فلسطين.
الثاني: حقائق متعلقة بحياة الإسرائيلي ذاته حيث عليه أن يقتل ويحتقر العواطف ويعتمد على القوة والغزو ليجني الأمان ويعيش في جيتو كبير منقسم بين اشكنازي وسفاردي.
ويخلص الكاتب من توصيفه لخصائص الشخصية اليهودية الإسرائيلية إلى القول: أن الفكر الصهيوني المعاصر يحرص على الاحتفاظ بعنصر رئيس من عناصر التكوين السيكولوجي الإسرائيلي المعاصر وهو أنه لا مكان في ذلك التكوين ليهودي منتصر، بل هناك فقط مكان ليهودي يرد اعتداء، او يستعد لحماية نفسه من اعتداء، وإذا لم يكن هناك في الواقع ثمة اعتداء أو تهديد باعتداء، عندئذ يكون من المحتم الايهام بكل ذلك حتى تذوي سريعاً صورة انتصار اليهودي ولتحل محلها صورة مخافة اعتداء العرب.
ويحصر د. الشامي جذور ودوافع العدوانية لدى الشخصية اليهودية الإسرائيلية تجاه العرب في العوامل التالية:
1 - استلهام الروح العدوانية في التراث الديني اليهودي. فالتطرف الديني والعنصري في النظرة الصهيونية الجديدة تجاه غير اليهودي يعكس دمجاً فكرياً بين القومية المعادية للأجانب وبين التطرف الديني الضيق.
2 - استلهام تقاليد الروح العدوانية في الفكر والسلوك الصهيوني، فالصهيونية فكراً وسلوكاً موبوءة بالتعصب العنصري والديني، والعنف هو الأداة التي يتوسل بها الصهاينة لإعادة صياغة شخصية اليهودي وقد جعلت الصهيونية من اللحم والدم العربي معهداً لتخريج خبراء القتل المجاني.
3 - الفزع من ذكريات الأحداث النازية.
4 - تمجيد القوة الاسبارطية كمثل أعلى.
5 - عسكرة المجتمع الإسرائيلي.
6 - الرفض العربي للوجود الإسرائيلي. فالإسرائيلي الذي اصطبغ بالروح العدوانية النابعة من عدم إحساسه بالأمان والذي يصرخ دوماً من أنه مهدد بالإبادة على يد جيرانه العرب، إنما تتحكم فيه تلك العقدة العدوانية (عقدة ديموتليس) وهي التي تجعله لا يستسلم بسهولة لسلم أبدي أو طويل المدى، ذلك لأن الحرب هي التي تخلق بينه وبين سائر أفراد جماعته روح التماسك والتلاحم وهي التي تذيب التناقضات الداخلية.
وإذا كانت الصهيونية في مراحلها الأولى قد سعت إلى تحويل الاستقطاب الصهيوني إلى كيان عضوي من منطقة الشرق العربي فإن الرفض العربي قد حال دون هذا، ووضع الكيان الصهيوني في مأزق لم تحسب الصهيونية حسابه، وهو تحويله إلى جزيرة معزولة داخل المنطقة محوطة بمشاعر العداء والكراهية من العرب، مما سحب من تحت أقدامها إمكانية الخروج من مأزق اليهودية التاريخي الذي يتجلى في رفض المجتمعات لليهود. لقد رفضهم المجتمع المسيحي في الغرب كأفراد ورفضهم العالم العربي كدولة، مما كثف في الوجدان الإسرائيلي الاحساس بمشاعر العداء ذات الجذور التاريخية من الانحياز تجاهه، وهو ما يسبب لهم تمزقاً نفسياً عميقاً.
7 - الطابع الامبريالي لـ«إسرائيل». فاستمرار الوجود الإسرائيلي والروح العدوانية التوسعية لـ«إسرائيل» يعتمد كلياً على قيامها بدور إمبريالي بالنيابة عن الولايات المتحدة الاميركية. فهي تتلقى المساعدات العسكرية المالية والاقتصادية الأميركية مقابل الحرب التي تشنها إزاء أي بادرة عربية لا تتسق مع المخطط الصهيوني التوسعي التسلطي من ناحية ومع المصالح الإمبريالية في المنطقة العربية من ناحية أخرى.
8 - الاحساس بحتمية الحروب للوجود الإسرائيلي. فالحروب هي بمنزلة أسطورة مغلقة تدخل في إطار البنية العامة للعقيدة الصهيونية شأنها في ذلك شأن سائر الأساطير المغلقة التي يتعامل معها الفكر الصهيوني الغيبي، مثل أسطورة أرض الميعاد والشعب المختار. وقد أصبحت الحروب بمنزلة تجسيد ومتنفس حتمي وضروري للروح العدوانية لدى الشخصية اليهودية الإسرائيلية مهما حاولت العقيدة الصهيونية أو الإمبريالية الإسرائيلية أن تلبسها من أردية الشرعية المختلفة.
وإذا كان الاحساس بحتمية الحرب هو سياج لم يعد يجد الإنسان الإسرائيلي منه مفراً، فإن الوجه الآخر للعملة، وهو السلام، أصبح يشكل هو الآخر كابوساً مخيفاً لا يستطيع تصور وجوده لأن ما قر في الوجدان الإسرائيلي هو أن الحرب هي الحياة وأن السلام هو الطريق الى الزوال. ومن هنا جاء ذلك الفزع الذي يعيشه الإسرائيلي مع فكرة السلام. فالحقيقة الثابتة التي تحكم المجتمع الإسرائيلي وستظل تحكمه هي أن الخوف من السلام سيظل مسيطراً على الإنسان الإسرائيلي. فالشخصية الإسرائيلية بالرغم من نزوعها أحياناً للسلام تظل بشكل مستمر في حاجة إلى الشخصية القوية التي تختزن في داخلها كل مقومات العدوانية والقسوة لأنها هي الدرع الوحيدة التي يثقون بقدرتها على الدفاع عن وجودهم، ومن هنا كان هذا التنازع الرهيب في الشخصية الإسرائيلية بين الرغبة في السلام والخوف منه. وفي هذا الاطار يبرز تقويمان يقودان إلى نتيجة واحدة بالنسبة لاتجاهات «إسرائيل» تجاه الاحساس بحتمية الحرب:
الأول: يرى أن قادة «إسرائيل» المعاصرين قد تعرضوا لتجربة الحكم النازي ومازال هذا الجيل يفكر من زاوية الفلسفة العنصرية. ومن ثم فهو يتسم بالتطرف. لكن الجيل الجديد ليس مصطبغاً بصبغة الماضي وسوف يكون أقل تطرفاً حين يتولى السلطة، ومن ثم فإن كل شيء سوف يتغير في اتجاه مطرد نحو السعي إلى السلام مع العرب.
الثاني: يرى أن الجيل الجديد هو جيل أشد تطرفاً من الجيل القديم الذي كان يتسم بالتسامح لأنهم اجتازوا تجربة العيش مع العرب والشعوب الأخرى، ولكنه يلقن تلقيناً مطرداً، ومن هنا فسوف يظهر نمط جديد من اليهود أشد تطرفاً ونزوعاً للعنصرية، ومن ثم فإن الموقف سيزداد سوءاً بمرور الوقت.