في ذروة الصيف..أزمة المياه تجفف أمال الغزيين
المواطنون: ندفع فاتورتين للمياه والخدمات تصلنا سيئة
عدنان
لم تنفك عينا المواطن رامي العفيفي (37 عاما)، عن متابعة عامل الاستراحة البحرية، لإسرافه في ري حشائش ساحة الكافتريا الخضراء، الأمر الذي أثار سخطه، وأفسد نزهته وتمتعه بغروب قرص الشمس الدامي.
وشعر العفيفي القاطن في حي تل الإسلام غرب مدينة غزة بضيق بالغ لبذخ العامل، فالمياه التي تصل منزله بصورة متقطعة جعلت أيامه جحيما لا يطاق في أوج شهر آب الملتهب، وبات ليله كنهاره، لسهره ساعات طويلة من الليل في تعبئة خزاناته البلاستيكية.
ويشهد قطاع غزة أزمة خانقة للمياه كل عام، تتجدد مع إقبال فصل الصيف ، ما يزيد من صعوبة الأوضاع المأساوية التي يعيشها السكان بسبب الحصار الخانق.
ويخشى العفيفي من تفاقم الأزمة، لاسيما في ظل ارتفاع درجات الحرارة ، وانقطاع التيار الكهربائي المتكرر الذي أنغص عيشة المواطنين.
أزمة قديمة- جديدة
تزامن انقطاع الكهرباء مع موعد المياه يزيد من ضجر العفيفي وسخطه ، ويقول بكلمات تنم عن حجم الضيق الذي يختلج صدره " للرسالة": تعطَل البئر المغذي لمنطقة سكناي، فحوَلت بلدية غزة خط المياه إلى بئر قريب حتى تنهي عملية الصيانة.
"وزادت الطين بله" بالنسبة للعفيفي، فمياه البئر لا تسد حاجة المواطنين الجدد، ما دفعه لتعبئة خزاناته بمياه عذبة لثلاثة مرات بسعر 35 شيكلاً خلال الشهر الماضي.
حالة من الصخب تسود حي العفيفي بعد عودة التيار الكهربائي، بسبب هدير الموتورات الكهربائية التي تبدد سكون الليل، فالكل يسعى جاهدا لاغتنام الفرصة قبل انتهاء ساعات المياه المحددة من البلدية.
ويلجأ المواطنون عادة في فصل الصيف لاستخدام موتورات كهربائية لضخ المياه إلى خزاناتهم، تتراوح أسعارها بين 500- 1000 شيكل، إلا أن تلك الطريقة لا تجدي نفعا للعفيفي في أغلب الأحيان، لسباق جيرانه على تعبئة المياه.
الحال يبدو مشابها لدى المواطن محمد اللوح(30 عاما)، فخط المياه الواصل من البلدية إلى منزله قطره 2 انش، وتتفرع منه خطوط جانبية تغذي أكثر من 30 منزلا، ما يضفي معاناة شديدة على أصحاب البيوت في نهاية الحي.
ويصف اللوح الخدمة التي تقدمها بلدية غزة للمواطنين بالسيئة، فهو يدفع فاتورة المياه بشكل منتظم، ولا يدري سبب نقص المياه- كما يقول.
ويضيف بكلمات ساخرة" ندفع فاتورتين للمياه، واحدة للبلدية، والأخرى لمحطات التحلية، ومع ذلك فإن الأزمة تأبى أن تفارقنا منذ سنوات، مؤكدا كسابقه أن الأزمة تزداد عندما تتوفر المياه وتنقطع الكهرباء والعكس، ويصبح بيته بحالة يرثى لها لنفاد المياه المستخدمة في أغراض النظافة.
تصريحات متضاربة
وأشار المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان في تقرير له بعد ستة شهور على انتهاء الحرب الإسرائيلية الأخيرة إلى أن قطاعي المياه، والصرف الصحي يعانيان نتيجة عدم إدخال المعدات والأجهزة اللازمة لإصلاح وتطوير الشبكات المدمرة.
وأضاف التقرير أن سكان القطاع يعانون نقصا شديدا في إمدادات المياه، التي يقتصر إنتاجها ما بين30-40% فقط من إجمالي الكمية الاعتيادية للإنتاج اليومي، ما يتطلب قطع مياه الشرب لساعات متواصلة عن مناطق عديدة في القطاع.
وحرم مليون ونصف مليون إنسان في قطاع غزة من المياه الصالحة للشرب، واستعاضوا عن ذلك بعمل محطات تحلية، الأمر الذي فرض فاتورة جديدة على كاهل المواطن الغزي الذي يعيش ظروفا مريرة.
ويعزو حمدان زيارة المسئول عن إدارة المياه والصرف الصحي في بلدية غزة السبب الرئيس لنقص المياه جراء انقطاع التيار الكهربائي المتواصل، الذي يؤدي إلى تعطيل أغلب المولدات المغذية لأبار المياه، مشيرا إلى أن الحصار ساهم أيضا بغياب قطع الغيار اللازمة لتلك المحولات.
بينما يعلل المهندس حسن أبو عيطة الوكيل المساعد في وزارة الزراعة ذلك؛ بسبب التوسع العمراني، وتذبذب مياه الأمطار، والتغيرات المناخية على مدار السنيين الماضية التي حولت المنطقة لشبه استوائية ، مبينا أن كمية الأمطار العام الماضي بلغت 84% من المعدل السنوي العام .
وتقترب وجهة نظر المهندس منذر شبلاق من أبو عيطة، ويقول: "الحصار الإسرائيلي عقاب جماعي للشعب الفلسطيني جمد المشاريع الاستثمارية التي كان بإمكانها حل أزمة المياه".
أما المهندس محمد ربيع مدير عام سلطة المياه كان رأيه مغايرا للجميع، وقال: هناك فاقد كبير للمياه جراء التعدي على خطوط المياه بطرق غير شرعية، كما أن الأعطال الفنية للخطوط تعمل على تسريب نسبة كبيرة من المياه ، بالإضافة إلى أن ضغط المياه في الخطوط غير كاف، ما يؤدي إلى وصول المياه بصورة متقطعة للمواطنين.
مناطق شحيحة
ومن اللافت للنظر أن قطاع المياه يخضع إلى هيكلية يطلق عليها "مجلس مياه وطني"، تم تشكيلها من "وزارة الحكم المحلي، التخطيط، الصحة، المالية، الزراعة، بالإضافة إلى سلطة المياه ومصلحة مياه بلديات الساحل"، ويترأسها رئيس مجلس الوزراء.
ونفى زيارة أن يكون تناوب جهات عديدة المسئولية على مصادر المياه سببا في تفاقم الأزمة، موضحا أن الأسباب خارجة عن إرادة جميع الأطراف التي تدير شئون قطاع غزة.
ويشير أبو عيطة إلى أن الحصار الإسرائيلي عطل ما يقارب 100 بئر في شمال وشرق القطاع، ما ساهم في تقليل كمية المياه واستنفاد الخزان الجوفي، منوها أن الاحتلال الإسرائيلي حفر داخل الخط الأخضر برك لتجميع مياه الأمطار التي تصب في وادي غزة كان من الممكن الاستفادة منها بنسبة 20 مليون متر مكعب سنويا.
وقال أبو عيطة: أزمة المياه قديمة ومعقدة ، لاعتماد القطاع على الآبار الجوفية التي يتم تعويضها عن طريق الأمطار، والراشح من مياه الري بالإضافة لانحدار المياه من الشرق إلى الغرب.
ولفت أبو عيطة إلى أن الاستهلاك العادي لقطاع غزة من حجم المياه يبلغ 160 مليون متر مكعب، وهناك عجز سنوي بقيمة 60 مليون متر مكعب سنويا من المخزون الجوفي على صعيد نوعية المياه، مشيرا إلى أن 10% من مياه القطاع عذبة والباقي لا تصلح للشرب والزراعة.
وبحسب ربيع -فهناك 170 بئر مياه لشرب البلديات، و 2000 بئر مرخصة، وما يقارب عن 5000 بئر غير شرعية .
وتعد مدينة غزة من أكثر المناطق تضررا، لاعتمادها على موارد مائية بنسبة 20% من منطقتي جباليا وبيت لاهيا شمال القطاع، وتكمن المشكلة في سفر المياه من تلك المناطق إلى المدينة مسافة ثمانية كيلو مترات، تعترضها خطوط غير شرعية تنهب المياه الواصلة للمواطنين، لا سيما في منطقة الشجاعية، الزيتون، حي الصبرة، وحي النصر الغربي- حسبما يشير شبلاق.
وبادرت مصلحة مياه بلديات الساحل بحملات توعية لإرشاد المواطنين في استهلاك المياه، وحثهم على دفع المتأخرات المترتبة عليهم، كما منحت الممتثلين لحملتها جوائز عينية.
مشاريع مجمدة
ومن الواضح أن جميع الجهات المختصة أبدت أسبابا مغايرة لأزمة المياه التي استشرت في المجتمع الغزي منذ سنوات الحصار، ومع ذلك تجرأ ربيع قليلا وعزا الخلل لعدم تعاون مصلحة مياه بلديات الساحل مع سلطة المياه، باعتبارها جهة غير حكومية تتكفل بادرة مشاريع ممولة من البنك الدولي، وليس لديها أي تعامل مع إدارة الحكومة، ما يعيق دورها الرقابي في تزويد المواطنين بخدمات المياه والصرف الصحي.
وقال ربيع: " طرحنا حلا يتيح لسلطة المياه التعامل بشكل مباشر مع البلديات، وأبدى رئيس بلدية رفح عيسى النشار، ورئيس بلدية الشمال مصطفى القانوع موافقتهم على تلك الفكرة، مضيفا الباب مفتوح أمامنا لتحديد الاحتياجات اللازمة للمواطنين، ومواقع حفر الآبار، وتقييم نوعية المياه، وتذليل العقبات أمام البلديات لتحسين خدمات المواطنين.
وقلل شبلاق من الانتقاد اللاذع بتقصير مؤسسته في دورها الرقابي، مشيرا إلى أن مصلحة المياه وقعت اتفاقية مع شرطة البلدية لمراقبة التجاوزات القانونية ومحاسبة المخالفين.
وللحد من أزمة المياه لجأت وزارة الزراعة بالتعاون مع سلطة المياه لمكافحة مقاولي الآبار العشوائية، واتخاذ الإجراءات القانونية بحقهم لأنها تؤثر بشكل مباشر على تنظيم المياه.
بينما يرى زيارة أن الحل الجذري على المدى القريب في تحسين خدمات الكهرباء، وفي حال تحسن الظروف الاقتصادية يجب تحلية مياه البحر عبر قنوات حكومية كي تتيح للمواطن العادي الاستفادة من تلك المياه وتخفيف همومه .
وبخلاف زيارة اعتبر ربيع أن انقطاع الكهرباء ليست سببا رئيسا، وقال : يجب ألا نعفي مصلحة مياه بلدية الساحل من مسئولياتها، وعليها محارية الخطوط غير الشرعية ورفع كفاءات الشبكة حتى تصل المياه بوفرة إلى المواطنين.
وفيما يتعلق بتضارب تصريحات المسئولين حول هذا الموضوع يقول شبلاق: هناك جدال يدور حول جهات الاختصاص، والأفضل ترك الأمر لجهة الاختصاص المخولة حتى يكون الأمر أكثر نفعا للمواطنين.
ويوافق شبلاق ما طرحه زيارة بخصوص محطات التحلية ، مشيرا إلى أن مؤسسته حصلت في السابق على تمويل من الحكومة الأمريكية لتحلية 60 مليون متر مكعب من مياه البحر، لكن عدم رضا الدول المانحة لنتائج الانتخابات جمد المشروع.
ويعود التفاؤل على محياه مضيفا" فتحت علينا أبواب عديدة من دول عربية وإسلامية، لكنها اشترطت أن يكون هناك جسماً واحداً قادر على توحيد جميع البلديات، مشيرا إلى أن هناك مؤسسات مانحة قطرية وتركية تبرعت لإنشاء أول محطة تحلية بين مدينتي رفح وخانيونس بتمويل سعودي ، تبلغ حصيلة المياه في مرحلتها الأولى 20 مليون متر مكعب من مياه البحر، ما سيمكن الخزان الجوفي أن يستعيد عافيته من مياه.
تعددت الأسباب والهم واحد، هذا حال الغزيين الذين يعانون من أزمة تسدل مشهدا كئيبا في كل صيف ساخن، والحل بات واضحا في صعوبة تنفيذه. فهل سيأتي اليوم الذي يصحون فيه المواطنون على شرب مياه البحر؟