المؤَسَّسَة الصهْيونيَّة
مقدمة
حيث اصبح المفهوم الدارج، القائم على الظاهرة، ان المشروع الصهيوني هو عملية تهجير يهود العالم، او من اراد
منهم ذلك، وتوطينهم في فلسطين، بهدف اقامة دولة يهودية فيها، فان المنظمة الصهيونية العالمية كانت أداة تجسيد
هذا المشروع، أي نقل الفكرة الاستيطانية من المجرد الى الملموس، وبالتالي فهي حلقة الوصل التنظيمية بين
المضمون النظري للحركة الصهيونية والتطبيق العملي لها في الواقع، وعليه، ولأنها حققت هدفها، ولو مرحلياً، إذ
انها لم تستكمل مشروعها بعد، فان تركيبة تلك المنظمة لابد كانت ملائمة لوظيفتها الى حد كبير، الامر الذي سر لها
الوصول الى المحطة الراهنة من تقدمها نحو غايتها. واذ تميزت الفكرة الصهيونية الاستراجعية بغيبتها من حيث
منطلقاتها النظرية، فان اداتها التنظيمية اتسمت بدرجة عالية من التجريبية والواقعية، فعوضت بإنجازاتها العملية عن
الثغرات في المرتكزات الفكرية الصهيونية.
العالم، او من خلال التواصل فيما بينها، وانما تم اسقاطه على تلك التجمعات من خارجها، "من أعلى"، على حد تعبير
حاييم وازيمن، وكان عليه ان "يجتاح تلك الجوالي"، كما يرد في برامج العمل الصهيونية، منذ البداية والى الآن.
واذ ظهرت عبر العصور نوى لأفكار صهيونية، ذات ديباجات مختلفة، في هذه الجالية اليهودية او تلك، او طروحات
استيطانية استرجاعية في دولة عظمى او اخرى، تقول باعادة توطين اليهود في فلسطين، فان المنظمة الصهيونية
العالمية هي نتاج الحركة السياسية التي تبلورت في نهاية القرن التاسع عشر. وبذلك، وكمشروع سياسي استيطاني
عملي، انطلقت الصهيونية من نقطة الصفر في سعيها لتجسيد اهدافها، في تلك الفترة بالذات. ولانها انطلقت كفكرة
مجردة، ترمي الى ايجاد واقع جديد في فلسطين، وبالتالي بناء كيان سياسي، فقد كان على الحركة الصهيونية ان
تستند في عملها الى اداة تنظيمية مؤهلة لبناء مرتكزات ذلك الكيان ـ الشعب، الارض، السياسة (الداخلية
والخارجية).