أيها المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها،
الحديثُ إليكم وعنكم ذو شجون وأحزان، فعندما تحديّت ربَّ العزة ورفضتُ السجود لابيكم آدم، ذهب الظن بي أن مهمتي ستكون صعبةً للغاية، وأن الانسانَ يستطيع التمييز بين الخير والشر، وأن تجاربه السيئة مع وسوستي ستجعله حذِراً، ولا يقع في الفخ مرتين، فإذا به يقع في خلال عمره آلاف المرات ولا يتعلم من تجاربه رغم أن فيه نفخة من روح الله.
عندما انتهت مهام كل الرسل والأنبياء الذين أ&Ntl; أرسلهم الله لهداية البشر، جاءت الرسالة الأخيرة لتكون رحمة للعالمين بين يدي محمد بن عبد الله، صلوات الله وسلامه عليه.
وازداد خوفي، وكدت أتراجع عن التحدي الذي قلت فيه لرب العزة لأغوينهم أجمعين، إلا عبادك منهم المخلصين.
لن أحدّثكم الآن عما فعلتُه مع الذين دعاهم أنبياء الله ورسله إلى كلمة الحق والهداية طوال آلاف السنين.
ولن أتصفح أمامكم التاريخ منذ بداية البعثة المحمدية، على صاحبها أفضل الصلاة والسلام، لكنني سأتحدث معكم لغةً تعرفونها، ومنطقا لا تنكرون وجوده، وأصف لكم مشاهد تعيشونها وتعايشونها، بل تصنعونها بدقة متناهية.
أشعر معكم أنني أصبحت عاطلا عن العمل، بل أجزم بأن مهمتي في الحقب الماضية كلها لم تكن بمثل تلك السهولة التي تجعلني راغبا في حثكم على الفضيلة والأخلاق والرحمة والتسامح لعل هذا يُعيد مهمتي إلى دائرة التحدي التي تليق بمَلك الخطايا، إبليسكم ورافض السجود لابيكم آدم الذي خلقه الله من طين وخلقني من نار.
بين ايديكم كتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وبلغة تعرفونها، ويدعوكم إلى المحبة والخير والسلام والتسامح، لكنكم تُحرّفون الكلمَ عن مواضعه، وتقومون بتأويل كلام العزيز الوهاب حتى لو كان أوضح من قمر في تمام بدره.
يقول لكم ربكم ( من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)، ولا أحسب أن الأمر يحتاج لعلماء وفقهاء ومفسرين ولغويين واستنتاجات، فإذا بكم تضربون عُرض البحر بأقدس كلام لديكم، وتبحثون في كتب الأولين عن اسرائيليات أو آراء مخالفة أو فكر مسرور السيّاف، لتقطعوا رقاب من لا يؤمنون أن حرية العقيدة مشروطة بالبقاء في العقيدة نفسها، أي أنكم ترفضون كلام ربكم، وتبحثون عن مبررات واهية تسمح لكم بقطع الرقاب، واستخدام تعبير المرتد وكأنكم تفرضون على من يطيع كلام الله، ويختار بمحض ارادته دينه وعقيدته ومذهبه أن يستشير أولا العلماء والفقهاء ليفسروا له ما لا يحتاج لتفسير.
ما الذي دهاكم وجعلكم تسارعون إلى القشور، وتلتفون حول صغائر الأمور، وتحتقرون العقل كأنه خصم للايمان رغم أن الطريق المؤدي إلى مناهضتي، وعصياني، ورفض وسوستي يبدأ من العقل .. وليس من الايمان.
العقل يؤدي في كثير من الأحيان إلى الايمان القوي والصلب والعميق والمقنع، أما الايمان كبداية فربما يقف حائرا أمام اغراءات أقدمها أنا، وألصق بها تبريرات أعرف تماما أنكم لن تعرضونها على العقل.
الايمان أولا جعلكم تتقاتلون على بديهيات، وترفعون السيوف فوق المصاحف، ويظن كل منكم أن الله منحاز إليه فقط.
أما العقل الذي يؤدي إلى الايمان فيتولى عملية الغربلة، والتفنيد، والمناقشة، وعرض التناقضات في أوسع دائرة ليراها كلها ويميز بينها.
بحثت عن بعض الأماكن التي يتميز فيها المسلمون بكثرة العدد والعدة والعلماء والشيوخ والفقهاء وكل دعاة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فما وجدت أسهل من العمل بها، بل لا أبالغ إن قلت لكم بأني جنحت إلى التكاسل والخمول والنوم مبكرا، فأنتم تقومون بمهمتي، فإذا استيقظت وجدتكم تتفوقون على امكانياتي الهائلة، فيذبح الشيعة اخوانهم السُنّةَ، ويفجر السُنّةُ أجسادهم في اخوانهم الشيعة، وكل طائفة تقف أمام كم هائل من الكراهية استدعتها عبر عشرات الآلاف من الاعمال الخلافية التي تنام في بطون الكتب فتوقظها حماقة تتورم في رأس المسلم، فيظن الشيعي أنه يملك الحق المطلق، ويؤمن السني أن عقيدة الشيعي باطلة إلى يوم القيامة.
كأن كل واحد منكم اختار بطن أمه، بل عرف مذهبه وهو نطفة ثم علقة ثم مضغة.
خلافاتكم الفكرية أكثر دموية من الحروب نفسها، وبدلا من أن تنطق ألسنتكم بالحقيقة المُرّة وهي أنكم تساهمون معي في تسهيل مهمتي، فإنكم تُصرّون أن الله منحاز إلى السُنّي أو الشيعي أو عضو جماعة اسلامية أو طائفة من المعتزلة أو الخوارج أو عشرات، بل مئات من الجماعات المنشقة.
دعوني أعترف لكم بأنه مَرّ عليّ حينٌ من الدهر كنت خائفا أن يكتشف المسلمون عبقرية الاسلام، وسماحة هذا الدين الحنيف، وقيمة الحرية في صلب العقيدة، والايات البينات التي لا تحتاج لتفسير أو تأويل.
كنت خائفا أن تعرفوا القيمة السامية والكبرى لفكرة خاتمة الرسالات السماوية، أي العقل والتطور والنضوج واكتشاف المناطق المجهولة في النفس الانسانية، ومحاربتي كشيطان رجيم بطرق حديثة، وعقل تراكمت أمامه كل فلسفات التاريخ وتجاربه ومشاهده، لكنكم فضّلتم الانحياز إلى الطرف الذي أمثله، فتتقاتلون على تمرة، وتمارسون عبادة الأشخاص، وتلقون العقل في سلة المهملات من أجل الحفاظ على ما وجدتم عليه آباءكم.
كنت أرتعد رعبا وفزعا أن تكتشفوا الاسلام العظيم على حقيقته، وأن تعرفوا أن زمنكم غير أزمنة سابقة، وأن مهمتكم تختلف وفقا لما تتعرضون له من مخاطر، وتؤرقكم هموم لو مَرّت كالسهم أمام أجدادكم في زمن غابر لما تمكنوا من الصمود يوما أو بعض اليوم.
خشيت أن تعثروا على عبقرية الدين، فتعرفون أن محاربتي كملك العصاة إبليس اللعين تبدأ من العقل، وتمر بالتسامح تجاه الآخرين، وتضحكون على خلافات الأقدمين، وتنبذون ما يفرق شملكم، وتتركون حرية العقيدة لحماية الاسلام، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر.
كدت أسقط من الخوف عندما مَرّت بذهني أوهام اكتشافكم سماحة الاسلام في التعامل مع الآخرين، وبأن الزبد يذهب جفاء ويبقى في الأرض ما ينفع الناس، لكنني استلقيت ضحكا وسعادة ومرحا عندما وجدتكم تجهدون أنفسكم في البحث عن المتناقضات، وتحللون الدماء كأن القتل هو الطريق إلى الجنة، وتشككون في بعضكم، وترفضون سبل افتراض حُسن النيّة، فالسيف على رقبة المخالف، ولو كان كاتبا أكاديميا نشر كتابا لا يقرأه ثلاثون أو أقل من أربعين أو أكثر من عشرين شخصا.
خرجت من رأسي حمم من شواظ من نار عندما تناهت إلى سمعي همهمات رجال يحبون الله، ويؤمنون بأنه الأكبر، ويريدون ترك حساب الآخرة لملك الملوك.. الخالق الوهّاب، فحرية العقيدة فيها هزيمتي المنكرة واقع حتمي ولو بعد حين، والانسان عندما يختار دون وَجَلٍ أو خوف من عقاب أو سيف بتّار يلمس رقبته فإنه ينحاز إلى العقل، وحينئذ يشرق الاسلام من جديد.
ثم هدأتُ قليلا، وبعدها ركنت إلى ركن قَصيّ أضحك ملء وجهي فقد اخترتم طريقا آخر يُسَهّل مهماتي الملقاة على عاتقي منذ بدء الخليقة.
أيها المسلمون،
التحدي الذي وعدتُ به العليّ القديرَ أن أزيّن لكم المعاصي، وأحول بينكم وبين طريق الحق، وأجعل حياة كل منكم تدور حول صغائر الأمور كان صعبا في بعض الأزمنة وذلك عندما ازدهرت الحضارة الاسلامية وأضحى فقهاءُ الدين علماءَ في الفلك والطب والفلسفة وعلم النفس والتاريخ والجبر والاجتماع، وكان النقاش يدور حول كل شيء من الالحاد إلى أدق مشاهد الأحاديث الجنسية, فالحرية الفكرية تكاد توردني الردى.
أما في هذا الزمن فأينما وليّت وجهي وجدتكم ترحبون بي، بل تزيّنون لي أخطاءكم وخطاياكم.
في احدى الأمسيات تبادر لذهني الإبليسي العتيد أن أسمعكم على البال توك، وقلت لنفسي لعل هؤلاء الذين يتعاملون مع العلم والتقدم والكمبيوتر وكنوز المعلومات التي لا تنتهي سيكتشفون طريق العقل والمنطق والاستنتاج المستقيم والاستدلال بالموضوعية، فإذا أنا أمام سيارات مفخخة من الكراهية يؤكد الانتحاري الإنترنيتي أن الله منحاز إليه، وأن الطائفة الأخرى سيُحمىّ عليها في نار جهنم خالدين فيها، وأن تاريخ المخالفين لهذا المسلم المفخخ يبدأ بالتزوير وينتهي بتزييف أوراق الدين.
آلاف من المسلمين يحاربون مخالفيهم من المسلمين الآخرين، ويلعن الشيعةُ اخوانَهم السُنة، ويدعو السُنّة ربَّ العالمين أن يُنَزّل غضبَه على اخوانهم الشيعة.
قلت لنفسي: تلك معارك صنعها المسلمون لمساعدتي في التحدي الالهي، وأنني لا أحتاج كثيرا لأغوينهم أجمعين أو أكثرهم.
ماذا لو أنني ركزت الجهد في الوسوسة داخل أرض الكنانة، فهي مُحَصّنة بالطهر والعفاف، وفيها الاخوان المسلمون منذ عام 1928، وترتفع عشرات الآلاف من المآذن في سمائها من الثغر وحتى الحدود السمراء لشريكهم في النيل الخالد .. السودان، وكل المسلمين يتحدثون في الدين وعن الدين في اليقظة والمنام، ونساء أم الدنيا يرتدين الحجاب، وكل من تظهر خصلات شعرها تردعها نظرات غاضبة، فإذا ارتدت الحجابَ كنتيجة طبيعية للعقل الجماعي فإن الدعوة للنقاب لا تتوقف؟
وكانت المفاجأة التي كادت تصيبني في مقتل قبل يوم القيامة. فكل مظاهر التدين الذي احتفلتم به لم تجعلكم تتعرفون على طريق الاسلام الصحيح، ومع دخول الدولة كلها من شبابها ورجالها ونسائها إلى اعلامها ومسؤوليها وفنانيها وسياسييها مرحلة المزايدة الدينية، لم يعد الأمر يحتاج مني إلا أن أبعث أحد تلاميذي الأكثر بلادة وغباء وتخلفا طالبا منه أن يتولى بنفسه مهمة الوسوسة في أعرق بلاد الدنيا.
الصورة الظاهرة هي مجتمع اكتشف هويته في لعبة المزايدة الدينية، والصورة الحقيقية أكثر هولا من زلزلة الساعة، فعدد مدمني المخدرات ناهز نصف المليون غائب عن الدنيا، والفساد نخر في عظام الدولة كلها، والرشوة لا تتعارض مع الصلاة، والغيبة والنميمة خلف نقاب، والخمول والكسل والأمية والمحسوبية والواسطة والكذب شقت طريقها عندما اكتشف المسلمون أن الاسلام ليس مناهضة الظلم ومعارضة الاستبداد وأنه لا علاقة له بالجد في العمل، والشرف في المواثيق، والتسامح مع المخالفين، واعتبار الغش أكبر الجرائم وأحط الخطايا في عرف الرسالة السماوية.
في مصر كل المسلمين دعاة، وكل الدعاة قضاة، وكل القضاة يحملون سيف العدالة ويدافعون عما وجدوا عليه آباءهم، لكنك لا تستطيع أن تنجز مهمة واحدة في مكان يغلب على العاملين فيه الطابع الديني وتنتشر اللحية والحجاب والنقاب إلاّ أن تضع يدك في جيبك وتنفح محدثك اكراميةَ غضِّ الدين الطرفَ عن الخطيئة.
قلت لنفسي لعل هناك جانبا ايجابيا من هذا التدين الذي اكتسح مصر كلها، فالتسامح قيمة قرآنية لا يخطئها إلا كفيف البصر والبصيرة، والتعامل مع شركاء الوطن .. أقباط مصر سيكون نموذجا لفهم المسلم دوره في توسعة رقعة التسامح والتراحم والعلاقات الجميلة والنبل الأخلاقي واحترام عقائد الآخرين واعتبار الوطن شراكة سامية ومميزة لاتفرق بين أحد منهم، لكنني وجدت المسلمين الجدد أكثر تعصبا وتشددا وتمييزا وتفريطا في حق الآخر أن يختلف عنهم، فبدأ عقد اجتماعي تاريخي ينفرط بين المسلم والقبطي.
وجدت في مصر ملايين المسلمين الذين لو دعاهم داع لتمرد أو عصيان أو رفض للمهانة أو تلاحم من أجل الكرامة أو اكتشاف الاسلام في الدفاع عن المظلومين والمضطهدين لما تحرك من تلك الملايين حفنة لا تهزّ صولجان طاغية، ولا تؤرقه هنيهة أو لحظة خاطفة، لكن هؤلاء المسلمين على استعداد لحشد مظاهرة مليونية للدفاع عن حق تلميذة مسلمة فرنسية في مدرسة في تولوز أو نورماندي أو بوردو أو مارسيليا لارتداء غطاء الشعر.
أيها المسلمون،
أريد أن استعرض قوتي أمام خالقي، وأن اشعر بلذة التحدي لنسل آدم، وأن تشتعل نار النار في جسدي أمام أتباع آخر الديانات السماوية، فبين أيديكم القرآن الكريم .. كلمة الله العليا، ورسالة السماء لأهل الأرض، لكنكم لم تكتشفوه بعد، ولم تتعرفوا على قوته وضعفي، ولا تعرفون أن توجيهات العلي القدير أكبر مما تستخرجون وتستنتجون، بل هي أسمى وأجمل وأعظم من كل ما تسمعون في فضائياتكم، ومن علمائكم وفقهائكم، ومن كل ما احتوت صفحات الكتب القديمة والحديثة والتفسيرات.
كلما حاول مسلم الدخول إلى أطهر مناطق الفكر الالهي السامي لعله يكتشف قوة الاسلام وعظمته، سحبتموه من رقبته، وعرضمتوه على مسلخة التكفير مستشهدين بآراء وأفكار وكتابات مضت عليها قرون عدة.
إنني خجل من الوسوسة لكم فقد أصبحتْ في زمنكم الجديد هذا أمرا هيّنا وسهلا ولا يحتاج مني أن أقوم من مكاني أو أتكلف جهدا فقد ظننت التحدي بعد رفضي السجود لابيكم آدم عملية شاقة، ومهمة مستحيلة.
أنتم مشغولون ومهمومون بتغطية الشعر واخفاء الوجه وتحريم الموسيقى والارتماء في أحضان ثلاث وسبعين حورية في الجنة تعود لكل منها عذريتها!
أنت مشغولون بالجن والعفاريت والدراويش والخلاف بين طوائفكم وتفاصيل الفتنة الكبرى منذ ألف وأربعمئة عام والثعبان الأقرع وعذاب القبر، وتتحايلون على القرآن الكريم، وتستخرجون عنوة منه ما يناسب ضحالة الفكر ، لا أن تكتشفوا فيه عظمة الكلمة العليا لرب العرش العظيم.
أنتم في حالة حرب مع النفس ومع المخالفين والمفكرين والمثقفين ومن يستخدم عقله، وتؤمنون بحدّ الردة رغم أنه مخالف تماما لكلمات بينات في كتاب الله العزيز.
أنتم غارقون في متاهات الفتاوى الفجة، وتريدون معرفة آراء العلماء في كل خطوة يخطوها المسلم أو شاردة أو واردة أو جماع مع الزوجة أو دخول الحمام أو قراءة كتاب أو الصلاة خلف إمام مدخن أو التعامل مع العلم الحديث أو زيارة غير المسلم في المستشفى أو تهنئة مخالفيكم بأعيادهم.
أنتم سيوف مُسّلّطة على من يجتهد، ويُعْمِل العقلَ، وينظر في ملكوت السماوات والأرض، ويلتزم أوامر العلي السميع في التفكر والتعقل والتدبر والاجتهاد.
لماذا لم تكتشفوا حتى الآن أن الخطيئة الكبرى والكفر البواح ومعصية الخالق تبدأ من السكوت على الحاكم الظالم، ورفض الخروج في مظاهرات يومية توجع الطاغية، وأن عدم مقاطعة مهينيكم ومذليكم من رجال الأمن يرقى إلى مرتبة الشرك بالله؟
لماذا لا يكون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في غرز تعاطي المخدرات وبين الغشاشين والفاسدين والمهربين والمرتشين، وداخل أقسام الشرطة، وعلى أبواب لجان الاقتراع؟
لماذا يمتد الحكم بطغاتكم كلما زايدتم في تدينكم الزائف، بل بررتم جريمة الجرائم بأنها طاعة ولي الأمر كما بينه لكم علماء تحللت عظامهم منذ مئات الأعوام، ولا يزالون يتحكمون في حياة كل منكم؟
لماذا أصبحت المحرمات عندكم مرتبطة بالجنس والمرأة، واعتبار أم وأخت وابنه وزوجة كل منكم فتنة على الرجال الآخرين، وأن وجهها يثير الشهوة في أي ذكر يراه، وأن مهمة ذكور الأمة هي حماية إناثها من المسلمين الآخرين، وكأن القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة والتربية والأخلاق والضمير والإيمان والتمدن والتحضر والعقل والمشاعر الراقية كلها لم تعد تؤثر قيد شعرة في المسلم فلففتم المرأة في قماش أسود، وأوهمتوها بأن هذه أوامر إلهية، وأن العزيز المتعال الواحد الأحد سيغضب عندما يرى شاب وجه ابنة عمه، ويشاهد تلميذ وجه مُدَرّسته؟
لماذا أصبح الكلام كثيرا، بل مجانا في كل ساعات الليل والنهار ولا يكترث المسلم إن كان سلوكه مرتبطا بلسانه لأن منطق المزايدة يبرر للجميع ما يفعله الجميع؟
لماذا يجد الطغاة سبيلهم سهلا ومعبدا ومختصرا لبلاد المسلمين؟
لماذا لا تحرك الكلمات التي أقامت دينا هَزّ أركان الأرض، وارتعشت منه أيدي كل الطغاة، وتهاوت أمام أتباعه امبراطوريات، فتقف تلك الكلمات أمام مسلمي العصر الحديث عاجزة عن تحريك صخرة صغيرة من موضعها، فالمسلمون يعبدون إما مستبديهم وزعماءهم ومزوري إرادتهم أو يمنحون رقابهم لأمراء الجماعة أو المرشدين أو العلماء بحجة أن الطاعة واجبة، وأن هؤلاء يملكون مفاتيح السر الأعظم في الاسلام الحنيف، ولم تفهموا أن الاسلام لكم جميعا منذ بداية الدعوة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها؟
أيها المسلمون،
لا تجعلوني عاطلا عن العمل فأنا لازلت في مرحلة التحدي الكبير، وأكاد أسمع الملائكة مرة أخرى وهي تقول للعزيز الجبار: أتجعل فيها من يُفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك؟
لماذا لا تنهاكم صلاتكم عن الفحشاء والمنكر والبغي، مثل الصمت تجاه الرشوة، والغش في البيع والشراء، وايجاد مبررات لطاغيتكم في معظم بلاد المسلمين، ففي ليبيا يصلي العقيد لله أمامهم وهم يتوجهون له أمام الله، وقريبا تمر أربعون عاما ولم توقظ كلمات الله اخوانكم الليبيين من غفوتهم واستحمارهم الذي يمارسه مستبد متخلف؟
وفي تونس سيحتفل قاتلهم بمرور عشرين عاما، ولا تزال روحُ الإيمان عاجزة عن اكتشاف المنكر والفحشاء في سيد القصر!
وفي الجزائر تركتُ شياطين الإنس من الجنرالات والاسلاميين يتقاتلون، فالذين دفعوا من أرواح أبنائهم مليونا ونصف المليون من الشهداء في حرب التحرير، أضافوا إليها مئة ألف أو يزيدون في حرب أهلية كأن لسان حالهم يقول: لماذا يسقط مثلهم في حرب لبنان الأهلية ونحن لا ندفع ثمن الغباء الاستعلائي؟
أيها المسلمون،
لا أنكر أنني سعيد بكم في هذا الزمن فقد تراكمت بين أيديكم في عصر أكبر تطور علمي وتكنولوجي واتصالاتي كنوز العالم القديم والجديد، وبلمسة من الاصبع يستطيع المسلم أمام شاشة صغيرة أن يقرأ في العلوم والآداب والفلسفة والانسانيات والتفسيرات والمقارنات، ويتابع خصوم دينه، ويقرأ عشرات الآلاف من المواقع المعادية له فتحثه على التفكر والتدبر ونبذ الاسرائيليات والتبرؤ من آلاف الحكايات التي جاءت في كتب الأٌقدمين وأصبحت عبئا على المسلم، ونقطة ضعف في دفاعه عن الاسلام، ومنفذا لخصوم دينه، وقيدا على عقله، لكنه يحمل معه زمنا غير زمنه، ويدافع عن أناس لم يرهم أو يسمعهم أو يعرف مشهدا من زمانهم!
أعترف لكم بأن اكتشافكم القرآن الكريم من جديد وعرض السُنّة النبوية الشريفة على كتاب الله، فإن وافقها فهي منه، كان أكثر ما يقلقني، ويثير خوفي، ويضعف حجتي، ويجعل وسوستي لكم أمرا شاقا، لكن الذي حدث فاق كل تخيلاتي وتوقعاتي، فأنتم على استعداد لاهانة العقل واهالة التراب عليه والدخول في جدال عقيم ورفع السيوف فوق رقبة كل من تُسَوّل له نفسه الطلب منكم أن تعيدوا قراءة كتاب الله العظيم في زمنكم ولزمنكم، فأنتم تخشون استخدام العقل، لأن فيه التزامات تشق عليكم، فسيطلب منكم حرية العقيدة، وترك الناس يختارون دينهم ومذهبهم وطائفتهم. وفيه التزام أخلاقي بالتسامح تجاه الآخرين، وبأن من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا.
أيها المسلمون،
لماذا خنقتم أنفسكم، وربطتم ألسنتكم، وكبلتم أيديكم، وسددتم كل فتحة لتهوية العقل أمام أكبر خصومه وهي الفتاوى الفجة والساقطة والحمقاء والهابطة فلم يعد للانسانية أي معنى، وللاجتهاد أي فائدة فأنتم تستفتون في كل شيء كأنكم أصبحتم عبيد أناس عاشوا منذ مئات الأعوام وأورثوكم حبلا غليظا يلتف حول كل مسامات الجسد والعقل؟
تسألون عن زواج الجنية من مسلم، وعن فحولة الرجل وانتصابه الدائم في الجنة فهو لا يتوقف عن ممارسة اللذة مع عشرات من الحور العين، وعن خروج المرأة ولو كانت أستاذة جامعية أو مربية أجيال من بيتها بدون مَحْرَم، وعن الجلوس أمام شاشة الكمبيوتر فتبحث الفتاة في العلوم والآداب واللغات، وأنتم تستفتون إن كان جلوسها بدون مَحْرَم في بيتها، وفي غرفتها وفوق فراشها حراما أم حلالا!
فتاوى أكثر خطرا من كل الحروب التي شنها خصوم المسلمين عليهم، فإذا سألتَ مسلما فلديه إكليشيه جاهز يجنبه مشقة التفكير، بل يحرضه على ملاسنة وطعن من يدعوه للتعقل، فالعقل، كما يراه المسلم، هو في لسان شيخ جليل يقرأ في الدين ولو كان لا يعرف عن العصر ذرة من علوم الدنيا.
أيها المسلمون،
لماذا تستفحل الأمية في دياركم، والأمراض في أجسادكم، والتخلف في مدارسكم وجامعاتكم، والقسوة مع رجال أمنكم، والطائفية في فكركم، والرشوة في معاملاتكم، وتكثر السجون والمعتقلات، ويشير الحاكم المستبد لأي عدد من رجال أمنه فيتحولون إلى وحوش كاسرة لا يردعها دين، وتجد أمامها حملانا خائفة لا يمنحها الدين القوة، ونبل المعارضة، وجمال الرفض، والإيمان بأن الانسان كرّمَه الله فلا يجب أن يحني جبهته لغير الله العزيز الحكيم؟
معجزة القرآن الكريم هو أنه لكل زمان ومكان، أي أنكم تستخرجون منه ما يجعلكم حَمَلة مشعل الحضارة والتمدن والتحضر والعلم والأخلاق والحرية، فإذا بكم تُحَضّرون أرواح الموتى، وتسألون مَنْ مرت على صعود روحه ألف عام عن معنى كلمة ( اللهو ) في أبلغ كتاب بلغتكم، فتقول لكم روحه بأنه كان يقصد الموسيقى والغناء ولو كان وطنيا ودينيا ويتغزل في الطبيعة، ويمتدح الجمال، وينقل للروح غذاء ينقيها وينعشها ويسعد صاحبها بهجة وغبطة، بل إنكم تنسبون إلىَّ كملك العصاة أن الكلمات الراقية الجميلة التي ينسجها مبدع ويضع موسيقاها من كان جمال الحياة توأمه هي مزامير الشيطان، وكأنكم تتغزلون في إبليس، وتمتدحون ذوقه الرفيع!
أيها المسلمون،
حرّضتكم على القسوة والغلظة، لكنكم بالغتم في الاستجابة ولم يعد القتل ازهاق الروح فقط، إنما التمثيل بالجثث في شوارع دارفور ومقديشيو وبغداد وفوق جبال الجزائر وفي شوارع الدار البيضاء وداخل سجونكم ومعتقلات طغاتكم في الخرطوم وأم درمان ودمشق وطرابلس وبنغازي والقاهرة ووادي النطرون وتونس والعاصمة الأردنية، وفي باكستان ونيجيريا وأفغانستان..
ستقولون وهل الشيطان يوسوس للمسلمين فقط؟
الحقيقة أن مهمتي منذ أن عصى آدم ربه فغوى إلى أن يُنفخ في الصُوْر فتأتون لربكم أفواجا هي الانسان بغض النظر عن دينه ومذهبه، وهو عدوي الذي رفضت السجود لأبيه وقلت لربي: أأسجد لمن خلقت طينا؟
وحديثي إلى المسلمين لا يبريء غيرهم فلليهود تاريخ طويل معي، وللمسيحيين حكايات لا حصر لها فحروبهم وقتالهم ومذابحهم تنوء عن حملها الجبال، ومنذ زمن ليس ببعيد أزهقت حرب عالمية مجنونة أرواح خمسين مليونا من البشر لم يكن فيها أي يد للمسلمين كالمؤودة تماما، بأي ذنب قُتِلَت؟
والمسلمون لم يقتلوا مليونا من الأبرياء في رواندا عام 1994، وتعرضوا لمذابح في البوسنة، وقامت الحضارة المسيحية في أمريكا اللاتينية على ابادة السكان الأصليين إبادة تامة، وكذلك فعل المغامرون الجدد للعالم الجديد الذي أصبح فيما بعد هراوة الدنيا وعصا من لا يطيع سيد البيت الأبيض.
إنني عدو للانسان في كل زمان ومكان، وحتى لو لم يكن له دين، فستالين قتل من شعبه ستة ملايين شخص، وبول بوت ذبح ثلث سكان كمبوديا،وقسوة أصحاب الأديان الأرضية والسماوية تعادل نفس قسوة وغلظة اللادينيين والملحدين والحائرين ، فالانسان لا يتغير إلا بالتربية والفضيلة والعقل، وهنا يستطيع أن يتحداني.
أيها المسلمون،
رسالتي إليكم لا تعني تبرئة الآخرين أو الانحياز إليهم، فإذا كان الله يرسل أنبياءه ورسله لتعليم الناس كيفية الثبات على الهدى والحق والعدل والتسامح، وأن يعبدوا الله ويعصوني، فإن حديثي اليوم إليكم هو مكاشفة حقيقية عن هذا الخلل الذي أصاب وعدَ التحدي، فالمفترض أنني أزيّن لكم الآثام والذنوب، وأحرّضكم على تفاحة الخطيئة ما دامت في الجسد الانساني روح، وفي القلب حياة تنبض، وتلك هي متعة التحدي الأكبر، فأغوينّكم أجمعين إلا عبادَ الله المخلصين.
لكن تهافتكم في زمنكم الأغبر هذا، وضعفكم الذي جعل الحقير والسفيه والمتخلف والاستعمار الوطني والاستعمار الخارجي وساديي العهد، وزبانية الطغاة، وكلاب القصر، ولصوص الزعيم، وقساة الأمن، ومزيفي الارادة، وفقهاء السلطة، وعلماء التدليس، ومثقفي البهتان، ورواة حكايات التلفيق يتولون مهمتي والعمل ككتيبة مساعدة تعجّل في جعلكم ملتصقين بذيل ركب الأمم.
متعة التحدي سرقتموها مني عندما لم تستوعبوا وتكتشفوا عظمة كلمات السماء إلى أهل الأرض، والسر الالهي في كتاب الله العزيز، فانشغلتم بالقشور، وقمتم بتسطيح أهم وأقدس تعاليم سامية، ولم تحاولوا فهم ( الله أكبر )، فقد كانت أكبر منكم فصغرتم أمامي.
مشغولون أنتم بحروب الكراهية، فالآخر كافر، وغير المقتنع بدينكم مرتد ينبغي أن يستتاب وأن يعود صاغرا للاسلام ولو كان على نفاق، فالأهم لديكم من القرآن الكريم طاعة رجال عاشوا أزمنة بعيدة فعبدتم نصوصهم ولو تناقضت مع كتابكم المجيد.
ماذا سيحدث لي إذا اكتشفتم السر الالهي في القرآن الكريم؟
أغلب الظن أن عملا شاقا ينتظرني، وأن روح الله التي نفخ منها في الانسان فكرّمَه ونعّمَه ستنتفض فجأة، لتقع على ما أغمضتم عيونكم عنه زمنا طويلا.
في دينكم الحرية تسبق ما عداها من كل القيم، فهي الخيار بين الخير والشر، وهي عنوان التكريم الالهي لمن رفضتُ السجود له، وهي التي تحميكم من الفتنة الطائفية والحروب الأهلية والسيارات المفخخة والجلوس باستكانة وذل ومهانة أمام سيد القصر.
الحرية تساوي بين الجميع، وتجعل العبادة لله الواحد القهار في إعمال الفكر مثنى وثلاث ورباع وعشار وسبعين مرة.
الحرية تحميكم من عبودية النصوص، وتقرّبكم من النص الأقدس الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه .. تنزيل من لدن حكيم خبير.
الحرية تعني أنك تحترم خيارات الآخرين أو حتى ما جدوا عليه أنفسهم، مسيحيين، وبهائيين وقاديانيين وبوذيين وشيعة وسُنة ولا دينيين وحائرين وباحثين عن الحقيقة وخارجين من عقيدة استعدادا لاعتناق أخرى.
الحرية تعني أنك انسان، وتختار، ومسؤول أمام الله يوم لا ينفع مال ولا بنون، وأن حياتك كلها مشاهد مختلفة وكثيرة من المهد إلى اللحد، فليس من حق أحد أن يستقطع منها جزءا ويتهمك في دينك وعقلك وفكرك.
الحرية تعني الانسانية بأسمى وأجمل ما فيها، ونفسٍ وما سوّاها، فألهمها فجورَها وتقواها، وهنا يصبح الاختيار طوعيا ويحق لصاحبه أن يقف أمام رب العزة مؤكدا أنه اختار هذا الطريق فيُخرج له العلي القدير كتابا يلقاه منشورا، اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا.
الحرية هي أن تتسامح مع خيارات الآخرين، ولا تخشى على دينك وقرآنك المجيد وأتباع عقيدتك، فالزبد يذهب جفاء ويبقى في الأرض ما ينفع الناس.
الحرية ترفع من شأن الانسان، وتنهي عهود عبودية نصوص الأقدمين ويبقي منها ما يخاطب العقل والمنطق ولا يتعارض مع زمنك وحياتك وخياراتك.
الحرية تعني عدالة في التحدي الذي وضعتُه أمام رب العزة، فأنا أوسوس للانسان الحر، أما الضعاف الذي سلّموا أمر قيادهم لرجال مثلهم فهؤلاء أصغر من أن أوسوس لهم لأنهم يتبرعون بدعمي في معركة خطيئة التفاحة حتى يوم القيامة.
إن يوم اكتشافكم أن الله أكبر، وأنْ لا حدود للبحث العقلي، وأن الله هدى الانسان النجدين، هو يوم بداية مهمتي الصعبة والشاقة، وما عدا ذلك فأنتم قادرون على التطاحن والتقاتل وشن حروب طائفية واستدعاء معارك من بطن التاريخ وافتعال حقائق كاذبة لتسفيه الآخر واعتبار كل واحد منكم يملك الحق المطلق فلا يتوانى عن فرضه بحد السيف.
منذ بدء مهمتي لم أعثر على سلاح تمدونني به أفضل وأحَدّ وأسهل من عشرات الآلاف من الفتاوى التي جعلتكم عبيدا لأصغر وأبلد تلاميذي، ولو علمتم أن الله أكبر، وأنني سأتبرأ منكم يوم القيامة كما يتبرأ الذين أتبعوا من الذين إتُبعوا، لسارعتم باللجوء إلى عبقرية الحرية المؤدية إلى الاجتهاد والخطأ مرة واثنتين ومئة مرة.
أيها المسلمون،
ألا تخجلون من أنفسكم وأنتم تدخلون مساجدكم للصلاة فإذا أماكن الوضوء والطهارة أكثر قذارة من الشوارع المجاورة؟
ألا تخجلون عندما تتحدثون عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فتزداد مع الحديث كل الخطايا والذنوب والجرائم والسرقات وتهريب المخدرات والرذيلة المتخفية؟
ألا تخجلون وأنتم معادون للعقل، ومخاصمون للكتاب، ومتوجسون خشية من الحضارة والتقدم والآخر؟
ألا تخجلون وأي معتوه أو متخلف عقلي أو معاق ذهنيا يحكمكم بالحديد والنار، ويلتف حوله مسلمون مثله يذيقونكم سوء العذاب، وتطيعون بأخس وأحط مسكنة ومذلة سادتكم وكبراءكم ولو سرقوكم ونهبوكم وخطفوا اللقمة من أفواه أولادكم؟
كأنني أسمع ضحكات زعمائكم في قصورهم المعمورة بخيرات بلادكم وكل منهم يقسم بأن فضل استمراره سيدا عليكم يعود إلى أن الدين تستخدمونه كما يتعاطي المدمن مخدرات تغيّبه في عالم آخر.
أيها المسلمون،
انتفضوا، وتحرروا، واجتهدوا، وتسامحوا مع مخالفيكم، وآمنوا بأن قرآنكم المجيد يمكن أن يحرركم بمفرده دون حاجة لعبادة نصوص الأقدمين، فهو لكل الأزمان ولكل العقول ولكل الاجتهادات.
إنني غاضب عليكم لأن ما ظننت أنه عمل أكثر مشقة ووعورة واجهادا جعلتموه أنتم لي كأنه ( لعب عيال )، بل لم أعد أحتاج للوسوسة، فأنتم تعينونني وتحملون العبء عني.
ساعدوني لتكون مهمتي في التحدي على قدر نفخة الروح فيكم، فأنتم في صراع دائم، وكل منكم قاض وخصم وجلاد وسجان ضد أخيه إن اختلف معه أو بدا أنه فتح كوة صغيرة للاجتهاد، فتحملون عليه سيوفا مسلطة مدّعين أن الاقتراب من الدين له شروط لا تتوافر إلا في العلماء والفقهاء الدارسين لأصول الفقه والشريعة، أي تم اغلاق الدائرة عليهم، وما عليكم إلا السمع والطاعة.
أما لو اكتشفتم السر الالهي في أن الله أكبر، وأن الانسان مخلوق من حرية، وأن العقل سيد المخلوقات، فإن مهمتي ستصبح نحتا في الصخر، وربما أُعلن هزيمتي قبل يوم القيامة!
الحديثُ إليكم وعنكم ذو شجون وأحزان، فعندما تحديّت ربَّ العزة ورفضتُ السجود لابيكم آدم، ذهب الظن بي أن مهمتي ستكون صعبةً للغاية، وأن الانسانَ يستطيع التمييز بين الخير والشر، وأن تجاربه السيئة مع وسوستي ستجعله حذِراً، ولا يقع في الفخ مرتين، فإذا به يقع في خلال عمره آلاف المرات ولا يتعلم من تجاربه رغم أن فيه نفخة من روح الله.
عندما انتهت مهام كل الرسل والأنبياء الذين أ&Ntl; أرسلهم الله لهداية البشر، جاءت الرسالة الأخيرة لتكون رحمة للعالمين بين يدي محمد بن عبد الله، صلوات الله وسلامه عليه.
وازداد خوفي، وكدت أتراجع عن التحدي الذي قلت فيه لرب العزة لأغوينهم أجمعين، إلا عبادك منهم المخلصين.
لن أحدّثكم الآن عما فعلتُه مع الذين دعاهم أنبياء الله ورسله إلى كلمة الحق والهداية طوال آلاف السنين.
ولن أتصفح أمامكم التاريخ منذ بداية البعثة المحمدية، على صاحبها أفضل الصلاة والسلام، لكنني سأتحدث معكم لغةً تعرفونها، ومنطقا لا تنكرون وجوده، وأصف لكم مشاهد تعيشونها وتعايشونها، بل تصنعونها بدقة متناهية.
أشعر معكم أنني أصبحت عاطلا عن العمل، بل أجزم بأن مهمتي في الحقب الماضية كلها لم تكن بمثل تلك السهولة التي تجعلني راغبا في حثكم على الفضيلة والأخلاق والرحمة والتسامح لعل هذا يُعيد مهمتي إلى دائرة التحدي التي تليق بمَلك الخطايا، إبليسكم ورافض السجود لابيكم آدم الذي خلقه الله من طين وخلقني من نار.
بين ايديكم كتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وبلغة تعرفونها، ويدعوكم إلى المحبة والخير والسلام والتسامح، لكنكم تُحرّفون الكلمَ عن مواضعه، وتقومون بتأويل كلام العزيز الوهاب حتى لو كان أوضح من قمر في تمام بدره.
يقول لكم ربكم ( من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)، ولا أحسب أن الأمر يحتاج لعلماء وفقهاء ومفسرين ولغويين واستنتاجات، فإذا بكم تضربون عُرض البحر بأقدس كلام لديكم، وتبحثون في كتب الأولين عن اسرائيليات أو آراء مخالفة أو فكر مسرور السيّاف، لتقطعوا رقاب من لا يؤمنون أن حرية العقيدة مشروطة بالبقاء في العقيدة نفسها، أي أنكم ترفضون كلام ربكم، وتبحثون عن مبررات واهية تسمح لكم بقطع الرقاب، واستخدام تعبير المرتد وكأنكم تفرضون على من يطيع كلام الله، ويختار بمحض ارادته دينه وعقيدته ومذهبه أن يستشير أولا العلماء والفقهاء ليفسروا له ما لا يحتاج لتفسير.
ما الذي دهاكم وجعلكم تسارعون إلى القشور، وتلتفون حول صغائر الأمور، وتحتقرون العقل كأنه خصم للايمان رغم أن الطريق المؤدي إلى مناهضتي، وعصياني، ورفض وسوستي يبدأ من العقل .. وليس من الايمان.
العقل يؤدي في كثير من الأحيان إلى الايمان القوي والصلب والعميق والمقنع، أما الايمان كبداية فربما يقف حائرا أمام اغراءات أقدمها أنا، وألصق بها تبريرات أعرف تماما أنكم لن تعرضونها على العقل.
الايمان أولا جعلكم تتقاتلون على بديهيات، وترفعون السيوف فوق المصاحف، ويظن كل منكم أن الله منحاز إليه فقط.
أما العقل الذي يؤدي إلى الايمان فيتولى عملية الغربلة، والتفنيد، والمناقشة، وعرض التناقضات في أوسع دائرة ليراها كلها ويميز بينها.
بحثت عن بعض الأماكن التي يتميز فيها المسلمون بكثرة العدد والعدة والعلماء والشيوخ والفقهاء وكل دعاة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فما وجدت أسهل من العمل بها، بل لا أبالغ إن قلت لكم بأني جنحت إلى التكاسل والخمول والنوم مبكرا، فأنتم تقومون بمهمتي، فإذا استيقظت وجدتكم تتفوقون على امكانياتي الهائلة، فيذبح الشيعة اخوانهم السُنّةَ، ويفجر السُنّةُ أجسادهم في اخوانهم الشيعة، وكل طائفة تقف أمام كم هائل من الكراهية استدعتها عبر عشرات الآلاف من الاعمال الخلافية التي تنام في بطون الكتب فتوقظها حماقة تتورم في رأس المسلم، فيظن الشيعي أنه يملك الحق المطلق، ويؤمن السني أن عقيدة الشيعي باطلة إلى يوم القيامة.
كأن كل واحد منكم اختار بطن أمه، بل عرف مذهبه وهو نطفة ثم علقة ثم مضغة.
خلافاتكم الفكرية أكثر دموية من الحروب نفسها، وبدلا من أن تنطق ألسنتكم بالحقيقة المُرّة وهي أنكم تساهمون معي في تسهيل مهمتي، فإنكم تُصرّون أن الله منحاز إلى السُنّي أو الشيعي أو عضو جماعة اسلامية أو طائفة من المعتزلة أو الخوارج أو عشرات، بل مئات من الجماعات المنشقة.
دعوني أعترف لكم بأنه مَرّ عليّ حينٌ من الدهر كنت خائفا أن يكتشف المسلمون عبقرية الاسلام، وسماحة هذا الدين الحنيف، وقيمة الحرية في صلب العقيدة، والايات البينات التي لا تحتاج لتفسير أو تأويل.
كنت خائفا أن تعرفوا القيمة السامية والكبرى لفكرة خاتمة الرسالات السماوية، أي العقل والتطور والنضوج واكتشاف المناطق المجهولة في النفس الانسانية، ومحاربتي كشيطان رجيم بطرق حديثة، وعقل تراكمت أمامه كل فلسفات التاريخ وتجاربه ومشاهده، لكنكم فضّلتم الانحياز إلى الطرف الذي أمثله، فتتقاتلون على تمرة، وتمارسون عبادة الأشخاص، وتلقون العقل في سلة المهملات من أجل الحفاظ على ما وجدتم عليه آباءكم.
كنت أرتعد رعبا وفزعا أن تكتشفوا الاسلام العظيم على حقيقته، وأن تعرفوا أن زمنكم غير أزمنة سابقة، وأن مهمتكم تختلف وفقا لما تتعرضون له من مخاطر، وتؤرقكم هموم لو مَرّت كالسهم أمام أجدادكم في زمن غابر لما تمكنوا من الصمود يوما أو بعض اليوم.
خشيت أن تعثروا على عبقرية الدين، فتعرفون أن محاربتي كملك العصاة إبليس اللعين تبدأ من العقل، وتمر بالتسامح تجاه الآخرين، وتضحكون على خلافات الأقدمين، وتنبذون ما يفرق شملكم، وتتركون حرية العقيدة لحماية الاسلام، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر.
كدت أسقط من الخوف عندما مَرّت بذهني أوهام اكتشافكم سماحة الاسلام في التعامل مع الآخرين، وبأن الزبد يذهب جفاء ويبقى في الأرض ما ينفع الناس، لكنني استلقيت ضحكا وسعادة ومرحا عندما وجدتكم تجهدون أنفسكم في البحث عن المتناقضات، وتحللون الدماء كأن القتل هو الطريق إلى الجنة، وتشككون في بعضكم، وترفضون سبل افتراض حُسن النيّة، فالسيف على رقبة المخالف، ولو كان كاتبا أكاديميا نشر كتابا لا يقرأه ثلاثون أو أقل من أربعين أو أكثر من عشرين شخصا.
خرجت من رأسي حمم من شواظ من نار عندما تناهت إلى سمعي همهمات رجال يحبون الله، ويؤمنون بأنه الأكبر، ويريدون ترك حساب الآخرة لملك الملوك.. الخالق الوهّاب، فحرية العقيدة فيها هزيمتي المنكرة واقع حتمي ولو بعد حين، والانسان عندما يختار دون وَجَلٍ أو خوف من عقاب أو سيف بتّار يلمس رقبته فإنه ينحاز إلى العقل، وحينئذ يشرق الاسلام من جديد.
ثم هدأتُ قليلا، وبعدها ركنت إلى ركن قَصيّ أضحك ملء وجهي فقد اخترتم طريقا آخر يُسَهّل مهماتي الملقاة على عاتقي منذ بدء الخليقة.
أيها المسلمون،
التحدي الذي وعدتُ به العليّ القديرَ أن أزيّن لكم المعاصي، وأحول بينكم وبين طريق الحق، وأجعل حياة كل منكم تدور حول صغائر الأمور كان صعبا في بعض الأزمنة وذلك عندما ازدهرت الحضارة الاسلامية وأضحى فقهاءُ الدين علماءَ في الفلك والطب والفلسفة وعلم النفس والتاريخ والجبر والاجتماع، وكان النقاش يدور حول كل شيء من الالحاد إلى أدق مشاهد الأحاديث الجنسية, فالحرية الفكرية تكاد توردني الردى.
أما في هذا الزمن فأينما وليّت وجهي وجدتكم ترحبون بي، بل تزيّنون لي أخطاءكم وخطاياكم.
في احدى الأمسيات تبادر لذهني الإبليسي العتيد أن أسمعكم على البال توك، وقلت لنفسي لعل هؤلاء الذين يتعاملون مع العلم والتقدم والكمبيوتر وكنوز المعلومات التي لا تنتهي سيكتشفون طريق العقل والمنطق والاستنتاج المستقيم والاستدلال بالموضوعية، فإذا أنا أمام سيارات مفخخة من الكراهية يؤكد الانتحاري الإنترنيتي أن الله منحاز إليه، وأن الطائفة الأخرى سيُحمىّ عليها في نار جهنم خالدين فيها، وأن تاريخ المخالفين لهذا المسلم المفخخ يبدأ بالتزوير وينتهي بتزييف أوراق الدين.
آلاف من المسلمين يحاربون مخالفيهم من المسلمين الآخرين، ويلعن الشيعةُ اخوانَهم السُنة، ويدعو السُنّة ربَّ العالمين أن يُنَزّل غضبَه على اخوانهم الشيعة.
قلت لنفسي: تلك معارك صنعها المسلمون لمساعدتي في التحدي الالهي، وأنني لا أحتاج كثيرا لأغوينهم أجمعين أو أكثرهم.
ماذا لو أنني ركزت الجهد في الوسوسة داخل أرض الكنانة، فهي مُحَصّنة بالطهر والعفاف، وفيها الاخوان المسلمون منذ عام 1928، وترتفع عشرات الآلاف من المآذن في سمائها من الثغر وحتى الحدود السمراء لشريكهم في النيل الخالد .. السودان، وكل المسلمين يتحدثون في الدين وعن الدين في اليقظة والمنام، ونساء أم الدنيا يرتدين الحجاب، وكل من تظهر خصلات شعرها تردعها نظرات غاضبة، فإذا ارتدت الحجابَ كنتيجة طبيعية للعقل الجماعي فإن الدعوة للنقاب لا تتوقف؟
وكانت المفاجأة التي كادت تصيبني في مقتل قبل يوم القيامة. فكل مظاهر التدين الذي احتفلتم به لم تجعلكم تتعرفون على طريق الاسلام الصحيح، ومع دخول الدولة كلها من شبابها ورجالها ونسائها إلى اعلامها ومسؤوليها وفنانيها وسياسييها مرحلة المزايدة الدينية، لم يعد الأمر يحتاج مني إلا أن أبعث أحد تلاميذي الأكثر بلادة وغباء وتخلفا طالبا منه أن يتولى بنفسه مهمة الوسوسة في أعرق بلاد الدنيا.
الصورة الظاهرة هي مجتمع اكتشف هويته في لعبة المزايدة الدينية، والصورة الحقيقية أكثر هولا من زلزلة الساعة، فعدد مدمني المخدرات ناهز نصف المليون غائب عن الدنيا، والفساد نخر في عظام الدولة كلها، والرشوة لا تتعارض مع الصلاة، والغيبة والنميمة خلف نقاب، والخمول والكسل والأمية والمحسوبية والواسطة والكذب شقت طريقها عندما اكتشف المسلمون أن الاسلام ليس مناهضة الظلم ومعارضة الاستبداد وأنه لا علاقة له بالجد في العمل، والشرف في المواثيق، والتسامح مع المخالفين، واعتبار الغش أكبر الجرائم وأحط الخطايا في عرف الرسالة السماوية.
في مصر كل المسلمين دعاة، وكل الدعاة قضاة، وكل القضاة يحملون سيف العدالة ويدافعون عما وجدوا عليه آباءهم، لكنك لا تستطيع أن تنجز مهمة واحدة في مكان يغلب على العاملين فيه الطابع الديني وتنتشر اللحية والحجاب والنقاب إلاّ أن تضع يدك في جيبك وتنفح محدثك اكراميةَ غضِّ الدين الطرفَ عن الخطيئة.
قلت لنفسي لعل هناك جانبا ايجابيا من هذا التدين الذي اكتسح مصر كلها، فالتسامح قيمة قرآنية لا يخطئها إلا كفيف البصر والبصيرة، والتعامل مع شركاء الوطن .. أقباط مصر سيكون نموذجا لفهم المسلم دوره في توسعة رقعة التسامح والتراحم والعلاقات الجميلة والنبل الأخلاقي واحترام عقائد الآخرين واعتبار الوطن شراكة سامية ومميزة لاتفرق بين أحد منهم، لكنني وجدت المسلمين الجدد أكثر تعصبا وتشددا وتمييزا وتفريطا في حق الآخر أن يختلف عنهم، فبدأ عقد اجتماعي تاريخي ينفرط بين المسلم والقبطي.
وجدت في مصر ملايين المسلمين الذين لو دعاهم داع لتمرد أو عصيان أو رفض للمهانة أو تلاحم من أجل الكرامة أو اكتشاف الاسلام في الدفاع عن المظلومين والمضطهدين لما تحرك من تلك الملايين حفنة لا تهزّ صولجان طاغية، ولا تؤرقه هنيهة أو لحظة خاطفة، لكن هؤلاء المسلمين على استعداد لحشد مظاهرة مليونية للدفاع عن حق تلميذة مسلمة فرنسية في مدرسة في تولوز أو نورماندي أو بوردو أو مارسيليا لارتداء غطاء الشعر.
أيها المسلمون،
أريد أن استعرض قوتي أمام خالقي، وأن اشعر بلذة التحدي لنسل آدم، وأن تشتعل نار النار في جسدي أمام أتباع آخر الديانات السماوية، فبين أيديكم القرآن الكريم .. كلمة الله العليا، ورسالة السماء لأهل الأرض، لكنكم لم تكتشفوه بعد، ولم تتعرفوا على قوته وضعفي، ولا تعرفون أن توجيهات العلي القدير أكبر مما تستخرجون وتستنتجون، بل هي أسمى وأجمل وأعظم من كل ما تسمعون في فضائياتكم، ومن علمائكم وفقهائكم، ومن كل ما احتوت صفحات الكتب القديمة والحديثة والتفسيرات.
كلما حاول مسلم الدخول إلى أطهر مناطق الفكر الالهي السامي لعله يكتشف قوة الاسلام وعظمته، سحبتموه من رقبته، وعرضمتوه على مسلخة التكفير مستشهدين بآراء وأفكار وكتابات مضت عليها قرون عدة.
إنني خجل من الوسوسة لكم فقد أصبحتْ في زمنكم الجديد هذا أمرا هيّنا وسهلا ولا يحتاج مني أن أقوم من مكاني أو أتكلف جهدا فقد ظننت التحدي بعد رفضي السجود لابيكم آدم عملية شاقة، ومهمة مستحيلة.
أنتم مشغولون ومهمومون بتغطية الشعر واخفاء الوجه وتحريم الموسيقى والارتماء في أحضان ثلاث وسبعين حورية في الجنة تعود لكل منها عذريتها!
أنت مشغولون بالجن والعفاريت والدراويش والخلاف بين طوائفكم وتفاصيل الفتنة الكبرى منذ ألف وأربعمئة عام والثعبان الأقرع وعذاب القبر، وتتحايلون على القرآن الكريم، وتستخرجون عنوة منه ما يناسب ضحالة الفكر ، لا أن تكتشفوا فيه عظمة الكلمة العليا لرب العرش العظيم.
أنتم في حالة حرب مع النفس ومع المخالفين والمفكرين والمثقفين ومن يستخدم عقله، وتؤمنون بحدّ الردة رغم أنه مخالف تماما لكلمات بينات في كتاب الله العزيز.
أنتم غارقون في متاهات الفتاوى الفجة، وتريدون معرفة آراء العلماء في كل خطوة يخطوها المسلم أو شاردة أو واردة أو جماع مع الزوجة أو دخول الحمام أو قراءة كتاب أو الصلاة خلف إمام مدخن أو التعامل مع العلم الحديث أو زيارة غير المسلم في المستشفى أو تهنئة مخالفيكم بأعيادهم.
أنتم سيوف مُسّلّطة على من يجتهد، ويُعْمِل العقلَ، وينظر في ملكوت السماوات والأرض، ويلتزم أوامر العلي السميع في التفكر والتعقل والتدبر والاجتهاد.
لماذا لم تكتشفوا حتى الآن أن الخطيئة الكبرى والكفر البواح ومعصية الخالق تبدأ من السكوت على الحاكم الظالم، ورفض الخروج في مظاهرات يومية توجع الطاغية، وأن عدم مقاطعة مهينيكم ومذليكم من رجال الأمن يرقى إلى مرتبة الشرك بالله؟
لماذا لا يكون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في غرز تعاطي المخدرات وبين الغشاشين والفاسدين والمهربين والمرتشين، وداخل أقسام الشرطة، وعلى أبواب لجان الاقتراع؟
لماذا يمتد الحكم بطغاتكم كلما زايدتم في تدينكم الزائف، بل بررتم جريمة الجرائم بأنها طاعة ولي الأمر كما بينه لكم علماء تحللت عظامهم منذ مئات الأعوام، ولا يزالون يتحكمون في حياة كل منكم؟
لماذا أصبحت المحرمات عندكم مرتبطة بالجنس والمرأة، واعتبار أم وأخت وابنه وزوجة كل منكم فتنة على الرجال الآخرين، وأن وجهها يثير الشهوة في أي ذكر يراه، وأن مهمة ذكور الأمة هي حماية إناثها من المسلمين الآخرين، وكأن القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة والتربية والأخلاق والضمير والإيمان والتمدن والتحضر والعقل والمشاعر الراقية كلها لم تعد تؤثر قيد شعرة في المسلم فلففتم المرأة في قماش أسود، وأوهمتوها بأن هذه أوامر إلهية، وأن العزيز المتعال الواحد الأحد سيغضب عندما يرى شاب وجه ابنة عمه، ويشاهد تلميذ وجه مُدَرّسته؟
لماذا أصبح الكلام كثيرا، بل مجانا في كل ساعات الليل والنهار ولا يكترث المسلم إن كان سلوكه مرتبطا بلسانه لأن منطق المزايدة يبرر للجميع ما يفعله الجميع؟
لماذا يجد الطغاة سبيلهم سهلا ومعبدا ومختصرا لبلاد المسلمين؟
لماذا لا تحرك الكلمات التي أقامت دينا هَزّ أركان الأرض، وارتعشت منه أيدي كل الطغاة، وتهاوت أمام أتباعه امبراطوريات، فتقف تلك الكلمات أمام مسلمي العصر الحديث عاجزة عن تحريك صخرة صغيرة من موضعها، فالمسلمون يعبدون إما مستبديهم وزعماءهم ومزوري إرادتهم أو يمنحون رقابهم لأمراء الجماعة أو المرشدين أو العلماء بحجة أن الطاعة واجبة، وأن هؤلاء يملكون مفاتيح السر الأعظم في الاسلام الحنيف، ولم تفهموا أن الاسلام لكم جميعا منذ بداية الدعوة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها؟
أيها المسلمون،
لا تجعلوني عاطلا عن العمل فأنا لازلت في مرحلة التحدي الكبير، وأكاد أسمع الملائكة مرة أخرى وهي تقول للعزيز الجبار: أتجعل فيها من يُفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك؟
لماذا لا تنهاكم صلاتكم عن الفحشاء والمنكر والبغي، مثل الصمت تجاه الرشوة، والغش في البيع والشراء، وايجاد مبررات لطاغيتكم في معظم بلاد المسلمين، ففي ليبيا يصلي العقيد لله أمامهم وهم يتوجهون له أمام الله، وقريبا تمر أربعون عاما ولم توقظ كلمات الله اخوانكم الليبيين من غفوتهم واستحمارهم الذي يمارسه مستبد متخلف؟
وفي تونس سيحتفل قاتلهم بمرور عشرين عاما، ولا تزال روحُ الإيمان عاجزة عن اكتشاف المنكر والفحشاء في سيد القصر!
وفي الجزائر تركتُ شياطين الإنس من الجنرالات والاسلاميين يتقاتلون، فالذين دفعوا من أرواح أبنائهم مليونا ونصف المليون من الشهداء في حرب التحرير، أضافوا إليها مئة ألف أو يزيدون في حرب أهلية كأن لسان حالهم يقول: لماذا يسقط مثلهم في حرب لبنان الأهلية ونحن لا ندفع ثمن الغباء الاستعلائي؟
أيها المسلمون،
لا أنكر أنني سعيد بكم في هذا الزمن فقد تراكمت بين أيديكم في عصر أكبر تطور علمي وتكنولوجي واتصالاتي كنوز العالم القديم والجديد، وبلمسة من الاصبع يستطيع المسلم أمام شاشة صغيرة أن يقرأ في العلوم والآداب والفلسفة والانسانيات والتفسيرات والمقارنات، ويتابع خصوم دينه، ويقرأ عشرات الآلاف من المواقع المعادية له فتحثه على التفكر والتدبر ونبذ الاسرائيليات والتبرؤ من آلاف الحكايات التي جاءت في كتب الأٌقدمين وأصبحت عبئا على المسلم، ونقطة ضعف في دفاعه عن الاسلام، ومنفذا لخصوم دينه، وقيدا على عقله، لكنه يحمل معه زمنا غير زمنه، ويدافع عن أناس لم يرهم أو يسمعهم أو يعرف مشهدا من زمانهم!
أعترف لكم بأن اكتشافكم القرآن الكريم من جديد وعرض السُنّة النبوية الشريفة على كتاب الله، فإن وافقها فهي منه، كان أكثر ما يقلقني، ويثير خوفي، ويضعف حجتي، ويجعل وسوستي لكم أمرا شاقا، لكن الذي حدث فاق كل تخيلاتي وتوقعاتي، فأنتم على استعداد لاهانة العقل واهالة التراب عليه والدخول في جدال عقيم ورفع السيوف فوق رقبة كل من تُسَوّل له نفسه الطلب منكم أن تعيدوا قراءة كتاب الله العظيم في زمنكم ولزمنكم، فأنتم تخشون استخدام العقل، لأن فيه التزامات تشق عليكم، فسيطلب منكم حرية العقيدة، وترك الناس يختارون دينهم ومذهبهم وطائفتهم. وفيه التزام أخلاقي بالتسامح تجاه الآخرين، وبأن من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا.
أيها المسلمون،
لماذا خنقتم أنفسكم، وربطتم ألسنتكم، وكبلتم أيديكم، وسددتم كل فتحة لتهوية العقل أمام أكبر خصومه وهي الفتاوى الفجة والساقطة والحمقاء والهابطة فلم يعد للانسانية أي معنى، وللاجتهاد أي فائدة فأنتم تستفتون في كل شيء كأنكم أصبحتم عبيد أناس عاشوا منذ مئات الأعوام وأورثوكم حبلا غليظا يلتف حول كل مسامات الجسد والعقل؟
تسألون عن زواج الجنية من مسلم، وعن فحولة الرجل وانتصابه الدائم في الجنة فهو لا يتوقف عن ممارسة اللذة مع عشرات من الحور العين، وعن خروج المرأة ولو كانت أستاذة جامعية أو مربية أجيال من بيتها بدون مَحْرَم، وعن الجلوس أمام شاشة الكمبيوتر فتبحث الفتاة في العلوم والآداب واللغات، وأنتم تستفتون إن كان جلوسها بدون مَحْرَم في بيتها، وفي غرفتها وفوق فراشها حراما أم حلالا!
فتاوى أكثر خطرا من كل الحروب التي شنها خصوم المسلمين عليهم، فإذا سألتَ مسلما فلديه إكليشيه جاهز يجنبه مشقة التفكير، بل يحرضه على ملاسنة وطعن من يدعوه للتعقل، فالعقل، كما يراه المسلم، هو في لسان شيخ جليل يقرأ في الدين ولو كان لا يعرف عن العصر ذرة من علوم الدنيا.
أيها المسلمون،
لماذا تستفحل الأمية في دياركم، والأمراض في أجسادكم، والتخلف في مدارسكم وجامعاتكم، والقسوة مع رجال أمنكم، والطائفية في فكركم، والرشوة في معاملاتكم، وتكثر السجون والمعتقلات، ويشير الحاكم المستبد لأي عدد من رجال أمنه فيتحولون إلى وحوش كاسرة لا يردعها دين، وتجد أمامها حملانا خائفة لا يمنحها الدين القوة، ونبل المعارضة، وجمال الرفض، والإيمان بأن الانسان كرّمَه الله فلا يجب أن يحني جبهته لغير الله العزيز الحكيم؟
معجزة القرآن الكريم هو أنه لكل زمان ومكان، أي أنكم تستخرجون منه ما يجعلكم حَمَلة مشعل الحضارة والتمدن والتحضر والعلم والأخلاق والحرية، فإذا بكم تُحَضّرون أرواح الموتى، وتسألون مَنْ مرت على صعود روحه ألف عام عن معنى كلمة ( اللهو ) في أبلغ كتاب بلغتكم، فتقول لكم روحه بأنه كان يقصد الموسيقى والغناء ولو كان وطنيا ودينيا ويتغزل في الطبيعة، ويمتدح الجمال، وينقل للروح غذاء ينقيها وينعشها ويسعد صاحبها بهجة وغبطة، بل إنكم تنسبون إلىَّ كملك العصاة أن الكلمات الراقية الجميلة التي ينسجها مبدع ويضع موسيقاها من كان جمال الحياة توأمه هي مزامير الشيطان، وكأنكم تتغزلون في إبليس، وتمتدحون ذوقه الرفيع!
أيها المسلمون،
حرّضتكم على القسوة والغلظة، لكنكم بالغتم في الاستجابة ولم يعد القتل ازهاق الروح فقط، إنما التمثيل بالجثث في شوارع دارفور ومقديشيو وبغداد وفوق جبال الجزائر وفي شوارع الدار البيضاء وداخل سجونكم ومعتقلات طغاتكم في الخرطوم وأم درمان ودمشق وطرابلس وبنغازي والقاهرة ووادي النطرون وتونس والعاصمة الأردنية، وفي باكستان ونيجيريا وأفغانستان..
ستقولون وهل الشيطان يوسوس للمسلمين فقط؟
الحقيقة أن مهمتي منذ أن عصى آدم ربه فغوى إلى أن يُنفخ في الصُوْر فتأتون لربكم أفواجا هي الانسان بغض النظر عن دينه ومذهبه، وهو عدوي الذي رفضت السجود لأبيه وقلت لربي: أأسجد لمن خلقت طينا؟
وحديثي إلى المسلمين لا يبريء غيرهم فلليهود تاريخ طويل معي، وللمسيحيين حكايات لا حصر لها فحروبهم وقتالهم ومذابحهم تنوء عن حملها الجبال، ومنذ زمن ليس ببعيد أزهقت حرب عالمية مجنونة أرواح خمسين مليونا من البشر لم يكن فيها أي يد للمسلمين كالمؤودة تماما، بأي ذنب قُتِلَت؟
والمسلمون لم يقتلوا مليونا من الأبرياء في رواندا عام 1994، وتعرضوا لمذابح في البوسنة، وقامت الحضارة المسيحية في أمريكا اللاتينية على ابادة السكان الأصليين إبادة تامة، وكذلك فعل المغامرون الجدد للعالم الجديد الذي أصبح فيما بعد هراوة الدنيا وعصا من لا يطيع سيد البيت الأبيض.
إنني عدو للانسان في كل زمان ومكان، وحتى لو لم يكن له دين، فستالين قتل من شعبه ستة ملايين شخص، وبول بوت ذبح ثلث سكان كمبوديا،وقسوة أصحاب الأديان الأرضية والسماوية تعادل نفس قسوة وغلظة اللادينيين والملحدين والحائرين ، فالانسان لا يتغير إلا بالتربية والفضيلة والعقل، وهنا يستطيع أن يتحداني.
أيها المسلمون،
رسالتي إليكم لا تعني تبرئة الآخرين أو الانحياز إليهم، فإذا كان الله يرسل أنبياءه ورسله لتعليم الناس كيفية الثبات على الهدى والحق والعدل والتسامح، وأن يعبدوا الله ويعصوني، فإن حديثي اليوم إليكم هو مكاشفة حقيقية عن هذا الخلل الذي أصاب وعدَ التحدي، فالمفترض أنني أزيّن لكم الآثام والذنوب، وأحرّضكم على تفاحة الخطيئة ما دامت في الجسد الانساني روح، وفي القلب حياة تنبض، وتلك هي متعة التحدي الأكبر، فأغوينّكم أجمعين إلا عبادَ الله المخلصين.
لكن تهافتكم في زمنكم الأغبر هذا، وضعفكم الذي جعل الحقير والسفيه والمتخلف والاستعمار الوطني والاستعمار الخارجي وساديي العهد، وزبانية الطغاة، وكلاب القصر، ولصوص الزعيم، وقساة الأمن، ومزيفي الارادة، وفقهاء السلطة، وعلماء التدليس، ومثقفي البهتان، ورواة حكايات التلفيق يتولون مهمتي والعمل ككتيبة مساعدة تعجّل في جعلكم ملتصقين بذيل ركب الأمم.
متعة التحدي سرقتموها مني عندما لم تستوعبوا وتكتشفوا عظمة كلمات السماء إلى أهل الأرض، والسر الالهي في كتاب الله العزيز، فانشغلتم بالقشور، وقمتم بتسطيح أهم وأقدس تعاليم سامية، ولم تحاولوا فهم ( الله أكبر )، فقد كانت أكبر منكم فصغرتم أمامي.
مشغولون أنتم بحروب الكراهية، فالآخر كافر، وغير المقتنع بدينكم مرتد ينبغي أن يستتاب وأن يعود صاغرا للاسلام ولو كان على نفاق، فالأهم لديكم من القرآن الكريم طاعة رجال عاشوا أزمنة بعيدة فعبدتم نصوصهم ولو تناقضت مع كتابكم المجيد.
ماذا سيحدث لي إذا اكتشفتم السر الالهي في القرآن الكريم؟
أغلب الظن أن عملا شاقا ينتظرني، وأن روح الله التي نفخ منها في الانسان فكرّمَه ونعّمَه ستنتفض فجأة، لتقع على ما أغمضتم عيونكم عنه زمنا طويلا.
في دينكم الحرية تسبق ما عداها من كل القيم، فهي الخيار بين الخير والشر، وهي عنوان التكريم الالهي لمن رفضتُ السجود له، وهي التي تحميكم من الفتنة الطائفية والحروب الأهلية والسيارات المفخخة والجلوس باستكانة وذل ومهانة أمام سيد القصر.
الحرية تساوي بين الجميع، وتجعل العبادة لله الواحد القهار في إعمال الفكر مثنى وثلاث ورباع وعشار وسبعين مرة.
الحرية تحميكم من عبودية النصوص، وتقرّبكم من النص الأقدس الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه .. تنزيل من لدن حكيم خبير.
الحرية تعني أنك تحترم خيارات الآخرين أو حتى ما جدوا عليه أنفسهم، مسيحيين، وبهائيين وقاديانيين وبوذيين وشيعة وسُنة ولا دينيين وحائرين وباحثين عن الحقيقة وخارجين من عقيدة استعدادا لاعتناق أخرى.
الحرية تعني أنك انسان، وتختار، ومسؤول أمام الله يوم لا ينفع مال ولا بنون، وأن حياتك كلها مشاهد مختلفة وكثيرة من المهد إلى اللحد، فليس من حق أحد أن يستقطع منها جزءا ويتهمك في دينك وعقلك وفكرك.
الحرية تعني الانسانية بأسمى وأجمل ما فيها، ونفسٍ وما سوّاها، فألهمها فجورَها وتقواها، وهنا يصبح الاختيار طوعيا ويحق لصاحبه أن يقف أمام رب العزة مؤكدا أنه اختار هذا الطريق فيُخرج له العلي القدير كتابا يلقاه منشورا، اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا.
الحرية هي أن تتسامح مع خيارات الآخرين، ولا تخشى على دينك وقرآنك المجيد وأتباع عقيدتك، فالزبد يذهب جفاء ويبقى في الأرض ما ينفع الناس.
الحرية ترفع من شأن الانسان، وتنهي عهود عبودية نصوص الأقدمين ويبقي منها ما يخاطب العقل والمنطق ولا يتعارض مع زمنك وحياتك وخياراتك.
الحرية تعني عدالة في التحدي الذي وضعتُه أمام رب العزة، فأنا أوسوس للانسان الحر، أما الضعاف الذي سلّموا أمر قيادهم لرجال مثلهم فهؤلاء أصغر من أن أوسوس لهم لأنهم يتبرعون بدعمي في معركة خطيئة التفاحة حتى يوم القيامة.
إن يوم اكتشافكم أن الله أكبر، وأنْ لا حدود للبحث العقلي، وأن الله هدى الانسان النجدين، هو يوم بداية مهمتي الصعبة والشاقة، وما عدا ذلك فأنتم قادرون على التطاحن والتقاتل وشن حروب طائفية واستدعاء معارك من بطن التاريخ وافتعال حقائق كاذبة لتسفيه الآخر واعتبار كل واحد منكم يملك الحق المطلق فلا يتوانى عن فرضه بحد السيف.
منذ بدء مهمتي لم أعثر على سلاح تمدونني به أفضل وأحَدّ وأسهل من عشرات الآلاف من الفتاوى التي جعلتكم عبيدا لأصغر وأبلد تلاميذي، ولو علمتم أن الله أكبر، وأنني سأتبرأ منكم يوم القيامة كما يتبرأ الذين أتبعوا من الذين إتُبعوا، لسارعتم باللجوء إلى عبقرية الحرية المؤدية إلى الاجتهاد والخطأ مرة واثنتين ومئة مرة.
أيها المسلمون،
ألا تخجلون من أنفسكم وأنتم تدخلون مساجدكم للصلاة فإذا أماكن الوضوء والطهارة أكثر قذارة من الشوارع المجاورة؟
ألا تخجلون عندما تتحدثون عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فتزداد مع الحديث كل الخطايا والذنوب والجرائم والسرقات وتهريب المخدرات والرذيلة المتخفية؟
ألا تخجلون وأنتم معادون للعقل، ومخاصمون للكتاب، ومتوجسون خشية من الحضارة والتقدم والآخر؟
ألا تخجلون وأي معتوه أو متخلف عقلي أو معاق ذهنيا يحكمكم بالحديد والنار، ويلتف حوله مسلمون مثله يذيقونكم سوء العذاب، وتطيعون بأخس وأحط مسكنة ومذلة سادتكم وكبراءكم ولو سرقوكم ونهبوكم وخطفوا اللقمة من أفواه أولادكم؟
كأنني أسمع ضحكات زعمائكم في قصورهم المعمورة بخيرات بلادكم وكل منهم يقسم بأن فضل استمراره سيدا عليكم يعود إلى أن الدين تستخدمونه كما يتعاطي المدمن مخدرات تغيّبه في عالم آخر.
أيها المسلمون،
انتفضوا، وتحرروا، واجتهدوا، وتسامحوا مع مخالفيكم، وآمنوا بأن قرآنكم المجيد يمكن أن يحرركم بمفرده دون حاجة لعبادة نصوص الأقدمين، فهو لكل الأزمان ولكل العقول ولكل الاجتهادات.
إنني غاضب عليكم لأن ما ظننت أنه عمل أكثر مشقة ووعورة واجهادا جعلتموه أنتم لي كأنه ( لعب عيال )، بل لم أعد أحتاج للوسوسة، فأنتم تعينونني وتحملون العبء عني.
ساعدوني لتكون مهمتي في التحدي على قدر نفخة الروح فيكم، فأنتم في صراع دائم، وكل منكم قاض وخصم وجلاد وسجان ضد أخيه إن اختلف معه أو بدا أنه فتح كوة صغيرة للاجتهاد، فتحملون عليه سيوفا مسلطة مدّعين أن الاقتراب من الدين له شروط لا تتوافر إلا في العلماء والفقهاء الدارسين لأصول الفقه والشريعة، أي تم اغلاق الدائرة عليهم، وما عليكم إلا السمع والطاعة.
أما لو اكتشفتم السر الالهي في أن الله أكبر، وأن الانسان مخلوق من حرية، وأن العقل سيد المخلوقات، فإن مهمتي ستصبح نحتا في الصخر، وربما أُعلن هزيمتي قبل يوم القيامة!