[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
بخطوات متثاقلة خرج المواطن أبو محمود
خضر حانيا رأسه من باب خيمته القماشية نظرا لطول قامته، والتفت ببطء متفاديا
الحبال المشدودة بأوتاد خيمته، ليلصق على جانبها ثلاثة صور لأطفاله الشهداء سقطوا
بقذيفة مدفعية إسرائيلية إبان الحرب على غزة، قبالة شارع السلام المدمر شرق مدينة
جباليا.
الحزن الأبدي سكن في عيون الرجل الخمسيني
وهو يتأمل صورة ابنته الصغيرة " المدللة" ميساء، ومد يده متحسسا وجنتيها والدموع الساخنة
تفر من عينه، فلم يعد هناك من يداعبه بعد غياب ( ميساء 6 أعوام)، و(إبراهيم 7
أعوام)، و (إسراء 9 أعوام).
يندب أبو محمود حظه العاثر كغيره من
المتروكين بعد مرور عام على الحرب الوحشية، لأن وعود الاعمار والمليارات الكثيرة
التي تبرع بها المتبرعون لا تزال حبرا على ورق، مستصرخا أصحاب الضمائر الحية
والمنظمات الحقوقية الدولية أن تنهي معاناة العائلات المشردة قبل أن تئن من زمهرير الشتاء القارص.
في الشتاء الفائت، نفذت
"إسرائيل" هجوما بريا على قطاع غزة، لوقف صواريخ المقاومة المحلية
الصنع، فقتلت ما يزيد عن 1500 شهيدا، غالبيتهم من الأطفال والنساء، وهدمت المساكن
على رؤوس قاطنيها.
يعود أبو محمود بذاكرته لعام مضى،
والحسرة تغلب نبراته، فمنطقة سكناه خاوية تماما من البيوت، وجيران الأمس أصبحوا
غرباء في أوطانهم، فمنهم من استأجر شقق سكنية، أو عند ذويه، والآخرون بنوا خيامهم
على ركام منازلهم.
وتتفاقم معاناة أبو محمود يوما بعد يوم
جراء الحرب الظالمة، التي حرمته من أن يعيش تحت سقف واحد مع أولاده الخمسة، ويقول
بضيق:" نعيش في مأساة حقيقية ، نفترش الأرض ونلتحف السماء، ويضيف بعيون
يغزوها الألم : البحث عن شق سكنية أمر غير يسير، وإن وجدت فسعرها لا يتناسب مع
قدرتي المالية".
وعود الاعمار لا تعدو عن "كذبة
كبيرة" في عيني أبو محمود يتشدق بها الرؤساء ، بسبب ركام العثرة الذي تصطدم
به حكومة الوحدة الفلسطينية التي اشترطها المتبرعون في مؤتمر شرم الشيخ للبدء في الاعمار.
وكان أكثر من 80 دولة عربية وأوروبية
اجتمعوا عشية انتهاء حرب غزة في منتجع شرم الشيخ، وتبرعوا بمبلغ أربعة مليارات
دولار لبناء البيوت المدمرة، واشترطوا أن يتم الاعمار بمجرد تشكيل حكومة فلسطينية
، و تحقيق المصالحة.
تحرك أم محمود الصابرة طعام الغذاء المعد
على فروع من أشجار مزرعتها المدمرة وتقول بالنيابة عن زوجها: " لم تتوقف الوفود
الأجنبية والعربية عن زيارتنا لمدة ثلاثة شهور بعد الحرب، مضيفة كانوا يعدوننا
بالاعمار ويبكون أوضاعنا المأساوية، ولكن شيئا واحدا لم يتحقق " هم رحلوا،
وبقينا مشردين في العراء، والصقيع.
البعض من المشردين بنى غرفة واحدة لا
أكثر على أرض منزله المدمر، فغلاء المواد الخام وشحها وقف سدا منيعا في إعادة
أحلامهم المغمورة ببركة الدماء والدمار.
ومنعت " إسرائيل" إدخال المواد
الخام، ومستلزمات البناء للقطاع المحاصر ، عقابا للغزيين، لأسر ثلاثة فصائل
فلسطينية الجندي جلعاد شاليط في صيف 2006م جنوب قطاع غزة.
على مقربة من خيمة أبو محمود كان المواطن
إبراهيم حمودة (44 عاما)، يطرق بمطرقة حديدية عمود خرسانة متهالك من حطام منزله
المدمر ، وأفلح بعد ضربات متتالية من استخراج القضبان الحديدية، وحزمها بإحكام على
عربته التي يجرها حصان.
ويبدو بريق التفاؤل ببدء الاعمار ضئيلا
في عينيه وهو يقول: سأبني بيتا ولو من الطين فلن أنتظر تلك الوعود الجوفاء بإعادة
الاعمار، لأننا أصبحنا دمى تحركها تجار السياسية.