لاجئة ... وطريقي إلى فلسطين من فوهة البندقية
ادخل ووقع على حق عودتك الى كامل فلسطين
مني أنا الموقعة أدناه ، أتحدث بصفتي الشخصية والاعتبارية ،
كإنسانة
وكمواطنة فلسطينية تم تهجيري من بلدي وأنا ما زلت أمنية في
نفس أبي ، الذي تم تهجيره بالقوة في العام
1948، وولدت وعمر عذابات والدي سنوات قلال، وأورثني
منذ اليوم الأول ذاكرته المليئة بالغضب والحزن
والشـوق إلـــى " ميرون " التي ولد فيها .
أورثني بعد أن توفي في العام 1992 ، أرضه التي ورثها عن جدي ،
وأرضه التي رواها بعرقه مترا مترا،
وأشجار زيتونه التي ورثها عن جدي ،
وأشجار زيتونه التي رعاها شجرة شجرة، وعرقا عرقا،
كما أورثني حكاياته وتفاصيل طفولته شبابه وكهولته ،
وترك لي في صندوق صغير مليئ بذكريات الوطن المغتصب
ترك لي مزاجيته التي تكونت جراء مزاجية السياسات العربية
والعالمية والمنظمات الدولية،
فاغتال الإرث طفولتي ،
وابتسامة سني الأولى ،
وتشاؤما يصعب تجسيده ووصفه ،
وغضبا يصعب كبحه ،
وتأملا أرداني صمته ، فبت قليل الكلام والطعام ،
مزدحما بالغربة المتوحشة ، وبالتوحش الغريب ، حتى بت في
حاجة إلى تدجين ، ومن غربة إلى أخرى ، تعلمت كيف
أحمل ما أورثني إياه أبي سرا ، حتى فاض السر بي ،
واجتماعكم جزء من مسببات الفيضان .
أيها المجتمعون لمناقشة ما ستفعلونه بي ، وبأرضي ، وبأمي
أطال الله عمرها ، وبأخوتي وأولادهم، وبأخواتي
وأولادهن ، وأصدقائي في شتى المعتقلات في فلسطين المحتلة
وفي الأردن ، سوريا ولبنان وكل بلاد الشتات
الفلسطيني وسنوات طوال من طعم الحنظل.
أقول لكم وأنا بكامل قواي العقلية والروحية والعصبية والوطنية
والإبداعية ، بكامل غربتي وشتاتي ولجوئي ،
بكامل انتمائي لأي مكان أبيت فيه وأطعم فيه وأتحرك فيه ،
بكامل ثقافتي الانسانية والعلمية والسياسية والأدبية والعسكرية
والاقتصادية ،
أقول لكم ، بأنني لم أخولكم ، ولم أوكلكم ، ولم أعطكم حق
مناقشة مشكلة وجودي خارج الوطن ، ولهذا ، فإن كل
قراراتكم ومناقشتاكم واتفاقاتكم ومعاهداتكم الخاصة بموضوع ما
أسميتموه بقضية اللاجئين ، غير قانونية ولا شرعية
ولا إنسانية ، وإنني وإخواني وأصدقائي غير ملزميين بها ،
حتى ولو قررتم عودتي منذ الغد ، لأنكم غير مخولين
من قبلي لمناقشة هذا ، فالعودة حق فردي كفلته كل القوانين
والمنظمات والهيئات والقرارات الدولية ، وأنا وحدي ،
وكأي فرد من أبناء الشعب الفلسطيني ، من يقرر العودة من
عدمها ، من يمنحكم حق مناقشة موضوعي من عدمه ،
من يفوضكم للتفاوض حوله من عدمه . وبما أنكم اجتمعتم دون
توكيلكم ، فإنني غير ملزمة بما ستتوصلون إليه ،
تنازلتم أم لم تتنازلوا عن حق العودة ، قبل شارون أو
رفض حق العودة ، قررتم منح تعويضات أم لم
تقرروا .
إن حق عودتي حق مقدس في كل الشرائع والقوانين والأديان ،
كما هو حقي في عدم العودة للعيش تحت احتلال لا
يؤمن سوى بالدم والقتل والحرق .
إنكم يا أصحاب الجلالة والفخامة والسمو والمعالي والسعادة ،
إلى آخر الألقاب التي حرمت منها ،
إنكم حين تطرحون موضوع التعويض ،
فإنكم تحفرون عميقا وبمعول حاد في الأخلاق الوطنية ،
تفترضون الخيانة في شعبي وهو والله إنه لأمر عظيم . ولو
تجاوزت هذا الحفر في المنظومة الأخلاقية العربية
والفلسطينية ، فإن موضوع التعويض ليس بهذه البساطة التي
تنظرون ،
إنني لست شاة يضحّى بها يوم عيد ،
أو تذبح على عتبات المعابد ،
ولست شجرة منقطعة عن جذورها ،
ولست قطعة أثرية في متحف ما ، تمت سرقتها وسيتم استرجاعها .
اسمحوا لي أن أقول أن إن تعويضي تعجز عنه
خزائنكم وميزانيات دولكم ،
ليس لأن الأرض غالية ،
وليس لأن الغربة دامية ،
وليس لأن الشتات قاتل ،
وليس لأن الحزن يشبه السل ،
وليس لأن الوحدة معدية ،
وليس لأن اللجوء كافر ،
وليس لأن القلب مفجوع ،
وليس لأن الفقد حرام ،
وليس لأن الإحساس بالاضطهاد أصبح ورما سرطانيا ،
وليس لأن الوقوف في المطارات وعلى الحدود يشبه وقوف بعير أجرب ،
أو قنبلة موقوتة ،
أو فيروسا نشطة ،
وليس لأن اللجوء بات عند كثيرين سلوكا غير أخلاقي ،
وبات لفظ اللاجئ كالعاهر ،
وليس لأن الذل لله وحده فقط ،
وليس لأن الليل في المخيمات كان طويلا جدا ،
وإن النهار كان فاضحا جدا ،
ليس لأنني حملت بطاقة تشهد بأنني لاجئة ،
ووثيقة سفر تشهد بأني لاجئة ،
ولهذا فصاحبها ممنوع من دخول القارات الخمس ،
وليس لأنني بكيت حينما رأيت بطاقة طفل يرى النور والدنيا عند ولادته، هذا الطفل الرائع الجمال ، والتي اعترفوا
بهه لاجئ !!
ليس لأنني منعت من دراسة ما أتمناه في أكثر من تخصص في لجوئي رغم قرار الجامعة العربية الذي يقر بأن يعامل
اللاجئ معاملة أهل البد الذي لجأ إليه ،
وليس لأنه تم استغلالي بسبب اللامكان الذي أذهب إليه ،
وليس لتحملي منن الناس ،
وليس لأنني شاهدت الخيانات القريبة والبعيدة ،
وليس لأنني شاهدت المؤامرات ،
وليس لأنني حوصرت وأكلت عشب الأرض والقطط ،
وليس لأن السكاكين تعبت من رقابي في صبرا وشاتيلا ودير
ياسين وأربعين مذبحة أخرى ،
ولكن لكل ما ذكرت .
يتبع
عدل سابقا من قبل ميـــرون في الخميس يونيو 18, 2009 10:36 pm عدل 3 مرات