حقوق الإنسان
إن مفهوم التنمية القائمة على منهج حقوق الإنسان، أو إدماج حقوق الإنسان في
التنمية، مفهوم حديث نسبياً لم يتحقق له بعد الاستقرار أو الاستيعاب التام من جانب
الجهات التنموية كافة، سواء الدول أو المجتمع المدني أو المؤسسات الممولة أو منظمات
الأمم المتحدة، علماً بأن المفهوم في حد ذاته لا يخلو من صعاب وتعقيد. ففي المكان
الأول، يقتضي إدراك كنه ذلك المفهوم تناول كل من مصطلحي "التنمية" و"حقوق الإنسان"
منفردين، قبل الربط بينهما أو استيعاب تداخلهما، بمعنى إدماج حقوق الإنسان في
التنمية.
فحقوق الإنسان، أولاً، تشكل التراث المشترك للإنسان والإطار الملائم الذي
يساعد الناس على حماية أنفسهم والآخرين من الأذى، وتشكل الأدوات اللازمة لبناء
المجتمع، وهي ضمانات دولية لحماية الأفراد والمجموعات ضد أي فعل أو امتناع ينتقص من
الحريات الأساسية والكرامة الإنسانية، وقانون حقوق الإنسان الدولي يلزم الحكومات
وأجهزتها المختلفة بالقيام بأفعال معينة، أو الامتناع عن القيام بأخرى، لحماية حقوق
وحريات الناس الأساسية.
والسمات الأساسية لحقوق الإنسان تكمن في أنها مضمونة دولياً ومحمية بالقانون،
وترتكز على حماية كرامة الإنسان، وتحمي الأفراد والجماعات، وتضع التزاماً على
الدولة وأجهزتها، ولا يجوز مصادرتها أو الانتقاص منها، كما أنها متساوية ومتداخلة
ومترابطة وغير قابلة للتجزئة وعالمية. إن مبادئ وقواعد حقوق الإنسان مضمنة في
الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهود والمواثيق والاتفاقيات الدولية والإقليمية،
فضلاً عن الإعلانات والقواعد الإرشادية التي تصدرها منظمات الأمم المتحدة والمنظمات
الدولية المختلفة، كمنظمة العمل الدولية، من حين لآخر. وتشمل تلك المبادئ:
حق الشعوب في تقرير المصير، الحق في الحياة، والحرية والأمان الشخصي، حريات
التعبير والتنظيم والتجمع والتنقل، منع الإيقاف والاحتجاز التعسفي، منع التعذيب،
المحاكمة العادلة، المساواة أمام القانون، عدم التمييز، حق الجنسية، حق اللجوء
السياسي، حرية الفكر والعقيدة، حق الاقتراع والترشيح، والمساهمة في الحياة والمناصب
العامة، حق العمل في بيئة مناسبة، والحق في الصحة، والتعليم، والسكن، والغذاء،
والضمان الاجتماعي، والمساهمة في الحياة الاجتماعية والثقافية، والحق في التنمية.
وقد اتسمت جهود المجتمع الدولي منذ إنشاء الأمم المتحدة بالعمل على تعزيز
حقوق الإنسان للجميع إعمالا للمادة الأولى من ميثاق الأمم المتحدة التي نصت على
"تعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس جميعاً" من أجل تحقيق السلام
والعدالة. هذا ما أكده زعماء العالم في العام 2000 في إعلان الألفية الثالثة، إنهم
"لن يألوا جهداً لتعزيز احترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية المعترف بها
عالمياً".
أما "التنمية" فلم تعد تلك المهمة المعنية بالإنماء الاقتصادي المحدد
بالأرقام وموارد ومنصرفات الدولة، ومتوسط دخل الفرد، والناتج الإجمالي المحلي،
والدين الخارجي، إلى ما نحو ذلك مما هو معروف في المفهوم التقليدي للتنمية. بل تطور
ذلك المفهوم ليعني قيام نظام متكامل متعدد الأوجه، محوره أعضاء البشرية والمساهمة
الإنسانية، وتحسين مستوى الإنسان والتوزيع العادل للثروة ورفع مستوى قدرات الإنسان،
وتوسيع خياراته. وتعطي التنمية بهذا المفهوم أولوية قصوى لإزالة الفقر، وإدماج
المرأة في عملية التنمية، والاعتماد على الذات، وحق الشعوب في تقرير مصيرها
وسيطرتها على مواردها وثرواتها الطبيعية.
وتعتبر الأمم المتحدة التنمية وحقوق الإنسان مفهومين مترابطين ومتواصلين.
يؤكد ذلك تقرير التنمية البشرية السنوي الصادر من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي،
الذي ظل يؤكد على تعريف مفهوم التنمية البشرية منذ بدء إصداره في1990. وبعد بدء
برنامج الأمين العام لتعزيز الأمم المتحدة في 1997، اتجه التقرير إلى تناول دور
حقوق الإنسان ومواثيق حقوق الإنسان في التنمية باعتباره أساسيا في التنمية. كما أن
تقرير التنمية البشرية للدول العربية الأول الصادر في 2002 أكد على أن المعرفة
والحريات العامة وتمكين المرأة هي من أهم التحديات التي تواجه العالم العربي. يضيف
تقرير التنمية الإنسانية العربية أن مفهوم الحرية لا يقتصر على الحقوق المدنية
والسياسية، بل التحرر من جميع أشكال الحط من الكرامة الإنسانية مثل الجوع والمرض
والجهل والفقر، أي الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.