إملي نصرالله
- وهل العربية لغة المستقبل؟
السؤال طُرح أخيراً في أوروبا.
الدانماركيون ردّوا بالإيجاب؛ فأدخلت الكليات اللغة العربية ضمن مناهجها، وذلك تماشياً مع ارتفاع عدد الطلّاب العرب، ذوي أصول فلسطينية أو لبنانية، أو عراقية، بنسبة عشرة بالمائة.
وهذا ما كنتُ أعرفه منذ أن تُرجمتْ إحدى رواياتي: "الإقلاع عكس الزمن" إلى الدانماركية، في العام 1993، على يد المستعربة الين وولف، التي قامت بترجمة القرآن الكريم إلى تلك اللغة، ثم انكبّت منذ سنتين على ترجمة "ألف ليلة وليلة" وذلك نزولاً عند طلب الجالية العربية.
لكن الوضع مختلف في فرنسا، حيث تُهمل المدارس اللغة العربية، وتترك أمرَ تعليمها للمساجد. إلا ان بعضَ المعاهد الراقية ظلّت تقدّم صفوفاً لتعليم اللغة العربية رغم تراجع عدد مرتاديها.
وقد صدر تقرير تناول هذا الموضوع، وجاء فيه: ان دروسَ العربية غير مُقْنِعة بسبب تنوّع اللهجات العامية، واختلافها عن الفُصحى، كما أن هناك صعوبة في إيجاد معلّمين متخصصين.
وقد ذكّرني هذا التقرير بما اختبرته في منتصف ثمانينات القرن الماضي، حين كنت أزور كندا، وأهلي فيها، مرّة كلّ سنة؛ ولفتني في حينه موضع تهتمّ به وزارة تعدُّد الحضارات، ألا وهو تدريس اللغة العربية لأبناء المهاجرين من أصولٍ عربية.
وأذكر أنهم كانوا يختارون خيرة الأساتذة، ويسخون في دفع الأجور؛ وتُعطى الدروس للطلبة مجاناً؛ إنما ذلك كلّه لم يكن يساعد على تقريب اللغة العربية من ذائقة الطلاب، ولأسباب عدّة وأذكر بعضها:
* بُعد الطلاب عن جوّ اللغة. فهم وإن سمعوها من أهلهم في البيت، إلا أنها تفارقُهم طوال النهار، في الصف والملعب والشارع وكل مكان.
* ولأنّ تعليم اللغة العربية بقي خارج نظام المناهج، ويُعطى كدروس خاصة للطلّاب، فقد اختير نهار السبت لإعطاء تلك الدروس؛ والمعلوم انّه يوم عطلة المدارس في تلك البلاد، مما يخلق شعوراً سلبياً يجعل الطلاب ينفرون من لغة تُعكّر مزاج عطلتهم ومرحهم. وينعكس ذلك، بالطبع، على علاقتهم باللغة العربية، بل ويجعلهم ينفرون منها ويبتعدون عنها، إلى حيث المرح واللهو.
ثمّة ملاحظة أوردتها في ما كتبتُ عن الغربة وسلوك أبنائها وهي تلكؤ الأولاد عن الردّ باللغة العربية لدى مخاطبتهم بها. وأحياناً يُصابون بالخجل ويتهرّبون من هذا الإحراج، لأن الأطفال في تلك السنوات الأولى من العمر، يبحثون عن الإنتماء للمحيط بكل وجوهه، من السلوك إلى اللغة، واللباس.
ولذا يشعرون بالحرج عندما يُخاطَبون بلغة يجهلها رفاقهم، وقد تُعرِّضهم للسخرية.
أما هذه الملاحظة الآتية من المفتّش الإقليمي للغة العربية في أوروبا، ميشال نيرنوف، فهي جديرة بالإهتمام إذ جاء في تقريره: "إن اللغة العربية لا تجد مكانَها في المؤسسات التعليمية، وتواجه صعوبةً كبرى".
ولكن، مالنا نهتمّ بالخارج ونتغاضى عمّا يحدث على أرض اللغة العربية، وفي معظم البلدان الناطقة بها؛ إذ إن نسبة قرّائها تنحسرُ يوماً بعد يوم، والتعامل بها يتراجع أمام غزو الإنترنت؛ وقلّما يعتمدُها من يتداولون التواصل عَبْرَ أقنيته، مما يجعل المربّين يدقّون ناقوس الخطر، ويدعون إلى التحرّك السريع للإنقاذ، وقبل فوات
- وهل العربية لغة المستقبل؟
السؤال طُرح أخيراً في أوروبا.
الدانماركيون ردّوا بالإيجاب؛ فأدخلت الكليات اللغة العربية ضمن مناهجها، وذلك تماشياً مع ارتفاع عدد الطلّاب العرب، ذوي أصول فلسطينية أو لبنانية، أو عراقية، بنسبة عشرة بالمائة.
وهذا ما كنتُ أعرفه منذ أن تُرجمتْ إحدى رواياتي: "الإقلاع عكس الزمن" إلى الدانماركية، في العام 1993، على يد المستعربة الين وولف، التي قامت بترجمة القرآن الكريم إلى تلك اللغة، ثم انكبّت منذ سنتين على ترجمة "ألف ليلة وليلة" وذلك نزولاً عند طلب الجالية العربية.
لكن الوضع مختلف في فرنسا، حيث تُهمل المدارس اللغة العربية، وتترك أمرَ تعليمها للمساجد. إلا ان بعضَ المعاهد الراقية ظلّت تقدّم صفوفاً لتعليم اللغة العربية رغم تراجع عدد مرتاديها.
وقد صدر تقرير تناول هذا الموضوع، وجاء فيه: ان دروسَ العربية غير مُقْنِعة بسبب تنوّع اللهجات العامية، واختلافها عن الفُصحى، كما أن هناك صعوبة في إيجاد معلّمين متخصصين.
وقد ذكّرني هذا التقرير بما اختبرته في منتصف ثمانينات القرن الماضي، حين كنت أزور كندا، وأهلي فيها، مرّة كلّ سنة؛ ولفتني في حينه موضع تهتمّ به وزارة تعدُّد الحضارات، ألا وهو تدريس اللغة العربية لأبناء المهاجرين من أصولٍ عربية.
وأذكر أنهم كانوا يختارون خيرة الأساتذة، ويسخون في دفع الأجور؛ وتُعطى الدروس للطلبة مجاناً؛ إنما ذلك كلّه لم يكن يساعد على تقريب اللغة العربية من ذائقة الطلاب، ولأسباب عدّة وأذكر بعضها:
* بُعد الطلاب عن جوّ اللغة. فهم وإن سمعوها من أهلهم في البيت، إلا أنها تفارقُهم طوال النهار، في الصف والملعب والشارع وكل مكان.
* ولأنّ تعليم اللغة العربية بقي خارج نظام المناهج، ويُعطى كدروس خاصة للطلّاب، فقد اختير نهار السبت لإعطاء تلك الدروس؛ والمعلوم انّه يوم عطلة المدارس في تلك البلاد، مما يخلق شعوراً سلبياً يجعل الطلاب ينفرون من لغة تُعكّر مزاج عطلتهم ومرحهم. وينعكس ذلك، بالطبع، على علاقتهم باللغة العربية، بل ويجعلهم ينفرون منها ويبتعدون عنها، إلى حيث المرح واللهو.
ثمّة ملاحظة أوردتها في ما كتبتُ عن الغربة وسلوك أبنائها وهي تلكؤ الأولاد عن الردّ باللغة العربية لدى مخاطبتهم بها. وأحياناً يُصابون بالخجل ويتهرّبون من هذا الإحراج، لأن الأطفال في تلك السنوات الأولى من العمر، يبحثون عن الإنتماء للمحيط بكل وجوهه، من السلوك إلى اللغة، واللباس.
ولذا يشعرون بالحرج عندما يُخاطَبون بلغة يجهلها رفاقهم، وقد تُعرِّضهم للسخرية.
أما هذه الملاحظة الآتية من المفتّش الإقليمي للغة العربية في أوروبا، ميشال نيرنوف، فهي جديرة بالإهتمام إذ جاء في تقريره: "إن اللغة العربية لا تجد مكانَها في المؤسسات التعليمية، وتواجه صعوبةً كبرى".
ولكن، مالنا نهتمّ بالخارج ونتغاضى عمّا يحدث على أرض اللغة العربية، وفي معظم البلدان الناطقة بها؛ إذ إن نسبة قرّائها تنحسرُ يوماً بعد يوم، والتعامل بها يتراجع أمام غزو الإنترنت؛ وقلّما يعتمدُها من يتداولون التواصل عَبْرَ أقنيته، مما يجعل المربّين يدقّون ناقوس الخطر، ويدعون إلى التحرّك السريع للإنقاذ، وقبل فوات