*أين تضع كتابات محمد عابد الجابري وأدونيس وغيرهما , في قراءة منظومة وبنية الفكر الاسلامي ,
وماانتجته الثقافة الإسلامية ؟
- هؤلاء يحاولون أن يدخلوا في فضاء الفكر الناطق باللغة العربية اليوم بعض المواقف التي أتت بعد الحداثة , وبعد ظهور العقل الحداثي .
ولكن هذه الكتابات تثير بعض النقاش وبدرجات مختلفة ,
لأن الحداثة ليست تيارا واحدا يشمل الجميع , ويتقيد به الجميع .
وهناك تفاوت كبير بين المؤلفين والكتاب , بعضهم يخلطون في الحقيقة , بين المواقف التي سبقت الحداثة , على سبيل المثال , أصدر الجابري مؤخرا كتابا عن قراءة القرآن ,
وفي هذا الكتاب يخلط بين المواقف الإسلامية القديمة , خاصة مانسميه العقل الاسلامي في عصور الاجتهاد , وأشياء يأخذها من العصر الحديث , لأنه يعاصر الحداثة ويأخذ منها البعض وليس الكل .
* تشهد بعض الدول كالعراق ولبنان , قدرا كبيرا من التوتر والصراع الطائفي بين السنة والشيعة ,
فهل ترى ان هذا الصراع يأخذ بعدا دينيا آخر كالصراع الجاري مع التيارات الأصولوية ؟
- النزاع بين السنة والشيعة قديم ولم يتوقف أبدا , أضيف إليه ماحدث في السنوات الأخيرة , بعد ظهور الثورة الإسلامية والخميني ,
فاكتسبت الفرقة الشيعية في الإسلام أهمية لم تكتسبها من قبل , ولكنها سياسية أكثر منها دينية , لأن مايتعلق بالفكر الديني لم تزل فرقتا السنة والشيعة متشبتين بالفكر الأصولي
كما وصفته , ولافرق بينهما , ولايتقدم هذا عن الآخر .
* تحدثت عن ان الفكر الاسلامي والعربي لم يحدث القطيعة مع الفترة التي سبقت الحداثة وما بعدها ,
فهل يمكن القول ان العرب ايضا قد فشلوا في بناء دولة حديثة ؟
- الدولة مسألة شاملة , ويجب ان تدرس كظاهرة سياسية برزت بعد الاستقلال , لان هذه الدول اكتسبت سيادة سياسية كاملة بعد التحرر من هيمنة الاستعمار .
وهذا التاريخ للدول – بعد الاستعمار – لم يدرس بعد , ويجب ان نؤرخ لهذه الدولة في كل بلد , بشكل منفصل , فهناك دولة جزائرية ودولة سورية ... والخ .
وبدون ان نكتب التاريخ المدقق , لتكوين هذه الدول وللأسس الشرعية التي تتبناها , وللاتجاهات القانونية والحقوقية التي تمتاز بها , لايمكن معرفة الخلل .
نحن جاهلون لمعظم ماجرى منذ أكثر من 50 سنة من التاريخ .
* أحيانا يبدو أن الدولة تغذي الخطاب الأصولوي , ألا تشعر بالربط بين بناء هذه الدولة الحديثة والتيارات الأصولوية التي بدأت تزدهر منذ الثمانينات ؟
- طبعا أن هناك ربطا لان هذه الدول لها سياسة في منح وتمويل العلوم الخاصة بالإنسان والمجتمع ,
وماهي الميزانية المخصصة في كل مجتمع عربي للباحثين بهذا الجانب من المعرفة التي تعتني بعلوم الإنسان والمجتمع.
هناك دول لا تساعد مثلا , أو تحذر من تدريس السوسيولوجيا أو الأنثربولوجيا ,
لأن هذين العلمين لهما بعد سياسي واضح .
* بما أن الوقت الراهن يشهد صراعا بين التيارات الأصولوية والتيارات المعتدلة بما فيها تيار الدولة الذي يستند هو الآخر , أحيانا , إلى الخطاب الديني , بماذا تنصح هذا التيار المعتدل ؟
- لأن التيار الاصولوي يشكل جزءا من المعارضة السياسية لأنظمة الدول هذه , علينا ان نرى النزاع سياسيا .
فالتيار الاصولوي يلبس حركته السياسية بمعجم ديني والدولة أيضا تلبس شرعيتها بمعجم ديني .
وهذا الصراع بين المعارضة والسلطة , هو صراع من أجل الشرعية ( المشروعية ) .
الدول تحتاج الى المشروعية , وكذلك المعارضة تحتاج الى المشروعية , وكلاهما يحتاج الى الاسلام لاكتساب مثل هذه المشروعية , لانه لا الدولة ولا المعارضة يمكنهما ان
يستمدا – على سبيل المثال – المشروعية من الدستور الفرنسي او الأميركي او الغربي بصفة عامة .
وهما يتظاهران بالاسلام والعروبة , وهنا تبرز مشكلة الهوية.
فالدولة لايمكن ان تعلن ان مشروعيتها كلها مستمدة من التشريع الحديث او من الدساتير التي تستند اليها الامم الحديثة .
* كيف تنظر الى مستقبل هذه العلاقة الملتبسة بين الطرفين:
الدولة والتيارات الأصولوية ؟
- هناك جدلية قائمة ومستمرة وحادة .
هذه الجدلية اصبحت اساسية في تسيير المجتمعات التي تنتمي الى الهوية الاسلامية والى الهوية العربية والهوية التركية والارانية والفارسية .
هذه الجدلية سوف تستمر لمدة لا نعرفها , ولا نعرف متى ستنتهي , والى اين ستنتهي ,
مادامت هذه الجدلية لا تأخذ بجدية مافرضته الحداثة على ممارسة الفكر العلمي وممارسة التشريع الحديث ,
الذي يعتمد على سيادة الديمقراطية التي تمارسها الشعوب .
ومالم نواجه هذه المفروضات الخاصة بالحداثة سنبقى في حالة من الاختلاط الأيديولوجي , بين صفات خاصة بالحداثة , وصفات مأخوذة من التشريع الاسلامي والهوية العربية الاسلامية ,
ولكن هذه الهوية والتشريع لا يعتمدان على حقيقة الفقه الإسلامي ولا على الحقيقة التاريخية ولا على الهوية الخاصة بالثقافة العربية والتفكير الناطق باللغة العربية في الازمنة البعيدة والقرون البعيدة , أي القرون الوسطى .
* بالمقابل هناك الآن موجة أصولوية يشهدها الغرب , ويبدو هذا واضحا مثلا في الولايات المتحدة ,
- الغرب نفسه يمر في ازمة , وهو نفسه يتساءل , ويعاني من القلق وهذا مايجب الإشارة إليه ,
لا أقول ابدا ان هناك نموذجا غريبا متكاملا يجب على المسلمين والعرب او مجتمعات ما نسميه بالعالم الثالث ان تستمد منه لكي تبني دولتها المعاصرة .
ما أقوله هو يجب ان ننمي تفكيرا خاصا بمجتمعاتنا , يأخذ في الاعتبار المصير الخاص لكل مجتمع من مجتمعاتنا ,
لان التاريخ الجزائري غير المغربي , وتاريخ تونس يختلف عن تاريخ مصر او العراق ...
يجب ان نخرج من ذلك التصور/ المخيال الذي طغى على التفكير العربي في زمن عبد الناصر , أي الخروج من زمن القومية العربية الواحدة ذات الرسالة الخالدة .
العرب لم يدركوا بعد انه مخيال , ومازالوا يتحمسون الى فكرة الامة العربية الواحدة .
هذا التحمس لايحترم التاريخ الذي جعل الجزائر تختلف عن المغرب رغم ان الشمال الافريقي ارض واحدة .
هذه في تقديري نقطة مهمة بما يخص المخيال , حيث اننا نتوق الى اشياء من دون ان تتحقق هذه المحتويات ,
وتجذبنا من دون ان نحققها بالتحليل التاريخي والسوسيولوجي .
هذه الدول جميعها تتبنى اللغة العربية كلغة رسمية لها ,
اللغة هنا تلعب دورا مهما في التواصل فيما بينها ,
ولكن هذا لايعني ان التاريخ الذي ننتمي اليه كمجتمع هو
تاريخ واحد .
انتهى