الحضارة الغربية والنموذج المستحيل
- هناك راي فكري يقول بان فشل المسلمين لايرجع لكونهم مسلمون , بل فشلوا لانهم لم يوفوا بمسؤوليات تركها الاسلام لهم ؟
_ ويتساءل الدكتور المسيري ’ هل فشلوا في تاسيس مجتمع عادل ؟ ام فشلوا في الحفاظ على تماسك المجتمع ومقدرتهم على المقاومة ؟.. المسالة ليست ابيض واسود ويستطرد قائلا ..نعم بلا شك نحن فشلنا في تاسيس نظم ديموقراطية , وفشلنا في تطوير تكنولوجيا خاصة بنا , وحتى فشلنا في الاستفادة من التكنولوجيا العالمية , وبالرغم من كل ذلك لايزال العالم الاسلامي هو الوحيد في العالم الذي يقاوم الغزو والغرب والحداثة الداروينية .
ولاننس ان الحداثة الغربية مرتبطة تمام الارتباط بالاستعمار , وان تلك الحداثة قامت من خلال الاستعمار بنهب العالم الاسلامي , بل واسست بنيتها التحتية عبر اربعة قرون من خلال فرض هيمنتها على العالمين العربي والاسلامي , وطرحت رؤية للعالم جوهرها ان التقدم هو في تصاعد معدلات الاستهلاك , وان اهم مؤشر على التقدم هو مستوى المعيشة وكلها مؤشرات مادية في نهاية الامر .
والحداثة الغربية عندما طرحت هذا التصور , وهو تصور حولته الى حقيقة لامن خلال جهد الانسان الغربي ولكن من خلال الامبريالية , حيث ان هناك 2% من سكان الارض تستهلك 80% من المصادر الطبيعية , ودائما مااحذر بان الحضارة الغربية تبشر بنموذج مستحيل لان معدلات الاستهلاك للانسان الغربي لايمكن لاي شعوب اخرى ان تحققه , لان اساس الحضارة الغربية يقوم على مقولة " ان المصادر الطبيعية لاتفنى على الاطلاق " , لكن ثبت عكس ذلك بل تندثر وتفنى , فالبترول بعد حوالي خمسين عاما فقط من الاستخدام لم يعد يكفي لادارة الالة الصناعية المخيفة التي اوجدوها , ومن هنا نرى العربدة الامريكية في كل انحاء العالم .. لكنها عربدة مفهومة ومحددة الهدف , فهي دائما بجانب ابار البترول سواء في افغانستان او العراق او الخليج حيث تعمل على التواجد من خلال قواعد ضخمة .
الامر الثاني والذي قد لايبشر بالخير بالنسبة للعالم اجمع انه بدات منذ اواخر الستينات تظهر بعض مشاكل الحداثة مثل تاكل الاسرة والاجهاض والحمل السفاح عند القاصرات وانتشار المخدرات , فضلا عما تبثه القنوات الفضائية عن مخاطر الازمة البيئية المخيفة واثر الاحتباس الحراري على القطبين الشمالي والجنوبي الذي سيؤدي الى ذوبان الثلوج لترتفع منسوب المياه في البحار بما يهدد بغرق مناطق كثيرة من الارض , فضلا عن ان المياه الباردة ستقتل انواع عديدة من الاسماك والكائنات الحية في البحار والانهار , بل تؤكد الدراسات على ان ذوبان الجليد سيؤدي لارتفاع درجة الحرارة لندخل في دائرة مغلقة مابين ارتفاع درجات الحرارة وارتفاع نسبة ذوبان الجليد , لدرجة ان بعض علماء البيئة يرون باننا دخلنا في مرحلة النهاية من حياة الكون .
- ماهي طبيعة العلاقة من الناحية التاريخية بين اليهود والمسلمين ودولة اسرائيل ؟
_ يقول الدكتور المسيري ’ الفرق كبير وواضح بين الصهيونية واليهودية , واسرائيل دولة علمانية وليست دولة دينية , وان الدولة الصهيونية دولة غير ملتزمة باية منطلقات دينية يهودية , فلا يمكن محاكمة الدولة الصهيونية من منظور يهودي , وانه لاعداء بين الاسلام واليهودية , ومنذ بدايات التاريخ الاسلامي لم تحدث مواجهات بين المسلمين واليهود , بل كان مايحدث هو العكس فلقد ساعد اليهود المسلمين في فتح القدس وفي فتح الاندلس وذلك لان الدين الاسلامي هو الدين الوحيد الذي يحتوي كل الديانات ويحميها ويثبت لها حقوقها المدنية والدينية .
وان مصادر الصهيونية هي نفسها مصادر الفكر العلماني , وجوهر الفكر العلماني هو النفعية المادية , والحضارة الغربية الان حضارة "وثنية" وليست حضارة مسيحية على الاطلاق , فهي حضارة فيلسوفها ونبيها الاكبر هو "داروين" وليس المسيح عليه السلام , كما ان "العلمانية" تعني نزع "القداسة" عن العالم وتحويله الى مادة "استعمالية " او موظفة بحيث ينظرون الى المسالة من خلال الاجابة عن هذا السؤال ’ هل هي نافعة ام ضارة ؟ والمشروع الاستعماري الغربي هو ايضا مشروع لتحويل العالم الى مادة استعمالية .
وماتم الان لصهينة اليهود هو علمنتهم وتحويلهم من يهود الى اصحاب دور , ووظيفة يتم استخدامها , واسرائيل تعرف ذلك جيدا وتدرك انها مادة استعمالية وان بقاءها وامنها وثراءها منوط بقيامها بوظيفتها , والذي حدث ان وظيفتها القديمة التي هي المواجهة مع القومية العربية قد انتهت , لان هذه المواجهة كانت في ظل حرب باردة والقومية العربية تاكلت والحرب الباردة انتهت .. فكان لابد من البحث عن وظيفة اخرى تضمن بقاء الدعم للدولة الصهيونية , ووجدت هذه الدولة وظيفتها الجديدة مع تنامي المد الاسلامي وانها ستصبح ليس فقط " قلعة للحضارة الغربية " ضد الهجمة الشرقية والقومية العربية , وانما ستصبح ايضا "قلعة للعلمانيين" ضد الخطاب الاسلامي ككل , والغرب والصهاينة يريدون ان تكون المعادلة ليست عربا ضد يهود , بل ان تكون علمانيين ضد اسلاميين , واصبح دور الدولة الصهيونية هو القيام بدور التجارة والرخاء الاقتصادي . لان الاستعمار اكتشف ان المواجهة مع الاسلام صعبة بل مستحيلة ومكلفة , وكانت الانتفاضة مثالا على ذلك . فقرر -بدلا من المواجهة - ان يطور وظيفة الصهاينة الى وظيفة تجارية اقتصادية مع محاولة تفكيك المنطقة , والمقصود منها تذويب الهوية الثقافية واعلاء مفهوم الشرق اوسطية الذي تتزعمه الدولة الصهيونية .
اما اذا كانت الصهيونية قد اكتسبت ديباجات يهودية بعد ذلك فهذه مسالة معروفة , فالخطاب العلماني دائما غير قادر على تجنيد الناس وبالتالي فلا يجدون الا الخطاب الديني , فبدلا من ان يقولوا ’ هيا بنا الى فلسطين لكي نحسن مستوى المعيشة .. ولكي نخدم اوروبا ونضمن بقاءها وامتنا , يقول خطابهم ’ هيا بنا الى ارض الميعاد , وهم يعلمون ان ارض الميعاد تعني عشرة مليارات دولار سنويا من اميركا . والدليل على ذلك انه بمجرد هبوط وانخفاض مستوى المعيشة في ارض الميعاد فانهم يهاجرون الى ارض الميعاد الحقيقية وهي امريكا .
- الكثير من مفكري العالم يؤكدون على ان التقدم التكنولوجي هو تقدم غربي وليس من حق شعوب العالم الثالث ان تطالب بحقها فيه ؟
_ ويقول الدكتور المسيري ’ قد حان الوقت لنفتح حسابات التقدم في الغرب لنعرف ان السلب اكثر من الموجب , وان تقدم الغرب ليس نتيجة طبيعية لعملهم , بل هو نتاج لممارسات استعمارية تراكمية تم خلالها نهب ثروات شعوب العالم الثالث واستعبادها , ومن حق تلك الشعوب ان تطالب العالم الاستعماري بحقها في التعويض المادي والمعنوي .
يتبع للاختتام