* الأمة الإسلامية
والعربية في براثن الهزيمة النفسية
هناك شعور خطير يخيم على نفوس كثير من
المسلمين اليوم ، هذا الشعور هو الشعور بالدونية ، الشعور بأنهم أضعف وأقل
من أعدائهم ولا قِبَلَ لهم بمواجهتهم ، ولا شك أن هذا الشعور بالدونية يصيب
الأمة بالهزيمة النفسية في الجنان قبل الهزيمة العسكرية في الميدان ، وما
أُصيبت أمة بالهزيمة النفسية إلا وعجزت عن مواجهة أعدائها .
" إن الهزيمة
النفسية شعور بالهوان والضعة والضعف والعجز عن مجاراة الأعداء ، فضلاً عن التفوق عليهم . إن الهزيمة النفسية في أدق صورها وأجلى معانيها
ذوبان في الشخصية . إنها ذل يعيش في سويداء القلب ، ورضا بالدونية يجعل
صاحبه لا يرفع رأسه ولا يفتح عينيه . إنها واقع مريض أسود يتحول به المهزوم
إلى ظل لهازمه يسير في ركابه ولا يسلك إلا الطريق الذي يسلكه ولا يرى إلا
ما يراه ولا يسمع إلا ما يسمعه ، وبناءً عليه يمكن القول :
إن الهزيمة
النفسية تمر بعدة مراحل :
الأولى : هي الشعور بالضعف والذلة والهوان .
والثانية : هي الانبهار والإعجاب والتعلق .
والثالثة : هي التقليد والمتابعة والمحاكاة .
وقد وقع كل ذلك في حياة
المسلمين تقريباً " (1)
وهذا هو ما أخبر به الرسول ( r )
حيث قال في حديثه الشريف : ( لتتبعن سنن من كان قبلكم
شبراً بشر وذراعاً بذراع حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه . قلنا : يا رسول
الله ، اليهود والنصارى ؟ قال : فمن ؟ ) (2)
وبناءً عليه فالحاجة ماسة إلى
وقفة متأنية وجادة لإعادة ترتيب الأوراق واستعادة الشعور بالعزة الإسلامية
والعربية مرة أخرى ؛ للخروج من هذا المستنقع الآثن الذي تراكمت فيه وتعفنت
جراثيم الذل والهوان .
* حاجة الأمة
الإسلامية والعربية إلى ثقافة الاعتزاز :
إن المسلمين – في طريق الكفاح
والنضال لتحقيق النصر- لا بد أن يستشعروا العـزة – من خلال التغذية
الثقافية – بالله وبرسول الله وبدين الله حتى يعيشوا أعزة لا يذلون
إلا لله .
إن المسلم يعتز بربه العزيز ،
قال – سبحانه - : «هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ
إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ
الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا
يُشْرِكُونَ» (3) ، فمن أراد أن يكون عزيزاً
فليوثق صلته بالله العزيز «مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ
الْعِزَّةُ جَمِيعاً» (4)
والمسلم يعتز بنبيه محمد ( r )
الذي لم ينحن قط إلا لله ، والذي جاء المشركون إلى عمه أبي طالب يتهددون
ويتوعدون : اصرف عنا ابن أخيك وإلا فخلِّ بيننا وبينه ، فما لانت عزيمة
رسول الله ، ولا تحركت شعرةٌ حركة خوف في جسد رسول الله ، وإنما أعلنها
كلمات مدوية تنم عن عز المسلم المتصل بمولاه "يا عم ، والله لو وضعوا الشمس
في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك
فيه ما تركته " (5)
والمسلم يعتز بدينه الذي ارتضاه
الله للعالمين ، قال – سبحانه - : «إِنَّ الدِّينَ
عِنْدَ اللَّهِ الإسلام» (6) ، وقال – تعالى -
: «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ
عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً» (7)
وهو الدين الذي أخرج الله به
المسلمين من الذل إلى العز ، فإذا ابتغوا العزة في غيره أذلهم الله .
فإذا اعتز المسلم بربه ونبيه
ودينه عاش عزيزاً لا يذل إلا لله واضعاً نصب عينيه قول الله - تعالى - : «وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ»
، وواضعاً نصب عينيه قول رسول الله ( r ) :
( واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم
ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا
بشيء قد كتبه الله عليك ) (9)
وعندما عاش المسلمون الأوائل
بهذا المنهج أعزهم الله ودانت لهم الدنيا ، وصور الاعتزاز المشرقة تتلألأ
في صفحات تاريخ المسلمين الأوائل .
* من صور الاعتزاز
المشرقة في صفحات تاريخ المسلمين :
الصورة الأولى :
الصمود العظيم وعدم الانحناء أمام وطأة الحصار
الاقتصادي الذي فرضته قريش على رسول الله ( r ) – ومن آمن به
أو آزره – في شعب أبي طالب ، ذلكم الحصـار الذي استمر" ثلاث سنوات بدءاً
من المحرم سنة سبعٍ من البعثة إلى السنة العاشرة منها ، وقيل : بل استمر
ذلك سنتين فقط " (10)، ورغم قسوة الحصار إلا أنه لم ينل من عزة
المحَاصَرين ، بل خرجوا أعزة موفوري الكرامة يهابهم ويُعجب بهم أهل مكة ومن
حولها ، وازدادت قبائل العرب لهم تقديراً واحتراماً وإدراكا يقينياً بأن
عزة الإسلام لا تُقهر.
الصورة الثانية :
هجرة العلن والتحدي التي قام بها سيدنا عمر بن
الخطاب - t - فإنه " لما هم بالهجرة تقلَّد سيفه وتنكَّب
قوسه وانتضى في يده أسهماً وأتى الكعبة وأشراف قريش
بفنائها ، فطاف سبعاً ثم صلى ركعتين عند المقام ثم أتى حلقهم واحدة واحدة
فقال : شاهت الوجوه ، من أراد أن تثكله أمه وييتم ولده وتُرمَّل زوجته
فليلقني وراء هذا الوادي ، فما تبعه منهم أحد " (11)
الصورة الثالثة :
منطق العزة والإباء والشموخ الذي تحدث به سيدنا
خبيب بن عدي- t - في لحظات النهاية أمام أعدائه ، فعندما أراد
بنو الحارث بن عامر قتله " وخرجوا به من الحرم ليقتلوه في الحِلِّ قال لهم
خبيب : دعوني أصلي ركعتين ، فتركوه فركع ركعتين فقال : والله لولا أن
تحسبوا أن ما بي جزع لزدت . ثم قال : اللهم أحصهم عدداً ، واقتلهم بدداً ،
ولا تبق منهم أحداً . ثم أنشأ يقول :
قوسه وانتضى في يده أسهماً وأتى الكعبة وأشراف قريش
بفنائها ، فطاف سبعاً ثم صلى ركعتين عند المقام ثم أتى حلقهم واحدة واحدة
فقال : شاهت الوجوه ، من أراد أن تثكله أمه وييتم ولده وتُرمَّل زوجته
فليلقني وراء هذا الوادي ، فما تبعه منهم أحد " (11)
الصورة الثالثة :
منطق العزة والإباء والشموخ الذي تحدث به سيدنا
خبيب بن عدي- t - في لحظات النهاية أمام أعدائه ، فعندما أراد
بنو الحارث بن عامر قتله " وخرجوا به من الحرم ليقتلوه في الحِلِّ قال لهم
خبيب : دعوني أصلي ركعتين ، فتركوه فركع ركعتين فقال : والله لولا أن
تحسبوا أن ما بي جزع لزدت . ثم قال : اللهم أحصهم عدداً ، واقتلهم بدداً ،
ولا تبق منهم أحداً . ثم أنشأ يقول :
فلست أبالي حين أُقتل مسلماً .. على أي جنب كان لله
مصرعي
وذلك في ذات الإله وإن
يشـأ .. يبارك على أوصال شِلوٍ ممزَّع (12)
الصورة الرابعة : ثبات الخُطى في ساحات الوغى ، وقد تجلى ثبات
العزة هذا في مشاهد كثيرة تحتوي على مواقف تدخل في إطار الأزمات والشدائد ؛
ومن هذه المشاهد ما يلي :
* المشهد الأول :
عندما عَلِمَ النبي ( r )
بمسير قريش ليمنعوا عيرهم استشار الناس وأخبرهم عن قريش ، فقام أبو بكر
الصديق فقال وأحسن . ثم قام عمر بن الخطاب فقال وأحسن . ثم قام المقداد بن
عمرو فقال : يا رسول الله . امض لما أراك الله فنحن معك ، والله لا نقول لك
كما قالت بنو إسرائيل لموسى – عليه السلام - : «فَاذْهَبْ
أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ» (13، ولكن
اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون ، فو الذي بعثك بالحق لو سرت بنا
إلى برك الغماد لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه ، فقال له رســول الله ( r )
خيراً ودعا له به ... وقال له سعد بن معاذ : يا رسول الله ، قد آمنا بك
وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به هو الحق ، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا ،
على السمع والطاعة ، فامض يا رسول الله لما أردت فنحن معك ، فو الذي بعثك
بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف من رجل واحد ،
وما نكره أن تلقى بنا عدونا غداً ، إنا لصبر في الحرب صدق في اللقاء ، لعل
الله يريك منا ما تقر به عينك فسر بنا على بركة الله ، فسُرَّ رسول الله ( r )
بقول سعد ، ونشطه ذلك ، ثم قال : سيروا وأبشروا ، فإن الله - تعالى – قد
وعدني إحدى الطائفتين ، والله لكأني أنظر إلى مصارع القوم (14 . حقا
إنها عزة الإسلام .
* المشهد الثاني :
وفي غزوة الأحزاب " لما اشتد على الناس البلاء
بعث رسول الله ( r ) إلى عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر وإلى
الحارث بن عوف بن أبي حارثة ، وهما قائدا غطفان ، فأعطاهما ثلث ثمار
المدينة على أن يرجعا بمن معهما عنه وعن أصحابه ، فجرى بينه وبينهما الصلح
حتى كتبوا الكتاب ولم تقع الشهادة ولا عزيمة الصلح إلا المراوضة في ذلك ،
فلما أراد رسول الله ( r ) أن يفعل بعث إلى سعد بن معاذ وسعد بن عبادة ،
فذكر ذلك لهما ، واستشارهما فيه ، فقالا له : يا رسول الله ، أمراً تحبه
فنصنعه أم شيئاً أمرك الله به لا بد لنا من العمل به ، أم شيئاً تصنعه لنا ؟
قال : بل شيء أصنعه لكم ، والله ما أصنع ذلك إلا لأنني رأيت العرب قد
رمتكم عن قوس واحدة وكالبوكم من كل جانب ، فأردت أن أكسر عنكم من شوكتهم
إلى أمر ما ، فقال له سعد بن معاذ : يا رسول الله ، قد كنا نحن وهؤلاء
القوم على الشرك بالله وعبادة الأوثان ، لا نعبد الله ولا نعرفه وهم لا
يطمعـــون أن يأكلوا منها إلا قرى أو بيعاً ، أفحين أكرمنا الله بالإسلام
وهدانا له وأعزنا بك وبه نعطيهم أموالنا ؟! والله ما لنا بهذا من حاجة ،
والله لا نعطيهم إلا السـيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم . قال رسول الله ( r ) :
فأنت وذاك . فتناول سعد بن معاذ الصحيفة فمحا ما فيها من الكتاب ثم قال :
ليجهدوا علينا " (15، حقا إنها عزة الإسلام .
* المشهد الثالث :
وفي أمـر
الحديبية لما وافـق النبي ( r ) على الصلح جاء عمـر بن الخطـاب - tمرك
اللأمر – إلى رسول الله ( r ) "
فقال : يا رسول الله ، ألسنا على حق وهم على باطل ؟ قال : بلى . قال :
أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار ؟ قال : بلى . قال : ففيم نعطي
الدنيَّة في ديننا ونرجع ولما يحكم الله بيننا وبينهم ؟ فقال : يا ابن
الخطاب ، إني رسول الله ولن يضيعني الله أبداً . فانطلق عمر فلم يصبر
متغيظاً فأتى أبا بكر فقال : يا أبا بكر ، ألسنا على حق وهم على باطل ؟ قال
: بلى . قال : أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار ؟ قال : بلى . قال :
فعلام نعطي الدنيَّة في ديننا ونرجع ولما يحكم الله بيننا وبينهم فقال :
يا ابن الخطاب ، إنه رسول الله ولن يضيعه الله أبداً ، قال : فنزل القرآن
على رسول الله ( r ) بالفتح ، فأرسـل إلى عمر فأقرأه إياه ، فقال :
يا رسول الله ، أو فتح هو ؟ قال : نعم . فطابت نفسه ورجع " (16. حقا
إنها عزة الإسلام .
* المشهد الرابع :
وفي مواجهة
مانعي الزكاة والمرتدين بعد وفاة رسول الله ( r )
يقف خليفة المسلمين أبو بكر الصديق - t - موقفاً يدل
دلالة قاطعة على عزة الإسلام ، حيث يعلنها كلمات مدوية " قد انقطع الوحي
وتم الدين ، أينقص وأنا حي ؟! "(17 ثم أصدر القرار الحاسم " والله لو منعوني
عناقاً كانوا يؤدونها إلى رسول الله ( r ) لقاتلتهم على
منعها " (18
* المشهد الخامس :
وفي سلسلة
مواجهة الأمة الإسلامية لقوة الروم الضاربة وجَّه سيدنا عمر بن الخطاب - t -
في فترة إمارته جيشاً إلى الروم ، فأسر الروم ( عبد الله بن حذافة ) فذهبوا
به إلى ملكهم ، فقالوا : إن هذا من أصحاب محمد ، فقال : هل لك أن تتنصَّر
وأعطيك نصف ملكي ؟ قال : لو أعطيتني جميع ما تملك وجميع ما تملك العرب ما
رجعت عن دين محمد طرفة عين ، قال : إذاً أقتلك . قال : أنت وذاك . فأمر به
فصُلِب ، وقال للرماة : ارموه قريباً من بدنه ، وهو يعرض عليه ويأبى فأنزله
ودعا بقدر فصب فيها ماءً حتى احترقت ، ودعا بأسيرين من المسلمين فأمر
بأحدهما فأُلقي فيها وهو يعرض عليه النصرانية وهو يأبى ، ثم بكى ، فقيل
للمك : إنه بكى ، فظن أنه قد جزع ، فقال : ردوه ، ما أبكاك ؟ قال : هي نفس
واحدة تُلقى الساعة فتذهب ، فكنت أشتهي أن يكون بعدد شعري أنفس تُلقى في
النار في الله ، فقال له الطاغية : هل لك أن تُقبِّل رأسي وأُخلِّي عنك ؟
فقال له عبد الله : وعن جميع الأسارى ؟ قال : نعم ، فقبل رأسه وقدم
بالأسارى على عمر فأخبره خبره ، فقال عمــر : حق على كل مسـلم أن يُقبِّل
رأس ابن حذافة ، وأنا أبدأ ، فقبَّل رأسه " (19.
ورغم هذه السيرة العطرة
والسلسلة المباركة من لآليء الاعتزاز بالإسلام – وما أكثرها – إلا أنه " من
المسلمين فئات قد وقر في أنفسهم أن الإفرنج هم الأعلون على كل حال ، وأنه
لا سبيل لمغالبتهم بوجه من الوجوه ، وأن كل مقاومة عبث ، وإذا طُلب من هذه
الفئات البذل لمعاونة قوم منهم يقاتلون دولة أجنبية تريد محوهم أو إذلالهم
كان الجواب : أية فائدة من بذل أموالنا في هذا السبيل وتلك الدولة غالبة لا
محالة ؟! ولو تأملوا لوجدوا أن الاستسلام لا يزيدهم إلا ويلاً " (20
إن هؤلاء قد ذهلوا عن قول الله – تعالى -
: «إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ
قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ»
(21، وغفلوا عن قوله – سبحانه - : «الَّذِينَ
قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ
فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ .
فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ
وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ .إِنَّمَا
ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ
وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ» (22.
ولم يعملوا عقل التأمــل والتدبر
في قول الله – جــل وعلا - : «وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ
قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي
سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ
الصَّابِرِينَ» (23
وما أكثر الأدلة التي تستنهض عزة
الإسلام في نفوس أتباعه ، وتستحثهم على تحقيقها مهما بلغت التضحيات .
إن " الإسلام يدع المؤمن مستقراً
في المكان الذي ينبت العز ويهب الحرية الكاملة ، ويجب على المؤمن أن يوفر
هذه المعاني في بيئته ، فإن استحال عليه ذلك ليتحول عن دار الهوان ولينشد
الكرامة في أي مكان . وفي ذلك يقول الله – عز وجل - : «إِنَّ
الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا
فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا
أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ
مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً» (24
وقد عذر الله العجزة من الرجال
الذين يفقدون القــدرة على الانتقال ولا يجدون وسيلة للنجاة ، وضم إليهم
النساء والأطفال فقال – سبحانه – : «إِلَّا
الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا
يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً . فَأُولَئِكَ عَسَى
اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً»
(25 .
وهذا التعبير يشعر بكراهية
الإسلام لاحتمال الهوان ، ويستنهض الهمم حتى تبذل الجهد كله في التخلص منه .
إن اعتزاز المسلم بنفسه ودينه
وربه هو كبرياء إيمانه ، وكبرياء الإيمان غير كبرياء الطغيان ، إنها أنفة
المؤمن أن يصغر لسلطان أو يتضع في مكان أو يكون ذَنَبَاً لإنسان " (26
ودور الدعاة إلى الله – تعالى –
خصوصاً ، ودور المؤسسات التثقيفية عموماً في بث روح العزة الإسلامية في
نفوس المسلمين كبير جداً ومن الأهمية بمكان ، فكم من كلمة أحيت قلوباً
غُيِّبت وخضعت تحت ركام الذل سنوات وسنوات .
وكلنا أملٌ في أن تجد ثقافة
الاعتزاز الإٍسلامي سبيلاً إلى بؤرة اهتمام القائمين على أمر المؤسسات
التثقيفية في بلاد المسلمين لتكون خطوة فعَّالة في طريق الكفاح لتحقيق
النصر على الأعداء .