تزوير الآثار في إسرائيل
أسباب أيديولوجية تتعلق بتاريخية الوجود اليهودي في فلسطين والهيكل وما يرتبط به
أسباب أيديولوجية تتعلق بتاريخية الوجود اليهودي في فلسطين والهيكل وما يرتبط به
تزوير الآثار ليس حالة جديدة في إسرائيل بين تجار التحف القديمة، بل تعود إلى ما قبل إنشاء الدولة على الأقل إلى القرن التاسع عشر الميلادي. وكانت هناك أكثر من حالة خلال الفترة السابقة إلا أن أشهرها هي تلك التي كان يقوم بها موسى فلهلم شابيرا (ت1884) في فلسطين. فقد زور هذا الرجل المئات من القطع ووضع عليها كتابات قديمة وادعى أنها آثار مؤابية. واتهم أيضا بتزوير بعض أسفار التوراة، حيث ادعى أنه عثر عليها قرب البحر الميت. وقد اغتر بما كان يدعيه بعض المختصين وبعض المتاحف أيضا، حتى إن بعضها اشترى مئات القطع منه وعرضت فيها لفترة إلى أن اكتشف زيفها (كما يحدث اليوم في إسرائيل).
واليوم لا يختلف عن الأمس، إذ أصبح التزوير في إسرائيل ظاهرة أو ما يشبه الظاهرة، يشكو منها الآثاريون والمختصون والمتاحف. وأكثر الذين يقومون بالتزوير ويتهمون به هم من الإسرائيليين. فبين فترة وأخرى يكتشف أثر مزيف بعد أن وضع في المتحف لسنوات وبعد أن ظل الناس طيلة هذه الفترة يشاهدونه ويعجبون به ويصدقونه ويعتقدون أنه أثر حقيقي.. وهناك أكثر من دافع لهذا التزييف إذ ليس دافعه ماديا فحسب، بل هناك دافع أيديولوجي مهم يتعلق بتاريخية الوجود اليهودي في فلسطين والهيكل وما يرتبط به. وتجارة التزييف هذه هي موضوع كتاب نينا بيرليه «التجارة غير المقدسة: قصة حقيقية للعقيدة، الطمع والتزوير في الأرض المقدسة». وتستعرض المؤلفة ـ وهي أميركية لها عدد من المؤلفات ـ عددا من القصص التي تتعلق بتزوير الآثار في إسرائيل والطرق المتبعة فيها والتقنيات المستعملة في ذلك والمجموعات المشتركة فيها.
فمن هذه الحالات التي أخذت بعدا عالميا، الصندوق الصخري الذي يعتقد أنه يحتوي على رفات يعقوب أخي المسيح عيسى الذي قتل عام 62 ميلادية. ففي عام 2002 أعلن في الولايات المتحدة في مؤتمر صحافي عن اكتشاف هذا الصندوق الذي قيل إنه نقش عليه «يعقوب بار يوسف أخوي دي يشوع» (يعقوب بن يوسف أخو يشوع).. وقد أثار هذا الخبر ضجة كبيرة ليس بين الآثاريين فحسب، ولكن بين المسيحيين عامة، إذ رأوا في هذا الاكتشاف دليلا قاطعا على تاريخية عيسى بعد أن أخذ البعض يشكك حتى بوجوده. وقد كتب عنه أحد المهتمين كتابا يؤكد أصالة الأثر والكتابة عليه وأنتج عنه فيلما أيضا. وكان الصندوق بحوزة تاجر الآثار الإسرائيلي المعروف عوديد غولان وهو كان عرضه على أحد الخبراء الذي وثق أصالة الصندوق كما قال. وأخذ هذان وشخص ثالث يروجون له. وكان عوديد قد ادعى أنه لم يكن يعرف أهمية الصندوق إلا بعد أن قرأ له أحد الخبراء ما كتب عليه من نقش. ثم عرض الصندوق في أحد المتاحف في كندا وبقي هناك لفترة طويلة كان عشرات الآلاف من الناس فيه يقفون في طوابير لمشاهدته والتمتع برؤيته بل والصلاة عنده. ولكن بعض الباحثين شكك في الإدعاء، خاصة أولئك المهتمين بالنقوش، وكان الشك في طبيعة النقش وشكله وطريقة كتابته. وقد أعلن هؤلاء أن النقش حديث على الرغم من أن الصندوق قديم. وتبين بعد الفحص أن على سطحه آثار مياه حديثة. وكان السبب الذي أعطاه عوديد لذلك هو أن أمه كانت تمسحه بالماء والصابون من دون معرفة قيمته الأدبية. وقد حققت الحكومة الإسرائيلية مع عوديد وآخرين واتهمته بالتزوير وسرقة الآثار. وكان بعض المسؤولين في الحكومة قد سموا هذا التزييف «تزييف القرن». وقال باحثون إن المتهمين يريدون أن يستغلوا حاجة بعض المتدينين من اليهود والمسيحيين إلى أدلة مادية لتأكيد عقيدتهم. وفي أثناء المحاكمة التي شهد فيها عشرات الشهود سئل عوديد عن مصدر الصندوق، لكنه ادعى أنه لا يتذكر من باعه له. وفي عام 2004 أدانته المحكمة مع شخص آخر يعمل في جامعة حيفا وهو خبير خطوط قديمة. وكانا يحاكمان في هذه السنة. وكانت المفاجأة أنه قبل أسابيع أعلن القاضي الذي يحاكمهما أنه غير مقتنع بوجود تزوير وأسقط التهمة. وقد أثار هذا الحكم لغطا كثيرا. ويصر عوديد على أن الأثر كان معه لفترة عشرين سنة وهو غير مزور، إذ أكد أصالته، كما يقول خبراء، مختصون. وقد تبين أن هناك أكثر من لقية مزورة بعد أن اعتقد أنها أثر حقيقي أصيل.