عرايس غزة .. مهور متواضعة و "شبكة" باهظة
غزة- عدنان
نفذ صبر الفتاة عبير(20 عاما)، و لم يؤت ثماره؛ بعد ستة شهور من الخطوبة على أمل أن ينخفض سعر الذهب و تشتري ما يناسبها, وخابت آمالها من تحقيق ما تصبو إليه، فالذهب يتصاعد سعره كل يوم؛ لتضطر أخيراً مغلوبةً على أمرها، لشراء شبكة متواضعة ليوم فرحتها.
ويحمل فصل الصيف بجعبته الحارة ونسماته الخفيفة هموماً لا تعد وتحصى من حياة الغزيين، الذين يكتوون بنيران الحصار، فمع إطلالته يقتحم موسم الزواج فصوله الساخنة، فتلتهب أسعار تجهيزات العرائس متزامنة مع غلاء الذهب، الذي شهد ارتفاعا عالميا في الآونة الأخيرة.
وبحسب العادات والتقاليد الغزية التي كانت متبعة- فإن العروس تشتري ذهب بأكبر قدر ممكن من مهرها، في إطار التفاخر والتباهي أمام النسوة، أو " لقرشٍ أبيض ينفع في اليوم الأسود"- كما يقال.
واقتصرت شبكة عبير الخفيفة على عقد، وقرط أنيق، وأسوارتين ذهبيتين بما يعادل نصف مهرها تقريبا، ما دفع والدتها أم أحمد (47 عاما)، لاستعارة صيغة أختها الصغيرة حتى تظهر ابنتها بمنظر لائق أمام المدعوين.
ويشهد الذهب ارتفاعا" عالميا" في جميع الدول، وارتفع جرام الذهب الواحد ليصل إلى 19 دينار في هذه الأيام، وهو قابل للارتفاع في كل لحظة، مما دفع العديد من الفتيات إلى التريث قليلا" على أمل أن ينخفض سعره.
تقول أم أحمد بحيرة بالغة ناجمة عن غلاء أسعار تجهيزات العرائس، والذهب:" أصبحت تلك المشكلة هاجس يؤرق الفتيات ذوي المهور المتدنية، توقع الفتاة في حيرة من أمرها هل تشتري ذهب أكثر أو ملابس فهي "أمام أمران أحلاهما مر".
وتصر أم أحمد على زيادة مهور بناتها العازبات الثلاثة - إن استمر الموقف المحرج على حاله؛الأمر الذي سيحمل العريس متاعب طائلة بغني عنها، فبانتظاره نفقات باهظة لم تجول بحسبانه، لاسيما وأن كل شيء علا سعره في قطاع غزة للضعف أو أكثر؛ بسبب الإغلاق المتواصل المعابر.
وستتفاقم معاناة الشبان الذين بالكاد يستطيعون تدبير شئونهم الزوجية، ودفع مهور بسيطة تضاهي أسعار غرفة النوم التي ستزين عش الزوجية، وكماليات الزوج التي لا حصر لها.
وتبدو أزمة غلاء الذهب أكثر قتامه في قطاع غزة الذي يعاني من ويلات حصار مضنٍ، ومعابر مغلقة قلصت فرص العمل أمام الشباب، لشق مستقبل حياتهم، وبناء أسرة سعيدة.
وحرم غلاء الذهب عبير من الحصول على "نقوط" يعوضها عن شبكتها المتواضعة، فوالدها الوحيد الذي نقطها بقرط ذهبي، أما أشقائها الأربعة فأعطوها نقود على خلاف عادات المواطنين الغزية التي تنقط الذهب لبناتهن في يوم الزواج.
وربما تكون الفتاة الهام (19 عاما)، أكثر حكمة من سابقتها، فالأسعار الخيالية صعقت شحنتها في أول زيارة للأسواق، لشراء ما تحتاجه من الذهب والملابس النسائية، وأربك الغلاء الفاحش تخطيطاتها.
وتقول بنبرات تنم عن حجم الضيق الذي يختلج صدرها: "ما في اليد حيلة"، فأقل فستان قيمته 200 شيكل، والتجار يتذرعون بدفع مبالغ باهظة لتجار الأنفاق نظير إدخال بضائعهم.
وتضيف الهام التي وجدت مخرجا لأزمتها: اشتريت خاتم وعقد خفيف الوزن والأساسيات اللازمة فقط، وسأستعير صيغة أختي في يوم الفرحة، مشيرةً إلى أنها أودعت باقي مهرها في إحدى البنوك وتنتظر أول فرصة سانحة أن يرخص الذهب وتشتري ما تحلم أن تتزين به.
ويشهد سوق الذهب في مدينة غزة حركة نشطة للعديد من النسوة في هذه الأيام، لشراء تحضيرات الأفراح، والليالي الملاح، التي تدفعهم للنزول إلى الأسواق وشراء تجهيزات بناتهن.
ويعزو الصائغ زاهر خاطر (42 عاما)، قلة الإقبال على شراء الذهب؛ بسبب تقيد الفتيات بقيمة مهورهن ،وغلاء التجهيزات الأخرى ، مشيرا إلى أن قيمة الشراء تضاءلت من 250 جرام إلى 70 جم في الوقت الراهن و أن الغالبية العظمى يشترون شبكة خفيفة.
ولا يجد أبو خاطر أي ارتباط بين غلاء الذهب، وتذبذب أسعار العملات كالدينار الأردني والدولار، فالغلاء عالمي ولا يتأثر بهبوط أو ارتفاع العملات السابقة.
ويصل جرام الذهب المحلي الصنع إلى 19 دينار أردني، بينما يبلغ سعر الجرام المستورد "السنغافوري واللازورجي" إلى 25 دينار، وتتم صناعته في الأراضي السعودية ويهرب إلى القطاع عبر الأنفاق – حسبما يشير.
ويصف حركة الشراء بالضعيفة أمام هذا الغلاء، متأملا أن تشهد الأيام القادمة حركة جيدة، لا سيما وأن موسم الأفراح في بداية الطريق، وأن فكرة ايداع المهر بالبنوك تغاضى عنها الأغلبية؛ بعدما لم يجدوا مفرا من المجازفة والشراء أمام الغلاء المتواصل.
وتزين شفتيه ابتسامة خفيفة قائلا:يحدث بعض العجائب بعد شهر من الزواج، فالديون التي تراكمت على صدر الزوج تدفعه لبيع ذهب زوجته إما لسد ديونه، أو تدبير أمور حياتهم اليومية.
ويرى الصائغ ماجد بصل أن أسعار الذهب ارتفعت بنسبة 50% , وأن حركة الشراء انخفضت بشكل كبير , وأن أغلب رواد السوق هم ممن يبيعون, أو يصلحون بعض القطع الذهبية, ونادرا" ما يقدم أحد الزبائن على شراء تجهيزه قيمة, والغالبية العظمى يقيدهم المهر وغلاء التجهيزات الأخرى.
ظاهرة غلاء الذهب دفعت الغزوايات إلى ابتكار طرق علاجية متعددة، فمهورهم المتواضعة لا تكفي لملء دائرة أحلامهن، وارتفاع المهور ’يلبس العريس بدلةً فضفاضة تزخر ببحرٍ من الديون والهموم تهدده بحياة زوجية سيئة.