[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
تحيط كوفية من الصوف الأسود رقبة المواطن الثلاثيني
خليل عيسى (38 عاما) ، من حي التفاح شرق
مدينة غزة الذي يمتطي عربة يجرها حيوان يجوب صبيحة كل يوم شتوي بارد أحياء المدينة
بحثا عن ركام؛ من أجل بيعه لمصانع البلوك التي تفقد لمادة "الحصمة" منذ
ما يزيد عن ثلاثة أعوام.
تحل
الغبطة والسرور ملامحه السمراء بمجرد رؤية أحجار البلوك المهشمة، فيترجل عن عربته
ويبدأ بتكسيرها لقطع صغيرة كي تتسع عربته أكبر قدر منها، لبيعها بسعر يخمد ثورة
عياله الثمانية.
وترك
عيسى مهنته الأصلية في مصنع لخياطة الملابس لعدم تمكن صاحب المصنع من استيراد
القماش، وإغلاق سوق العمل الإسرائيلي في وجه بسبب إغلاق معابر القطاع بشكل مستمر.
وغالبا
ما تصطدم مشاعر التفاؤل التي تشرق محياه بسيل من الشتائم من أصحاب البيوت المدمرة
الذين يتواجدون بجوار مناطقهم المنكوبة، أو في الخيام البالية التي تذكرهم بالحرب
الهمجية، فيصبون جم غضبهم عليه بعبارات لاذعة، " لأنه يقتات على
مأساتهم" – كما يصفونه.
أحيانا
يشعر عيسي بشيء من الخجل، بسبب جمعه للحجارة من المناطق المنكوبة، لكن لا يلبث أن
يطبق عليه الصمت نتيجة أوضاعه المزرية التي أوصلتها لهذا الحال، ويمضي بحثا عن
ضالته.
ودمرت"
إسرائيل" في حربها الهمجية في ديسمبر الماضي أكثر من 20 ألف منزل بشكل كامل
وجزئي، وشردت نحو 36 ألف فلسطيني، غالبيتهم يعيشون ظروفا قاسية نتيجة غلاء الشقق
السكنية التي نزح بعضهم إليها.
وامتهن
عيسى تلك المهنة بعد الحرب الإسرائيلية
كغيره من العاطلين عن العمل في قطاع غزة الذي يعاني من حصار جثم على صدور
المواطنين منذ فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية في يناير/ 2006م على حركة
فتح، وسيطرتها على القطاع بالكامل.
وما
تمضي ستة ساعات على الأقل حتى يملأ عيسى عربته الخشبية بالحجارة، فيحصل على 50
شيكل من صاحب مصنع البلوك، على كل طن واحد منها.
أصحاب
مصانع البلوك تمكنوا من تجاوز أزمة غياب " الحصمة" بإعادة تدوير وطحن
حجارة المنازل المدمرة وبيعها من جديد للمواطنين مقابل 150 شيكل للطن الواحد.
واستخدموا
كسارات محلية الصنع لطحن الركام وتحويله إلى حصمة، لتلبي احتياجات المواطنين في
أعمال البناء وأعمال الصيانة التي تزداد في فصل الشتاء.
ولجأت وزارة الأشغال العامة والإسكان في الحكومة
الفلسطينية أيضا إلي تدوير الركام واستخدامه في ردم حفرات ومطبات الشوارع،
واستخلاص الحديد وبيعه من أجل التصنيع، كما واستخلصت نوعا من الحصمة تستخدمه في الطرق الزراعية.
وأقبل
بعض المواطنين مؤخرا على القيام بأعمال البناء والصيانة في منازلهم، بعد أن تمكنت
الأنفاق من توفير الأسمنت المصري الذي انخفض ثمنه إلى 60 شيكل للشوال الواحد.
ويقول
عيسى الذي عمل قبل انتفاضة الأقصى في حياكة الملابس في المنطقة الصناعية ببيت
حانون: إنه يقابل عددا كبيرا من المواطنين في طريقه امتهنوا تلك المهنة، ما يثير
مخاوفه ألا تطول تلك المهنة، لاسيما وأن وزارة الأشغال تقوم بجمع الركام لردم
ميناء غزة والاستفادة منه بعد تدويره.
ويضيف
عيسى أن طن الركام ينتج بعد تدويره نصف طن من الحصمة يباع في الأسواق المحلية بنحو
150 شيكل.
وتربط
"إسرائيل" إدخال المواد الخام بصفقة التبادل التي قالت فضائية الحرة
مؤخرا أنها ستخرج إلى النور في عيد الأضحى المبارك، لكن الدولة العبرية بدورها لم
تؤكد تلك الأقاويل.
والى
أن يسدل الستار على قضية الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط المأسور لدى المقاومة الفلسطينية منذ صيف
حزيران 2006م ، فان الغزيين لن يترددوا من ابتكار الوسائل للتحايل على الحصار الإسرائيلي
الظالم.