القدس عاصمة الثقافة ومتحف الكون وقلب العروبة النابض
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
رأفت العيص
الإعلان عن القدس عاصمة الثقافة العربية لعام 2009 م فكرة رائعة بالمضامين وعودة بالقدس للذاكرة العربية بعد أن غيبت ولسنين طويلة من دائرة الاهتمام العربي. لكن هل يكفي للقدس أن تعلن عاصمة للثقافة العربية من أجل الحفاظ على عروبتها وتعزيز صمودها بعد أن أصبحت تتعرض للانتهاكات ومحاولة التهويد وتغيير هويتها العربية والإسلامية.
القدس كانت من أبرز مدن الحاضرة الإسلامية والعربية منذ قرون طويلة إلى جانب بغداد والقاهرة ودمشق واشتهر الكثير من أبنائها بالفقه والقضاء والأدب والشعر وعلوم النحو، ووقف رجالات القدس بمقدمة رجال فلسطين دفاعا عن القضية الفلسطينية.
وإلى القدس كانت تشد الرحال لأنها أولى القبلتين وثالث الحرمين والزائر إلى مكة لم تكن تكتمل زيارته إلا بالتعريج إلى القدس والصلاة بالمسجد الأقصى وكما هي مركز ديني فقد كانت مركزا تعليميا يؤمه طلاب العلم من كل أصقاع الأرض للتعلم علي يد علمائها وشيوخها. وربما لا تجد مدينة تضم من الأعراق والديانات والمذاهب أكثر من القدس مما يعطيها صفة خاصة لتعايش الأديان والأعراق ومنحها جمالية فريدة بمساجدها وكنائسها ومدارسها وحواريها وأسواقها المتميزة.
القدس هي متحف الكون ودُرة الله في الأرض بجذورها التي تضرب بعمق الحضارة الإنسانية والتاريخ وحضورها الذي يشهد علي منعتها وتجذرها، فالزائر للقدس يعتريه شعور غريب ورهبة أمام أسوارها وأبوابها العتيقة التي تتحدث عن تاريخ المدينة منذ 5000 سنة وعبر العصور وتحكي مسيرة الإنسانية ككتاب مفتوح.. القدس التي احتل شطرها الغربي عام 1948 تمثل المشهد المتكامل للقدس التاريخية فقلب القدس الغربية كما الشرقية ينبض بالعروبة بنمطه العمراني والأسواق القديمة وعبق التاريخ.
منذ عام 67 وسقوط ما تبقى من المدينة تتعرض القدس الشرقية لأبشع هجمة تطال التاريخ والإنسان والحضارة. ولم يسلم باطن المدينة كما ظاهرها. فالحفريات أسفل المسجد الأقصى وقبة الصخرة لا تكاد تتوقف حتى تبدأ من جديد بحثا عن الهيكل اليهودي المزعوم استنادا لأفكار تلمودية تهدف إلى اختزال تاريخ البشرية. حارات القدس وبيوتها والأملاك الوقفية تتعرض للمصادرة وإعادة التوثيق التي تطال 3000 بيت ومكان وقفي، رغم ثبوت تسجيلها منذ العهد العثماني، ليس بهدف إعادة التوثيق بل لتكريس ما تم الاستيلاء عليه من بيوت وحارات القدس.
الإنسان المقدسي سر عروبة القدس، هو الأكثر عرضة للمطاردة وتضييق الخناق بالضرائب الباهظة وحصار المدينة الذي يمنع الفلسطينيين من دخولها للعبادة والتسوق بعد أن كانت قبلة الفلسطينيين مدار العام مما خلق كسادا غير مسبوق وفراغ الأسواق التي كانت تعج بالزوار للعبادة والتسوق. فالمقدسي الذي اشتهر بحرفيته النادرة بالطرق علي النحاس وصناعة الزجاج والتحف، أصبحت يداه مكبلتين عن العمل ويعاني من ضيق العيش وسلب قوت أبنائه وحجز ممتلكاته من جباة الضرائب لإجباره علي البيع وترك المدينة.
القدس تتعرض للتهويد والاستيطان وإصرار إسرائيلي على شطب القدس من معادلة الصراع، فالاستيطان أصبح يطوق المدينة كالسوار حول المعصم لتغيير معالمها وسلبها هويتها والتضييق علي أبنائها. وداخل أسوارها التي استعصت علي الغزاة تجد أحياء كاملة تمت مصادرتها مثل حي المغاربة المحاذي للمسجد الأقصى من جهة البراق.
القدس التي خضعت عبر تاريخها لعمليات الغزو منذ العصر اليوناني والفرعوني والفارسي والروماني والبيزنطي والصليبي وغيرهم من العابرين بالتاريخ، بقيت محافظة علي عراقتها وعروبتها وتقاوم بصمود أبنائها وبقيت واندحر كافة الغزاة. منذ سقوط القدس بيد الاحتلال الإسرائيلي سقط التضامن العربي وتهاوت القلاع العربية وانتهكت العواصم وسلبت الثروات، فالقلب النابض للوطن العربي مسلوب ولا يمكن إعادة الكرامة والحرية لكل الوطن العربي وحتى الإسلامي ما دامت القدس تخضع للاحتلال وأهل القدس يتعرضون للتهجير.
القدس يجب أن تعلن عاصمة الثقافة العربية وبشكل دائم وليس بالإعلان فقط بل بتوجيه الأنظار إلى معاناة مدينة والي تجسيد العلاقة الثقافية بين القدس وبقية العالم العربي والإسلامي لإعلان صوتها وتعزيز صمود أبنائها فالعرب والمسلمون بحاجة إلى القدس أكثر من احتياج القدس لهم لعودة القلب النابض إلى مكانه و إعادة القدس إلى مكانتها عليى أمل أن يعود جزء من التضامن العربي والكرامة العربية بعودة القدس.