المخيم الفلسطيني
لا السيارات الفخمة… ولا العمارات الضخمة، تشدني في أي بلد عربي يقبع فيه اللاجئ الفلسطيني.
منزل اللاجئ الفلسطيني وحده يشدني بعنف وقوة ويحرك في نفسي ذلك الوجع التاريخي الرهيب الذي رافق الإنسان
العربي منذ أن دجنوه وجعلوا منه هامشاً من هوامش الحياة بعد أن كان أصلاً وجوهراً وفاعلاً .
في المخيم الفلسطيني في أي مخيم للاجئين الفلسطينيين تحس بأن كل القصائد… كل الأناشيد .. كل المقالات تافهة
جداً أمام هذا المنزل المسقوف بالزينكو وتتواصل معه من خلال الزواريب .. إنه وحده الذي يخص الآلام… ويوجز
العذابات ويضع القضية في موضعها الصحيح ..
كل العناوين التي أعطيت للقضية تبدو لي حقيرة وسخيفة أمام عظمة منزل اللاجئ الفلسطيني… إنه العنوان الوحيد
المشحون بحرارة الصدق ووهج الحقيقة ..
وكل المآسي الإغريقية والإنسانية عموماً بدت لي بلا معنى أمام مأساة منزل اللاجئ في المخيم الفلسطيني…
إنها المأساة في ذروتها وقمتها … فحين يتحول الوطن إلى مخيم تصبح المأساة حيادية أكثر من اللازم.
ولكن المأساة تخف حين تعلم أن من هذا المنزل في المخيم يخرج الطبيب.. والأستاذ والمهندس.. ويخرج منه
المناضل والفدائي أيضاً …
لقد خيل إلي أن منزل المخيم يشبه إلى حد بعيد كيس الساحر… ذلك الكيس الذي يخرج منه صاحبه الذهب والتراب
معاً ….
ومن هذا المنزل تخرج أشياء كثيرة .. النار والقوة والشعر والحبّ والصبر، كلها تنطلق من المخيم نحو عالم يحتاج
إلى أن يتطهر بالنار والحب.
وإذا كانت كل البيوت في العالم متشابهة فإن بيوت المخيمات ليست كذلك…. لكل واحد منها حكايته الخاصة جداً ….
وأسراره الذاتية …. ولكن جميع البيوت تلتقي عند نقطة واحدة … كلها تقع على حافة نهر الحزن تغتسل بمائة
وتشرب منه … وتعيش به وعليه …
وكل ضيف على هذه البيوت في المخيم لا بد أن يقترب من هذا النهر… ويشرب القهوة الفلسطينية الممزوجة بمياه
النهر العظيم….
كل ضيف عليه أن يفعل ذلك وإلا طرده الأطفال والصبيان قبل سواهم… فلا مجال بين الزقاق للسياح … ولهواة
التصوير… ولعشاق الفرجة على آلام البشر .