عاما في مصر مطبقا على اليهود وغير اليهود، ولم يكن مقصوداً به اليهود بالذات ليخرجوا من البلاد.
والتوراة نفسها تشير بصورة واضحة أن فرعون مصر كان لا يريد خروج اليهود لأنه كان يخشى خروجهم وانضمامهم إلى صفوف الأعداء… وخاصة أن مصر في تلك المرحلة بالذات كانت تخشى هجوما عسكريا والمراجع التاريخية التي تؤيد ذلك كثيرة ولا يتسع هذا الفصل للرجوع إليها.
وسنتحدث في الفصول اللاحقة عن تآمر اليهود مع الإمبراطورية الفارسية وكيف كانوا عونا لها على غزو مصر واحتلالها، وتلك صفحة تاريخية مثبتة لا مجال لإنكارها.
وعبارة التوراة تتحدث عن مخاوف فرعون مصر بصورة واضحة حين أبدى قلقة من أن يخرج بنو إسرائيل من أرض مصر إذا حدثت حرب "وأنهم ينضمون إلى أعدائنا ويحاربوننا" فهل من كلام أوضح من هذا الكلام".
وعلى ذلك فإن الفرعون كان يريد بقاء اليهود في مصر لا خروجهم، والتوراة نفسها تؤكد هذا المعنى حين تذكر أن الرب قال لموسى-(الإصحاح الثالث من سفر الخروج) "ولكني أعلم أن فرعون مصر لا يدعكم تمضون إلا بيد قوية، فأمد يدي وأضرب مصر بكل عجائبي التي أصنع فيها وبعد ذلك يطلقكم".
ومعنى ذلك، كما سنرى بعد قليل، أن الرب-حاشا لله-سيضرب مصر بالويلات والكوارث حتى يضطر فرعون مصر للسماح لبني إسرائيل بالخروج من مصر.
وقد جاءت التوراة لتصدق هذا القول، فنراها تورد عجائب الرب ومصائبه واحدة بعد واحدة حتى يكون من نتيجتها أن يطلق الفرعون سراح بني إسرائيل ويخرجوا، ويكون "سفر الخروج" هو السفر الثاني من أسفار التوراة ومن أهمها.. ليروي قصة الخروج من المنطقة الشرقية في مصر إلى المنطقة الغربية في الأردن.
وهكذا فنحن نقرأ في الإصحاح الخامس من سفر الخروج أن موسى قال لفرعون "يقول الرب أطلق شعبي ليعيدوا لي في البرية" وأجاب فرعون "لا أعرف الرب وإسرائيل لا أطلقه"
وعاد الرب وكلم موسى قائلا "أدخل قل لفرعون ملك مصر أن يطلق بني إسرائيل من أرضه" (الإصحاح الخامس)، ولكن موسى لم يستطع القيام بهذه المهمة فقال له الرب " يا موسى أنظر، أنا جعلتك إلها لفرعون. وهارون أخوك يكون نبيك" (الإصحاح السابع)، وهكذا فإن الرب صنع من موسى إلهاً.
وحين لم يستمع فرعون إلى مطالب موسى بدأ دور العجائب لإجباره على إطلاق بني إسرائيل ليخرجوا من مصر حين يشاءون.
فكانت العجيبة الأولى وهي تحويل العصا إلى الأفعى.. إلى آخر القصة المعروفة…." ولكن اشتد قلب فرعون فلم يسمع لموسى كما تكلم الرب".
ثم جاءت العجيبة الثانية "التي تحول فيها ماء النهر إلى دم وماتت الأسماك وأصبح الماء نتنا وعاف المصريون أن يشربوا من من مساء النهر ولكن اشتد قلب فرعون فلم يسمع لموسى كما تكلم الرب , وقال الرب لموسى مره أخرى ,"أدخل إلى فرعون وقل له يقول الرب أطلق شعبي ليعبدوني وإن كانت تأبى تطلقم فها أنا أضرب جميع تخومك بالضفادع", وتمت العجيبة الثالثة فقد صعدت الضفادع وغطت أرض مصر (الإصحاح الثامن)، وطلب فرعون من موسى "أن يصلي إلى الرب ليرفع الضفادع فأطلق الشعب وصرخ موسى إلى الرب من أجل الضفادع فماتت الضفادع من البيوت والحقول وجمعوها أكواما كثيرة حتى أنتنت الأرض… فلما رأى فرعون أنه قد حصل الفرج أغلظ قلبه ولم يسمع لموسى كما تكلم الرب". (الإصحاح الثامن).
وجاءت بعد ذلك العجيبة الرابعة " وأصبح تراب الأرض بعوضا.. وصار البعوض على الناس والبهائم، وكل تراب الأرض صار بعوضا.. ولكن اشتد قلب فرعون فلم يسمع لموسى كما تكلم الرب".
وجاءت بعد ذلك العجيبة الخامسة "وأصبحت كل أرض مصر ذبابا وامتلأت به كل بيوت المصريين إلا أرض جاشان حيث يقيم شعبي بنو إسرائيل، فإني أمير أرض جاشان لأنها أرض شعبي" وسلم بنو إسرائيل من الذباب (الإصحاح الثامن).
والتوراة هنا، كما نلاحظ، تقول عن الرب أنه يميز بني إسرائيل على المصريين، وفي هذا الكلام نرى جذور التمييز العنصري وهو التعبير الحديث الذي نشأ بعد ثلاثين قرنا من عهد موسى.
ثم بدأت مرحلة من المفاوضات بين موسى والفرعون، وعرض الفرعون على بني إسرائيل أن يعبدوا الرب في أرض قريبة، وقال لهم أنا أطلقكم لتعبدوا الرب إلهكم في البرية " ولكن لا تذهبوا بعيدا، وصليا من أجلي".. وصلى موسى إلى الرب "فارتفع الذباب عن فرعون وعبيده وشعبه. ولم تبق واحدة.. ولكن أغلظ فرعون قلبه هذه المرة أيضا فلم يطلق الشعب".
وجاءت بعد ذلك العجيبة السادسة: وباء على جميع المواشي في جميع الدول "فماتت جميع مواشي المصريين. أما مواشي بني إسرائيل فلم يمت منها واحد.. لأن الرب "يميز بين مواشي إسرائيل ومواشي المصريين.. ولكن أغلظ قلب فرعون فلم يطلق الشعب".. وهكذا شمل التمييز المواشي، فهلكت مواشي المصريين وسلمت مواشي بني إسرائيل، والغريب أن التوراة تستخدم لفظة "التمييز" بالنص.
وجاءت العجيبة السابعة.. رماد الأتون يصبح غبارا.. "فيصير على الناس دمامل طالعة ببثور في كل أرض مصر.. ولكن قلب فرعون لم يسمع كما تعلم الرب".
وجاءت العجيبة الثامنة "السماء تمطر بردا عظيما لم يكن له مثيل منذ صارت مصر أمة.. فضرب البرد الناس والبهائم وجميع الأشجار والزروع. إلا أرض جاشان حيث كان بنو اسرائيل.. ولكن فرعون أغلظ قلبه فلم يطلق بني إسرائيل كما تكلم الرب" وسلم بنو إسرائيل مرة أخرى.
وجاءت العجيبة التاسعة "جراد يغطي وجه الأرض ويأكل كل شيء.. وهنا قال عبيد فرعون له، إلى متى يكون لنا هذا الحال.. أطلق الرجال ألم تعلم أن مصر خربت". ولكن فرعون ازداد عنادا فلم يطلق بني إسرائيل.
وجاءت العجيبة العاشرة… "ظلام على كل أرض مصر لثلاثة أيام، لم يبصر أحد أخاه .. ولكن جميع بني إسرائيل كان لهم نور في مساكنهم". ونجت إسرائيل من الظلام.
وجاءت العجيبة الأخيرة، وكانت أم العجائب والمصائب، وكانت أم المصائب فعلا، فقد عزم الرب كما تقول التوراة، أن ينزل على مصر بيتا بيتا ويهلك من فيها من أبكار البشر إلى أبكار البقر، ولكنه سيتجاوز عن بيوت إسرائيل فلا يقترب منهم ولكن عليهم أن يرشوا أبوابها بالدم حتى تكون علامة للرب فلا يقترب منها"، ويسلم أهلها من عقاب الرب !!
والتوراة تلخص هذه المصيبة الكبرى في إطار خطة الخروج التي وضعها الرب، تخطيطا وتنفيذا على الوجه الآتي:
يخرج الرب نصف الليل في "وسط مصر، فيموت كل بكر في أرض مصر، من بكر فرعون الجالس على كرسيه إلى بكر الجارية التي خلف الرحى، وكل بكر بهيمة.. ويكون الدم لكم علامة على البيوت "على القائمتين وعلى العتبة العليا" فأرى الدم وأعبر عنكم، فلا يكون عليكم ضربة للهلاك حين أضرب أرض مصر.. وحدث في نصف الليل أن الرب ضرب كل بكر في أرض مصر من بكر فرعون إلى بكر الأسير الذي في السجن وبكر كل بهيمة … فقام صراخ عظيم في مصر لأنه لم يكن بيت ليس فيه ميت".. فدعا الفرعون موسى وقال "قوموا أخرجوا من بين شعبي-أنتم بنو إسرائيل جميعا.. خذوا غنمكم وبقركم واذهبوا .. وألح المصريون على الشعب ليطلقوهم عاجلا من الأرض لأنهم قالوا جميعنا أموات.."
وكان صباح غريب عجيب لم تر البشرية له مثيلا، فقد أفاقت مصر كلها لترى جميع أبكارها من البشر قد ماتت، وكل أبكارها من البهائم قد نفقت.. وغدا الموت سيدا في كل البيوت والحقول والزرائب والحظائر … كل ذلك من أجل بني إسرائيل!!
وبعد هذه العجائب العديدة، تقول التوراة، "فحمل الشعب-بنو إسرائيل-عجينهم قبل أن يختمر، ومعاجنهم مصرورة في ثيابهم على أكتافهم… وارتحل بنو إسرائيل عن رعمسيس نحو ستمائة ألف ماش من الرجال عدا الأولاد، وصعد معهم لفيف كثير أيضا مع غنم وبقر ومواشٍ وافرة جدا".
وهكذا يبدوا لنا أن جالية بني إسرائيل الجائعة التي لجأت إلى مصر من فلسطين في عهد يعقوب قد ارتفع عددها في عهد موسى من سبعين نفسا، هم بيت يعقوب إلى ستماية ألف ماعدا الأولاد وأصبح كل واحد منهم مضرب المثل في إنكار الجميل.. ولم يذكروا جميل مصر إلا عند الشدة حينما وصلوا فيما بعد إلى سيناء وصاحوا في وجه موسى "ليتنا متنا في أرض مصر… ولماذا أتى بنا الرب إلى هذه الأرض، أليس خيرا لنا أن نرجع إلى مصر" (الإصحاح الرابع عشر من سفر العدد).
وفي موضع آخر من التوراة يقول الإصحاح 14 من سفر الخروج.. وتذمر كل جماعة بني إسرائيل على موسى في البرية وقالوا "هل لأنه ليست قبور في مصر أخذتنا لنموت في البرية.. ماذا صنعت بنا حتى أخرجتنا من مصر، أليس هذه هو الكلام الذي كلمناك به في مصر قائلين كف عنا فنخدم المصريين، لأنه خير لنا أن نخدم المصريين من أن نموت في البرية".
وهذا الكلام يكشف بوضوح أن جمهور بني إسرائيل لم يكن راغبا في الخروج، وأنه كان يريد خدمة المصريين وأن يعيش في جوارهم وكنفهم، لولا أن أحبار اليهود هم الذين دسوا في التوراة أسطورة الخروج ليجعلوا منها ملحمة تاريخية، بل لولا أن الخروج كان يستهدف التحالف مع أعداء مصر.
وناهيك عن هذه المؤامرة، فإن إصرار بني إسرائيل على الخروج من مصر وعلى الصورة التي سردتها التوراة، يكفي بحد ذاته أن يكشف عن سوء أخلاقهم وانعدام ولائهم للبلد الذي أطعمهم من جوع، وجعل منهم في عهد يوسف أصحاب الأرض والسيادة، حتى امتدت إقامتهم فيها أربع ماية وثلاثين عاما، فيما تروي التوراة.
وهكذا فقد خرج بنو إسرائيل، بعد أن دبروا أمرهم في الليل البهيم بعد إقامة زادت عن أربعة قرون،واستعانوا في خروجهم من مصر بجميع المصائب: البرد والجراد والرماد والضفادع والدمامل والوباء وأخيرا إهلاك الأبكار الذكور من البشر إلى البقر.
ولم يكتف الإسرائيليون بذلك، ولكنهم قاموا ليلة سفرهم بأكبر حملة نهب وسلب في التاريخ.. وقد أشارت التوراة إلى هذه اللصوصية الكبرى في عبارة عادية كأنما هي عمل من أعمال المروءة والنخوة، فيروي الإصحاح الثالث من سفر الخروج أن الرب قال لموسى لمناسبة الخروج من مصر "حينما تمضون لا تمضون فارغين بل تطلب كل امرأة من جارتها ونزيلة بيتها أمتعة فضة وأمتعة ذهب وثياب، وتضعونها على بنيكم وبناتكم فتسلبون المصريين" هكذا: سلب ونهب بأمر الرب.
وبعد أن وقعت العجائب والمصائب بمصر، ورضي فرعون مصر بخروج بني إسرائيل، تقول التوراة في الإصحاح الثاني عشر من سفر الخروج :" وفعل بنو إسرائيل بحسب قول موسى… طلبوا من المصريين أمتعة فضة وأمتعة ذهب وثيابا.. فسلبوا المصريين".
أجل لقد سلبوا المصريين، بحسب قول موسى كما تروي التوراة، وقد فات أحبار اليهود الذين كتبوا التوراة أن من بين الوصايا التي نزلت على موسى الوصية الشهيرة لا تسرق, فكيف نسبوا إلى موسى أنه أمر بني إسرائيل بأن يسرقوا المصريين.. وأن الرب هو الذي أمر بالسرقة؟!
لعل الجواب على هذا نجده في القاعدة القانونية الشهيرة : إن القانون ليس له أثر رجعي، ولا يطبق على ما قبله .. وحادثة سلب المصريين كانت قبل نزول الوصايا العشر في سيناء… ومعنى ذلك أن بني إسرائيل قد جردوا مصر من كل الفضة والذهب الذي اقتنته نساء مصر من مدخراتهن ووفورات أمهاتهن وآبائهن.. ولم يعرف التاريخ أشنع ولا أبشع من هذه اللصوصية الكبرى، يقترفها شعب لاجئ شريد طريد كان ضيفا على شعب كريم، وكل ذنبه أن أحسن مثواهم ومأواهم، وأعطاهم الأرض ملكا لهم.
بل إنه أعطاهم دسم الأرض.. ولم يعرفوا هذا الفضل إلا حينما اشتدت عليهم الحياة في سيناء فثار بعضهم في وجه موسى وقالوا له غاضبين "أقليل أنك أصعدتنا من أرض تفيض لبنا وعسلا، لتميتنا في البرية، حتى تترأس علينا ترؤسا"، وقد انطقتهم الباساء في سيناء ؟؟ أن مصر تفيض لبنا وعسلا، مع أن هذا التعبير كان قاصرا على فلسطين!!
وبعد فهذه هي التقاليد والقيم الروحية التي تبجح بها مناحم بيجن رئيس وزراء العدو وهو يوجه خطابه إلى الشعب العربي في مصر.
وهؤلاء هم أجداده، إذا صح النسب، وهم الذين أنكروا الجميل، وجحدوا المعروف، وخرجوا من مصر على غير رغبة من ملك مصر، بعد أن أهلكوا ما فيها من الزرع والضرع..
وفوق ذلك، فإن أولئك الأجداد، قد قاموا بأكبر جريمة نهب وسلب عرفتها العصور والأجيال، كما روتها توراتهم،وبأمر الرب، ربهم وحدهم.. لا ربنا ورب العالمين الآمر بالمعروف والإحسان والناهي عن المنكر والبغي.
وقد يلاحظ القارئ أَننا أطلنا بعض الشيء في مقتبسات التوراة ولكن لم يكن مناص من ذلك، فإن الخرافات اليهودية قد تسللت إلى كثير من كتب التاريخ والتراث الديني حتى غدت لتكرارها حقائق عامة.. وكان لا بد مِن مناقشتها وتفنيدها والعودة بها إلى الصواب.
ومن هنا فإن واجب العلم يفضي أن نختم هذا الفصل بإعطاء خلاصة عن المناهل الأولى التي غذت الفكر اليهودي منذ فجر التاريخ، وصنعت له عقيدة دينية وسلوكا اجتماعيا.. ويمكننا أن نلخص ذلك فيما يلي:-
أولا: أن قصة يوسف مع إخوته والتآمر على قتله، وبيعه، تكشف عن أخلاق بني يعقوب باعتبار أنهم الجيل الأول من بني إسرائيل ومنهم وعنهم تحدر السلوك الخلقي المشين عبر الأجيال اليهودية، ممثلا في الحقد والبغضاء والاستغلال إلى درجة القتل، حتى في حق الأخوة فيما بينهم.
ثانيا: أن يوسف، رغما عن المنصب الكبير الذي بلغه، والحياة الطويلة التي قضاها في مصر ورأى فيها أحفاده من الجيل الثالث، لم يحفظ ولاءه لمصر، وبقى غريبا عنها. وها نحن نقرأ في عجب واستغراب في التوراة. أن موسى –عند خروجه – "أخذ معه عظام يوسف، لأنه كان قد استحلف بني إسرائيل بحلف قائلا إن الله سيفتقدكم فتصعدون عظامي من هنا معكم" مع أن التاريخ لم يعرف شبها ليوسف فيما وجده في مصر من سؤدد وعز وأمجاد، وقد جاءَها طريداً ليباع في سوق النخاسة.
ثالثا: وقد بلغ هذا الإكرام والعز أوجه في الجنازة الكبرى التي قامت بها مصر ليعقوب حين نقلت جثمانه من أرض مصر إلى أرض فلسطين عبر سيناء تتقدمها العربات ذات العجلات وأعيان مصر جيش مصر ، ولم يشهد التاريخ مثيلا لهذه الجنازة في مسيرتها من البداية إلى النهاية.
رابعا: أن موسى نشأ في بيت فرعون وأصبح له شأن عظيم في مصر، وفي الإصحاح الحادي عشر من سفر الخروج تقول التوراة في معرض حديثها عن موسى "الرجل موسى كان عظيماً جداً في أرض مصر في عيون عبيد فرعون وعيون الشعب". وقد تربى موسى في بلاط رعمسيس حتى عرف عند عامة الشعب أنه ابن بنت فرعون، وتلقى علومه الدينية والمدنية على أيدي معلمين مهرة، من كبار حكماء البلاط المصري ويقول يوسيفوس المؤرخ اليهودي المعروف أن موسى كان له منصب قيادي كبير في الجيش المصري وأنه قاد حملة عسكرية في جنوب السودان وكانت له مواقف باهرة.
خامسا: ومع كل ذلك فقد كان شأنه شأن يوسف، ولا ولاء له لمصر، مع أنه نشأ فيها وتربى في كنفها بالعز والإكرام.. وتقول التوراة أنه في رحلته الأولى إلى سيناء تزوج صفورة أبنة كاهن مَدْيَن شعيب النبي العربي وأنجب منها غلاما أسماه جرشوم أي المولود في أرض غريبة "سفر الخروج الإصحاح –2) وهكذا ظل موسى يعيش غريبا عن أرض مصر.. وخلع على إبنه أسماً يذكره على الدوام بغربته.
سادسا: وعدم الولاء هذا كان هو الخلق العام لبني إسرائيل في حياتهم في مصر-حياة العزلة والتعالي، وعدم الولاء لمصر، رغما عن الخيرات التي أغدقتها مصر على بني إسرائيل ولم يذكر بنو إسرائيل مكارم مصر إلا حين كانوا في سيناء بعد خروجهم من مصر، تذكروا نعم مصر عليهم "حيث كانوا جالسين عند قدور اللحم يأكلون الخبز والمرق حتى يملئوا بطونهم شبعا وتمنوا قائلين: ليتنا متنا بيد الرب بأرض مصر". (سفر الخروج-الإصحاح2) وهذا هو نفس السلوك الاجتماعي العام الذي ساد حياة الأجيال اليهودية في جميع الأقطار التي حلّوا بها.
سابعا: أن قصة بالخروج التي جعلت منها الدعاية اليهودية ملحمة تحررية تاريخية إنما هي خرافة كبرى بالكذب والتزوير، والتوراة نفسها تفضح وقائعها ويكذب بعضها بعضا، فإن نصوص التوراة نفسها في الحوا