المنبه المتعطل للشارع العربي
هناك أشخاص لا يستطيعون أن يفيقوا من نومهم إلا بجهاز تنبيه، قد يكون ساعة أو تلفون، أو بواسطة شخص آخر
يكون يقظا في الموعد الذي أراد من يستفيق فيه.
وهناك أشخاص، دربوا أيديهم أن تتجه الى المنبه وتسكت ضجيجه دون أن يستفيقوا، فقد يقرر أحدهم وهو نائم أنه
ليس هناك ما يجعله يستيقظ في مثل تلك الساعة، فإن كان ضبط ساعة المنبه ليستفيق في موعد السحور برمضان
فإنه سيقنع نفسه أنه لا داعي لتناول السحور، فباستطاعته الصيام دون سحور ، وإن ضبط ساعة المنبه ليذهب لعمله
في الصباح، سيشغل نفسه في تأليف عذر يخفف عليه لوم اللائمين، أو أنه سيضحي بما يقع عليه من عقوبة بدل
تمتعه بنوم لا يريد قطعه فجأة.
بالمقابل، فإن هناك أشخاصا لا يستعينون بمثل تلك الأجهزة، فإن جاء الفجر نهضوا لصلاتهم دون تنبيه من جهاز،
وإن كانوا قد ضربوا موعدا لعمل أو لقاء أو سفر، كانوا في مكان الموعد قبل دقائق أو مع الوقت، دون الاستعانة بمن
يذكرهم بذلك.
الشارع العربي، مكان لقاء، ومكان سير الحافلات والسيارات، ومكان سير السابلة. وشوارعنا مزدحمة باستمرار،
ونسب حوادث السير فيها من أعلى النسب في العالم، لكنه في موضوعنا، هو المكان الخاوي الخالي من الحياة، ويذمه
كل من يكتب في الصحافة ويطلع على شاشات التلفاز، وقد اقترب من التفوق على الحكومات العربية فيما يلقى من الذم
والغمز.
وكون الشارع العربي، هنا، مكانا، فهو كمبنى النقابة أو مبنى النادي الثقافي، لا أهمية لطرز البناء و فخامة الأثاث
فيه، ولكن الأهمية تعود لما يؤدي ذلك المكان من وظيفة، فعندما نقول اشترى النادي الفلاني لاعبا بمبلغ كذا، لا نعني
البناء والأثاث والملابس الرياضية، بل نعني الإرادة التي ترجمتها إدارة النادي في تتميم تلك الصفقة وما وراءها من
أهداف.
في السنوات الأخيرة، نام الشارع العربي، ولم يعد يفيق على الضجيج حوله، لا في العراق، ولا في غزة و لا في
السودان. لماذا نام؟ ومن سيوقظه؟ وكيف؟
لما كان جهاز التنبيه للنيام (مشاعا) ولا يملكه أحد، كان ضبطه على أوقات، للنيام فيها رأي، فالاعتداء على لبنان
كان يشد بعض النيام ويسر بعضهم، فمراقبة ململة الذين يريدون النهوض لمن يهنئوا بنومهم، جعل من موضوع تلك
المراقبة بديلا شرعيا للنهوض. ورنين جهاز الإيقاظ لحصار غزة، أوجد وضعا مشابها للمثال السابق، فمن يريد
النهوض يجعل من موضوع الخلاف الداخلي الفلسطيني مبررا لاستمراره في نومه، فيقول: أأريد أن أكون ملكيا أكثر
من الملك؟ وهكذا يجد الشارع (المكان، والجمهور، والفقه) مبررا يعطي لكبوته الحق في الاستمرار بالإغفاءة.
وحتى تعود الحيوية للشارع العربي، على من يزعمون أنهم يمسكون بضوابط الشارع وجهاز تنبيهه، أن يكفوا عن
انتقادهم لبعض، وأن ينسقوا فيما بينهم لتوحيد الصف، وإن لم يستطيعوا فعل ذلك، عليهم أن يكفوا عن التدخل
بالشارع، فقيادات الشارع تصنعها وتنتخبها الضرورة، كما تصنع وتنتخب خلية النحل ملكتها عندما تهرم وتعجز
الملكة القائمة عن أداء دورها. حقا أن ذلك سيسبقه (تطريد) [أي انقسام الخلية] لكنها هي سنة الحياة فعمر النحل
من عمر البشر أو يزيد، وما زال يصنع العسل.