ممـلكـــة ميـــرون

الموازنة بين السياسة الشرعية والسياسات الوضعية 32175b77914d249ceca6f7052b89c9fc

ادارة مملكة ميرون
ترحب بكم وتتمنى لكم قضاء اوقات مفيدة
وتفتح لكم قلبها وابوابها
فاهلا بكم في رحاب مملكتنا
ايها الزائر الكريم لو احببت النضمام لمملكتنا؟
التسجيل من هنا
وان كنت متصفحا فاهلا بك في رحاب منتدانا

ادارة مملكة ميرون

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

ممـلكـــة ميـــرون

الموازنة بين السياسة الشرعية والسياسات الوضعية 32175b77914d249ceca6f7052b89c9fc

ادارة مملكة ميرون
ترحب بكم وتتمنى لكم قضاء اوقات مفيدة
وتفتح لكم قلبها وابوابها
فاهلا بكم في رحاب مملكتنا
ايها الزائر الكريم لو احببت النضمام لمملكتنا؟
التسجيل من هنا
وان كنت متصفحا فاهلا بك في رحاب منتدانا

ادارة مملكة ميرون

ممـلكـــة ميـــرون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


,,,منتديات,,,اسلامية,,,اجتماعية,,,ثقافية,,,ادبية,,,تاريخية,,,تقنية,,, عامة,,,هادفة ,,,


    الموازنة بين السياسة الشرعية والسياسات الوضعية

    ادهم الشرقاوى
    ادهم الشرقاوى
    عضو ماسي
    عضو ماسي


    ذكر

    الموازنة بين السياسة الشرعية والسياسات الوضعية Empty الموازنة بين السياسة الشرعية والسياسات الوضعية

    مُساهمة من طرف ادهم الشرقاوى الخميس سبتمبر 04, 2008 3:33 pm


    الموازنة بين السياسة الشرعية والسياسات الوضعية - أصول ونماذج (5)
    د. سعد العتيبي | 4/8/1429

    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
    ذكر فروق تتعلق بالأصول التي يرجع إليها في تقرير السياسات
    هذه المسألة مُتَفَرِّعة عن المسألة السابقة ( الاختلاف في المصدر ) ، غير أنَّها أُفرِدَت ؛ لأهمية إفرادها من الناحية التفريعية فقهاً شرعيا وقانوناً وضعياً – الذي هو محل البحث هنا .
    فالمراد بأصول السياسة الشرعية : الأدلة الشرعية التي تُستفاد منها أحكامها ([ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]) .
    والمراد بأصول السياسات الوضعية : مصادرها التي يستند إليها في وضعها ([ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]) .
    وبيان الفرق بين أصول السياسة الشرعية ، ومصادر السياسات الوضعية يتضح بعرضها ، ثم ذكر الفرق بينها ؛ وذلك على النحو الآتي .

    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]

    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
    السياسة الشرعية جزء من الشريعة الإسلامية ، فإنَّ أصول السياسة الشرعية - وإن تعدَّدَت طرائق استنباطها واشتهر تعليل أحكامها بتلك الطرائق ([ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]) ، هي ذاتها أصول الشريعة الإسلامية وفقهها ، التي هي :
    1) الكتاب ([ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]) ( الآيات القرآنية) ولا يقتصر الاستدلال به في التشريع على ما ذكره المؤلفون في آيات الأحكام .
    2) السنـة ، " الأقوال ، والأفعال ، والتقريرات ، الثابتة عن النبي e ؛ وتستفاد منها الأحكام بطريق النص الصريح ، أو الاستنباط المعتبر ، أو بهما معاً .
    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
    مصادر السياسات الوضعية تختلف باختلاف تلك السياسات ، وما نشأت فيه من مجتمعات ، تبعاً للظروف الخاصة المحيطة بكل منها ، المتفاوتة زماناً ومكاناً ([ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]) ؛ غير أنَّ ثمة مصادر مشتركة بين تلك السياسات ، وإن اختلفت نسب الرجوع إليها من سياسة إلى أخرى : أهميةً ، ومرتبةً ، وزماناً ، ومكاناً .
    وقد حصرها بعض من ألَّف في القوانين الوضعية ، في مصدرين رئيسيين ([ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]) :
    1) العـرف .
    وهو : " دَرْجُ النَّاس على قاعدة معيَّنة ، واتباعهم إيَّاها في شؤون حياتهم ، وشعورهم بضرورة احترامها " ([ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]) .
    أو هو باختصار : الممارسة الدستورية ، المقبولة عند أهلها كالقانون ([ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]) .
    وله أهمية في نشأة السياسات الوضعية ( الدساتير ) ؛ تَتَّضح من خلال النقاط التالية :
    - قيام أحد نوعي ( الدساتير ) عليه ، وهو ما يعرف بـ( الدساتير العرفية ) ([ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]) ، أي : التي مصدرها ( العرف ) ، فهي نتيجة تقاليد لم تلْق اعتراضاً من نصٍّ سابق ([ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]) ؛ وترجع طريقة صدوره إليه ([ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]) .
    - كونه مصدراً رئيساً لنشأة النوع الثاني من الدساتير ، التي هي ( الدساتير المكتوبة ) ، فعند ابتداء وضع هذا النوع من الدساتير ، يكون العرف مصدراً رئيساً يرجع إليه في وضعه ([ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]) .
    - كونه ينشأ إلى جانب ( الدساتير المكتوبة ) ، وتُكَوَّن منه قواعد دستورية ، تُعرف بـ( العرف الدستوري ) ([ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]) .
    وهكذا يتضح من خلال هذه النقاط ، ما للعرف من أهمية في إنشاء السياسات الوضعية وتغيرها ([ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]) .
    2) القواعـد الدستوريـة المدونـة .
    ويعبّر عنها - أيضاً - بـ( الدستور المدوَّن ) ، وهو : الذي أَصدر واضعُه و مُنَظِّمُه ([ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]) ، أحكامَه ، وضمَّنَها وثيقة ، أو بضعة وثائق معينة ([ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]) .
    وتتضح أهمية القواعد الدستورية المدوّنة من حيث كونها مصدراً للسياسات ( الدساتير ) الوضعية - في حالة تغيير دستور قائم ؛ حيث يتم هذا التغيير ، وفقاً للطريقة التي يُفْتَرَضُ النص عليها في الدستور القائم - المرادِ تغييره - سواء كان هذا التغيير كليّاً ( الإلغاء ) ، أو جزئياً ( تعديل بعض قواعده ) ([ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]) ؛ فالقانون الدستوري ( شكل السياسة الوضعية ) يُستمد من الوثيقة الدستورية المسطورة ( المكتوبة ) ، أو الدستور بالمعنى الشكلي ، ومن بعض المسائل الدستورية المدونة خارجَه ([ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]) .
    هذه هي مصادر السياسات الوضعية أو "الدساتير" بالمصطلح السياسي المعاصر .
    بعد هذا العرض لأصول السياسة الشرعية ، ومصادر السياسات الوضعية ، يأتي ذكر الفرق بينها ، وهي الفقرة التالية .

    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]

    ليس ثمة مقارنة بين أصول السياسة الشرعية ، ومصادر السياسة الوضعية ؛ يؤكِّد ذلك الموازنة بينها في دائرة الاختلاف التي تحوي عدداً من الفروق الجوهرية المجملة و المفصَّلة .
    فأما الفروق المجملة، فإنَّها متفرعة عن الحقيقة السابق ذكرها ، وهي : أنَّ أصول السياسة الشرعية هي ذاتها أصول الشريعة الإسلامية ، ومنها اكتسبت وصف (الشرعية) .
    وأهم هذه الاختلافات هذه والفروق ما يلي :
    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]- أنَّ أصـول السياسـة الشرعية منشـؤها الوحي الإلهي ؛ أمَّا الوضعية فمنشؤها الفكر البشري عقليا كان أو طبعيا ، صحيحا كان أو سقيما .
    أصول السياسة الشرعية منشؤها الوحي الإلهي ؛ ومجال العقل فيها منحصر في الكشف عن طرائق استنباط الأحكام من تلك الأصول ، وفق ضوابط حُدِّدَت من خلال أصول الشريعة ذاتها .
    أمَّا أصول السياسات الوضعية فمنشؤها البشر ؛ فالوضع العقلي في إنشائها يكاد يكون مستقلاً ؛ لذا وصفت بالسياسات ( العقلية ) ، و ( الوضعية ) ، سواء كانت في شكل أعراف ، أو وثائق مكتوبة .
    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
    أصول السياسة الشرعية ، تتميز بخصائص الشريعة – ذاتها – السابق ذكرها ، من مثل : الثبات ، والدوام مع المرونة ؛ وعليه فلا نسخ ولا تغيير فيها ، ولا إضافة عليها ، بعد انقطاع الوحي . وأمَّا ما يُعَلِّلُ به المجتهد لأحكامَ التي لم يُنصّ عليها ؛ فإنَّما هي طرائق استنباط ، وضوابط اجتهاد ؛ يؤكد بها صحة استنباطه من الوحي ، واستناده إليه فيما يُبَيِّنُه من أحكامٍ ، مستندها الكليات والقواعد الشرعية ، وقد سبق ذكر أسس السياسة .
    أمَّا أصول السياسات الوضعية ؛ فهي وضعية تتصف بصفات واضعها – التي سبق الإلماح إليها – فيعتريها ما يعتريه من قصور ؛ فلا دوام لها ولا ثبات ولا مرونة ؛ لذا فهي تقبل الإضافة والتعديل ؛ بل الإلغاء ، تبعاً للتطورات الزمانية والمكانية ، وغيرها من المؤثرات التي لا تستطيع الدساتير ( العرفية ) ولا ( المدونة ) مسايرتها ، دون تعديل أو تغيير ؛ إذ التعديل والتغيير طريقة مرونتها ! كيف لا ، وقد عُدَّ من خصائص الدستور الجيّد : " أن يتضمن الدستور طريقة تعديله ([ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]) ؛ فوجود طريقة قانونية لتعديل الدستور تجنب البلاد التعرض للثورات من أجل هذا التعديل … " ([ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]) كما يطلق على الدساتير التي تزيد شروط تعديلها أو إلغائها ، عن شروط أو إلغاء القوانين العاديـة ( غير الدستورية ) - الدساتيرُ الجامدة ! مع أنها تقبل التعديل والإلغاء ، لكن بشروط أشدّ ، وذلك في مقابل النوع الآخر من الدساتير ، وهي ( الدساتير المدونة ) ، أي : التي يتم تعديلها أو تغييرها باتِّباع إجراءات تعديلِ وإلغاءِ القوانين العادية ، وعن طريق السلطة التنظيمية ذاتها ([ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]) .
    وهكذا يتضح أنَّ القواعد الدستورية - من حيث كونها أصولاً للسياسات الوضعية - تقبل التعديل ، والإلغاء ، بخلاف أصول السياسة الشرعية ([ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]) .
    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]- أنَّ أصول السياسة الشرعية ، هي أصول الشريعة في جميع المجالات ؛ أمَّا مصادر السياسات الوضعية ؛ فتختلف عن أصول بقية القوانين .
    فأصول السياسة الشرعية ، ليست خاصة بها ، بل هي لجميع الأحكام ، في جميع المجالات ؛ لاتصاف الشريعة الإسلامية بوحدة النظام ؛ فليس هناك أصول خاصة بالسياسة الشرعية خارجة عن هذه الأصول .
    أمَّا أصول السياسات الوضعية ؛ فإنها تختلف عن أصول بقية القوانين ؛ فمصادر القانون الدستوري تتميز في قيودها وعددها عن أصول بقية القوانين ، حيث يُرى أن مصادر القوانين العادية أقلّ شأناً ([ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]) .
    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]- أنَّ أصـول السياسة الشرعية تقريرية متبعة ، أمَّا مصادر السياسات الوضعية ، فهي في مجملها تقريرية تابعة .
    أصول السياسة الشرعية تقريرية متَّبَعَة ؛ فهي تتميز بالتوجيه والتنظيم ، وهو المعبر عنه في تعريف السياسة الشرعية – بمدلولها العام – بأنَّها : " حمل الناس على مقتضى النظر الشرعي" ، أي الإلزام بالإصلاح ولو جبراً ([ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]) ؛ وهذا مبناه الصفة الدينية للشريعة ، التي سبق الحديث عنها في الفرع الأول .
    أمَّا مصادر السياسات الوضعية ، فهي في مجملها تقريرية تابعة ؛ ذلك أنَّها ترصد الظواهر الاجتماعية ، ومن ثم تبني تلك السياسات على أساسها ، وما قد وجد من تقويم ([ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]) ؛ فهو في حقيقته متأثر بالأصول المبنية على التقرير ، المتمثل في مضمون ( الدستور ) ، ثم هو قاعدة قد جاءت متأخرة عن التقويم - الذي تتميز به أصول السياسة الشرعية - بما يقارب ثلاثة عشر قرناً ([ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]) .

    وأمَّا الاختلافات والفروق المفصَّلة فيؤجل الحديث عنها إلى الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى .

    يتبع
    ادهم الشرقاوى
    ادهم الشرقاوى
    عضو ماسي
    عضو ماسي


    ذكر

    الموازنة بين السياسة الشرعية والسياسات الوضعية Empty رد: الموازنة بين السياسة الشرعية والسياسات الوضعية

    مُساهمة من طرف ادهم الشرقاوى الخميس سبتمبر 04, 2008 3:34 pm

    ]) ينظر في معنى الأصل : المصباح المنير ، الفيومي : مادة ( أصل ) ، والمستصفى من علم الأصول ، لأبي حامد محمد الغزالي : 1/36 ، ط1-1417، ت وتعليق/ د. محمد بن سليمان الاشقر ، مؤسسة الرسالة : بيروت ؛ وإرشاد الفحول ، للشوكاني : 1/46 ؛ والقاموس المبين في اصطلاحات الأصوليين ، د . محمود حامد عثمان : 85 –87 ، ط-1416 ؛ وغيرها . فالمراد هنا مصادر التفريع لا مصدر التلقي ، الذي سبق ذكره في المسألة السابقة .



    ([2]) ويعبر عنها مؤلفوا أصول القانون بـ ( المصادر الرسمية ، أو الشكلية ) ، ولذلك ينبغي التنبّه إلى أن أصول القوانين عندهم – أعم من مصادرها ، فـ( أصول القانون ) يبحث فيها عن القواعد القانونية العامة التي هي أساس القوانين الوضعية المختلفة ، فهي رديف ( المدخل للعلوم القانونية ) و ( نظرية القانون ) ، الذي يتولى التعريف بالقوانين والكشف عن خصائص قواعـدها ووظيفتها ، وأساس الإلزام بها ، وبيان أقسامها ، وفروعها ومعرفة المصادر التي تستمد منها .
    ينظر : أصول القوانين وتطبيقاتها في القانون المصري والقوانيـن الأخرى ، د. محمد كامل مرسي وسيد مصطفى بك : 5 ، ط -1342 ؛ وعلم القانون والفقه الإسلامي ، د. سمير عالية :9-11 ، ومضامين الكتب القانونية تحت مسمى : المدخل ، أو أصول القوانين ، أو نظرية القانون .
    والمصادر عند القانونيين أربعة أقسام : موضوعية ( حقيقية ) ، و تاريخية ، وتفسيرية ، ورسمية ( شكلية ) ، وهذا الأخير هو الذي يرجع إليه في التطبيق القانوني .
    ينظر : المدخل للعلوم القانونية والفقه الإسلامي مقارناً بين الشريعة والقانون ، علي علي منصور: 75-77 ، ط1-1386.

    ([3]) ينظر : مبحث التأصيل من هذه الرسالة .



    ([4]) درج الأصوليون على تعريف القرآن الكريم ، ينظر - مثلاً - : شرح الكوكب المنير ، لمحمـد بن أحمد الفتوحي : 2/7-8 ، ط-1400 .

    ([5]) ينظر : المدخل إلى القانون ، لحسن كيره :205 ، ط5 ، منشأة المعارف : الإسكنـدرية ؛ والمراجع التالية .




    ([6]) ينظر : علم القانون والفقه الإسلامي ، لسمير عالية : 179 ؛ والدساتير والمؤسات السياسية ، لإسماعيل الغزال : 25 . وهناك من عدّ القضاء مصدراً من مصادر القانون الدستوري تبرز أهميته في الدول ذات النزعة ( الأنجلوسكسونية ) : أي ذات الدساتير العرفية ، كانجلترا . ينظر : القانون الدستوري والنظم السياسية ، لعبد الحميد متولي ، ود. سعد عصفور ، ود. محسن خليل : 26-27 ، غير أنَّ هذا الرأي مردود بما انتهى إليه أصحابه ، من أنَّ المشتغلين بهذه السوابق القضائية قاموا بتجميعها في مجموعات بحيث صار يرجع إليها كما يرجع إلى النصوص القانونية . ينظر المرجع السابق : 27 . وعليه فهي من حيث الواقع قواعـد دستورية مدونة ، وإن كانت من حيث النشأة سوابق قضائية ، فالكلام فيها كالكلام في القواعد الدستورية المدونة ، وهي المصدر التالي ذكره .

    ([7]) ينظر : العرف وأثره في الشريعة والقانون : 37 ؛ وفيه ذكر تعريفات أُخَر عند القانونيين مع المناقشه .
    وقد عرّف بعدة تعريفات ، من ذلك تعريف شيخنا /د. أحمد سير المباركي ، حيث عرّف تعريفا عاما يشمل العرف الشرعي والقانوني ، بقوله هو \" ما اعتاده أكثر الناس وساروا عليه في جميع البلدان ، أو في بعضها ، سواء كان ذلك في جميع العصور ، أو في عصر معين \" ؛ والعرف وأثره في الشريعة والقانون : 35.


    ([8]) ينظر : الدساتير والمؤسسات السياسية ، د. إسماعيل الغزال : 25 .

    ([9]) الدستور العرفي أو الذي لم يدّون هو : الذي لم يقرر قواعده المنظم الدستوري ، ولم يضعها في وثيقة مدّونة في تاريخ معين . ينظر : القانون الدستوري والأنظمة السياسية ، د. عبد الحميد متولي :1/80 . فالدساتير العرفية متروكة للعرف والعادة ، بدون كتابة .

    ([10]) ينظر : الدساتير والمؤسسات السياسية ، د. إسماعيل الغزال : 25 .

    ([11]) ينظر : القانون الدستوري والأنظمة السياسية ، د. عبد الحميد متولي :1/80 .



    ([12]) ينظر : القانون الدستوري والنظم السياسية ، لعبد الحميد متولي ، ومن معه :24-25،30 ؛ وينظر في التفريق بين ابتداء وضع الدستور ، وتعديل الدستور القائم : الدساتير والمؤسسات السياسية ، لإسماعيل الغزال :35.


    ([13]) العرف الدستوري : عبارة عن عادة درجت عليها هيئة حكومية في الشؤون المتصلة بنظام الحكم في الدولة ، ولم تعـارض من الهيئات الحكومية ذات الشأن ، وصار لها في نظر تلك الهيئات ما للقواعد الدستورية من إلزام . ينظر : القانون الدستوري والأنظمة السياسية ، لعبد الحميد متولي :83 ؛ فهو مجموعة قواعد تتكون إلى جانب القواعد المدوّنة في دستور الدولة . ينظر الدساتير والمؤسسات السياسية ، لإسماعيل الغزال : 25 .



    ([14]) ينظر مزيدا من أهمية العرف في (الدساتير) والسياسات الوضعية عند القانونيين : المراجع السابقة .

    ([15]) يختلف المنظّم للدستور ، باختلاف ظروف وضعه ؛ لذا فقد تضعه هيئة منتخبة أو معينة ؛ وقد يضعه فرد كأن يكون في شكل منحة من حاكم ، وفي كلا الحالين قد يرتضيه المجتمع بطريق الاستفتاء أو غيره ، وقد لا يرتضيه ، ينظر : المدخل إلى العلوم القانونية ، لنبيل سعد و السيد محمد عمران ، ومحمد مطر :112-111ر؛ والمدخل للعلوم القانونية ؛ علي علي منصور : 83 ؛ والدساتير والمؤسسات السياسية ، إسماعيل الغزال : 35 .


    ([16]) ينظر: القانون الدستوري والأنظمة السياسية ، د. عبد الحميد متولي :1/80 . فهو الذي يأخذ شكلاً كتابياً معيناً . وتدخل في القواعد الدستورية المسائل الدستورية المدرة ضمن القوانين العادية ، غير الدستورية . ينظر : علم القانون والفقه الإسلامي ، د. سمير عالية :180 .

    ([17]) ينظر الدساتير والمؤسسات السياسية ، لإسماعيل غزال : 35 ؛ والمدخل إلى العلوم القانونية ، لنبيل سعد ود. السيد عمران ، ود. محمد مطر :111/112 .



    ([18]) ينظر علم القانون والفقه الإسلامي ، لسمير عالية :180 .

    ([19]) لا فارق بين التعديل والإلغاء ، من حيـث الإجراءات والشروط كقاعدة عامة . ينظر : القانون الدستوري والأنظمة السياسية ، د. عبد الحميد متولي :1/82 [ الأصل والحاشية رقم (2) ] .



    ([20]) أسس العلوم في ضوء الشريعة الإسلامية ، د. توفيق عبد الغني الرصاص : 152 -153 . وقد عبر بـ( يجب ) .


    ([21]) ينظر القانون الدستوري والأنظمة السياسية ، د. عبد الحميد متولي :1/81 .

    ([22]) ولهذا فإن تشبيه الكتاب والسنة بالدستور وفقاً لاصطلاح شراح القانون العام المعاصرين - لا يصح لأنَّ المسلم به أن للجماعة في كل وقت أن تغير دستورها بمطلق حريتها دون أي قيد في هذا الخصوص ، ولا سيما الدساتير المرنة ، كالدستور الإنجليزي ، حتى قيل على سبيل الفكاهة المعّبرة إن البرلمان الإنجليزي يستطيع أن يقرر أي شيء إلا أن يحوّل الرجل إلى امرأة أو العكس .
    ينظر : السلطات الثلاث في الدساتير العربية وفي الفكر السياسي الإسلامي ، د. سليمان الطماوي : 308-309 .
    وكاّنَّ هذه الفكاهة قد بلغت مبلغاً مقارباً في صورة السماح قانوناً بإجراء العمليات الجراحية التي تستبدل فيها الأعضاء التناسلية بين الذكر و الأنثى! ؟

    ([23]) ولذلك فإنها تحكم بالسياسات . ينظر علم القانون والفقه الإسلامي ، لسمير عالية :177-178 وما بعدها ؛ والنظم السياسية والقانون الدستوري ، لحسين عثمان محمد عثمان :177-178 ؛ والدساتير والمؤسسات السياسية ، لإسماعيل الغزال :33 .

    ([24]) ينظر : خصائص التشريع الإسلامي في السياسة والحكم ، للدريني :383 بتصرف ، ودراسات وبحوث في الفكر الإسلامي ، للعلامة الدريني : 1/347-348 ؛ والعرف وأثره في الشريعة والقانون ، لشيخنا

    الأستاذ د. أحمد المباركي : 239 .
    ([25]) ينظر : المراجع السابقة .

    ([26]) ابتداء النقد لتصرفات الحكّام المسلمين الذين لا يتجاوزون فيها أحكام الشريعة دون مسوغ مقبول أو مردود أو محل نظر ، وتدوين العلماء لذلك .
    --
    سنتعلم الكثير من دروس الحياة ، إذا لاحظنا أن رجال الإطفاء لا يكافحون النار بالنار !


    يتبع
    ادهم الشرقاوى
    ادهم الشرقاوى
    عضو ماسي
    عضو ماسي


    ذكر

    الموازنة بين السياسة الشرعية والسياسات الوضعية Empty رد: الموازنة بين السياسة الشرعية والسياسات الوضعية

    مُساهمة من طرف ادهم الشرقاوى الخميس سبتمبر 04, 2008 3:37 pm

    الموازنة بين السياسة الشرعية والسياسات الوضعية - أصول ونماذج (4)


    د. سعد العتيبي | 12/7/1429


    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

    في الحلقة الماضية كان الحديث عن الخصائص المتعلقة بذات الشريعة وسياستها الشرعية؛ وتبيّن من خلاله أنَّ تلك الخصائص لا وجود لها في السياسات الوضعية؛ بل إنَّ انتفاءها من السياسات الوضعية يُعد من خصائصها !؛ " ولولا أنَّ الشريعة من عند الله لما توفرت فيها صفات الكمال والسمو والدوام، تلك الصفات التي تتوفر دائماً فيما يشرعه الخالق، ولا يتوفر شيء منها فيما يضعه المخلوق " ([ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]).

    وفي هذه الحلقة سيكون الحديث إن شاء الله تعالى عن الخصائص المتعلقة بالخضوع للشريعة..
    الثانية : الخصائص المتعلقة بالخضوع للشريعة، والامتثال لها.
    وعمادها أمران :
    أ‌- احترام الشريعة الربانية، والانقياد لأحكامها رغبةً واختياراً.
    وغاية هذا الأمر أنَّ الشريعة بحكم مصدرها تكتسب هيبة وقدسيّة وإجلالاً، واحتراماً من قبل المؤمنين بها، مهما كانت منزلتهم الاجتماعية؛ ومن ثم يلتزمون بها وينقادون لأحكامها برضى وانشراح صدر.
    وأمَّا القوانين الوضعية فتفتقر - ضمن ما تفتقر إليه - إلى هذه المَزِيَّة؛ فدرجة احترامها لدى المُلْزَمين بها – إن وجدت - فمتردية؛ بل من يُخضعون لها يحرصون على إيجاد السبل والوسائل للتفلُّت منها؛ لعدم ثقتهم بعدالتها، وبسلامة واضعيها من التحيُّز والخطأ، ومنفذيها من الهوى والظلم، مع عدم الشعور الداخلي بلزوم احترامها. وهكذا يتضح أنَّ امتثال المؤمن للشريعة رغبة واختيار، وامتثال الناس للقوانين الوضعية قهر وإجبار (2)، هذا هو الأصل. فما أكثر التجاوز إذا أمنت المؤاخذة القانونية.
    نعم وجد في جيل غربي - لا زالت بقاياه - كبارُ سنّ يحترمون القانون قناعة، ولذلك أسباب يتحدث عنها اباحثوا في موضوعات فلسفة القانون والقوة الملزمة به، وسأكتفي منها بأمر واحد تقريبا للفكرة ليس إلا، وهو : أن ذلك الجيل مرّ بمعاناة الفوضى المتمثلة في ظاهر منها الحروب السابقة للاستقرار؛ مما جعله يعضّ بالنواجذ على ما فُرض عليه من قوانين؛ وهذا يشبه ما تمسك كبير السن بالريال أو الدرهم أو نحوه من العملات المحلية، بسبب معاناته من العوز والفقر وشظف العيش فيما سبق، بينما نجد الجيل الجديد من الشباب الذين عاشوا الرغد مذ كانوا صغارا، لا يجدون – بسبب عدم معاناتهم - قيمة للريال أو الدرهم تجعلهم يحافظون عليها كما يحافظ عليها الآباء أو الأجداد ! وهكذا هو الجيل الجديد في المجتمعات الغربية، فإنهم ليسوا كآبائهم في احترام القانون والحرص على التزامه، لعدم معاناتهم من الانفلات الأمني الكبير ولا سيما زمن حروبهم الطاحنة التي كانت في تلك البلاد؛ وهذا من أسباب بحث الجهات التقنينية في تغيير القوانين وتشديد العقوبات الجنائية والجزائية على المخالفين المتجرئين على القانون، كبحا لجماح هذه الظاهرة في الجيل الجديد، ولعل هذه الصورة كافية في بيان المراد هنا.

    ب - الجزاء على الأحكام الشرعية دنيوي وأخروي، يشمل العقوبة والمثوبة (3).
    وبيان هذه الخاصية : أنَّ جميع السياسات والقوانين تفرض على المخالف عقوبة رادعة؛ فالموجِب لانقياد الكافَّة (الشعب) لأحكام السياسة العقلية : ما يتوقَّعون من ثواب الحاكم بها، بعد معرفته بمصالحهم (4)، وما يتخوَّفُونَه من عقابه بتقدير عدم الانقياد؛ ويتحصل من ذلك أنَّ ملاك الطاعة : الرغبة والرهبة (5)؛ لكن الأمر في الشريعة مختلف في حقائقه عن القوانين الوضعية من وجوه، منها :
    1) الجزاء في الشريعة دنيوي وأُخروي؛ بل إنَّ الأصل فيها الجزاء الأخروي، وإنَّما الدنيوي رادع لمن لم يؤمن بالدار الآخرة من المنافقين، أو من كانوا للكفر مظهرين، ولمن يضعف إيمانه أمام شهوة وقصد إلى معصية، وقد تكون جبراً لتقصيره، وتكفيراً لخطيئته، ليسلم من العذاب الأخروي (6).
    أمَّا الجزاء في القوانين الوضعية، فهو دنيوي دائماً، تقرِّره وتوقعه السلطة البشرية التي وضعته؛ لتدبير نظامها في الدنيا، وهي سلطة لا تملك من أمر الآخرة شيئاً (7).

    2) الجزاء الأخروي الذي تختص به الشريعة قد يكون مثوبة، وقد يكون عقوبة؛ فهو مشتمل على المثوبة للمحسن، والعقوبة للمسيء (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره*ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) [الزلزلة]؛ كما أنَّ العقوبة فيه قد تكون بعدم المثوبة (الحرمان من الفعل ومثوبته)، وذلك عند عدم عمل المكلف للمستحب والمندوب، مع اعتقاده بحكمه؛ وقد تَدِقّ، كما لو أقدم على مكروه غير محرَّم. وذلك لأمرين :
    الأول : أنَّ الأحكام الشرعية، منها الإيجابي بالأمر ومنها السلبي بالنهي. مثال الأول : أمرها بالمعروف عن طريق الثواب؛ ومثال الثاني : نهيها عن المنكر، من طريق الوعيد للمخالف بالعقاب (Cool.
    وأمَّا القوانين الوضعية فسلبية فقط؛ ولهذا تقتصر على العقوبة دون المثوبة؛ وقد انبنى على سلبيتها خلوها من المندوبات والمكروهات (9)، بدلالاتها الشرعية.
    الثاني : امتزاج أحكام الشريعة بالمعتقدات والأخلاق، امتزاجاً لا يبقى معه وجودان مستقلان؛ ولهذا فإنَّ الأحكام الشرعية والفقهية، تضع النية والقصد في اعتبارها ((إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى)) (10).
    وهذا أمر لا وجود له في القوانين الوضعيَّة؛ فإنَّها تُعنى بالظاهر، وتقف عند السلوك الخارجي، ولا تتعدَّى ذلك إلى هواجس النفوس، والنوايا الخفية، مهما انطوت عليه من خبث أو شرّ (11).
    وهكذا فالسياسة الشرعية يستند الحاكم بها إلى شرع منزَّل من عند الله U؛ يوجب انقيادهم إليه إيمانهم بالثواب والعقاب عليه، الذي جاء به مُبَلِّغِه (12).
    مِمَّا سبق يتضح بجلاء أنَّ اختلاف المصدر بين السياسة المقيدة بـ(الشرعية)، والسياسات الوضعية، هو أصل الاختلاف، ومنبع تفجر الفروق، الذي يجب على طالب الحقيقة أن ينطلق منه في بحثه، فإن الإيمان بالشرع يستتبع العمل فتحقق السعادة، والإعراض عنه بضد ذلك، كما أن القناعة بصحة مصدر الشريعة، عند من لم يؤمن بها إيماناً يستتبع العمل – كافية في المنع من الاعتراض على تشريعاتها عقلاً، وعرفاً، على اختلاف الملل والنحل، ومن ثم فينبغي أن يكون البحث مع أهل الكفر : وجوب التزام الإسلام في المقام الأول؛ أما المناقشات المتفرعة عن ذلك فهي وإن كانت مطلوبة، لكنها إنما تعالج أطراف الجرح لا وسطه وعمقه، فلا يصح أن تكون هي الأصل في مجادلة الكافرين، ومن يتَّبِعهـم؛ فهـذا أساس المفاصلـة والاستقلال، بين الشرْعيَّـة التعبديِّة، والوضعيَّة العلمانية.
    لعل في هذا ما يكشف شيئا من المراد..
    وفي الحلقة التالية سيكون الحديث في ذكر الفروق من حيث الأصول التي يرجع إليها في تقرير السياسات إن شاء الله تعالى.


    يتبع
    ادهم الشرقاوى
    ادهم الشرقاوى
    عضو ماسي
    عضو ماسي


    ذكر

    الموازنة بين السياسة الشرعية والسياسات الوضعية Empty رد: الموازنة بين السياسة الشرعية والسياسات الوضعية

    مُساهمة من طرف ادهم الشرقاوى الخميس سبتمبر 04, 2008 3:39 pm

    السياسة بين التحليل والموقف


    د أسامة عثمان | 19/6/1429

    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
    أظن أن أهمية التحليل السياسي باتت واضحة, وتؤكد ضرورتها الأحداث, بعد أن لفتت الانتباه إليها النصوص الشرعية إما بالتصريح, أو بالاقتضاء؛ فلا يستطيع المسلمون إدارة الصراع, واتخاذ المواقف التي يفرضها الدين إلا بالبناء على رؤية ذاتية عن الأحداث والمستجدات السياسية.
    وهذا يتطلب متابعة دائمة, ويقظة وتنبها, فضلا عما يتطلبه من قدرة على مقاربة الواقع السياسي, وفهم أبعاده ودوافعه والجهات التي تقف وراءه, والأهداف التي تبتغيها منه, وحجم تلك الأهداف من مصالح تلك الدول, أو أولوياتها, وما يرافق ذلك من معرفة طبيعة الدولة التي تؤثر في صنع الأحداث على المسرح الدولي, أو الدول الفاعلة فيه. ولا يمكن الزعم بمعرفة تلك الدول دون فهم البعد الفكري, أو الأيديولوجي الذي يوجه منطلقاتها, ولا يتم ذلك أيضا دون فهم الخريطة السياسية للقوى والأحزاب الحاكمة أو المؤثرة في القرار السياسي, هذا, ومتطلبات التحليل السياسي تتسع لِتُلِمَّ بكل المعارف والثقافات وحتى المزاج والطباع التي تطبع شعوبا, هي في دولها ذات تأثير في استبقاء الطبقة الحاكمة, أو استبدالها.
    ولسنا هنا في معرض التصدي للتحليل السياسي ومتطلباته, ولكننا نذكر منها بعضها للدلالة على أن مطلب التحليل السياسي في معظمه يقوم على التعاطي مع الواقع كما هو؛ لتوصيفه, وتفسيره, وتحليل أبعاده ومقاصده ودوافعه وحظوظه من بلوغها, وعلى هذا فإن التحليل السياسي قد يتفق عليه المسلم المنطلق في مواقفه من عقيدة الإسلام ومصلحة الأمة الإسلامية, وغير المسلم المنطلق من غير العقيدة والمراعي غير المصلحة, يحدث هذا ما دام الأمر توصيفيا وتحليليا.
    بيد أن الإسلام يضيء حتى قواعد في التحليل السياسي, يتضح هذا حين نلحظ أنه يزودنا بحكم عن تلك الدول الفاعلة اليوم, كأمريكا ودول أوروبا, وروسيا, أنها تقوم على عقائد باطلة, وأنها ما دامت كذلك فهي لا تبغي للمسلمين في أفعالها وفي سائر نشاطاتها خيرا, وإن بدا في الظاهر عكس ذلك؛ فلا بد من أن يكون ذلك لمصلحة تتوخاها, هي في الغالب تتناقض مع مصالحنا, فمثل هذه الإضاءة مهمة وثمينة, ويجب تفعيلها في التحليل السياسي لفهم دوافع تلك الدول وحملها على المحمل السليم.
    وخذ مثلا على ذلك موقف تلك الدول والأحزاب السياسية مما يسمى بالصراع العربي "الإسرائيلي" أو قضية فلسطين؛ فإنك لا تكاد تلحظ فرقا جوهريا بين أمريكا والدول الأوروبية, وإن وجدت فهو في الخطاب والأسلوب, فترى في الخطاب الأوروبي أحيانا اعترافا بالظلم الواقع على أهل غزة مثلا, بسبب الحصار الصهيوني الظالم. لكن تلك الدول الأوروبية نفسها قد اعتبرت حركة كحماس, مثلا, إرهابية؛ لأنها تقوم بأعمال مقاومة تقرها الشرائع والقوانين الدولية!! وما يصدق على أوروبا يصدق أيضا على روسيا التي لنا معها, نحن المسلمين, صراع فعلي, وليست المسألة الشيشانية إلا شاهدا حيا على تلك العدوانية التي تنطوي عليها روسيا تجاه المسلمين والإسلام.
    فالمسلم يتميز عن غيره حتى في التحليل السياسي, نظرا للأحكام التي يقتبسها من الإسلام ومن نصوصه الواضحة الثابتة, ومن ذلك على سبيل المثال قوله تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ البَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ" [آل عمران: 118].
    وبغض النظر عن الجهة التي كانت مقصودة في الآية, وقت نزولها؛ فإنها كشفت عن فوائد عامة في التعاطي مع الدول التي تقوم على عقائد الكفر والضلال,ومن الفوائد التي تضمنتها الآية, بحسب ما بينها الطبري:
    -حرمت الآية اتخاذ المؤمنين أولياء وأصدقاء لهم من دونهم, يعني من غير المؤمنين.
    -عرفت المؤمنين ما ينطوي عليه أولئك من الغش والخيانة , وبغيهم للمسلمين الغوائل.
    - بينت أنهم لا يَدَعُون جهدهم فيما أورث المسلمين الفساد.
    - كشفت عن حقيقة ميولهم القلبية فهم "ودوا عنتكم, أي أنهم يتمنون للمسلمين العنت والشر في دينهم وما يسوءهم ولا يسرهم."
    وذكر القرطبي في تفسيرها: "بين تعالى المعنى الذي لأجله نهى عن المواصلة فقال: "لا يألونكم خبالا" يقول فسادا. يعني لا يتركون الجهد في فسادكم , يعني أنهم وإن لم يقاتلوكم في الظاهر فإنهم لا يتركون الجهد في المكر والخديعة".
    ومما يدل على شمول الآية الكفار, ما بينته الآية الكريمة في السبب الذي يقف وراء تلك الصفات والأفعال التي يمارسونها؛ إذ هو الكفر, قال الطبري:" القول في تأويل قوله تعالى: {قد بدت البغضاء من أفواههم} يعني بذلك جل ثناؤه: قد بدت بغضاء هؤلاء الذين نهيتكم أيها المؤمنون أن تتخذوهم بطانة من دونكم لكم بأفواههم , يعني بألسنتهم. والذي بدا لهم منهم بألسنتهم إقامتهم على كفرهم , وعداوتهم من خالف ما هم عليه مقيمون من الضلالة , فذلك من أوكد الأسباب من معاداتهم أهل الإيمان , لأن ذلك عداوة على الدين , والعداوة على الدين , العداوة التي لا زوال لها إلا بانتقال أحد المتعاديين إلى ملة الآخر منهما , وذلك انتقال من هدى إلا ضلالة كانت عند المنتقل إليها ضلالة قبل ذلك , فكان في إبدائهم ذلك للمؤمنين ومقامهم عليه أبين الدلالة لأهل الإيمان على ما هم عليه من البغضاء والعداوة."
    هل السياسة الشرعية تجعلنا في حرب شاملة مع العالم؟
    وقد يقول قائل إنك بهذا تضع المسلمين في مواجهة شاملة مع العالم كله, وليس هذا الاستنتاج دقيقا؛ لأن الموقف الشرعي والتصور الفكري عن تلك الدول لا يفرض علينا دوما الدخول في حرب معها, ولم تكن من سياسته -صلى الله عليه وسلم- أن يفتح حربا شاملة مع كل الكيانات المعادية, أو المخالفة, وفوق هذا فإن هذه الدول ليست في درجة عدائها متساوية, أو في تلبسها بالشر والعدوان كذلك, فليست أمريكا مثلا كالسويد, أو فنلندا, وإن كانت حمى الحرب على الإسلام والاعتداء على مقدساته ورسوله الأكرم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم قد توسعت حتى لم تكد تنجو منها دولة من دولهم.
    وعلى العموم ليس مَنْ قاد الحرب على أفغانستان والعراق وما زال يمعن في دعم الكيان الغاصب في فلسطين, كمن انسحب من تلك الحرب, أو لم يشارك فيها أصلا, وليس من يملك القدرة المادية, والدافعية العدوانية والاستعمارية الطاغية, كمن هو دونه فيها, فالضرر من الأول أعظم ودفعه والتصدي له ولمشاريعه ولأدواته أَوْلى وأوجب, غير أن هذا التفاوت في درجة الخطورة لا يجوز أن يوهمنا بصداقة بين المسلمين, أو بعضهم من جهة, وبين تلك الدول كأوروبا وروسيا من جهة ثانية, ولا يجوز أن تدفعنا قلةُ النصير إلى توهمهم أنصارا, ومحاولة التقاطع معهم؛ لأن تلك الدول متفقة -كما أسلفت- مع أمريكا في المواقف الجوهرية من قضايا المسلمين, كما أن المنفعة والمصلحة لا تفارقها, ومصالحها تبنيها على وجهة نظرها وعلى مرتكزاتها واستراتيجياتها التي من أهمها- فيما يتعلق بقضية فلسطين, مثلا- الحفاظ على " إسرائيل", فهي تمارس نشاطها وتحركاتها وفي أذهان ساستها تثبيت هذا الهدف وتعميمه على كل من يتعامل معها, أو يتحاور.
    الموقف السياسي:
    وإذا كان التحليل السياسي يستفيد من عقيدة الإسلام وقواعده ونصوصه؛ فإن الموقف السياسي يتحكم به الحكم الشرعي, ومصلحة الأمة تحكما تاما؛ ذلك أن الموقف السياسي يعني قبول المسلم بحدث أو مشروع, أو خطة أو قرار, أو رفضها ومحاربتها. ولا يصح من المسلم السياسي أن يرتضي لموقفه محددات أخرى, من مثل القطرية الضيقة, كمثل ما شاع منذ فترة من شعارات على غرار "الأردن أولا" مثلا, بالمعنى السلبي الذي يقضي بالوقوف على الحياد, من قضايا عربية وإسلامية, وحتى مجاورة كالعراق وفلسطين؛ بحجة الحفاظ على مصالح الأردن, وهذا المنطلق فوق كونه يتنافى مع الإخوة الإسلامية ومقتضياتها؛ فإنه يضر بمصالح البلد الذي يرفعه ويعزله عن بعده وينتزعه من عمقه الإسلامي, وهو بعد ذلك مخالف لطبيعة المنطقة العربية والإسلامية التي تتشابك مصالحها وتتداخل, وتنعكس أحوال البلد على مجاوريه, استقرارا أو تهديدا وتشرذما.
    وفي الموقف السياسي ينبغي الحذر من خدع المفاضلة, على نحو ينسينا الحقائق الشرعية والسياسية, ويجري هذا في العلاقات مع الدول المعتدية الاستعمارية, كما أسلفت من مثل تفضيل فرنسا أو روسيا على أمريكا, مثلا, ولا سيما حين يجرُّ ذلك إلى التعاطي مع مشاريع تلك الدول؛ فنكون, حينها, كمجير أم عامر. وكما يجري في أوقات انتخابات الدول المعتدية, كانتخابات الرئاسة الأمريكية؛ وهو مرفوض, إن قصد منه توقع الخير من أحد المتنافسين على البيت الأبيض؛ لأن العبرة هي بالنظام السياسي وطبيعة الدولة الأمريكية الرأسمالية وفكرة الاستعمار , ثم المواقف من القضايا الإسلامية, غير البريئة ولا الموضوعية. ولا يجادل مَنْ يقع في تلك المفاضلات في تلك الأمور لوضوحها, ولكنه ربما قصد بيان الأشد ضررا والأكبر خطرا على الأمة.
    وكثيرا ما يمزج المحللون الغربيون ومن على شاكلتهم من أبناء جلدتنا- وعن قصد غالبا- بين التحليل السياسي الوصفي, والرأي السياسي الذي ينبع من زاوية الرؤية الخاصة بهم؛ فيغلف موقفه ورأيه هو بغلاف التحليل, وقد يصرح بذلك؛ فينبغي التفريق بين التحليل السياسي الذي قد يأخذه المسلم من غير المسلم, إن رآه مطابقا للواقع السياسي, أو مقاربا له, وبين الرأي الذي يتشكل بحسب فكر المحلل وعقيدته.

    يتبع
    ادهم الشرقاوى
    ادهم الشرقاوى
    عضو ماسي
    عضو ماسي


    ذكر

    الموازنة بين السياسة الشرعية والسياسات الوضعية Empty رد: الموازنة بين السياسة الشرعية والسياسات الوضعية

    مُساهمة من طرف ادهم الشرقاوى الخميس سبتمبر 04, 2008 3:41 pm

    الموازنة بين السياسة الشرعية والسياسات الوضعية


    د. سعد العتيبي | 4/1/1429


    ( أصول ونماذج )
    الفروق بين السياسة الشرعية والسياسات الوضعية ، فروق جلية ، واختلافات جوهرية ، تنطلق من طبيعة النظم و القوانين التي تساس بها الشعوب في كل منها ، بدءاً من المصادر والأصول ، وانتهاءً بالمسائل ودقائق الفروع ، وهذا موضوع ممتع شيق ، ولكن ليس هذا محل التفصيل فيه ؛ لذا فهذه نماذج لخطوط عريضة وفروق رئيسة أستعرضها بإجمال :
    أولاً : الفرق ( من حيث المصدر ) ، وهو : أنَّ السياسة الشرعية مصدرها إلهي ، أمَّا السياسات الوضعية فمصدرها فكر بشري . وهذا أساس التفريق ، وعنه تنبثق الفروق .
    و بيانه : أنَّ السياسة الشرعية مصدرها الله الخالق سبحانه وتعالى ، علَّمَها البشر عن طريق الوحي الإلهي ؛ ومن هنا اتصفت " بالشرعية " ؛ لأنها مستمدَّة من شرع الله تعالى ؛ أمَّا السياسات الوضعية فمصدرها الفكر البشري ؛ فهي أحكام وقوانين وضعها بشر ؛ يوصفون في أحسن أحوالهم وأعلاها مرتبة بأنهم من العقلاء وذوي البصيرة بتدبير الدولة وسوس النّاس ؛ وعن هذا الفرق الأساس ، تتفرع كثير من الفروق والاختلافات ؛ من أظهر ما يعني دارس الأحكام منها ، أمران :
    السياسة الشرعية مصدرها إلهي ، أمَّا السياسات الوضعية فمصدرها فكر بشري . وهذا أساس التفريق ، وعنه تنبثق الفروق
    الأمر الأول : أنَّ السياسة الشرعية واجب دِينيّ ؛ أمَّا السياسات الوضعية ؛ فإلزام وضعي .
    فالسياسة الشرعية واجب ديني ؛ إذ هي جزء من الرسالة الإلهية الخاتمة ؛ وتكليف من تكاليف الإسلام : الدين الحق ، الذي أنزله الله عقيدة وشريعة ، وديناً يحكم الدنيا ؛ ولذلك قيدت السياسة فيه بـ ( الشرعية ) ، ومن هنا فهي مستقلة عن كل السياسات الوضعية ، عقلية أو طبيعية ، وذلك تبعاً لاستقلال الشريعة الإسلامية عن غيرها من المناهج والنظم والقوانين الوضعية .
    والسياسة الشرعية بمدلولها العام – الذي يندرج تحته المدلول الخاص– هي رسالة الخلافة – وما يندرج تحتها من ولايات - التي هي : حمل الكافّة على مقتضى النظر الشرعي في مصالحهم الأخروية ، والدنيوية الراجعة إليها ، إذ أحوال الدنيا ترجع - كلُّها - عند الشارع إلى اعتبارها بمصالح الآخِرة ؛ فهي في الحقيقـة : خلافة عن صاحب الشرع في حراسة الدين وسياسة الدنيا به (1) ؛ فصاحب الشرع متصرف في الأمرين ، أما في الدين فبمقتضى التكاليف الشرعية الذي هو مأمور بتبليغهـا وحمل الناس عليها ، وأما سياسة الدنيا فبمقتضى رعايته لمصالحهم في العمران البشري (2) . ولهذا كان نصب جهة تنفيذ السياسة الشرعية – المتمثل في الخليفة - واجباً دينياً ، بإجماع المسلمين (3) ؛ وذلك لإقامة مقاصد الخلافة التي تقوم على مقصدين رئيسين (4) :
    أ- إقامة الدين الحق " الإسلام " . وذلك بحفظه وحراسته وتبليغه ونشره ؛ لأنَّه الدين الخاتم الذي لا يقبل الله جل جلاله - بعد بعث محمد صلى الله عليه وآله وسلم - من أحدٍ دينا سواه : ( وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) ، وحماية البيضة بما فيها العمق الاستراتيجي للأمّة ومواقع سيادتها ، وتحصين الثغور وإعزازها ، ومدّ أطرافها .
    ب- سياسة الدُّنيا بالدِّين . بأن تدار جميع شؤون الحياة وفقاً لقواعد الشريعة ومبادئها وأحكامها المنصوصة أو المستنبطة باجتهاد سليم ، محققاً لقاعدة الحكم الأساسية : ( إنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ ) ، وذلك بتنفيذ الأحكام ، وإقامة الشرائع والحدود وسنّ النظم المشروعة ، وحمل الناس على ذلك بالترغيب والترهيب الشرعيين .
    وما الأئمة والحكام إلا جهات تنفيذية ، ملزمة شرعاً بإنفاذ أحكام الله في عباده ، وسياستهم بشريعته التي لا يستقيم حال البشر في الدارين إلا بها ، إذ إنَّ من مسلمات الدين عموم الرسالة المحمدية وشمولها لجميع متطلبات الحياة : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا ) .
    سياسة الدُّنيا بالدِّين . بأن تدار جميع شؤون الحياة وفقاً لقواعد الشريعة ومبادئها وأحكامها المنصوصة أو المستنبطة باجتهاد سليم ، محققاً لقاعدة الحكم الأساسية : ( إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ ) ، وذلك بتنفيذ الأحكام ، وإقامة الشرائع والحدود وسنّ النظم المشروعة
    وقد جاء النَّص على هذه المقاصد في آيات وأحاديث كثيرة ، ومن أجمع ما جاء في ذلك قول الله تعالى : ( الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْض أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْ عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُور ِ) .
    ونصوص الفقهاء في تأكيد هذه الحقيقة لا تخفى على من له اطلاع على كتب الفقه ، ولا سيما كتب السياسة الشرعية ، وقد تحدّثوا عنها في معرض ذكرهم لواجبات الإمام ومقاصد الولاية ، وكان حديثهم مفعما بالعزّة الإسلامية .
    فمنها : قول أبي المعالي الجويني رحمه الله : " فالقول الكليّ : أنَّ الغرض استيفاء قواعد الإسلام طوعاً أو كرهاً ، والمقصد الدين ، ولكنه لما استمد استمراره من الدنيا ، كانت هذه القضية مرعّية" (5) .
    ومنها : قول أبي العباس ابن تيمية رحمه الله : " فالمقصود الواجب بالولايات : إصلاح دين الخلق الذي متى فاتهم خسروا خسراناً مبيناً ، ولم ينفعهم ما نَعِموا به في الدنيا ، وإصلاح ما لا يقوم الدِّين إلا به من أمر دنياهم " (6) . قال الشيخ محمد العثيمين تعليقا على كلام أبي العباس رحمهما الله : " إذاً ، المقصود شيئان : إصلاح الدين ، وإصلاح ما لا يقوم الدين إلا به من أمر الدنيا ؛ فلسنا منهيين عن إصلاح الدنيا ، فلإسلام ليس رهبانية .. الإسلام دين حقٍّ يعطي النفوس ما تستحق ، ويعطي الخالق ما يستحق " .
    وقوله : " جميع الولايات في الإسلام مقصدها أن يكون الدين كله لله ، وأن تكون كلمة الله هي العليا ؛ فإنَّ الله تعالى إنما خلق الخلق لذلك ، وبه أنزل الكتب وبه أرسل الرسل ، وعليه جاهد الرسول والمؤمنون … " (7) .
    وحيث إنَّ السياسة الشرعية واجب ديني ، فقـد كانت المرحلة الأخيرة من مراحل ( الجهاد ) بعد الدعوة إلى الإسلام : الدعوةُ إلى الخضوع لأحكام الشريعـة ؛ تحقيقاً لمقصد : سياسة الدنيا بالدين ؛ وهذا الحكم من مسلمات الشريعة ، وهو غاية العدل أن يخضع البشر لحكم خالقهم ، فبه يتخلصون من ظلم العباد ، وبه يقدّرون خالقهم حق قدره : ( أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ) ، وينزهونه عن صفات النقص التي لا تليق بجلالـه وعظمته ، كالعبث والفوضويـة (Cool ؛ التي استنكرها الله تعالى في مثل قوله سبحانه : ( أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى ) ، أي : بلا أمر ولا نهي ولا عقيدة ولا شريعة ؛ وبه يعرف الإنسان الغاية التي خلق لأجلها ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) .
    يتبع
    ادهم الشرقاوى
    ادهم الشرقاوى
    عضو ماسي
    عضو ماسي


    ذكر

    الموازنة بين السياسة الشرعية والسياسات الوضعية Empty رد: الموازنة بين السياسة الشرعية والسياسات الوضعية

    مُساهمة من طرف ادهم الشرقاوى الخميس سبتمبر 04, 2008 3:42 pm

    الموازنة بين السياسة الشرعية والسياسات الوضعية (2) مشروعيةالموازنة؟


    د. سعد العتيبي | 4/1/1429


    مشروعية الموازنة بين السياسة الشرعية والسياسات الوضعية وشروطها قبل الدخول في الموازنة بين السياسة الشرعية والسياسات الوضعية يحسن الجواب على سؤالٍ يكثر وروده بين طلبة العلم عند ذكر الموازنات والحديث عنها ، وهو : هل تشرع الموازنة بين السياسة الشرعية والسياسات الوضعية ، أو بين الأحكام الشرعية والقوانين الوضعية ؟ متساءلين : أليس في ذلك تنقصاً للشريعة ؟! وهي وجهة نظر لبعض الأساتذة الكبار ممن ألفوا في الفقه السياسي ، ختمها بقول الشاعر : ألم تر أنَّ السيف يُزري بقدره *** إذا قيل إن السيف أمضى من العصا وقد علّقتُ عليها في موضعها بما أظهر لي أنَّ محلّ الخُلْف مختلف .. ذلك أنّ التعليلات التي أوردها تدور على المقارنات التي تجافي الحق والفكر ، وتتجاهل جذور الإختلاف في المنشأ والمنهج والهدف والخصائص ، وهو أمر أصّل علماء الإسلام ضرورة التنبّه إليه بوصفه أحد ضمانات العدل الشرعي عند الموازنة ، كما سيتضح إن شاء الله تعالى . سئل سماحة شيخنا عبد العزيز بن باز رحمه الله : " هل المقارنة بين الشريعة والقانون يعد انتقاصاً للشريعة ؟ من هنا أشير وأنبِّه إلى بعض دلائل مشروعية هذا العمل في الجواب التالي : الموازنة بين الحق والباطل ؛ لإحقاق الحق ونشره وبيان فضله وعلُوِّه على غيره ، وكشف الباطل وبيان بطلانه وإزهاقه ، منهج قرآني ، يرِد بأساليب متنوعة من مثل قول الله تعالى : ( أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللّهِ كَمَن بَاء بِسَخْطٍ مِّنَ اللّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ) . وقوله سبحانه : ( أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) . وقوله جل وعلا : ( أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ) ، وقوله عز وجل : ( أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ ) . وقوله : ( أَفَمَن وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَن مَّتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ) ، وقوله تعالى : ( أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لَّا يَسْتَوُونَ * أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ ) ، وغيرها من الموازنات التي وردت في القرآن الكريم . وهذا المنهج قد سلكه علماء الإسلام ودعاته ، في مؤلفاتهم ، وبحوثهم ودراساتهم ، في القديم والحديث (1) . وقد سئل سماحة شيخنا عبد العزيز بن باز رحمه الله : " هل المقارنة بين الشريعة والقانون يعد انتقاصاً للشريعة ؟ "

    يتبع
    ادهم الشرقاوى
    ادهم الشرقاوى
    عضو ماسي
    عضو ماسي


    ذكر

    الموازنة بين السياسة الشرعية والسياسات الوضعية Empty رد: الموازنة بين السياسة الشرعية والسياسات الوضعية

    مُساهمة من طرف ادهم الشرقاوى الخميس سبتمبر 04, 2008 3:45 pm

    معيار التفريق بين السياسة الشرعية والسياسات الوضعية





    السياسة الشرعية بمدلوليها العام والخاص هي : كل حكم أو إجراء وتدبير تُساس به الكافَّة (1) ، على مقتضى النظر الشرعي (2) ( أي تطبيق الشريعة الإسلامية وقوانينها ) . والسياسة الوضعية في النظر الإسلامي الشرعي هي : كل سياسة تُحمل فيها الكافَّة ، على غير مقتضى النظر الشرعي (3) ( أي لا يراعى فيها تطبيق الشريعة الإسلامية وقوانينها ) . وهذا التوصيف ينطلق من معيار علمي عملي هو : النظر في السياسات المقننة أو التي عليها العمل ، التي يُعَبَّر عنها بـ( النظام السياسي ) ؛ الذي يقصد به نظام الحكم في أي بلد من البلاد ، و يتناول شرحه ما يُعرف بـ( علم القانون الدستوري ) (4) ؛ فالسياسات الوضعية ، رديف لما يُعرف في هذا العصر بـ" الدساتير الوضعية " ، وما يتفرع عنها (5) ، مِمَّا لا تُقِرُّه الشريعة الإسلامية ؛ إذ إنَّ ما تقرُّه الشريعة الإسلامية يعدّ حقاً ولو صدر من غير المسلمين . وهي داخلـة في مصطلح ( القانون ) بمدلوله الواسع ، الذي هو : " مجموعة القواعد و المبادئ والأنظمة ، التي يضعها أهل الرأي (6) ، في أمَّةٍ من الأمم ؛ لتنظيم شؤون حياتهم الاجتماعية ، والاقتصادية ، تنظيماً آمِراً مُلْزِماً ، استجابةً لمتطلبات الحياة وسدّاً لحاجاتها " (7) . وتعريف النظام السياسي بـ ( النظام الدستوري ) ، يقوم على ما يعرف بـ ( النظرية القانونية التقليدية ) ، التي تستند إلى قاعدتي : الدولة ( السلطة ) ، ونظام الدولة ، التي تعتبر أوضح معايير التعرّف على الأنظمة السياسية ، وتقييمها ، وأسلمها ، حيث تعتمد على حقيقة واقعة رسمية ، هي : أنَّ النظام السياسي هو النظام الدستوري بذاته وتعريف النظام السياسي بـ ( النظام الدستوري ) ، يقوم على ما يعرف بـ ( النظرية القانونية التقليدية ) ، التي تستند إلى قاعدتي : الدولة ( السلطة ) ، ونظام الدولة ، التي تعتبر أوضح معايير التعرّف على الأنظمة السياسية ، وتقييمها ، وأسلمها ، حيث تعتمد على حقيقة واقعة رسمية ، هي : أنَّ النظام السياسي هو النظام الدستوري بذاته (Cool ؛ إذ النظام السياسي هو : " الشكل الخارجي للسلطة العامّة وما يحيط به من قواعد تُحَدِّد شكل الدولة أو الحكومة ووظائفها القانونية ، وكيفية ممارسة السلطة من خلال دراسة النصوص الواردة في الدستور " (9) . والدّستور هو : مجموعة القواعد التي يرجع إليها في تنظيم الدولة والمجتمع (10) . ويستند التصنيف السابق للدول والسياسات وفق معيار الدستور ، في النظر الفقهي الشرعي إلى التقسيم الفقهي للدول في القانون الدولي الإسلامي : إذْ يقسم الفقهاء الدول إلى : دولة إسلامية : يحكمها المسلمون ، وتنفذ فيها الأحكام الإسلامية ، ويكون النُّفُوذ فيها للمسلمين ، ولو كان غالب أهلها من غير المسلمين . ودولة غير إسلامية أو دولة كفر ، وهي : كل دولة يحكم فيها بغير القانون الإسلامي ، ويتأكد ذلك بأن يتولى قيادتها رئيس غير مسلم . ويُلحَظ أنَّ المعتبر في التمييز بين الدّولة الإسلامية وغيرها : وجود السلطة ، وسريان الأحكام ؛ فإذا اجتمعت السلطة الإسلامية التي تُنَفِّذ أحكام الإسلام ، وتبسط الأمن في البلاد ، كانت سياسة إسلامية ودولة إسلامية ؛ وإذا اجتمعت السلطة وتنفيذ الأحكام الوضعية ، كانت سياسة غير إسلامية ودولة غير إسلامية . فمعيار وصف السياسة والدَّولة بأنَّها إسلامية أو غير إسلامية : القوانين التي يُحكم بها ؛ فإن كانت قوانين إسلامية فهي دولة إسلامية ، وإن كان جل أهلها من غير المسلمين ؛ وإن كانت قوانين غير إسلامية فهي دولة غير إسلامية ، وإن كان جُلّ أهلِها من المسلمين . وإن جمعت دولة صفاتٍ من الدولتين ، أَخَذَت من حُكمِ كلٍ منهما ما يلتحق بها ؛ فيصير لها حال ثالثة من حيث المعاملة . وهذا المعيار - السابق ذكره - هو المهمّ في الدراسات الفقهية والتنظيمية .
    يتبع
    ادهم الشرقاوى
    ادهم الشرقاوى
    عضو ماسي
    عضو ماسي


    ذكر

    الموازنة بين السياسة الشرعية والسياسات الوضعية Empty رد: الموازنة بين السياسة الشرعية والسياسات الوضعية

    مُساهمة من طرف ادهم الشرقاوى الخميس سبتمبر 04, 2008 3:50 pm

    الموازنة بين السياسة الشرعية والسياسات الوضعية (3)


    د. سعد بن مطر العتيبي | 24/10/1428


    الموازنة بين السياسة الشرعية والسياسات الوضعية
    ( أصول ونماذج )

    الفروق بين السياسة الشرعية والسياسات الوضعية ، فروق جلية ، واختلافات جوهرية ، تنطلق من طبيعة النظم و القوانين التي تساس بها الشعوب في كل منها ، بدءاً من المصادر والأصول ، وانتهاءً بالمسائل ودقائق الفروع ، وهذا موضوع ممتع شيق ، ولكن ليس هذا محل التفصيل فيه ؛ لذا فهذه نماذج لخطوط عريضة وفروق رئيسة أستعرضها بإجمال :
    أولاً : الفرق ( من حيث المصدر ) ، وهو : أنَّ السياسة الشرعية مصدرها إلهي ، أمَّا السياسات الوضعية فمصدرها فكر بشري . وهذا أساس التفريق ، وعنه تنبثق الفروق .
    و بيانه : أنَّ السياسة الشرعية مصدرها الله الخالق سبحانه وتعالى ، علَّمَها البشر عن طريق الوحي الإلهي ؛ ومن هنا اتصفت " بالشرعية " ؛ لأنها مستمدَّة من شرع الله تعالى ؛ أمَّا السياسات الوضعية فمصدرها الفكر البشري ؛ فهي أحكام وقوانين وضعها بشر ؛ يوصفون في أحسن أحوالهم وأعلاها مرتبة بأنهم من العقلاء وذوي البصيرة بتدبير الدولة وسوس النّاس ؛ وعن هذا الفرق الأساس ، تتفرع كثير من الفروق والاختلافات ؛ من أظهر ما يعني دارس الأحكام منها ، أمران :
    الأمر الأول : أنَّ السياسة الشرعية واجب دِينيّ ؛ أمَّا السياسات الوضعية ؛ فإلزام وضعي .
    فالسياسة الشرعية واجب ديني ؛ إذ هي جزء من الرسالة الإلهية الخاتمة ؛ وتكليف من تكاليف الإسلام : الدين الحق ، الذي أنزله الله عقيدة وشريعة ، وديناً يحكم الدنيا ؛ ولذلك قيدت السياسة فيه بـ ( الشرعية ) ، ومن هنا فهي مستقلة عن كل السياسات الوضعية ، عقلية أو طبيعية ، وذلك تبعاً لاستقلال الشريعة الإسلامية عن غيرها من المناهج والنظم والقوانين الوضعية .
    والسياسة الشرعية بمدلولها العام – الذي يندرج تحته المدلول الخاص– هي رسالة الخلافة – وما يندرج تحتها من ولايات - التي هي : حمل الكافّة على مقتضى النظر الشرعي في مصالحهم الأخروية ، والدنيوية الراجعة إليها ، إذ أحوال الدنيا ترجع - كلُّها - عند الشارع إلى اعتبارها بمصالح الآخِرة ؛ فهي في الحقيقـة : خلافة عن صاحب الشرع في حراسة الدين وسياسة الدنيا به (1) ؛ فصاحب الشرع متصرف في الأمرين ، أما في الدين فبمقتضى التكاليف الشرعية الذي هو مأمور بتبليغهـا وحمل الناس عليها ، وأما سياسة الدنيا فبمقتضى رعايته لمصالحهم في العمران البشري (2) . ولهذا كان نصب جهة تنفيذ السياسة الشرعية – المتمثل في الخليفة - واجباً دينياً ، بإجماع المسلمين (3) ؛ وذلك لإقامة مقاصد الخلافة التي تقوم على مقصدين رئيسين (4) :
    أ- إقامة الدين الحق " الإسلام " . وذلك بحفظه وحراسته وتبليغه ونشره ؛ لأنَّه الدين الخاتم الذي لا يقبل الله جل جلاله - بعد بعث محمد صلى الله عليه وآله وسلم - من أحدٍ دينا سواه : ( وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) ، وحماية البيضة بما فيها العمق الاستراتيجي للأمّة ومواقع سيادتها ، وتحصين الثغور وإعزازها ، ومدّ أطرافها .
    ب- سياسة الدُّنيا بالدِّين . بأن تدار جميع شؤون الحياة وفقاً لقواعد الشريعة ومبادئها وأحكامها المنصوصة أو المستنبطة باجتهاد سليم ، محققاً لقاعدة الحكم الأساسية : ( إنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ ) ، وذلك بتنفيذ الأحكام ، وإقامة الشرائع والحدود وسنّ النظم المشروعة ، وحمل الناس على ذلك بالترغيب والترهيب الشرعيين .
    وما الأئمة والحكام إلا جهات تنفيذية ، ملزمة شرعاً بإنفاذ أحكام الله في عباده ، وسياستهم بشريعته التي لا يستقيم حال البشر في الدارين إلا بها ، إذ إنَّ من مسلمات الدين عموم الرسالة المحمدية وشمولها لجميع متطلبات الحياة : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا ) .
    وقد جاء النَّص على هذه المقاصد في آيات وأحاديث كثيرة ، ومن أجمع ما جاء في ذلك قول الله تعالى : ( الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْض أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْ عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُور ِ) .
    ونصوص الفقهاء في تأكيد هذه الحقيقة لا تخفى على من له اطلاع على كتب الفقه ، ولا سيما كتب السياسة الشرعية ، وقد تحدّثوا عنها في معرض ذكرهم لواجبات الإمام ومقاصد الولاية ، وكان حديثهم مفعما بالعزّة الإسلامية .
    فمنها : قول أبي المعالي الجويني رحمه الله : " فالقول الكليّ : أنَّ الغرض استيفاء قواعد الإسلام طوعاً أو كرهاً ، والمقصد الدين ، ولكنه لما استمد استمراره من الدنيا ، كانت هذه القضية مرعّية" (5) .
    ومنها : قول أبي العباس ابن تيمية رحمه الله : " فالمقصود الواجب بالولايات : إصلاح دين الخلق الذي متى فاتهم خسروا خسراناً مبيناً ، ولم ينفعهم ما نَعِموا به في الدنيا ، وإصلاح ما لا يقوم الدِّين إلا به من أمر دنياهم " (6) . قال الشيخ محمد العثيمين تعليقا على كلام أبي العباس رحمهما الله : " إذاً ، المقصود شيئان : إصلاح الدين ، وإصلاح ما لا يقوم الدين إلا به من أمر الدنيا ؛ فلسنا منهيين عن إصلاح الدنيا ، فلإسلام ليس رهبانية .. الإسلام دين حقٍّ يعطي النفوس ما تستحق ، ويعطي الخالق ما يستحق " .
    وقوله : " جميع الولايات في الإسلام مقصدها أن يكون الدين كله لله ، وأن تكون كلمة الله هي العليا ؛ فإنَّ الله تعالى إنما خلق الخلق لذلك ، وبه أنزل الكتب وبه أرسل الرسل ، وعليه جاهد الرسول والمؤمنون … " (7) .
    وحيث إنَّ السياسة الشرعية واجب ديني ، فقـد كانت المرحلة الأخيرة من مراحل ( الجهاد ) بعد الدعوة إلى الإسلام : الدعوةُ إلى الخضوع لأحكام الشريعـة ؛ تحقيقاً لمقصد : سياسة الدنيا بالدين ؛ وهذا الحكم من مسلمات الشريعة ، وهو غاية العدل أن يخضع البشر لحكم خالقهم ، فبه يتخلصون من ظلم العباد ، وبه يقدّرون خالقهم حق قدره : ( أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ) ، وينزهونه عن صفات النقص التي لا تليق بجلالـه وعظمته ، كالعبث والفوضويـة (Cool ؛ التي استنكرها الله تعالى في مثل قوله سبحانه : ( أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى ) ، أي : بلا أمر ولا نهي ولا عقيدة ولا شريعة ؛ وبه يعرف الإنسان الغاية التي خلق لأجلها ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) .
    أمَّا السياسات الوضعية ؛ فالإلزام بها إلزام بالوضع البشري ، تفرضه الإرادة البشرية بقوّة ( الدساتير الوضعية ) ، وتحميه بقوتها ، ومن يخالفـه يجّرم بـ(الخروج على القانون) ، وهذا نوع من الاستعباد البشري الذي حلّ محل عبادة رب البشر (9)؛ وإن اشتملت على بقايا دين محّرف ومنسوخ : كاليهودية والنصرانية ، وإن وجـد فيها شيءٌ من دين (10)
    (11) ، أو دين مخترع : كالبوذية ، والهندوسية ؛ فإنَّ السياسات الوضعية المعاصرة تقوم في تنظيرها على فصل السياسة عن الدين (12) والخلق .
    ومن ثمَّ فالإلزام بسياسات البشر الوضعية غايـة الظلم - وإن وُضِع في قوالب مغرية ، ودُعِم بشعارات برَّاقة - بدءاً بالاستعباد الإقطاعي ، ومروراً بالاستعمار لخيرات بلدان الشعوب الأخرى ، ومعاصرة لـ " الديمقراطية " بأشكالها العنصرية (13) .
    وهكذا فالفارق الأساسي هنا في مقصد السياسة : " أنَّ سياسة أمور الدنيا في المنهج الإسلامي تتم على مقتضى النظر الشرعي ، وفي إطار العبودية الكاملة لله تعالى ، ولكنها في النظم الوضعية تتم على مقتضى النظر العقلي ، أو على مقتضى الهوى والتشهي خارجاً عن دائرة العبودية ، وذلك يمثل مفترق الطرق بين السبيلين" (14) .
    وخلاصة القول : أن السياسة الشرعية تقوم على مقصد العبودية لله تعالى المتمثل في الدعوة إليه وحكم الحياة بشريعته . بينما تقوم السياسات الوضعية على فصل الدين عن الدولة أو الفكر العلماني الذي يمثل مفترق الطريق بين السياسة الشرعية والسياسات الوضعية المعاصرة .
    ------------------------
    (1)ينظر : مقدمة ابن خلدون : 191 .
    (2)مقدمة ابن خلدون : 191.
    (3)ينظر - مثلاً - : الأحكام السلطانية والولايات الدينية ، للماوردي : 29 ؛ ومراتب الإجماع ، لعلي ابن حزم الظاهري : 144 ؛ وغياث الأمم في التياث الظلم ، لأبي المعالي الجويني : 23 ؛ و شرح النووي لصحيح مسلم : 12/205 .
    (4)ينظر : الأحكام السلطانية والولايات الدينية ، للماوردي : 51 ؛ والأحكام السلطانية ، لأبي يعلى : 27 ؛ وغياث الأمم في التياث الظلم ، للجويني : 183 وما بعدها ، وهو الذي حصرها في أمرين ؛ و الإمامة العظمى عنـد أهـل السنَّة والجماعـة ، د. عبد الله بن عمر الدميجي : 79، وما بعدها .
    (5)غياث الأمم في التياث الظلم ، للجويني : 183 .
    (6)التعليق السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية ( المتن ) : 69 .
    (7) نفس المرجع .
    (Coolالحسبة ، لأبي العباس ابن تيمية : 8 .
    (9)وقد صارت " الفوضوية " مذهباً فكرياً سياسيا ، يكشف مدى الطغيان البشري ، ومدى انتكاس العقل البشري إذا أطلق ، ينظر - مثلاً - : الموسوعة السياسية المعاصرة ، نبيلة داود : 34-35 .
    (10)ينظر في مناقشة هذا المبدأ : خصائص التشريع الإسلامي في السياسة والحكم ، للعلامة د.محمد الدريني : 385 .
    (11)في بعض الدساتير الغربية لا يكتفون بالنص على دينهم ، بل يصرحون بالمذهب الديني أيضاً ؛ وهذا بعض ما جاء في النصوص الدستورية والمواثيق الأساسية الغربية مما يؤكد ما قلت آنفا :
    جاء في (المادة1) من دستور اليونان : المذهب الرسمي لأمة اليونان هو مذهب الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية !
    وفي ( المادة 47) منه : كل من يعتلي عرش اليونان يجب أن يكون من أتباع الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية !
    وجاء في (المادة1/بند 5) من دستور الدانمارك : يجب أن يكون الملك من أتباع الكنيسة الإنجيلية اللوثرية !
    وفي (المادة1/بند3) : إن الكنيسة الإنجيلية اللوثرية هي الكنيسة المعترف بها في الدانمارك !.
    وجاء في ( المادة 9) من الدستور الأسباني : : يجب أن يكون رئيس الدولة من رعايا الكنيسة الكاثوليكية !
    وفي (المادة6) :على الدولة رسمياً حماية اعتناق وممارسة شعائر المذهب الكاثوليكي باعتباره المذهب الرسمي لها .
    وفي الدستور السويدي (المادة4) : يجب أن يكون الملك من أتباع المذهب الإنجيلي الخالص ! . وفيه : يجب أن يكون أعضاء المجلس الوطني من أتباع المذهب الإنجيلي .
    وفي الأرجنتين : تنص ( المادة 2) على : أن على الحكومة الفدرالية أن تحمي الكنيسة الرسولية !
    وجاء في وثيقة الحقوق في انجلترا ( المادة 7) : يسمح لرعايا الكنيسة البروتستانتية بحمل السلاح لحماية أرواحهم في حدود القانون ! وفي ذات الوثيقة ( المادة Cool: لكاثوليكي أن يرث أو يعتلي العرش البريطاني !
    وفي (المادة 3 ) من قانون التسوية : على كل شخص يتولى الملك أن يكون من رعايا كنيسة انجلترا ، ولا يسمح بتاتاً لغير المسيحيين ولا لغير البروتستناتيين أن يكونوا أعضاء في مجلس اللوردات ، ويعتبر ملك بريطانيا حامياً للكنيسة البروتستانتية في العالم ! ينظر :
    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] .
    (12)ينظر : خصائص التشريع الإسلامي في السياسة والحكم ، للعلامة د. محمد فتحي الدريني :371-381 ؛ وخصائص التشريع الإسلامي – دراسة مقارنة بالقانون الوضعي ، لأستاذنا د. عباس حسني : 59-60 ؛ والثوابت والمتغيرات في مسيرة العمل الإسلامي ، د. صلاح الصاوي : 237 ، ط1-1414، المنتدى الإسلامي .
    (13)ينظر : التاريخ السياسي الحديث والعلاقات الدولية المعاصرة ، د. فايز أبو جابر : 68-73،261 وما بعدها ؛ وخصائص التشريع الإسلامي في السياسـة والحكم ، للعلامة د. محمد فتحي الدريني : 378 وما بعدها .
    (14) الوجيز في فقه الخلافة ، د. صلاح الصاوي :51.
    يتبع
    ادهم الشرقاوى
    ادهم الشرقاوى
    عضو ماسي
    عضو ماسي


    ذكر

    الموازنة بين السياسة الشرعية والسياسات الوضعية Empty رد: الموازنة بين السياسة الشرعية والسياسات الوضعية

    مُساهمة من طرف ادهم الشرقاوى الخميس سبتمبر 04, 2008 3:53 pm

    الموازنة بين السياسة الشرعية والسياسات الوضعية(4)


    د. سعد بن مطر العتيبي | 24/11/1428


    الموازنة بين السياسة الشرعية والسياسات الوضعية
    ( أصول ونماذج )
    (3)

    خلاصة ما مضى في الأمر الأول : أن السياسة الشرعية تقوم على مقصد العبودية لله تعالى المتمثل في الدعوة إليه وحكم الحياة بشريعته . بينما تقوم السياسات الوضعية على فصل الدين عن الدولة أو الفكر العلماني الذي يمثل مفترق الطريق بين السياسة الشرعية والسياسات الوضعية المعاصرة .

    الأمر الثاني : أنَّ السياسة الشرعية جزء من الشريعة الربانية ؛ أما السياسات الوضعية فأنواع من الخطط البشرية .
    السياسة الشرعية جزء من الشريعة الربانية (1) ؛ فهي متصفـة بما يليق بمشّرعها من كمال . أمَّا السياسات الوضعية ، فأنواع من الخطط البشرية ، فهي مهما بَهَرَت قاصرة .
    فالفلسفات السياسية والقانونية التي تستقى من غير وحي الله تعالى ، لا قرار لها كما قال الله تعالى : { ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار } ؛ غير أنَّ من كتّاب المسلمين من خدع بسرابها ، ولو تأمّلها هؤلاء لوجدوها تخبطاً ظاهر التناقض ، ولو رجعوا إلى وحي الله تعالى ، لوجدوا الوصف الدقيق لهذا التخبط البشري مع بيان سببه : { بل كذبوا بالحق لما جاءهم فهم في أمر مريج } ؛ فها هي النظريات تُستحسن فتقدس ثم ما تلبث أن يَتَبَدَّى انتكاسها ؛ فتُنْتَقص ، ثم تُنبذ شيئاً فشيئاً حتى يَحلّ غيرُها محلَّها ، وهكذا دواليك ، أمر مريج مختلط ؛ فها هي ( الديمقراطية ) – أنفس ما يظن الغرب ، أنَّه وصل إليه من السياسات الوضعية – تُعاب وتُنتقص من أربابها ؛ بل في دار نشأتها ، من ذلك إيجاز بعضهم العيوب التي لاحظها ( الديمقراطيون ) على ( الديمقراطية ) ، في : الصراعات الدائمة بين الأحزاب المنقسمة على بعضها ، والحكومـات التي لم يتجاوز متوسط بقائها في الحكم طيلـة نصف قرنٍ ثمانيةَ أشهر ، والمنافسات الحمقاء بين المواطنين ، وعدم وجود سياسة متجانسة لمدى طويل ، والبطء الشديد في تقدم مستوى حياة الجماهير : سياسة الإسكان ، وعدم كفاية التربية المدنية ، والاقتصادية ، والاجتماعية " (2) .

    فالشريعة الربانية تظهر فيها قدرة الخالق ، وعظمته ، وعلمه المحيط بكل شئ ولطفه بخلقه ، وكماله المطلق ، وهذه الميزة العظيمة الشريفة انبثق عنها مجال في غاية الخصوبة والعطاء ، ويعرف اليوم بـ( خصائص الشريعة ) سَلَّمَ به الأوائل عملاً من أعمال القلوب يظهر على ألسنتهم ، ويتناثر في كتاباتهم ، وقد يفردونه بالتأليف تحت مسمى ( محاسن الدين ) (3) ، حتى جاء هذا العصر ، وهجمة أشراره الشرسة على شريعة الله ، مما حتّم على أهل الإسلام إفراده بالتصنيف ، على نحو كثيف ، خطّاً هجومياً دفاعياً ، يؤخِّر زحف الهجمة ويضعفها ، ويقنع الأغرار بالرجعة ويحصِّنها . ووصف هذا المجال ظاهر في نفيه عن سواها ؛ وما قد يُظنُّ مثله منها في القوانين الوضعية - على اختلاف أنواعها - لا يعدو أن يكون اتفاقا في المسمّى دون الدلالة والمعني ، وهو عند الباحث المنصف أسماء من التشبيه المتردي أمام علو الشريعة ، ما أنزل الله بها من سلطان .

    وخصائص الشريعة مجال واسع ، ولكن يُشار إلى أهم تلك الخصائص - التي لعل ما عداها مندرج تحتها - ويُحَال إلى جملة من المراجع التى تحدَّثت عنها . ولعلَّ من المفيد تقسيمها - هنا - إلى مجموعتين :
    الأولى : الخصائص المتعلقة بذات الشريعة ، ومنها :
    أ - خاصية الكمال والشمول .
    ويراد بها أنَّ الشريعة الإسلامية استكملت ما تحتاجه الشريعة الكاملة من أحكام عقدية وعملية ، فقهية ، وخلقية ، قواعد ومبادئ ونظريات ؛ فهي غنية بما يكفل حاجات الأمة ، في علاقة المخلوق بربه الذي خلقه ، وفي علاقة الفرد بنفسه ، وبغيره من فرد وجماعات أو دولة ؛ بل وبغيره من المخلوقات ، وذلك في الحاضر القريب والمستقبل البعيد ، فضلاً عن الماضي قريبه وبعيده (4) .
    وهي شاملة ، لا تخلو حادثة واحدة عن حكم لها في الشريعة ، وذلك في جميع الأعصار ، والأقطار ، والأحوال ، فالمعاني التي تضمنتها نصوص الشريعة وأصولها تعم جميع الحوادث وتسعها (5) ؛ قال الله تعالى : قال الله تعالى : {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول } ، فكلمة {شيء} هنا ، نكرة في سياق الشرط تفيد العموم ، فيما يتصور التنازع فيه جنساً وقدراً (6) . وما لم يتنازع فيه فمحل إجماع ، والإجماع أحد أصول الشريعة ، فما صح إجماع مجتهدي الأمة عليه فهو منها ؛ فلا يخرج عنها حكم .
    ب- خاصية العموم .
    والمراد بها أن الشريعة عامة لجميع البشر في كل مكان وزمان ، وهذا من القطعيات ، بل هو مؤكد في جميع مصادر الشريعة ، الكتاب والسنة والإجماع (7) ؛ وهذه الخاصية تستلزم – عقلاً - السمو ، والثبات والدوام ، وهما الخاصيتان التاليتان .
    ج- خاصية السمو .
    والمراد بها : أنَّ قواعد الشريعة ومبادئها ، أسمى من عصر الأمة ؛ من ماض وحاضر ومستقبل ؛ إذ فيها من المرونة الفقهية في أحكامها و كلياتها ، ما يحفظ لها هذا المستوى السامي ، مهما ارتقى وتعقَّد مستوى الأمة ؛ ومن ثم فلا تحتاج إلى تعديل أو تغيير تلاحق به ما يطرأ على المجتمع من تغيّرٍ ، في تطوّرٍ أو تحدُّر (Cool .
    د- خاصية الثبات والدوام مع المرونة ؛ وهذه من آثار كمالها وسموها .
    والمراد بهذه الخاصية المركبة من الثبات والمرونة : أنَّ الشريعة باقية لا يلحقها نسخ ولا تغيير ؛ لأنَّ النسخ يكون بقوة المنسوخ ، أو أقوى منه ، فلا ينسخ الشريعة - التي هي من الله تعالى - إلا تشريع آخر من الله تعالى ؛ وحيث قد ختم الله عز وجل بها الشرائع ، وختم بنبيها الأنبياء ، وانقطع الوحي بموته صلى الله ليه وسلم ، فلا يتصور أن ينسخها أو يغيرها شيء ؛ فنصوصها وقواعدها وكلياتها لا تقبل التعديل ، فضلاً عن التغيير والتبديل (9) .
    قال العلامة أبو إسحاق الشاطبي رحمه الله - في ذكره خواصّ الشريعة - : "والثانية : الثبوت من غير زوال ؛ فلذلك لا تجد منها بعد كمالها نسخاً ، ولا تخصيصاً لعمومها ، ولا تقييداً لإطلاقها ، ولا رفعاً لحكم من أحكامها ، لا بحسب عموم المكلفين ، ولا بحسب خصوص بعضهم ، ولا بحسب زمان دون زمان ، ولا حال دون حال ، بل ما أثبت سبباً فهو سبب أبداً لا يرتفع ، وما كان شرطاً ؛ فهو أبداً شرط ، وما كان واجباً فهو واجب أبداً ، أو مندوباً فمندوب ، وهكذا الأحكام ؛ فلا زوال لها ولا تبديل ، ولو فرض بقاء التكليف إلى غير نهاية ؛ لكانت أحكامها كذلك " . (10)
    وحيث إنها من الحكيم العليم اقترنت صفة الثبات بصفة الدوام مما يستلزم المرونة الفقهية " داخل إطار ثابت ، حول محور ثابت " (11) .
    ومن حيث الواقع التشريعي ؛ فقد جاءت أحكامها وقواعدها ، على نحو يجعلها صالحة لكل زمان ومكان ، وهو معنى خاصية ( السمو ) السابقة ؛ ويدلّ على هذه الحقيقة ويؤكِّدها واقع الشريعة ومصادرها ، وطبيعة مبادئها وكلياتها ، وأحكامها ومقاصدها وهذا من الأمور الجلية ، البديهية عند أهل الشريعة ، التي تقوم هذه الرسالة على حقيقة من حقائقها ، إلا أنه يحسن الإشارة - في غايـة الاقتضاب ، لمن شـاء سبر هذه المسلمة ، ولا سيما من غير أهـل الاختصاص - إلى ثلاثة مناهج موصلة ، قطعاً - لمن تجرد في بحثه طريقة وهدفاً - إلى تجلية هذا المعني ، والوصول في الإيمان به إلى حق اليقين ، وهي : الاستقراء لمدى ابتناء الشريعة على جلب المصالح ودرء المفاسد ؛ و النظر في طبيعة أحكام الشريعة من حيث خصائص الأحكام المفّصلة ، والأحكـام التي جـاءت في شكل قواعـد وكليـات و مبادئ عامة ؛ والنظر في مصادر الأحكام ، وطرائق الاستنباط . (12) .
    وهذه الخصائص لا وجود لها في السياسات الوضعية ؛ بل إنَّ انتفاءها منها يُعد من خصائصها ؛ " ولولا أنَّ الشريعة من عند الله لما توفرت فيها صفات الكمال والسمو والدوام ، تلك الصفات التي تتوفر دائماً فيما يشرعه الخالق ، ولا يتوفر شيء منها فيما يضعه المخلوق " (13) .
    الثانية : الخصائص المتعلقة بالخضوع للشريعة ، والامتثال لها .

    وسيأتي الحديث عنها في الحلقة التالية إن شاء الله تعالى .

    --------------------------
    (1)ينظر : إعلام الموقعين ، لابن القيم : 4/452 .
    (2)الإنسان في المجتمع المعاصر ، بوسكيه و فاتييه :160، ترجمة / مصطفى كامل فودة ، ط-1969م ، القاهرة ، لاحظ تاريخ ترجمة الكتاب ، فكيف هي الآن ، وقد تكشفت عيوبها للعامة ، ودعمت بالسياسات الدولية الجائرة ، حتى استحى من ذلك عقلاء القوم ! .
    (3)ينظر - مثلاً من المتقدمين - : محاسن الإسلام وشرائع الإسلام ، لمحمد بن عبد الرحمن البخاري ؛ ومن المتأخرين : حجة الله البالغة ، للدهلوي .
    (4)ينظر مثلاً : التشريع الجنائي الإسلامي مقارناً بالقانون الوضعي ، عبد القادر عودة : 1/24، ط11-1412 ، مؤسسة الرسالة : بيروت ؛ والثبات والشمول في الشريعة الإسلامية ، د. عابد السفياني : 130 ، وهو من أجمع ما كتب في الموضوع وأدقِّه .
    (5)ينظر : الرسالة ، للإمام الشافعي : 20 ؛ والأم له : 7/298 ، دار المعرفة : بيروت ؛ وجامع البيان عن تأويل آي القرآن ، للإمام الطبري:14/161 ؛ وأحكام القرآن ، للجصاص : 3/189-190 ؛ والجامع لأحكام القرآن ، لمحمد بن أحد القرطبي :6/270-271 ؛ والموافقات ، لأبي إسحاق الشاطبي : 1/108 ، 4/184 وما بعدها .
    (6)تحكيم القوانين ، لمفتي الديار السعودية سابقا الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ : 6 ؛ وينظر في بيان قاعدة " النكرة في سياق الشرط تعم " القواعد والفوائد الأصولية وما يتعلق بها من الأحكام الفرعية ، لعلاء الدين ابن اللحام :278، ط1-1418، مكتبة إحياء التراث الإسلامي : مكة المكرمة .
    (7)ينظر : الموافقات لأبي إسحاق الشاطبي : 4/184 وما بعدها ؛ مراتب الإجماع ، لابن حزم :193؛ والإبطال لنظرية الخلط بين دين الإسلام وغيره من الأديان ، للشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد :90 وما بعدها ، ط1-1417، دار العاصمة : الرياض .
    (Coolينظر: التشريع الجنائي الإسلامي مقارناً بالقانون الوضعي ، لعبد القادر عودة :1/24 ؛ والمدخل لدراسة الشريعة الإسلامية ، د. عبد الكريم زيدان :40 ؛ وعلم القانون والفقه الإسلامي ، د.سمير عالية :58.
    (9)ينظر : المراجع السابقة ؛ الثبات والشمول في الشريعة الإسلامية ، د. عابد السفياني :110 وما بعدها و589-592 ؛ والحكم والتحاكم في خطاب الوحي ، عبد العزيز مصطفى كامل :1/361 .
    (10) الموافقات : 1/109-110 .
    (11)خصائص التصور الإسلامي ومقوماته ، سيد قطب إبراهيم : 75 ، ط-1415 ، دار الشروق : بيروت .
    (12)ينظر : المدخل لدراسة الشريعة ، لعبد الكريم زيدان : 39-40 ؛ والثوابت والمتغيرات في مسيرة العمل الإسلامي المعاصر ، لصلاح الصاوي : الفصل الثاني ؛ والحكم والتحاكم في خطاب الوحي ، لعبد العزيز كامل :1/361 وما بعدها ؛ والمراجع السابقة ، ولا سيما : الموافقات للشاطبي ، والثبات والشمول في الشريعة الإسلامية ، للسفياني .
    (13)التشريع الجنائي الإسلامي مقارناً بالقانون الوضعي ، لعبد القادر عودة : 1/


    يتبع
    ادهم الشرقاوى
    ادهم الشرقاوى
    عضو ماسي
    عضو ماسي


    ذكر

    الموازنة بين السياسة الشرعية والسياسات الوضعية Empty رد: الموازنة بين السياسة الشرعية والسياسات الوضعية

    مُساهمة من طرف ادهم الشرقاوى الخميس سبتمبر 04, 2008 3:56 pm

    الموازنة بين السياسة الشرعية والسياسات الوضعية (2) مشروعية الموازنة ؟


    د. سعد بن مطر العتيبي | 25/8/1428


    مشروعية الموازنة بين السياسة الشرعية والسياسات الوضعية وشروطها

    قبل الدخول في الموازنة بين السياسة الشرعية والسياسات الوضعية يحسن الجواب على سؤالٍ يكثر وروده بين طلبة العلم عند ذكر الموازنات والحديث عنها ، وهو :
    هل تشرع الموازنة بين السياسة الشرعية والسياسات الوضعية ، أو بين الأحكام الشرعية والقوانين الوضعية ؟ متساءلين : أليس في ذلك تنقصاً للشريعة ؟!
    وهي وجهة نظر لبعض الأساتذة الكبار ممن ألفوا في الفقه السياسي ، ختمها بقول الشاعر :
    ألم تر أنَّ السيف يُزري بقدره *** إذا قيل إن السيف أمضى من العصا
    وقد علّقتُ عليها في موضعها بما أظهر لي أنَّ محلّ الخُلْف مختلف .. ذلك أنّ التعليلات التي أوردها تدور على المقارنات التي تجافي الحق والفكر ، وتتجاهل جذور الإختلاف في المنشأ والمنهج والهدف والخصائص ، وهو أمر أصّل علماء الإسلام ضرورة التنبّه إليه بوصفه أحد ضمانات العدل الشرعي عند الموازنة ، كما سيتضح إن شاء الله تعالى .
    من هنا أشير وأنبِّه إلى بعض دلائل مشروعية هذا العمل في الجواب التالي :

    الموازنة بين الحق والباطل ؛ لإحقاق الحق ونشره وبيان فضله وعلُوِّه على غيره ، وكشف الباطل وبيان بطلانه وإزهاقه ، منهج قرآني ، يرِد بأساليب متنوعة من مثل قول الله تعالى : ( أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللّهِ كَمَن بَاء بِسَخْطٍ مِّنَ اللّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ) .
    وقوله سبحانه : ( أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) .
    وقوله جل وعلا : ( أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ) ، وقوله عز وجل : ( أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ ) .
    وقوله : ( أَفَمَن وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَن مَّتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ) ، وقوله تعالى : ( أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لَّا يَسْتَوُونَ * أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ ) ، وغيرها من الموازنات التي وردت في القرآن الكريم .
    وهذا المنهج قد سلكه علماء الإسلام ودعاته ، في مؤلفاتهم ، وبحوثهم ودراساتهم ، في القديم والحديث (1) .
    وقد سئل سماحة شيخنا عبد العزيز بن باز رحمه الله : " هل المقارنة بين الشريعة والقانون يعد انتقاصاً للشريعة ؟ " .
    فأجاب الشيخ رحمه الله : " إذا كانت المقارنة لقصدٍ صالحٍ ، كقصد بيان شمول الشريعة ، وارتفاع شأنها ، وتفوقها على القوانين الوضعية ، واحتوائها على المصالح العامة ، فلا بأس بذلك ؛ لما فيه من إظهار الحق وإقناع دعاة الباطل ، وبيان زيف ما يقولونه في الدعوة إلى القوانين أو الدعوة إلى أنَّ هذا الزمن لا يصلح للشريعة أو قد مضي زمانها – لهذا القصد الصالح الطيب ، ولبيان ما يردع أولئك ويُبين بطلان ما هم عليه ؛ ولتطمئن قلوب المؤمنين وتثبيتها على الحق .
    لهذا كله لا مانع من المقارنة بين الشريعة والقوانين الوضعية إذا كان ذلك بواسطة أهل العلم والبصيرة المعروفين بالعقيدة الصالحة وحسن السيرة وسعة العلم بعلوم الشريعة ومقاصدها العظيمة "(2) .

    وبيان الفروق بين الشريعة والسياسات الوضعية ، فرع عن منهج الموازنة بينهما ( الدراسات المقارنة ) (3) .
    ومبنى هذا العلم عند علماء الإسلام يقوم على العلم ، لا على مجرد العاطفة ؛ يقول أبو العباس ابن تيمية : " الحكم بين الشيئين بالتماثل أو التفاضل يستدعي معرفة كل منهما ، ومعرفة ما اتصف به من الصفات التي يقع بها التماثل والتفاضل " (4) .
    ومن فقْد هذا الشرط جاء الخلل في كثير من ( الدراسات المقارنة ) التي يجريها بعض الحقوقيين ممن لم يدرسوا الشريعة ، أو أخذوها من بعض المراجع المتأخرة ، و حاولوا فهم كلام علماء الإسلام على ضوء ذلك ، دون دراية بمصطلحاتهم ؛ بل إنَّ منهم من يحيل في المسائل الشرعية إلى بعض المراجع الأجنبية ، تأثراً بها . وكذلك الشأن في الدراسات التي يجريها بعض طلبة العلم الشرعي مع نقص علمهم بالمسألة القانونية وارتباطاتها ، مما جعلهم يُجْرُون موازنات بين أحكام لمسائل مختلفة ؛ فالحقوقيون ربما انخدعوا بالقوانين الوضعية لقلّة علمهم بالشريعة ومزاياها ، وطلبة العلم الشرعي ربما انخدعوا بها لقلّة علمهم بالقوانين ونقائصها ، أو ربما ضعفوا في رد الباطل ودحضه .
    قال أبو العباس ابن تيمية : " يمتنع مع العلم والعدل في كل اثنين : أحدهما أكمل من الآخر في فنٍ يقر بمعرفة ذلك الفن للمفضول دون الفاضل . وقولنا مع العلم والعدل ؛ لأنَّ الظالم يُفَضِّل المفضول مع علمه بأنَّه مفضول ، والجاهل قد يعرف المفضول ولا يعرف الفاضل ؛ فإنَّ كثيراً من الناس يعلمون فضيلة متبوعيهم : إمَّا في العلم أو العبادة ، ولا يعرفون أخبار غيره ، فهؤلاء ليس عندهم علم ؛ ولهذا تجد كثيراً من هؤلاء يرجح المفضول ، لعدم علمه بأخبار الفاضل ؛ وهذا موجود في جميع الأصناف ، حتى في المدائن ، يفضل الإنسان مدينة يعرفها على مدينة هي أكمل منها لكونه لا يعرفها " (5) ، وقال : " فمن عنده علم وعدل : فينظر في القرآن وفي غيره من الكتب كالتوراة والإنجيل ، أو في معجزات محمد صلى الله عليه وسلم ومعجزات غيره ، أو في شريعته وشريعة غيره ، أو في أمته و أمة غيره ، وَجَدَ لَه من التفضيل على غيره ما لا يخفي إلا على مُفْرِطٍ في الجهل أو الظلم " (6) فلا بد من العلم والعدل .
    ولهذا قيَّد الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله فتواه السابق ذكرها جوازَ الموازنة ( المقارنة ) بين الشريعة والقانون بأن تكون " بواسطة أهل العلم والبصيرة المعروفين بالعقيدة الصالحة ، وحسن السيرة وسعة العلم بعلوم الشريعة ومقاصدها العظيمة " (7) .

    والفروق بين السياسة الشرعية والسياسات الوضعية فروق جلية ، واختلافات جوهرية ، تتفجر من مقتضى النظر الذي تُحمل عليه الكافَّة في كل منها ، بدءاً من المصدر والأصول ، وانتهاءً بالمسائل ودقائق الفروع ، وهذا ما لا يمكن الإحاطة به ، ولا هذا محل التفصيل فيه ؛ لذا أكتفي بذكر خطوط عريضة في بيان الفروق بين السياسة الشرعية والسياسات الوضعية ، وذلك بدءاً من الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى .

    ------------------------------
    (1)ينظر على سبيل المثال : الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح ، لأبي العباس ابن تيمية : 5/134 وما بعدها ؛ و بحث : كيف حاد العالم الإسلامي عن صراط الشريعة وكيف يمكن العودة إليه د. محمد عبد الجواد محمد [ ضمن كتابه : بحوث في الشريعة الإسلامية والقانون] : 62 وما بعدها ، وما يأتي من شواهد .
    (2)مجموع فتاوى ومقالات متنوعة ، له رحمه الله : 4/48-58 .
    (3)استعمال لفظ ( الموازنة ، أو المقابلة ، أو الاعتبار ) ونحوها ، أولى من استعمال لفظ ( المقارنة ) ؛ لأنَّه لفظ مُحْدَث وافد ، لا يسنده الوضع اللغوي للفظ : ( قارن ) ؛ إذ المقارنة هي المصاحبة ، فليست بمعنى : فاضل ، التي تكون بمعنى : وازن ، إذ الموازنة بين الأمرين : الترجيح بينهما . ينظر : معجم المناهي اللفظية ، د. بكر بن عبد الله أبو زيد :420-421 ، ط3 ؛ ومعجم الأخطاء الشائعة ، لمحمد العدناني : 203 ، ط2 . فالأولى عدم استعمال لفظ ( المقارنة ) ، واستعمالُ الألفاظ التي تدل على المعنى الصحيح . والشيخ أبو العباس ابن تيمية يسمي هذا المنهج : " الاعتبار ، والقياس العقلي ، والموازنة ، يوزن الشيء بما يناظره ، ويعتبر به قياس الطرد وقياس العكس " . الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح : 5/139-140 ، لأبي العباس ابن تيمية .
    (4)الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح : 5/132 .
    (5)المصدر نفسه : 5/131-132 .
    (6) المصدر نفسه : 5/133 .
    (7)مجموع فتاوى ومقالات متنوعة : 4/58 ، ط-1413.

    يتبع
    ادهم الشرقاوى
    ادهم الشرقاوى
    عضو ماسي
    عضو ماسي


    ذكر

    الموازنة بين السياسة الشرعية والسياسات الوضعية Empty رد: الموازنة بين السياسة الشرعية والسياسات الوضعية

    مُساهمة من طرف ادهم الشرقاوى الخميس سبتمبر 04, 2008 3:57 pm

    الموازنة بين السياسة الشرعية والسياسات الوضعية (1) المعيار ؟


    د. سعد بن مطر العتيبي | 14/8/1428


    السياسة الشرعية بمدلوليها العام والخاص هي : كل حكم أو إجراء وتدبير تُساس به الكافَّة (1) ، على مقتضى النظر الشرعي (2) ( أي تطبيق الشريعة الإسلامية وقوانينها ) .
    والسياسة الوضعية في النظر الإسلامي الشرعي هي : كل سياسة تُحمل فيها الكافَّة ، على غير مقتضى النظر الشرعي (3) ( أي لا يراعى فيها تطبيق الشريعة الإسلامية وقوانينها ) .

    وهذا التوصيف ينطلق من معيار علمي عملي هو : النظر في السياسات المقننة أو التي عليها العمل ، التي يُعَبَّر عنها بـ( النظام السياسي ) ؛ الذي يقصد به نظام الحكم في أي بلد من البلاد ، و يتناول شرحه ما يُعرف بـ( علم القانون الدستوري ) (4) ؛ فالسياسات الوضعية ، رديف لما يُعرف في هذا العصر بـ" الدساتير الوضعية " ، وما يتفرع عنها (5) ، مِمَّا لا تُقِرُّه الشريعة الإسلامية ؛ إذ إنَّ ما تقرُّه الشريعة الإسلامية يعدّ حقاً ولو صدر من غير المسلمين .
    وهي داخلـة في مصطلح ( القانون ) بمدلوله الواسع ، الذي هو : " مجموعة القواعد و المبادئ والأنظمة ، التي يضعها أهل الرأي (6) ، في أمَّةٍ من الأمم ؛ لتنظيم شؤون حياتهم الاجتماعية ، والاقتصادية ، تنظيماً آمِراً مُلْزِماً ، استجابةً لمتطلبات الحياة وسدّاً لحاجاتها " (7) .

    وتعريف النظام السياسي بـ ( النظام الدستوري ) ، يقوم على ما يعرف بـ ( النظرية القانونية التقليدية ) ، التي تستند إلى قاعدتي : الدولة ( السلطة ) ، ونظام الدولة ، التي تعتبر أوضح معايير التعرّف على الأنظمة السياسية ، وتقييمها ، وأسلمها ، حيث تعتمد على حقيقة واقعة رسمية ، هي : أنَّ النظام السياسي هو النظام الدستوري بذاته (Cool ؛ إذ النظام السياسي هو : " الشكل الخارجي للسلطة العامّة وما يحيط به من قواعد تُحَدِّد شكل الدولة أو الحكومة ووظائفها القانونية ، وكيفية ممارسة السلطة من خلال دراسة النصوص الواردة في الدستور " (9) .
    والدّستور هو : مجموعة القواعد التي يرجع إليها في تنظيم الدولة والمجتمع (10) .

    ويستند التصنيف السابق للدول والسياسات وفق معيار الدستور ، في النظر الفقهي الشرعي إلى التقسيم الفقهي للدول في القانون الدولي الإسلامي :
    إذْ يقسم الفقهاء الدول إلى : دولة إسلامية : يحكمها المسلمون ، وتنفذ فيها الأحكام الإسلامية ، ويكون النُّفُوذ فيها للمسلمين ، ولو كان غالب أهلها من غير المسلمين . ودولة غير إسلامية أو دولة كفر ، وهي : كل دولة يحكم فيها بغير القانون الإسلامي ، ويتأكد ذلك بأن يتولى قيادتها رئيس غير مسلم .

    ويُلحَظ أنَّ المعتبر في التمييز بين الدّولة الإسلامية وغيرها : وجود السلطة ، وسريان الأحكام ؛ فإذا اجتمعت السلطة الإسلامية التي تُنَفِّذ أحكام الإسلام ، وتبسط الأمن في البلاد ، كانت سياسة إسلامية ودولة إسلامية ؛ وإذا اجتمعت السلطة وتنفيذ الأحكام الوضعية ، كانت سياسة غير إسلامية ودولة غير إسلامية .
    فمعيار وصف السياسة والدَّولة بأنَّها إسلامية أو غير إسلامية : القوانين التي يُحكم بها ؛ فإن كانت قوانين إسلامية فهي دولة إسلامية ، وإن كان جل أهلها من غير المسلمين ؛ وإن كانت قوانين غير إسلامية فهي دولة غير إسلامية ، وإن كان جُلّ أهلِها من المسلمين .
    وإن جمعت دولة صفاتٍ من الدولتين ، أَخَذَت من حُكمِ كلٍ منهما ما يلتحق بها ؛ فيصير لها حال ثالثة من حيث المعاملة .
    وهذا المعيار - السابق ذكره - هو المهمّ في الدراسات الفقهية والتنظيمية .

    وقد قسم العلامة ابن خلدون السياسات الوضعية إلي قسمين :
    القسم الأول : السياسات الطبيعية أو الملك الطبيعي .
    وهي : التي تحمل فيها الكافة على مقتضى الغرض والشهوة . فهي تتبع طبع الحكّام من حيث شهواتهم وأغراضهم ، دون مراعاة لشرعٍ مستقيم أو عقـل سليم .
    ومثالها في هذا العصر ما يعرف بالسياسة الاستبدادية (الدكتاتورية) ؛ وهي : نهج سياسي يقوم على حكم الفرد أو القلة للشعب وسياستِه في كل صغيرة وكبيرة ، قهرا دون إرادة ، ولا تخضع الحكومة فيه لنظام شرعي ولا لقانون وضعي معين ، ولا توجد فيه قيود على سلطات الحاكم وتصرفاته ، فهو الذي يصدر القوانين والأوامر واللوائح ، ويغيِّرها ويبدِّلها ، وفق ما يري ويهوى بل ويغير الدّستور ويبدِّله ؛ سواء كان الحكم عسكرياً أو مدنيا .
    فأحكام هذه السياسات ، مستبِدَّة قاهرة ، مائلة عن الحق غالباً ؛ يحمل فيها النَّاس على ما ليس في طوقهم من الأغراض والشهوات ، ومن ثم تعسر الطاعة ؛ فيفضي ذلك إلى الخلل والفساد دفعة ، وتنقضي الدولة سريعاً ؛ بما ينشأ من الهرج والقتل ؛ نتيجة تعسُّرِ الطاعة وانتشار الظلم ؛ ولهذا أوجب ذوو الرأي الرجوع في السياسات إلى قوانين سياسية مفروضة ، على الكافَّة ، فينقادون لأحكامها ، وهو القسم التالي من قسمي السياسات .

    القسم الثاني : السياسات العقلية أو الملك السياسي أو السياسات المدنية .
    وهي : التي تحمل فيها الكافة على مقتضى النظر العقلي في جلب المصالح الدنيوية ، ودفع المضار ؛ فهي سياسة تنظيمية عقلية دنيوية فقط ، تقوم على مجموعة الأحكام التي اصطلح أو تعارف شعب ما على لزوم الانقياد لها ، وتنفيذها ؛ لتنظيم الحياة المشتركة في هذا الشعب .
    ومثال تلك السياسة في هذا العصر : السياسات " الديمقراطية " الغربية ، التي تستند إلى جملة من الأفكار والمبادئ ، التي أهمها : مبادئ الثورة الفرنسية ؛ حيث صارت صفة " الوضعية " مذهباً فكرياً ونظرية سياسية ، لا مجرد آليات كما قد يظن البعض .
    والمراد هنا الديمقراطيات الغربية ، التي مظهرها : الديمقراطية النيابية : التي يمارس الشعب فيها مظاهر السيادة - مصدرية الأحكام والتشريعات - بواسطة مجلس نواب يرشحهم الناخبـون من الشعب ؛ فهي عند منظريها : حكم الشعب بالشعب ، حيث يحتفظ فيها الشعب بحـق التدخل المباشر لممارسة السيادة عن طريق وسائل مختلفة ، كحق الاقتراع ، والاستفتاء ، والاعتراض ؛ وهي سياسات بدأت تفقد ميزاتها بالتدخل في تغيير مسارها بالتزوير تارة وبالضغوط تارة وبالأحكام القضائية تارة أخرى ؛ و ها هي الديمقراطية الأمريكية تفتـح محاكم عسكرية في مطلع القرن الجديد !؟ وتقبض على العرب والمسلمين ؛ لتطبق عليهم قاعدة معكوسة ، كانت مثار سخرية الأمريكي يوماً ما ، تقول : المتهم مدان حتى تثبت براءته !؟
    ومن أمثلة تلك السياسات – كذلك - : السياسات " الماركسية " غير الاستبدادية ؛ أو الاشتراكية العلمية ، المذهب السياسي الاقتصادي ، الذي نادى به ( كارل ماركس ) رداً على " الاشتراكية " التي : سماها الخيالية – بشَّرَ فيها بإقامة مجتمع ينعم بالمساواة السياسية والاقتصادية التامة ، والماركسية تقيم حكماً غليظاً يتصرف في كافة أمور المواطنين ، مع أنها تدعو لزوال الدول ؟‍ وتقوم على الحتمية التي لا ترد وقد ثبت فشلها عياناً وتهاوت أمام العالمين .
    وتوصف هذه السياسات في الاعتقـاد الإسلامي بأنها أحد صور الشرك في الطاعة والانقياد أو التشريع ، حيث يُمنح المخلوقون حق التشريع المطلق ، الذي هو كالخَلْق ، من خصائص الله تعالى : ( أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ 54) [ الأعراف] ؛ إذ يمنع الإسلام تشريع الإنسان للإنسان تشريعاً مطلقاً . ويشير القرآن الكريم إلى سبب تعدد السياسات غير الشرعية ونتائجها على البشرية في آيات ، منها الآية الخامسة من سورة ق : ( بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَّرِيجٍ ) ؛ فها هي النظريات السياسية تُستحسن فتقدس ثم ما تلبث أن يَتَبَدَّى انتكاسها ؛ فتُنْتَقص ، ثم تُنبذ شيئاً فشيئاً حتى يَحلّ غيرُها محلَّها ، وهكذا دواليك ، أمر مريج مختلط ؛ وانتكاسات متتالية ، نهايتها الانهيار التام ، بل ربما العداء الشديد لها من قيادات الجيل الجديد (11) .
    وإلى الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى .
    --------------------------
    (1)الكافَّة : الجميع من الناس . ينظر : الصحاح ، للجوهري : باب الفاء ، فصل الكاف . والمراد هنا : الأمَّة المسوسة " المحكومة " .
    (2)ينظر : مقدمة ابن خلدون : 191 ؛ وبدائع السلك في طبائع الملك ، لابن الأزرق : 1/291.
    (3)نفس الإحالة السابقة .
    (4)ينظر على سبيل المثال : القانون الدستوري والأنظمة السياسية ، لعبد الحميد متولي : 1/24 ؛ والنظم السياسية والقانون الدستوري ، لحسين عثمان : 14 .
    (5)ينبغي التنبه إلى أن القواعد الدستورية لا تنحصر في ( القانون الدستوري ) . ينظر : القانون الدستوري والمؤسسات السياسية ، لأندريه هوريو :1/284 ؛ والقانون الدستوري والأنظمة السياسية ، لعبد الحميد متولي : 1/ 21 ، الحاشية رقم (1) والقانون الدستوري والنظم السياسية ، لعبد الحميد متولي ، وسعد عصفور ، ود. محسن خليل : 15-16 .
    (6)ينظر بدائع السلك في طبائع الملك ، لابن الأزرق :1/291 .
    (7)مدخل الفقه الإسلامي - دراسة مقارنة ، لعبد الله العجلان ، ونبيل طاحون : 19-20 .
    (Coolينظر : الوسيط في القانون الدستوري العام ، آدمون رباط : 2/126،577 وما بعدها ، بواسطة : الدساتير والمؤسسات السياسية ، د. إسماعيل الغزال :11 .
    (9)الدساتير والمؤسسات السياسية ، لإسماعيل الغزال : 10 .
    (10)الدُّستور ، كلمة مُعَرَّبة عن الفارسية ، وأصلها فيها : الأساس أو القاعدة ؛ قال الفيروزآبادي في القاموس المحيط : " الدستور ، بالضم : النسخة المعمولة للجماعات التي منها تحريرها ، مُعَرَّبة ، ج[ جمعها ] : دساتير ". باب الراء ، فصل الدال . كما تطلق على الأصل والقانون ، والوزير الكبير الذي يرجع في أحوال الناس إلى ما يرسمه . ينظر : قصد السبيل فيما في اللغة العربية من الدخيل ، للمحبي : 2/ 28 . وجاء في المعجم الوسيط : الدستور : القاعدة يعمل بمقتضاها ، والدفتر تكتب فيه أسماء الجند ، ومرتَّباتهم . معربة ؛ وفي الاصطلاح المعاصر : مجموعة القواعد الأساسية التي تبين شكل الدولة ، ونظام الحكم فيها ، ومدى سلطتها إزاء الأفراد ، جمعها : دساتير ، محدثة . ينظر : كلمة : دستور .
    واصطلاح (القانون الدستوري) حديث النشأة ، يُرجَعُ تاريخُه إلى سنة : 1834م ، عندما أنشئ - لأوَّل مرَّة - كرسي لمادة " القانون الدستوري في كلية الحقوق بباريس ، في فرنسا ، ويحتمل أنها نُقِلت عن الإيطاليين ؛ وكانت موضوعاته تُبحث تحت عنوان (القانون العام) أو (القانون السياسي)" ؛ وانتشرت هذه التسمية في مصر سنة : 1923م ، وقد كان الشائع استعمال (القانون النظامي) أو (القانون الأساسي) ، وقد شاع استعمالها في دساتير الدول العربية الحديثة ، وإن كان يستعمل فيها الاصطلاحان معاً . و النظام الأساسي هو الذي اعتمد في تسمية دستور المملكة العربية السعودية ؛ حيث سُمِّي ( النظام الأساسي للحكم ) ، ينظر الأمر الملِكي ذي الرقم أ/90 ، بتاريخ 27/8/1412.
    (11)فها هي ( الديمقراطية ) – أنفس ما يظن عموم الغربيين - ومن غرّهم تقلبهم في البلاد - أنَّهم وصلوا إليه من السياسات الوضعية – تُعاب وتُنتقص من أربابها ؛ بل في دار نشأتها ، مع ما تحاط به من هالات إعلامية ؛ ويمكن تلخيص العيوب التي رصدها " بعض الغربيين المعروفين في وقت مبكر ، ومنهم : بوسكيه وفاتييه في كتابهما : ( الإنسان في المجتمع المعاصر ) على ( الديمقراطية ) - فيما يلي : " الصراعات الدائمة بين الأحزاب المنقسمة على بعضها .. الحكومات التي لم يتجاوز متوسط بقائها في الحكم طيلة نصف قرنٍ ثمانيـةَ أشهر .. المنافسات الحمقاء بين المواطنين .. عـدم وجود سياسة متجانسة لمدى طويل .. البطء الشديد في تقدم مستوى حياة الجماهير المتمثل في صور منها : سياسة الإسكان ، وعدم كفاية التربية المدنية ، والاقتصادية ، والاجتماعية " .

    يتبع
    ادهم الشرقاوى
    ادهم الشرقاوى
    عضو ماسي
    عضو ماسي


    ذكر

    الموازنة بين السياسة الشرعية والسياسات الوضعية Empty رد: الموازنة بين السياسة الشرعية والسياسات الوضعية

    مُساهمة من طرف ادهم الشرقاوى الخميس سبتمبر 04, 2008 4:13 pm

    العمل بالسياسة الشرعية بين عجز العلماء وجهل الأبناء ومكر الأعداء


    د. سعد بن مطر العتيبي | 22/7/1428


    العمل بالسياسة الشرعية بين مكر الأعداء وعجز العلماء وجهل الأبناء

    سبق في الحلقة الماضية أن ما يذكر من خلاف في جملة العمل بالسياسة الشرعية ، غير مسلَّم به قادحاً في الاتفاق على العمل بها ؛ إذ المتأملُ يتضح له أن ما يُحكى من خلاف في العمل بالسياسة الشرعية ، غايته أن يكون خلافاً في بعض مصادر السياسة الشرعية ، لا في العمل بالسياسة الشرعية ، وأنَّ لذلك أسبابا ، منها : حصر مجالات السِّيَاسة الشَّرعيَّة ، في مفهومٍ ضيق ؛ والخلط بين اختلاف الفقهاء في اعتبار بعض مستندات السياسة الشرعية وبين العمل بالسِّيَاسة الشَّرعيَّة من جهة ، و بين رفض العلماء لتصرفات بعض الولاة التي يسمونها ( سِيَاسة ) أو ربما ينسبونها إلى السِّيَاسة الشَّرعيَّة ، وبين اعتبار العلماء للعمل بالسياسة الشرعية من جهة أخرى ؛ والخلل في إدراك الفرق بين سوء تطبيق السِّيَاسة الشَّرعيَّة من بعض الولاة والحكَّام ، واعتراض العلماء على ذلك ؛ وبين اعتبار العلماء للعمل بالسِّيَاسة الشَّرعيَّة .
    ومما ينبغي العلم به هنا أنَّ سوء النظر وسوء التطبيق هذا عائد إلى تفريط طائفة ، وإفراط أُخرى :
    فالأولى : طائفة سدٌّت على نفسها وعلى الناس ، من طرق السياسية الشرعية ما تستقيم به أمورهم ؛ ظنَّاً منهم منافاتها لقواعد الشرع ؛ " والذي أوجب لهم ذلك نوع تقصيرٍ في معرفة حقيقة الشريعة ، والتطبيق بين الواقع وبينها " (1) .
    ولا زال منهم أقوام في هذا العصر ممن ينتمون إلى أهل الإسلام ، لكنهم لم يأخذوا الكتاب بقوّة ، ولم يتعلموا الشرع بوعي ، وبلغ الأمر ببعضهم أن صار جاهلاً مركباً ، يبحث عن تأويلات فاسدة للوازم نظره الفاسد من سوء الظنّ بالمشرِّع ، والتشكيك في لزوم حمل الكافّة على النظر الشرعي في جميع شؤونهم .
    والثانية : سوَّغت باسم السياسة ما يناقض حكم الله ورسوله ، من السياسات والقوانين ؛ لمَّا رأت أن النَّاس لا يستقيم أمرهم إلا بشيءٍ زائدٍ على ما فهمه أولئك المفرِّطون ، من الشريعة ؛ " فتولَّد من تقصير أولئك في الشريعة ، وإحداث هؤلاء ما أحدثوه من أوضاع سياستهم شرٌّ طويل ، وفسادٌ عريض … وكلا الطائفتين أُتيت من قِبَل تقصيرها في معرفة ما بعثَ الله به رسولَه …" (2) .
    وهذه الفئة هي في عصرنا أشرّ مأخذاً وأخطر أثراً ، إذ قادها في عصرنا أعداء الملّة ، ووسع دائرتها وأبرز شبهها بعض من انخدع بالأفكار الوافدة من تلاميذ المستشرقين ، وهي في كثير من شبهها مستقاة من مياه الفكر الفلسفي الغربي الآسنة .
    وثمة فئة معاصرة تجاوزت حدّ الإيمان والتسليم بشرع الله ، ووصل بها الحال إلى المطالبة بالأحكام الوضعية التي تناقض مسلمات الشرع الحكيم ، وتتعدى على ثوابت الدين الحنيف ، فيما يشبه موجة الزنادقة التي ظهرت في مراحل ضعف الدول الإسلامية السالفة ؛ وكان فيهم من يصرح بردته ويتباهى بأيديلوجية كافرة ، وربما ألبست بلبوس مصطلحات معاصرة حكم بكفر أفكارها علماء الإسلام ، كالعلمانية الرافضة لسياسة الدنيا بالدين والليبرالية الملحدة المطالبة بتجاوز أحكام كل دين ؛ وهؤلاء لم يدعوا مجالا لمناقشة فكرهم في دائرة الإسلام ، ولذلك يناقش فكرهم ويفند كما يناقش فكر أهل الكفر والزندقة سواء بسواء .
    ولكنَّا وجدنا من بني جلدتنا من علقت بفكره بعض شبههم ، وظهر تأثره ببعض طرحهم ولو على سبيل المطالبة بتفنيد الشبهة لا تبنيها ، فقرأنا لمن يشكك في إمكان تطبيق الشريعة بعد عهد النبوة والخلافة الراشدة ، زاعمين أن الشرع لم يطبق بعد ذلك ! وسمعنا من يلوك ذات الجهالة .
    ومن هنا فإنَّ من المناسب التعريج على شيء مما يكشف حقيقة هذه الشبهة أو الجهالة التي يحسن وصفها بالفرية ، إذ يكذبها واقع القضاء على مرّ العصور الإسلامية ، ويردّها التاريخ بأخباره ووقائعه وأحداثه وطبقات الرجال من قضاته ، ويقطع دابرها التفاتة عابرة إلى ضخامة التراث الفقهي الإسلامي الذي دون كثيرا منه قضاةُ الإسلام ، حتى كان وصف القاضي من أظهر أوصاف الفقهاء فيما مرّ من الأزمان ؛ بل وجدنا في تاريخ الفقه نقلة في خدمة القضاة ، تتمثل في تدوينٍ فقهيٍ على نمط التنظيم والتقنين الحديث تقريبا للأحكام من غير إلزام فيما لا يشرع الإلزام به ، وتميز بذلك أشهر مذهبين حكَم أتباعهما الدول الإسلامية السالفة ، وهما المذهب الحنفي في المشرق والمالكي في المغرب ، فلن يعسر على باحث منصف أن يرجع إلى كتبٍ من هذا النوع لبعض قضاة الحنفية من مثل : خزانة الفقه ، لأبي الليث نصر بن محمد السمرقندي (ت/373) ؛ وهو الكتاب الذي تبعه في ذات النهج مهذبا ومطوِّراً القاضي أبو الحسين علي بن الحسين السّغدي (ت/461) في كتابه المنظّم : النتف في الفتاوى ، وكان يذكر الآراء إن تعددت دون ترجيح ليُرَجِّح المتفقه والقاضي منها ما يراه راجحا ؛ ولن يعسر على الباحث أيضا أن يطلع على ما جاء عند المالكية شبيها بذلك من مثل : أصول الفتيا في الفقه ، لمحمد بن حارث الخشني (ت/361) . وأما كتب القضاء وسياساته وتراتيبه في ظلال الدول الإسلامية فأمر لا يخفى على عوام باعة الكتب .
    أما الحديث المصنفة في القضاء ونوازله فأمر من الظهور بمكان ، حتى إنه لحري أن يعاب جهله على من يدعي ثقافة ، بله طالب فقه . بل إنَّ استشعار حقيقة الجهل حمل د. خالد محمد خالد وهو من أشهر من أثار هذه الفرية إن لم يكن أشهرهم إلى التراجع عنها وعن علمانية الحكم ، وكشف ستر الفكر المنحرف الذي دفعه إلى القول بها ، وأصدر بكل شجاعة كتاباً سماه " الدولة في الإسلام " أعلن فيه أنَّ الإسلام دين ودولة بلا مراء (3) .

    وما أعسر الحديث في إثبات الواضحات ، ولمن قلّ اطلاعه على علوم أهل الإسلام وأراد تثقيف نفسه في هذا المجال حتى لا يمرِّر عليه الجائرون ظلمهم للتاريخ ، ومكابرتهم للواقع – أُرشد الباحث عن الحقيقة إلى الاطلاع على الكتب المتخصصة في نظام القضاء الإسلامي ومدارسه ومؤلفاته ، ما بين مؤصّل مطوّل مثل : القضاء ونظامه في الكتاب والسنة ، للدكتور عبد الرحمن الحميضي ، وهو رسالة دكتوراه محكّمة ، ووجيز كاشف للحقيقة بلغة الواقع ، مثل : دراسة في تاريخ القضاء الشرعي في الإسلام وتطوراته منذ عهد النبوة إلى عصرنا الحاضر ، للدكتور إبراهيم الربابعة ، وإن شاء نوعا آخر من التأليف الكاشف لجهل المنكرين الموضِح لمكانة قضاة المسلمين ، فليطع على كتاب من مثل : أثر القضاء في الدعوة إلى الله تعالى دراسة تأصيلية وتطبيقية في العصر العباسي .

    ولست هنا أرمي إلى قصد تفنيد تلك المقولة التي لم يع أصحابها معنى استشهاد الفقهاء بسنن الخلفاء الراشدين دون غيرهم من الخلفاء ، امتثالا لوصية المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم باتباع سنتهم ، دون غيرهم من خلفاء الإسلام – وإنما القصد الإشارة إلى هذا الانحراف المبني على هذه الفرية الواهية ، وإلا قد فنّدها علماء الإسلام ومفكروه المعاصرون ، وبيّنوا سذاجتها وفكَّكوا فكرتها . ومنهم الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي في الباب السادس من كتابه القيم : " الإسلام والعلمانية وجهاً لوجه " ؛ والدكتور المستشار طارق البشري في كتابه المفيد : " الوضع القانوني المعاصر بين الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي " ؛ ومما كُتب حديثا في رد هذه الفرية ، سلسلة من المقالات لم تكتمل بعد ، بعنوان : " تحكيم الشريعة الإسلامية عبر التاريخ الإسلامي " ، لأخينا الدكتور علي الصلابي وفقه الله (4) .

    وعوداً على بدأ ؛ فإنَّ مِمَّا يؤيد ما سبق من أسباب توهم الخلاف في إعمال السياسة : أنَّ العلم بطرق استنباط السياسة الشرعية الرئيسة ؛ كالعلم بفقه القواعد الكلية ، والمقاصد المرعيّة ، والمنفيّة ، وإلحاق فروع كلٍّ منها بها - من العلوم التي تُعدّ مزية للفقيه المتبحِّر - لا ينهض بها كلُّ أحد ؛ لما قد يظهر من معارضة جزئياتها للأدلة ؛ وحيث قد اشتهر فقه بعض الأئمة بتعليل فروع تلك الكليات بها أكثر من غيرها ، كمذهب الإمام مالك ؛ فقد كان ذلك منهم محلَّ ثناء وتبجيل ؛ فهذا الحافظ الذهبي يُثني على فقه الإمام مالك ، بقوله : " وبكل حال فإلى فقه مالك المنتهى ؛ فعامَّة آرائه مُسَدَّدَة ، ولو لم يكن له إلا حسم مادّة الحيل ، ومراعاة المقاصد (5) لكفاه " (6) ، وهذه من حقائق السياسة الشرعية وكبرى ملامح فقهها .

    وقال أبو العبَّاس ابن تيمية - بعد أن ذكر وجوب سياسة الناس سياسة شرعية يكون السيف فيها تابعاً للكتاب كما كان الأمر على عهد الخلفاء الراشدين ، وكان أهل المدينة بعد ذلك أرجح فيه من غيرهم - : " وهذه الأمور من اهتدى إليها ، وإلى أمثالها ؛ تبين له أن أصول أهل المدينة أصح من أصول أهل المشرق ، بما لا نسبة بينهما " (7) .
    وقال : " خاصَّة الفقه في الدين … معرفة حكمة الشريعـة ومقاصدها ومحاسنها " (Cool .
    وقال : " … العلم بصحيح القياس وفاسده من أجلِّ العلوم ، وإنَّما يعرف ذلك من كان خبيراً بأسرار الشرع ومقاصده ، وما اشتملت عليه شريعة الإسلام من المحاسن التي تفوق التعداد ، وما تضمنته من مصالح العباد في المعاش والمعاد ، وما فيها من الحكمة البالغة والرحمة السابغة ، والعدل التامّ " (9) .
    وقال شهاب الدين القرافي : " تخريج الأحكام على القواعد الأصولية الكلية أولى من إضافتها إلى المناسبات الجزئية ، وهو دأب فحول العلماء ، دون ضَعَفَةِ الفقهاء" (10) . و جلّ فقه السياسة الشرعية من هذا الباب .
    وهذا مما يدل على فضيلة علم السياسة الشرعية وعلو منزلته من الفقه في الدين والله تعالى أعلم .
    وإلى الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى .

    يتبع
    ادهم الشرقاوى
    ادهم الشرقاوى
    عضو ماسي
    عضو ماسي


    ذكر

    الموازنة بين السياسة الشرعية والسياسات الوضعية Empty رد: الموازنة بين السياسة الشرعية والسياسات الوضعية

    مُساهمة من طرف ادهم الشرقاوى الخميس سبتمبر 04, 2008 4:15 pm

    هل ثم اختلاف في اعتبار العمل بالسياسة الشرعية ؟


    د. سعد بن مطر العتيبي | 3/7/1428


    مما سبق يتبين أنَّ الفقهاء من المتقدمين والمتأخرين يعتبرون العمل بالسياسة الشرعية في الجملة ؛ وإن اختلفوا في العمل بها بين موسِّعٍ ومضيِّق ؛ على ما سبقت الإشارة إليه .

    و لم يقف كاتب هذه الموضوعات على خلاف عن أحد من الأئمة والمحقين في ردِّ العمل بالسياسة الشرعية مطلقاً ؛ نعم ، اشتهر أنَّ بعض الشافعية (1) قال : " لا سياسة إلا ما وافق الشرع " ؛ وذلك من مناظرة جرت بينه وبين أبي الوفاء ابن عقيل الحنبلي ؛ وهذا كما هو ظاهر ، ليس فيه نفي للعمل بالسِّيَاسة الشَّرعيَّة ، وإنَّما هو إثبات للعمل بها بشرط موافقة الشرع ؛ وهذا محلُّ وفاق ، إذ مراده بموافقة الشرع : موافقة نصوصه وقواعده ، أو : عدم مخالفة ما نطق به الشرع - كما عبَّر ابن عقيل .

    وهذا الذي ينبغي أن يُفَسَّر به قول هذا الفقيه الشافعي ؛ لأنَّ التقييد بموافقة الشرع ، اقتضاه ما اشتهر من بعض الولاة في تلك الأزمان ، من الحكم بـ( السياسة ) المخالفة للشرع ؛ " حتى صار يقال : الشرع والسياسة ، وهذا يدعو خصمه إلى الشرع وهذا يدعو إلى السياسة ، سوغ حاكماً أن يحكم بالشرع والآخر بالسياسة " (2) .
    ولهذا الملحظ أجاب ابن عقيل رحمه الله ذاك الفقيه الشافعي ، بأنَّ مراده بالسياسة : السياسة الشرعية ، لا مطلق السياسة .
    ولمَّا كان قوله : " ما وافق الشرع " يحتمل معنىً آخر قد يكون مقصوداً للمعترض ؛ فقد فرضه ابن عقيل – كما هو شأن المناظر الحاذق – وأجاب عنه ؛ حيث قال : " وإن أردت : ما نطق به الشرع ؛ فغلط ، و تغليط للصحابة ؛ فقد جرى من الخلفاء الراشدين من القتل والمثل ما لا يجحده عالم بالسير ، ولو لم يكن إلا تحريق المصاحف كان رأياً اعتمدوا فيه على مصلحة … " . تنظر الحاشية التالية . ولم يذكر من ساق هذه القصة - ممن وقف الباحث على كلامهم - جواباً لهذا الشافعيِّ على ابن عقيل ؛ فلعلَّه ، لمَّا تحرَّر له محلَّ المناظرة ؛ و دقق له ابن عقيل صياغة العبارة - زال اعتراضه . وعلى كل حال فهو خلاف منسوب إلى فقيه لم يسم حتى يُعرف قدره في العلم (3) .

    ؛ ومن هنا رتَّب د. عبد الفتاح عمرو عايش - رحمه الله
    تعالى - المذاهب الفقهية وعلماءها ، من جهة الأخذ بالسياسة الشرعية واعتبارها ، سعة وضيقاً ؛ على النحو الآتي : المالكية ، وخاصًّة : ابن فرحون ، والشاطبي ، والقرافي ، ثم متأخِّروا الحنابلة ، وخاصَّة : ابن عقيل ، وابن تيمية ، وابن القيم ، ثم الحنفية وخاصَّة : ابن نجيم ، ثم الشافعية ، وخاصَّة : العزّ ابن عبد السلام ، ثم ابن حزم الظاهري(4).
    ويظهر أنَّ هذا الترتيب نُظِرَ فيه إلى التصريح بلفظ " السياسة " ، لا مطلق اعتبارها ؛ ذلك أنَّ كثيراً من العلماء المتقدمين يعتبرون العمل بالسِّيَاسة الشَّرعيَّة ؛ لكنهم لا يصرِّحون بهذا اللفظ ؛ بل كثيراً ما يعبرون بأصول السياسة الشرعية ؛ كالمصلحة ، والضَّرورة ، والاستحسان ، وغيرها ؛ ومن استعرض كتبهم : كالخراج ، والأم ، وفتاواهم كمسائل الإمام أحمد ؛ تأكَّد له ذلك

    ومن هنا - أيضا - فما يذكر من خلاف في جملة العمل بالسياسة الشرعية ، غير مسلَّم ؛ إذ المتأملُ يتضح له أن ما يُحكى من خلاف في العمل بالسياسة الشرعية ، غايته أن يكون خلافاً في بعض وجوه أسس السياسة الشرعية وتطبيقات تلك الوجوه ، لا في العمل بالسياسة الشرعية ، ولعلَّ السبب في ذلك يعود إلى أمور ، منها :
    - حصر مجالات السِّيَاسة الشَّرعيَّة ، فيما لم يرد فيه نصٌّ ، مطلقاً ، سواء كان نصاً جزئياً خاصاً متعيناً أو غير متعين . وهذا مفهوم ضيق للسِّيَاسة الشَّرعيَّة .
    - الخلط بين اختلاف الفقهاء في اعتبار بعض مستندات السياسة الشرعية ، الذي سبقت الإشارة إلى كونه لفظياً في عدد من أمهاتها في الحديث عن الأسس - وبين العمل بالسِّيَاسة الشَّرعيَّة.
    - الخلط بين رفض العلماء لتصرفات بعض الولاة التي يسمونها ( سِّيَاسة ) أو ينسبونها إلى السِّيَاسة الشَّرعيَّة ، وبين اعتبار العلماء للعمل بالسياسة الشرعية ؛ وإن كان الفرق بين الأمرين ، لا يخفى .
    - الخلط بين سوء تطبيق السِّيَاسة الشَّرعيَّة من بعض الولاة والحكَّام ، واعتراض العلماء على ذلك ؛ وبين اعتبار العلماء للعمل بالسِّيَاسة الشَّرعيَّة .

    وهذا مدار الحديث في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى .
    -----------------------
    (1)ينظر : الطرق الحكمية ، لابن القيم :14.
    (2)مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية : 20/392 -393 .
    (3)وهذا سياق المناظرة كما أورده ابن القيم ، قال : جرت في جواز العمل في السلطنة ، بالسياسة الشرعية " مناظرة بين أبي الوفاء ابن عقيل وبين بعض الفقهاء :
    - فقال ابن عقيل : العمل بالسياسة هو الحزم ، ولا يخلو منه إمام .
    - وقال الآخر : لا سياسة إلا ما وافق الشرع .
    - فقال ابن عقيل : السياسة ما كان من الأفعال بحيث يكون الناس معه أقرب إلى الصلاح وأبعد عن الفساد ، وإن لم يشرعه الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولا نزل به وحي ؛ فإذا أردت بقولك : لا سياسة إلا ما وافق الشرع ، أي : لم يخالف ما نطق به الشرع ؛ فصحيح . وإن أردت ما نطق به الشرع ، فغلط ، وتغليط للصحابة ؛ فقـد جرى من الخلفاء الراشدين من القتل والمثل ما لا يجحـده عالم بالسير ، ولو لم يكن إلا تحريـق المصاحف ، كان رأياً اعتمـدوا فيه على مصلحة ، وكذلك تحريق عليٍّ كرَّم الله وجهه الزنادقةَ في الأخاديد ، ونَفْى عمرُ نَصْرَ ابن حجاج " . إعلام الموقعين ، لابن القيم : 4/372 ط دار الفكر .
    (4)السِّيَاسة الشَّرعيَّة في الأحوال الشخصيَّة : 37 .
    يتبع
    ادهم الشرقاوى
    ادهم الشرقاوى
    عضو ماسي
    عضو ماسي


    ذكر

    الموازنة بين السياسة الشرعية والسياسات الوضعية Empty رد: الموازنة بين السياسة الشرعية والسياسات الوضعية

    مُساهمة من طرف ادهم الشرقاوى الخميس سبتمبر 04, 2008 4:20 pm

    نماذج من اعتبار فقهاء الشريعة للسياسة الشرعية (3)


    د. سعد بن مطر العتيبي | 25/6/1428


    اعتبار الفقهاء للسِّيَاسة الشَّرعيَّة (3)

    هـ – أمثلة لما جاء من السياسة في فقه أهل العصر :
    وهي كثيرة جدا ، يمكن الباحث تمييزها بالنظر في تعريف السياسة الشرعية وتطبيقه عليها – وسأقتصر منها هنا على مثالين جمعا رأي جمع من كبار علماء العصر :

    - أولهما قرار فتوى نظرية ، جاءت في قرار من المجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة مدعما بقرار مجلس هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية ، ونصه :
    " الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، سيدنا ونبينا محمد أما بعد : فإنَّ مجلس المجمع الفقهي الإسلامي ، قد نظر في الكتاب الوارد إلى الأمانة العامة لرابطة العالم الإسلامي ، من معالي وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية في الأردن الأستاذ كامل الشريف، والبحث المقدم من معاليه إلى مجلس الوزراء الأردني بعنوان "الأرقام العربية من الناحية التاريخية" ، والمتضمن أن هناك نظرية تشيع بين بعض المثقفين، مفادها أن الأرقام العربية في رسمها الراهن (1-2-3-4-الخ) هي أرقام هندية ، وأن الأرقام الأوروبية (..etc , 1,2,3,4). هي الأرقام العربية الأصلية، ويقودهم هذا الاستنتاج إلى خطوة أخرى ، هي الدعوة إلى اعتماد الأرقام في رسمها الأوربي في البلاد العربية ، داعمين هذا المطلب، بأن الأرقام الأوروبية أصبحت وسيلة للتعامل الحسابي مع الدول والمؤسسات الأجنبية ، التي باتت تملك نفوذًا واسعًا في المجالات الاقتصادية والاجتماعية في البلدان العربية، وأن ظهور أنواع الآلات الحسابية و (الكمبيوتر) التي لا تستخدم إلا هذه الأرقام يجعل اعتماد رسم الأرقام الأوروبية في البلاد العربية أمرًا مرغوبًا فيه، إن لم يكن شيئًا محتومًا لا يمكن تفاديه .
    ونظر أيضًا فيما تضمنه البحث المذكور، من بيان للجذور التاريخية لرسم الأرقام العربية والأوربية.
    واطلع المجلس أيضًا، على قرار مجلس هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية، في دورته الحادية والعشرين، المنعقدة في مدينة الرياض مابين 17-28 من شهر ربيع الآخر عام 1403هـ في هذا الموضوع والمتضمن أنه لا يجوز تغيير رسم الأرقام العربية المستعملة حاليًّا إلى رسم الأرقام المستعملة في العالم الغربي للأسباب التالية :
    أولاً: أنه لم يثبت ما ذكره دعاة التغيير، من أن الأرقام المستعملة في الغرب هي الأرقام العربية، بل إن المعروف غير ذلك، والواقع يشهد له . كما أن مضي القرون الطويلة، على استعمال الأرقام الحالية في مختلف الأحوال والمجالات، يجعلها أرقامًا عربية، وقد وردت في اللغة العربية كلمات لم تكن في أصولها عربية، وباستعمالها أصحبت من اللغة العربية، حتى إنه وجد شيء منها في كلمات القرآن الكريم (وهي التي توصف بأنها كلمات معرَّبة).
    ثانيًا: أن الفكرة لها نتائج سيئة وآثار ضارة ، فهي خطوة من خطوات التغريب للمجتمع الإسلامي تدريجيًّا ، يدل علـى ذلك ما ورد في الفقرة الرابعة من التقرير المرفق بالمعاملة ، ونصها : (صدرت وثيقة من وزراء الإعلام في الكويت تفيد بضرورة تعميم الأرقام المستخدمة في أوربا، لأسباب أساسها وجوب التركيز على دواعي الوحدة الثقافية والعلمية، وحتى السياحية على الصعيد العالمي).
    ثالثًا: أنها (أي هذه الفكرة)، ستكون ممهدة لتغيير الحروف العربية، واستعمال الحروف اللاتينية، بدل العربية، ولو على المدى البعيد.
    رابعًا: أنها (أيضًا) مظهر من مظاهر التقليد للغرب واستحسان طرائقه.
    خامسًا: أن جميع المصاحف والتفاسير، والمعاجم، والكتب المؤلفة كلها تستعمل الأرقام الحالية في ترقيمها، أو في الإشارة إلى المراجع، وهي ثروة عظيمة هائلة، وفي استعمال الأرقام الإفرنجية الحالية (عوضًا عنها) ما يجعل الأجيال القادمة، لا تستفيد من ذلك التراث بسهولة ويسر.
    سادسًا: ليس من الضروري متابعة بعض البلاد العربية، التي درجت على استعمال رسم الأرقام الأوربية، فإن كثيرًا من تلك البلاد قد عطلت ما هو أعظم من هذا وأهم ، وهو تحكيم شريعة الله كلها، مصدر العز والسيادة، والسعادة في الدنيا والآخرة، فليس عملها حجة.
    وفي ضوء ما تقدم يقرر مجلس المجمع الفقهي الإسلامي ما يلي:
    أولاً : التأكيد على مضمون القرار الصادر عن مجلس هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية في هذا الموضوع والمذكور آنفًا، والمتضمن عدم جواز تغيير رسم الأرقام العربية المستعملة حاليًّا، برسم الأرقام الأوربية المستعملة في العالم الغربي للأسباب المبينة في القرار المذكور.
    ثانيًا: عدم جواز قبول الرأي القائل بتعميم رسم الأرقام المستخدمة في أوربا بالحجة التي استند إليها من قال ذلك، وذلك أن الأمة لا ينبغي أن تدع ما اصطلحت عليه قرونًا طويلة، لمصلحة ظاهرة وتتخلى عنه تبعًا لغيرها.
    ثالثًا: تنبيه ولاة الأمور في البلاد العربية، إلى خطورة هذا الأمر، والحيلولة دون الوقوع في شرك هذه الفكرة الخطيرة العواقب على التراث العربي والإسلامي.
    والله ولي التوفيـق. وصـلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم "( توقيع الرئيس ونائبه والأعضاء )(1) .

    - وثاني المثالين اللذين رأيت الاقتصار عليهما : تطبيق عملي ، وهذا نصه :
    " الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، سيدنا ونبينا محمد أما بعد : فإنَّ مجلس المجمع الفقهي الإسلامي ، قد نظر في جلسته الأولى من صباح يوم الأحد 9/4/1403 هـ في موضوع انتخاب رئيس للمجلس ، خلفا لسماحة الشيخ عبد الله بن محمد بن حميد – رحمه الله – وبناء على ما ورد في المادة الرابعة من نظام المجمع الفقهي الإسلامي ، والذي جاء فيها : " يتم انتخاب الرئيس من قبل مجلس المجمع بأكثريته المطلقة " . وعليه فقد قرر المجلس بالاتفاق أن يكون صاحب السماحة معالي الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رئيسا لمجلس المجمع الفقهي الإسلامي . والله ولي التوفيق ، وصلى الله على خير خلقه سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم " ( توقيع الرئيس ونائبه والأعضاء )(2).

    وبهذا يتبين أنَّ الفقهاء يعتبرون العمل بالسياسة الشرعية في الجملة ؛ وإن اختلفوا في العمل بها بين موسِّعٍ ومضيِّق ؛ ولهذا قال أبو الوفاء ابن عقيل : " ولا يخلو من القول به إمام " (3) .
    وللحديث في اعتبار السياسة عند الفقهاء بقية أستكملها في الحلقة التالية إن شاء الله تعالى .
    ----------------------
    (1) القرار الثالث للدورة السابعة المنعقدة من يوم 11/16 1404هـ .
    (2)القرار الأول من الدورة السادسة سنة 1403هـ .
    (3)( ) الطرق الحكمية : 14 ؛ وإعلام الموقعين ، لابن القيم : 4/451 .

    يتبع
    ادهم الشرقاوى
    ادهم الشرقاوى
    عضو ماسي
    عضو ماسي


    ذكر

    الموازنة بين السياسة الشرعية والسياسات الوضعية Empty رد: الموازنة بين السياسة الشرعية والسياسات الوضعية

    مُساهمة من طرف ادهم الشرقاوى الخميس سبتمبر 04, 2008 4:22 pm

    نماذج من اعتبار فقهاء الشريعة للسياسة الشرعية (2)


    د. سعد بن مطر العتيبي | 15/6/1428


    جـ- أمثلة لما جاء منها عند الشافعية :
    - قال بدر الدين الزركشي - رحمه الله - عند ذكرهِ قاعدة : ( تصرف الإمام على الرعيّة منوط بالمصلحة ) - : "… نصَّ عليه … قال الشافعي : منزلة الوالي من الرعيَّة ، منزلة الولي من اليتيم انتهى ، وهو نصّ في كلِّ والٍ … وحيث يُخيَّر الإمام في الأسير بين القتل ، والاسترقاق ، والمنّ ، والفداء .. لم يكن ذلك بالتشهـي ؛ بل يرجع إلى المصلحة ، حتى إذا لم يظهر له وجه المصلحة ، حبسهم إلى أن يظهر " (1) .
    - و جاء في إعانة الطالبين : " غالب الأحاديث لا تكاد تخلو عن حكم ، أو أدب شرعي ، أو سياسة دينية " (2) .
    - وجاء عندهم في عقوبة الذميِّ إذا قتل المرتدَّ ثلاثة أقوال : وجوب القصاص ، وعدمه : " والثالث : يجب القصاص سياسة ، ولا تجب الدية ؛ لأنَّه غير معصوم " (3) .
    - وجاء في روضة الطالبين : " والرابع إن قذفها بزنا أضافه إلى ما قبل الزوجية وأثبته ببينة ثم قذفها به ، لم يلاعن ، وإن قذفها بزنا في الزوجية ، وأثبته ببينة ثم قذفها به ، لاعن ؛ وحمل النصين عليهما ، ثم ظاهر نصه في الروايتين أنه لا يُعزَّر إلا بطلبها ، وحكى الإمام وجهاً : أنه يعزِّره السلطان سياسةً وإن لم تطلب ، كما يعزِّر من يقول : الناس زناة ، والصحيح الأول … " (4) .
    واعتبارهم للسياسة الشرعية ظاهر لمن له نظر في كتبهم ، وإن كانوا أقل المذاهب استعمالاً لمصطلح ( السياسة ) )6( ، فإنهم يعللون بـ( المصلحة ) ونحوها مما هو رديف له (5) .

    د- أمثلة لما جاء منها عند الحنابلة :
    ذكر ابن القيم أمثلة لاعتبار الإمام أحمد ، للسياسة الشرعية ، ومن ذلك :
    - قوله في المُخنَّث (7) : " والمُخَنَّثُ ينفى ؛ لأنَّه لا يقع منه إلا الفساد والتعرض له ، وللإمام نفيه إلى بلد يأمن فساد أهله ، وإن خاف به عليهم حبسه " (Cool .
    - ونصُّه فيمن طعن في الصحابة : " أنَّه قد وجب على السلطان عقوبته ، وليس لسّلطان أن يعفو عنه ؛ بل يعاقبه ويَسْتَتِيبه ؛ فإن تاب وإلا أعاد العقوبة " (9) .
    -و قال أبو الوفاء ابن عقيل في الفنون : " للسلطان سلوك السياسة وهو الحزم عندنا ولا تقف السياسة على ما نطق به الشرع (10) ؛ إذ الخلفاء الراشدون رضي الله عنه قد قتَّلوا ومثَّلوا وحرَّقوا المصاحف ، ونفى عمرُ نصرَ بن حجَّاج خوف فتنة النساء " (11) . قال ابن مفلح في بيان هذه العبارة : " قال شيخنا : مضمونه ، جواز العقوبة ، ودفع المفسدة ، وهذا من باب المصالح المرسلة ، وقد سلك القاضي في الأحكام السلطانية أوسع من هذا " (12) .
    - ونقل عنه ابن القيم قوله : " جرى في جواز العمل في السلطنة ، بالسياسة الشرعية : أنَّه هو الحزم عندنا ، ولا يخلو من القول به إمام " (13) .
    - وقال : " وصرح أصحابنا في أنَّ النساء إذا خيف عليهن المساحقة (14) ، حرم خلوة بعضهن ببعض " (15).
    قلت : وقد رأينا في هذا العصر شيئا من حكمة هذا الحكم ، الذي لا يماري في صحته عارف بالواقع فقيه في السياسة . وفي بلاد الإفرنج وجدناهم يضعون من القوانين في أماكن التجمعات النسائية ما يحفظ النساء من النساء !
    - ومما جاء عند الحنابلة - أيضاً - تقييد ما حكي من الإجماع على وجوب طاعة الإمام في غير المعصية بقولهم : " ولعل المراد : في السياسة والتدبير والأمور المجتهد فيها ، لا مطلقاً ؛ ولهذا جزم بعضهم : تجب في الطاعة ، وتسنُّ في المسنون ، وتكره في المكروه …" (16) .

    هـ – أمثلة لما جاء من السياسة في فقه أهل الظاهر :
    - من ذلك أنَّ القاضي يحجر على المدين ، ويمنعه من التصرفات الضارَّة بالغرماء ؛ كالإقرار ، والبيع بأقل من القيمة ؛ وللقاضي بيع ماله إذا امتنع عن بيعه ويقسم ثمنه بين الغرماء بالحصص (17) .
    - وقال أبو محمد ابن حزم : " ومن أتى منكرات جمَّة ؛ فللحاكم أن يضربه لكل منكر منها عشر جلدات فأقل بالغاً ذلك ما بلغ ؛ لأنَّ الأمر في التعزير جاء مجملاً فيمن أتى منكراً : أن يُغير باليد …" (18) .
    - وقال : " الصلاة جائز أن يليها العربي والمولى والعبد والذي لا يحسن سياسة الجيوش والأموال والأحكام والسِّيَر الفاضلة ، وأما الخلافة فلا يجوز أن يتولاها إلا قرشي صليبة (19) عالم بالسياسة ووجوهها ، وإن لم يكن محكِما للقراءة …" (20) .
    قلت : والشاهد قوله : " عالم بالسياسة ووجوهها ، وإن لم يكن محكما للقراءة " .

    وفي الحديث هنا بقية يستكمل في المقالة التالية إن شاء الله تعالى ..
    --------------------
    (1) المنثور في القواعد :1/309 .
    (2) للدمياطي :4 /351 .
    (3) الوسيط في المذهب ، للغزالي : 6/246 .
    (4) للإمام النووي : 6/308 .
    (5) قال ابن القيم رحمه الله : " وأبعد الناس من الأخذ بذلك الشافعي مع أنَّه اعتبر قرائن الأحوال في أكثر من مائة موضع … وهل السياسة الشرعية إلا من هذا الباب …" . إعلام الموقعين ، لابن القيم : 4/458 .
    (6) ينظر فوق ما سبق : نهاية المحتاج ، للرملي : 8/240 ؛ والتلخيص ، لأبي العباس الطبري ابن القاص : 74-75 ؛ والتجريد لنفع العبيد ، للبجيرمي : 4/232 .
    (7) الفروع ، لابن مفلح : 6/115-116 ؛ والإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف ، علي بن سليمان المرداوي :10/250 . والمخنَّث : الذي يتشبَّه بالنساء والذي يمكن غيره من نفسه. قال أبو العباس ابن تيمية : " فإنَّ المخنَّث فيه إفساد للرجال والنساء ؛ لأنَّه إذا تشبه بالنساء فقد تعاشره النساء ويتعلمن منه ، وهو رجل فيفسدهن ؛ ولأنَّ الرجال إذا مالوا إليه فقد يُعْرِضُون عن النساء ؛ ولأنَّ المرأة إذا رأت الرجل يتخنَّث فقد تترجل هي ، وتتشبه بالرجال فتعاشر الصنفين ، وقد تختار هي مجامعة النساء كما يختار هو مجامعة الرجال ؛ وأما إفساده للرجال فهو أن يُمَكِّنَهم من الفعل به - كما يفعل بالنساء - بمشاهدته ومباشرته وعشقه …" . مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية : 15/310 . وينظر : 15/322 ؛ و الكليات ، للكفوي : 872 .
    (Cool إعلام الموقعين ، لابن القيم : 4/457 .
    (9) المصدر السابق : 4/458 .
    (10) قال البهوتي بعد أن نقل هذه العبارة : " قلت : ولا تخرج عما أمر به أو نهى عنه ". كشاف القناع عن متن الإقناع ، لمنصور البهوتي : 6/126-127 .
    (11) الفروع ، لابن مفلح : 6/115-116 ؛ ينظر : الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف ، للمرداوي :10/250 . ولم أقف على هذه العبارة في المطبوع من كتاب الفنون ( جزآن ) مع استعراضه وتكرار البحث فيه ؛ فلعله في الأجزاء التي تُقدر بالمئآت مما لم يطبع بعد ، إن كان موجودا .
    (12) الفروع ، لابن مفلح : 6/115-116 .
    (13) الطرق الحكمية : 14؛ وإعلام الموقعين ، لابن القيم : 4/451 .
    (14) المساحقة : إتيان المرأة المرأة ، و قد يعبر عنه بـ : تدالك المرأتين . ينظر : المغني ، لابن قدامة [ مع الشرح الكبير] :10/157 ؛ وكشاف القناع عن متن الإقناع ، للبهوتي : 6/121.
    (15) إعلام الموقعين ، لابن القيم : 4/458 .
    (16) الفروع ، لابن مفلح : 2/158. ويذكرون ذلك في كتبهم عند بيانهم أحكام صلاة الاستسقاء .
    (17) ينظر : الإمام داود الظاهري وأثره في الفقه الإسلامي ، د. عارف خليل أبو عيد : 437
    (18) المحلَّى : 11/404 .
    (19) صليبة ، أي : خالص النسب ، من صلب قريش ، مجازي . ينظر : أساس البلاغة ، للزمخشري :358 مادة ( صلب ) .
    وشرط النسب القرشي في الخليفة هو ما عليه جماهير العلماء ومنهم الأئمة الأربعة ، وحكى الإجماع عليه غير واحد من العلماء المتقدمين . ولكن هذا الشرط إنما يراعى عند الاختيار من قبل أهل الحل والعقد ، أما من تولّى إمامة المسلمين بغير هذه الطريقة فلا يشترط فيه القرشية ، كالمتغلب مثلا ومن عُهد إليه من إمام سابق وخشيت الفتنة إن عُزِل ؛ ففي مثل هذه الحالة تجب طاعته في غير معصية والجهاد معه ونحو ذلك ، وله من الحقوق ما جاءت به النصوص في وجوب طاعة أولي الأمر في غير معصية ، وما جاءت به من النهي عن الخروج عليهم ، وإن لم تكتمل شروط الخلافة فيه .
    ينظر : الإمامة العظمى عند أهل السنة والجماعة ، للشيخ د. عبد الله بن عمر الدميجي :265-295 .
    (20) الإحكام في أصول الأحكام ، لابن حزم : 7/1268 .

    يتبع

    ادهم الشرقاوى
    ادهم الشرقاوى
    عضو ماسي
    عضو ماسي


    ذكر

    الموازنة بين السياسة الشرعية والسياسات الوضعية Empty رد: الموازنة بين السياسة الشرعية والسياسات الوضعية

    مُساهمة من طرف ادهم الشرقاوى الخميس سبتمبر 04, 2008 4:24 pm

    نماذج من اعتبار فقهاء الشريعة للسياسة الشرعية(1)


    د. سعد بن مطر العتيبي | 4/6/1428


    اعتبار الفقهاء للسِّيَاسة الشَّرعيَّة (1)

    بعد أن خلصت الحلقات السابقة إلى أنَّ مجالات السياسة الشرعية من جهة الأحكام والمسائل تشمل : كلّ ما صدر عن أولي الأمر ، من أحكام وإجراءات ، منوطة بالمصلحة ، فيما لم يرد بشأنه دليل خاص ، مُتَعَيِّنٌ - فهو داخل في مجالات السِّيَاسة الشَّرعيَّة ، كما مرَّ بيانه في تعريفها .

    تنتقل هذه الحلقة إلى بيان اعتبار علماء الإسلام وفقهاء الشريعة رحمهم الله للسياسة الشرعية ، على نحو ما تم تأصيله في المقالات السابقة .. والحق أنه موضوع يستحق عناية الباحثين من طلبة العلم ، لكشف المسائل السياسية ومستنداتها الشرعية ، ومادته مادة ثرية واسعة شاملة ، تسع عشرات الباحثين الجادين ، كما أنه لطيف في مضمونه ، وعميق في مداركه .

    ولمّا كان بهذه المنزلة ، رأيت أن أقتصر على نماذج من تلك المسائل ، مأخوذة من المذاهب الأربعة الذين يستنبطون مسائل السياسة الشرعية وفق طرق الاستدلال السابقة وغيرها ، كما رأيت إضافة أهل الظاهر ، لبيان اتفاقهم مع بقية المذاهب على اعتبار السياسة الشرعية ، عكس ما قد يوحي به ما عُرِف من طريقتهم في الفقهيات .

    واعتبار الفقهاء العملَ بالسياسة الشرعيـة أمر لا ينكر ؛ فلا يخلو كتاب من كتب الشروح الفقهية وغيرها من كتب أهل العلم المطولة - في عدد من المباحث الفقهية ، ضمن المجالات التي سبق ذكرها - من تعليل الفقهاء لبعض الأحكام بـ( السياسة ) ، أو بمـا هو مرادف لمرادهم بها في الغالب ، كـ( المصلحة ) أو ( دفع الضّرر ) أو ( الافتقار إلى حكم الحاكم ) ، أو ما كان في معنى ذلك ؛ وقد تَتَبَّعت هذه التعليلات في مجال علم السِّيَر في بعض المراجع الفقهية المهمّة ، ولاحظت تتكرر التعليل بعبارات مرادفة لمعنى السياسة الشرعية ، هي أشبه بدلائل تفرع المسألة - محل التعليل - عن السياسة الشرعية – ومنها على سبيل التمثيل – قولهم : … ويجوز قتله سياسة ؛ … لأنّهم مضرّة على المسلمين ؛ … لأنّه جُعِلَ في مصلحة ؛ … لأنّ مصلحته تفوت بتأخيره ؛ … لئلا يرى الجاسوس قلَّتهم بتفرُّقهم ؛ … لأنّ المصلحة تتعين في قتالهم ؛ … وإنما يجوز للإمام فعل ما فيه المصلحة ؛ … لأنّ ضرره يعود على الجيش كلِّه ؛ … لا يقتل إن جرت العادة ألّا يقتل ؛ … فمتى رأى الإِمام المصلحة في خصلة من هذه الخصال تعَّينَتْ عليه ولم يجز العدول عنها … ؛ … لأنّ الحاجة تدعو إلى ذلك ، فإننا لو قتلنا رسلهم لقتلوا رسلنا فتفوت مصلحة المراسلة ؛ … أو تكون العادة لم تجر بذلك بيننا وبين عدونا ؛ فإذا فعلناه بهم فعلوه بنا فهذا يحرم ؛ لما فيه من الإضرار بالمسلمين ؛ … أو كانوا يفعلون ذلك بنا ، فيفعل بهم ذلك ؛ لينتهوا ؛ … ما لا تدعو إلى أخذه حاجة عامة ، لا يجوز أخذه ؛ … وإن دعت الحاجة جاز لأنّها حال ضرورة ؛ … لأنّـ الحاجة تدعو إلى هذا ، وفي المنع منه مضرّة بالجيش وبدوابِّهم ؛ … لأنّ القتال به معتاد ؛ … جائز عند شدَّة الحاجة إليه ، وتعيُّن المصلحة فيه ؛ … إن كان بالمسلمين حاجة إليه ، أو قوّة به ، أو شغل عنه أُخِّر … ؛ … لأنّه يتعلق بنظر الإمام ؛ … لأنّ ذلك ذريعة إلى إرقاق الولد ؛ وغيرها من التعليلات الفقهية التي تبين فقه الشريعة وتكشف عن مجالات السياسة الشرعية موضوعات ومسائل .

    و لا يخلو منها مذهب من المذاهب الفقهية ؛ حتى مذهب أهل الظاهر ؛ وهذا يؤكِّد اعتبار الفقهاء قاطبة للعمل بالسياسة الشرعية في الجملة ، وإن اختلفت المسميات ، والتعبيرات ؛ فالعبرة بالحقائق والمعاني لا بالألفاظ والمباني ؛ يؤكِّـد ذلك أمور ، منها :

    الأول : من الناحية النظرية :
    فإن مسائل السياسة الشرعية منها ما يرجع في تأصيله إلى النصّ والإجماع ، ومنها ما يرجع إلى ما تفرَّع عن ذلك من قواعد كلية ، ومقاصد مرعية ؛ فأمَّا ما يرجع تأصيله إلى النصِّ والإجماع ، فليس مما يُشَكَّكُ في التسليم به ، وإن وُقِفَ فيه على نزاع ، فليس نزاعا في جملة العمل بالسياسة الشرعية ؛ وإنَّما هو في أمر آخر ؛ كصحة الدليل - إن لم يكن قرآناً - أو صحة الاستدلال وعدمه ، أو اعتبار طريق الاستنباط ، أو تحقيق المناط .

    وأمَّا ما يرجع في تأصيله إلى طريق من طرق الاستنباط ( الاستدلال ) ؛ فالخلاف فيه في أهم مسائله ، خلاف لفظي ؛ ثم هو لا يقدح في اعتبار الفقهاء للعمل بالسِّيَاسة الشَّرعيَّة في الجملة .

    الثـاني : من الناحية التطبيقية : وتتضح من خلال مجالين :

    المجال الأول : التأليف الخاص ؛ حيث يوجد عدد من المؤلفات الفقهية الخاصَّة – في المذاهب الفقهية الأربعة - في السياسة الشرعية في عدد من مجالاتها ، ومن المجالات المتفق على مشروعيتها عندهم جميعا من حيث الأصل ( التعزير ) ، ومن الكتب التي أفردت فيه مثلا : السياسة الشرعية ، لإبراهيم خليفة المعروف بدده أفندي رحمه الله ، و من الكتب التي أفردت في طرق القضاء : الطرق الحكمية ، لابن القيم رحمه الله ، ومن الكتب المعاصرة التي أفردت في مجال أدق : السياسة الشرعية في الأحوال الشخصية لعبد الفتاح عمرو عايش رحمه الله .

    المجال الثاني : التأليف العام ؛ حيث يوجد كثير من المسائل الفقهية المندرجة تحت السِّيَاسة الشَّرعيَّة ، منثورة في أمهات كتب أهل العلم من الشروح الفقهية وغيرها ، و لاسيما ما كان منها ذا عناية بفقه النوازل ، و التدليل والتعليل .

    وهذه نماذج من نصوص العلماء في بعض مسائل السِّيَاسة الشَّرعيَّة ، مما هو منثور في الكتب الفقهية العامَّة (1) :

    أ- أمثلة مما جاء من السياسة الشرعية عند الحنفية :

    قال ابن الهمام : فيمن سرق من تابوت في القافلة وفيه الميت : " لو اعتاد لصٌّ ذلك ؛ للإمام أن يقطعه سياسة ، لا حدَّاً …" (2) .

    وقال ابن نجيم : " وما ورد في الحديث من الأمر بقتل الفاعل والمفعول به ؛ فمحمول على السياسة أو على المستحلّ ، قال الزيلعي : ولو رأى الإمام مصلحة في قتل من اعتاده ، جاز له قتلُه " (3) .

    وقال ابن عابدين : " قوله : للإمام أن يقتله سياسة ، أي : إن سرق بعد القطع مرتين ، لا ابتداءً ، كذا ذكره بعضهم …" (4)

    و قال " ولا جمع بين جلد ورجم في المحصن ، ولا بين جلد ونفي أي تغريب في البكر ، وفسره في النهاية بالحبس وهو أحسن وأسكن للفتنة من التغـريب لأنَّه يعود على موضوعه بالنقض إلا سياسة وتعزيرا ؛ فيفوض للإمام وكذا في كل جناية " (5)

    وكلام الحنفية في ذلك ، كثير جداً (6) .

    ب- أمثلة مما جاء منها عند المالكية :

    قول بعض فقهائهم : " وإن كتب شهادته على من لا يعرفه بالعين والاسم لم يصح أن يشهد بها إلا على عينه وإنما تسامح العلماء والخيار في وضع شهادتهم على من لا يعرفونه سياسة في نفع العامة " (7) .

    وقول ابن رشد : " يمنع من ذبح الفتى من الإبل مما فيه الحمولة ، وذبح الفتى من البقر مما هو للحرث ، وذبح ذوات الدرّ من الغنم ؛ للمصلحة العامَّة للناس ، فتمنع المصلحة الخاصة " (Cool .

    وقال الزرقاني مبيناً محلَّ وجوب قتل قاطع الطريق إذا قتل : "… محل وجوب قتله … ما لم تكن المصلحة في إبقائه ؛ بأن يُخشى بقتله فساد أعظم من فئته المتفرقين ؛ فلا يجوز قتله بل يطلق ارتكاباً لأخف الضررين …" (9) .

    وكم يلحق بهذه المسألة من مسائل في هذا العصر !

    وللمالكية بروز في العمل بالسياسة الشرعية (10) ؛ ولهذا قال ابن القيم : " وأما كلام مالك وأصحابه في ذلك ، فمشهور " (11) .

    هذا اتسع المجال لذكره في هذه المقالة ، وللمقالة بقية كما هو ظاهر من ترقيمها ، والله أعلم .

    -----------------------
    (1)أمَّا ما جاء من مسائل السياسة الشرعية في كتب السِّيَاسة الشَّرعيَّة المتخصصة ، فأظهر من أن يُذكر ؛ فلا يطال بذكر شيءٍ منه ؛ بل تكفي عناوينها أو تصفحها في بيان المقصود .
    (2)فتح القدير شرح الهداية ، لابن الهمام : 5/376 . وانظر ذكراً لمفهوم السياسة في أخذ السلطان الزكاة ممن لم يدفعها للإمام مدعياً دفعها للفقراء. في المصدر نفسه : 2/225.
    (3)البحر الرائق شرح كنز الدقائق ، لابن نجيم : 5/18 . ونص الحديث المشار إليه : (( من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به )) . رواه أبو داود : ك/ الحدود ، ب/ فيمن عمِل عمَل قوم لوط ، ح(4462) ؛ و الترمذي : ك/الحدود ، ب/ ما جاء في حد اللوطي ، (1456) ؛ وابن ماجه : ك/الحدود ، ب/ من عمِل عمل قوم لوط ، ح(2561) .
    وقد صححه ابن حبان (11/103) ، والحاكم (4/355) ؛ والذهبي ( تلخيص المستدرك ) ؛ وابن القيم : ( في مواضع من كتبه ، منها : زاد المعـاد في هـدي خير العباد :5/40) ؛ وينظر : التلخيص الحبير ، لابن حجر : 4/54-55 ؛ و إرواء الغليل ، للألباني : 8/17،ح(2350) ؛ وتعليق د. سعد بن عبد الله الحميد على : مختصر استدراك الحافظ الذهبي على مستدرك أبي عبد الله الحاكم ، لابن الملقن : 7/3125 .
    (4)منحة الخالق على البحر الرائق ، لابن عابدين ، بهامش البحر الرائق : 5/67 ؛ وينظر : رد المحتار على الدر المختار في شرح تنوير الأبصار ، لابن عابدين :4/16 . والعبارة أوردها ابن نجيم نقلاً عن الفتاوى السراجية ؛ وجاء فيه : " إذا سرق ثالثاً ورابعاً ، للإمام أن يقتله سياسة ؛ لسعيه في الأرض بالفساد " ، نقله عن السراجية . وفيه : قال : " فما يقع من حكام زماننا من قتله أول مرَّة زاعمين أن ذلك سياسة ، جور وظلم وجهل ، والسياسة الشرعية عبارة عن شرع مغلظ " . نفس الموضع .
    (5)الدر المختار شرح تنوير الأبصار ، للحصكفي ، مطبوع بأعلى حاشيته : رد المحتار على الدر المختار ، لابن عابدين :4/15 . وفي هذه الحاشية ، بحث في السياسة معنون بـ" مطلب في الكلام على السياسة " : 4/15-17.
    (6)ينظر فوق ما سبق : رسائل ابن نجيم : 117 .
    (7)التاج والإكليل لمختصر خليل [ بحاشية مواهب الجليل ] : 8/225 .
    (Coolنقله عنه صاحب : مواهب الجليل لشرح مختصر خليل : 4/347
    (9)شرح الزرقاني على مختصر خليل ، لعبد الباقي الزرقاني : 4/110 . وعدَّ بعض من أفتى به من المالكية ؛ وينظر : حاشية الدسوقي على الشرح الكبير ، لمحمد عرفة الدسوقي : 4/350 .
    (10)ينظـر : الذخيـرة ، للقرافي :10/42 وما بعدها ؛ وتبصرة الحكام ؛ فقد عقد مؤلفه ابن فرحون المالكي ، القسم الثالث من الكتاب : " في القضاء بالسياسة الشرعية "، و ذكر فيه كثيـراً مـن الأمثلة ، من شتَّى أبواب الفقه : 2/ 137-366 .
    (11)إعلام الموقعين : 4/458 .

    يتبع
    ادهم الشرقاوى
    ادهم الشرقاوى
    عضو ماسي
    عضو ماسي


    ذكر

    الموازنة بين السياسة الشرعية والسياسات الوضعية Empty رد: الموازنة بين السياسة الشرعية والسياسات الوضعية

    مُساهمة من طرف ادهم الشرقاوى الخميس سبتمبر 04, 2008 4:25 pm

    مجالات السياسة الشرعيةوتطبيقاتها (9) النوع الثالث : ما لم يرد فيه نص


    د. سعد بن مطر العتيبي | 22/4/1428


    المقالة الثامنة :
    النوع الثالث : ما لم يرد فيه نص جزئي خاص

    بعد الانتهاء من الحديث والتمثيل للنوعين الأول والثاني ، من المسائل الفقهية المندرجة تحت القسم الثاني من مجالات السياسة الشرعية في المسائل والأحكام - وهو الذي وكل تنفيذه إلى أولي الأمر ، ولا يفتات عليهم فيه – يأتي الحديث هنا عن النوع الثالث من هذه المسائل ، وبيانه في هذه الحلقة على النحو التالي :

    النـوع الثالث : أحكام وقائع أو إجراءاتٍ وأمور إدارية ، لم يوقف لها على دليل جزئيِ خاصِ ، من نصٍّ أو إجماع أو قياس .

    وتعالج أحكام هذا النوع من بالاستنباط الاجتهادي ، وذلك بإعمال طرق ( الاستدلال ) ولا سيما التي سبق ذكرها في المطلب الأول من المبحث الثاني وهي ما يعرف بـ ( الأدلة المختلف فيها ) أو ( الأدلة التبعية ) أو طرق استثمار النصوص ، أو ( الاستدلال ) وهو المصطلح المرتضى في هذه الدراسة وهي ما وُصِفت أيضا بأسس السياسة الشرعية .

    ومن أمثلة هذا النوع : من الأحكام والوقائع :

    - توظيف ولي الأمرِ الأموالَ ، على الأغنياء لدفع خطر طارئ على البلاد ، إذا لم تف خزينة الدولة مع ما يجب جبايته من الزكاة والصدقة وما يجب الحفاظ عليه من المال العام ، بما يُحتاج من مالٍ لدفع الخطر ، وهو مقيد بالشروط التي ذكرها الفقهاء رحمهم الله تعالى .

    ومنها : اتخاذ الإجراءات الرادعة ، التي تحول دون تساهل الناس في أحكام الشرع ، ومن ذلك إساءتهم لاستعمال ولاياتهم الشرعية الخاصة مثلا ، ومن أمثلته : الإجراء الذي اتخذه عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، بإمضاء طلاق الثلاث بلفظة واحدة كما لو كانت ثلاثا ، من غير تغيير للحكم الأصلي ، وهو وقوعه الثلاث طلقة واحدة . فهو إجراء تعزيري لا حكم شرعي أصلي ؛ وليس في هذا الإجراء الذي اتخذه عمر رضي الله عنه مخالفة للشرع كما قد يُظنّ ، وغاية ما فيه : أنّ عمر رضي الله عنه منع المطلق ثلاثا بلفظ واحد من مباح وهو مراجعة الزوجة ، ومن المتقرِّر في علم السياسة الشرعية أن لولي الأمر أن يمنع الناس من بعض المباحات إذا اقتضت ذلك المصلحة العامة ، ومن يتأمل عبارة عمر رضي الله عنه يجد فيها هذا المعنى ، فقد قال رضي الله عنه : ( إنَّ الناس قد استعجلوا في أمرٍ قد كانت لهم فيه أناة ، فلو أمضيناه عليهم ! فأمضاه عليهم ) رواه مسلم .
    فتأمل قوله : ( كانت لهم فيه أناة ) وقوله ( فلو أمضيناه ) .

    - ومنها : كل ما يدخل في باب الجرائم التي يستحق مرتكبها التعزير شرعا ، من حيث تنظيم تفصيلاتها وتنظيم تقدير عقوباتها بحد أعلى وآخر أدنى ، كالأنظمة التي تحدد عقوباتٍ لمرتكبي جريمة الرشوة أو جريمة تزوير في المحررات أو تزييف النقود ، أو اختلاس المال العام ، أو إساءة استعمال السلطة واستغلال النفوذ ، وغير ذلك من الجرائم التي تتعلق بالموظفين العموميين . شريطة أن يتولى تنظيم ذلك ألو الأمر المختصين الشرعيين وأهل الخبرة ، وأن يكون الحكم فيها للقضاء الشرعي ، وعلى هذا جرى العمل لدينا في المملكة العربية السعودية فيما يعرف لدى المختصين في الأنظمة بالجرائم المنظمة في المملكة العربية السعودية .

    - ومن أمثلتها أيضا : طلب ولي الأمر - أو من يقوم مقامه عند عدمه - من بعض الجنود أو الفدائيين ، تنفيذ عمليات عسكرية فدائية ، ولو تيقن الجنديُّ أو المجاهد المسلم فيها قتل نفسه تبعا لنكايته بالعدو بنية الجهاد ، لا قصداً للتخلص من الحياة ، ولهذا أدلته وشواهده في القرآن الكريم والسنة الصحيحة .
    وينبغي أن يُتفطن إلى أن المسألة أوسع من الصورة الحالية في العمليات الاستشهادية في فلسطين مثلا ، فلو نظّم ولي الأمر فرقا فدائية استشهادية ضمن فرق الجيش الإسلامي ، لكان لهذا وجهه من السياسة الشرعية ، وله شروط وقيود مهمّة ليس هذا محلّ التفصيل فيها ، وإنما قصدت التمثيل هنا ليس إلا .
    بل لولي الأمر حتى لو لم ير مشروعية العمليات الاستشهادية أن يدرب فرقة من الجيش على ذلك لحال الضرورة ، وسواء كان ذلك في قطاع البرية أو البحرية أو الجوية .
    ولولي الأمر أن يقصر ذلك على مسألة الردع بمثل هذا التقسيم إن لم ير مشروعية ذلك ، ويكون صنيعه هذا من باب السياسة الشرعية .

    - ومنه تصنيع الأسلحة الكيماوية ، وبناء المفاعلات النووية ، لغرض الردع ، والمعاملة بالمثل في حال الاعتداء على الدولة الإسلامية ؛ لا لغرض البدء بذلك .

    ومنـه : من الإجراءات والأمور الإدارية (1) :

    - إنشاء الدواوين (2) ؛ وتنظيم شؤون الموظفين ، وتنظيم إدارة الأعمال ، وتنظيم مرور السيارات ، وإجراءات التقاضي ، وعيكلة الأجهزة التنفيذية والقضائية ، وغير ذلك من النظم ، إذا كانت على وجه لا يخالف الشرع ولا يخرج عن قواعده ؛ فإنها حينئذ تكون من الأنظمة الوضعية المشروعة ، أي : التي ينظمها البشر ويسنونها ، مما هو داخل في السياسة الشرعية ؛ وتختلف أحكامها في المشروعية باختلاف حاجة الأمة إليها .

    - وكذلك ما يندرج في الإجراءات من وسائل تنفيذ العبادات ، من مثل تنظيم بناء المساجد ، و وضع شروط لتعيين الأئمة والمؤذنين ، وتنظيم دفع الحجيج في المشاعر (3) ، وتحديد أعداد الحجيج بنسب معينة ، بما يكون سبباً في تيسير الحج وتقليل المخاطر ؛ وغير ذلك من الإجراءات والتنظيمات التي تشرع لولي الأمر من طريق المصالح المرسلة ، و قاعدة : فتح الذرائع (4) ، وغيرها من المستندات الشرعية المعتبرة ؛ وهذه الأمور لا بأس باستفادتها من أي مصدر ، ولو من تجارب الأعداء من غير المسلمين .

    وقد تحدث فقهاء السياسة الشرعية عن أمثلة قد لا يخطر على بال بعض طلبة العلم فضلا عن غيرهم . ومما ذكروه في ذلك تحديد معايير للجودة ، وترتيبات لحماية المستهلك ، بتفاصيل تثير الدهشة .

    ومن يقرأ في كتب الحسبة بمختلف أنواعها ومسمياتها يجد من ذلك عجبا .

    وخلاصة القول : أنَّ كلّ ما صدر عن أولي الأمر ، من أحكام وإجراءات ، منوطة بالمصلحة ، فيما لم يرد بشأنه دليل خاص ، مُتَعَيِّنٌ - فهو داخل في مجالات السِّيَاسة الشَّرعيَّة ، كما مرَّ بيانه في تعريفها ؛ والله تعالى أعلم .

    --------------------
    (1)ينظر : جواب الغزالي على سؤال المصيصي . البحر المحيط ، للزركشي : 6/258-259 ؛ وأضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن ، للعلامة / محمد الأمين بن محمد المختار الجكني الشنقيطي (ت/1393) : 2/377 ، [ الكهف : 26] ، ط1-1417، عناية/صلاح الدين العلايلي ، دار إحياء التراث العربي : بيروت ؛ وتعليق /د. محمد الأشقر ، على : المستصفى ، للغزالي : 1/416 .
    (2)الدواوين : جمع ديوان ، وهو : اسم يطلق على الدفتر الذي يكتب فيه أسماء الجيش وأهل العطاء ، ثم أطلق على : الدفـاتر التي تستخدم في تسيير المصالح المختلفة في إدارة الدولة من الأموال ، والأعمال الإدارية والعسكرية ، وغيرها ، كما يطلق على الأماكن التي توجد بها هذه المصالح ، وموظفي الدولة . وقد اختلف في أصل الكلمة ، هل هي عربية أو معربة ؟ وصوَّب بعض العلماء القول بأنَّها عربية ؛ بأنَّها من دونت الكلمة : إذا ضبطتها وقيَّدتها ؛ لأنَّه موضع تضبط فيه أحوال الناس وتدوَّن .
    (3)ينظر : سن الأنظمة في الدولة الإسلامية ، د. يوسف الخضير : 403-405 .
    (4)ينظر : الحسبة في الإسلام : 32 ؛ وص : 148 .

    يتبع
    ادهم الشرقاوى
    ادهم الشرقاوى
    عضو ماسي
    عضو ماسي


    ذكر

    الموازنة بين السياسة الشرعية والسياسات الوضعية Empty رد: الموازنة بين السياسة الشرعية والسياسات الوضعية

    مُساهمة من طرف ادهم الشرقاوى الخميس سبتمبر 04, 2008 4:27 pm

    مجالات السياسة الشرعية وتطبيقاتها(Cool [تتمة الضرب الثالث وذكر مزيد من تطبيقاته العصرية]


    د. سعد بن مطر العتيبي | 5/4/1428


    المقالة السابعة :

    ومن أمثلة المسائل والوقائع التي تستثنى من أحكام نظائرها أيضاً : ما يفتي به بعض العلماء من منع المسلم من رعايا الدول الإسلامية من الزواج بالنساء الغربيات من أهل الكتاب ، إلا في حالات استثنائية ، مع أن الأصل جواز نكاح نساء أهل الكتاب ؛ وذلك لما يترتب على الزواج منهن اليوم من آثار لا تحمد عقباها على الزوج وذريته .

    ومنها : منع الأنظمة عندنا في المملكة العربية السعودية من زواج بعض أصحاب المناصب المهمة كأصحاب الوظائف العسكرية والأمنية ، بغير السعوديات ، مع أن الأصل حل زواج المسلمات من أي بلد وأي عرق ، ومع أن الأصل أيضا حل النساء المحصنات من أهل الكتاب من أي بلد وأي عرق .

    ومنها : تدخّل ولي الأمر في شؤون الأفراد في كل ظرف يغلب على الظنّ فوات مصلحة شرعية عامَّة بعدم التدخل فيه ، كمنع التدخل في أصل حق التملك ، في مسألة منع الاحتكار ، أو حق التصرف في السلعة بالبيع بالثمن المشروع في الأصل ، كما في الإلزام بالتسعير ، وهكذا التدخل بإجراءات توقف ضررا عاما في الناس .

    ولعلَّ منها : التدرج في تنفيذ ما يجب تنفيذه من تطبيقات الشريعة مما يعسر تطبيقه بجملته ، و ذلك في ضوء قول الله عز وجل : ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا ) [التغابن :16] . وقد مرّ ذكر حال النجاشي رحمه الله في ذلك وما استنبطه العلماء من قصته . ويلحق به كل مخلص من فرد أو جماعة ، قدر أن يعمل لهذا الدين بما يحقق مقاصده ولو بالتدرج ، دون تنازل عن الثوابت ، أو تهاون في الأصول ، أو عمل ما يعود على أصل تشريعي أو حكم شرعي بالبطلان .

    وأمثلة هذا الضرب كثيرة ، بل يمكن القول - والله تعالى أعلم - : إنَّ جلّ فروع أنواع الاستحسان بالاجتهاد ، مندرجة تحت هذا الضرب من المسائل ، وهو باب واسع خطير .

    ومن هنا نلحظ أن أهل العلم ولا سيما الأوائل منهم ، لم يكونوا يقرِّرون أحكاماً عامّة في هذا الباب ، لكنهم يفتون في كل مسألة وواقعة منه وفق الظرف والحال وما يحتف بذلك من مؤثِّرات في الحكم .

    وكذلك لم نجد العلماء الربانيين يأخذون من تلك الفتاوى والتصرفات الاستثنائية أحكاما نهائية عامّة ، فلم نر منهم من قال - مثلاً - إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد ألغى حدّ السرقة ! كما يزعم بعض تلاميذ المستشرقين وتلاميذ تلاميذهم في هذا العصر .

    وعليه فإنَّ كل مسألة من المسائل الممثل بها هنا ، لا يؤخذ منها جواز تطبيقها من كل أحدٍ وفي كل ظرف ، بل لا بد من الرجوع إلى أهل العلم ، والصدور عنهم في تقرير المشروعية من عدمها في كل مسألة مماثلة بعينها .

    وهذه الأمثلة تعود في طريقة استنباطها إلى أحد أسس السياسة الشرعية التي تستند إلى أسس أخرى ، فهي من مسائل ( الاستحسان ) ووجه الاستحسان فيها هو مستند المشروعية التي عدل بها عن نظائرها لكون وجه الاستثناء فيها أقوى من وجه إبقائها على حكم النظائر الأخرى .

    هذا ما ما ناسب ذكره في هذه الحلقة . وفي الحلقة القادمة سيكون الحديث إن شاء الله تعالى عن النوع الثالث ، وهو : أحكام وقائع أو إجراءاتٍ وأمور إدارية ، لم يوقف لها على دليل جزئيِ خاصِ ، من نصٍّ أو إجماع أو قياس .
    يتبع


    ادهم الشرقاوى
    ادهم الشرقاوى
    عضو ماسي
    عضو ماسي


    ذكر

    الموازنة بين السياسة الشرعية والسياسات الوضعية Empty رد: الموازنة بين السياسة الشرعية والسياسات الوضعية

    مُساهمة من طرف ادهم الشرقاوى الخميس سبتمبر 04, 2008 4:31 pm

    مجالات السياسة الشرعية وتطبيقاتها (6)[من صور الضرب الأول والثاني وتطبيقاتهما المعاصرة]


    د. سعد بن مطر العتيبي | 17/3/1428


    المقالة الرابعة :

    جاء في الحلقة الماضية إيراد تطبيق تقعيدي وصفي ، يمكن تنزيله على كثير من قضايا الواقع التي تندرج تحته في كل بلد من البلاد الإسلامية وغيرها .

    وفي هذه الحلقة نواصل الحديث – إن شاء الله تعالى - عن صور أخرى من صور الضرب الأول من النوع الثاني ، فمن تلك الصور أيضاً :

    - تغيُّر الحكم التطبيقي لتغيُّر العلَّة التي بُني عليها ؛ بالنظـر إلى تغير حال الناس أو تغير الحال في محل الحكم .

    (1) ومن أمثلته التي يذكرها أهل العلم : ما ورد من أمر عثمان رضي الله عنه بالتقاط ضوالّ الإبل لمصلحة أهلها ؛ مع أنَّ النَّصَّ جاء آمراً بتركها (2) ؛ لتغير المصلحة التي بني عليها المنع ؛ فالأمر بتركها في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان يحقق المصلحة منه ؛ لغلبة الصلاح في الناس حيث تترك ضالة الإبل حتى يجدها ربُّها .
    وأمّا في زمن عثمان رضي الله عنه فقد حصل تغيّر في حال الناس أورث خوفاً على أموال الرَّعيَّة من أن تمتدّ إليها يد الخيانة ؛ فرأى عثمان رضي الله عنه أن المصلحة حينئذ في الأمر بالتقاطها وتعريفها ، كسائر الأموال ، ثم تباع ، فإذا جاء صاحبها أعطي ثمنها ، إذ لم يعد الأمر بتركها يحقق المصلحة منه على الوجه الأصلح ؛ ولو عادت علَّة المنع من الالتقاط كما كانت في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم لعاد الأمر بالمنع من الالتقاط (3) .

    ومنها : وقف عمر رضي الله عنه لسهم المؤلفة قلوبهم لما نتفت علة التأليف في القوم الذين كانوا يؤلفون إلى بعض عهد الصديق رضي الله عنه .

    ومن أمثلته المعاصرة : مشروعية التقاط لقطة الحرم بغرض تسليمها مباشرة إلى الجهة المختصة بحفظ ما يلتقط من أموال الحجاج والمعتمرين والزوار ؛ لما يترتب على ذلك من تحقيق المقصد الشرعي بحفظ المال ، وإمكان إيصاله إلى صاحبه ، أو مراجعة صاحبه للجهة المختصة لتسلّم ماله المفقود منها ، ولا سيما مع غلبة الظن بفقدها لتركها عرضة للسرّاق وضعاف النفوس ممن يتصيدون غفلة الزائرين وانشغال الطائفين والعاكفين والركع السجود .

    ومنها : مسألة منع بيعِ واقتناءِ أطباق البث الفضائي ، ثم الإذن بها بضوابط تتعلق بالمشاهِد والمشاهَد ؛ وإنَّما منعها من منعها من أهل العلم الكبار في حينه ، لانحصار استعمالها في الشرّ في وقتٍ ، وغلبته فيما بعد ؛ ثم لمَّا ظهرت القنوات النافعة ، لم نجد الفتوى التي تأذن فحسب ، بل وجدنا الفتوى التي تحض على الاشتراك في القنوات الصادرة عن لجان شرعية ، كقناة المجد ، وقناة الناس في وضعها الحالي ، مثلاً، وهذا كلّه من حرص أهل العلم على فتح الذرائع المشروعة ، وتشجيع البَدَل المشروع ، ونشر الخير نشراً آمناً من الخلط والمزج بالشرّ ما أمكن ذلك .

    ومنها : مسألة تعليم المرأة في المملكة العربية السعودية تعليما نظامياً ، فلم يمنعه شرعاً أحد من العلماء المعتبرين - كما يزعم بعض النَّاس - وغاية ما في الأمر أنَّ الاختلاط - في بعض البلدان - بين الجنسين كان هو السِّمة العامة لتعليم النساء نظاميا في تلك الحقبة التي مُنِع فيها ، ولذلك استنكره - حينها - كثير من المواطنين حميَّة وغيرة من غير فتوى ؛ فلمَّا اتفق العلماء والولاة على ضمانات خلو التعليم من مفسدة الاختلاط وتوابعها ، مثل قلة الاحتشام وما يترتب عليه -لم يكتف العلماء بالسماح بتعليم المرأة ، بل قادوا هم مؤسستها الحكومية ، وأشرف عليها مفتي الديار ورئيس القضاة حينها الشيخ العلامة محمد بن إبراهيم رحمه الله .

    - ومن تلك الصور : تغيُّر الحكم التطبيقي المبني على العرف ؛ لتغير العرف الذي بني عليه الحكم الأول . ومن أمثلته : تعجيل المهر بعضه أو كله ، أو تأجيله ؛ بحسب العرف ، وما يترتب على ذلك لدى القضاة ، من اعتبار الزوجة ناشزاً أو غير ناشز إن هي امتنعت عن الدخول في طاعة الزوج (4) .

    الضرب الثاني : مسائل ثبت في كل واحدة منها أكثرُ من حكم ، بنص أو إجماع أو قياس ؛ بحيث يجتهد أولو الأمر في اختيار الأصلح (5) منها - شرعا - للواقعة المماثلة .

    ومن أمثلته : أحكام المهادنة التي مرّ ذكرها في التطبيق السابق ، وكذا الخيارات المصلحية في أحكام الأسرى .

    ومن أمثلته المعاصرة : فتوى شيخنا العلامة / عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - في الصلح مع اليهود ، فقد نال منه بها قومٌ ، ظنّاً منهم أنَّ الشيخ قد أخطأ ، مع أنَّ فتواه رحمه الله جاءت على الأصول الفقهية المعتبرة في مشروعية الصلح بمعنى ( الهدنة ) .
    والشيخ رحمه الله قد بيّن حرمة الصلح الدائم مع اليهود ، وأكَّده في الفتوى ذاتها ، وفي بيانه لمراده - رحمه الله - في فتاوى لاحقة (6) ، وهذا الفرق يدركه العلماء ورجال السياسة ؛ ولذلك نجد اللجان الشرعية في حركة حماس الإسلامية ، تبني موقفها الحالي من الامتناع عن الصلح على موقف الكيان الصهيوني من عدم الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني الذي هو جزء من الأمة المسلمة في أرضه كلها وماله ، وهو ما يفسِّر عدم جنوح قيادات الكيان الصهيوني للسلم ؛ بينما لو فعل ذلك ، فلن تجد حركة حماس ما يمنعها شرعا من الصلح ( الهدنة ) مع هذا الكيان .

    هذا ما ما ناسب ذكره في هذه الحلقة . وفي الحلقة القادمة سيكون الحديث إن شاء الله تعالى عن الضرب الثالث من هذا النوع ، وذلك الضرب هو : مسائل ورد بشأنها أحكام شرعية ، لكن احتف بها ما يقتضي عدم فعلها ، أو استثنائها من أحكام نظائرها . وهو من أهم مجالات السياسة الشرعية وأكثرها تطبيقا في واقعنا المعاصر ، ولذلك سأورد إن شاء الله تعالى في الحلقة القادة جملة مهمة من التطبيقات العصرية .
    والله الموفق .


    --------------------------
    (1) ينظر : الموطأ ، للإمام مالك : ك/الأقضية ، ب/ القضاء في الضوال ، ح (51) .
    (2) في قول النبي صلى الله عليه وسلم لما سأله أعرابيٌّ : كيف ترى في ضالة الإبل ؟ فقال : (( دعها فإن معها حذاءها و سقاءها ترد الماء وتأكل الشجر حتى يجدها ربها )) ، رواه البخاري : ك/ اللقطة ، ب/ ضالة الغنم ، ح(2428) ؛ ومسلم : ك/ اللقطة ، في أول أحاديثها ولم يوضع فيه تحت باب ، ح (1722) .
    (3) ينظر : رفع الحرج في الشريعة الإسلامية ، لشيخنا د. يعقوب الباحسين : 362 .
    (4) ينظر : السياسة الشرعية في الفقه الإسلامي ، لعبد الرحمن تاج : 82 ؛ و المدخل إلى السياسة الشرعية ، لعبد العال عطوه : 45 . ونشوز المرأة : عصيانها لزوجها ، وامتناعها عنه . ينظر : المصباح المنير ، للفيومي : (نشز) .
    (5)ينظر : إجابة الغزّالي على سؤال المصيصي في : البحر المحيط ، للزركشي :6/258-259 ؛ و خطبة ابن حبان لكتابه : المسند الصحيح على التقاسيم والأنواع ، وهي في : الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان ، لعلاء الدين الفارسي :55 ؛ وينظر : مقدمة أستاذنا د. فؤاد عبد المنعم لكتاب : السياسة الشرعية ، لإبراهيم بن يحيى خليفة المشهور بِدده أفندي : 66 ؛ ورفع الحرج في الشريعة الإسلامية ، لشيخنا د. يعقوب الباحسين :361 ؛ ونظرية الأخذ بما جرى به العمل في المغرب في إطار المذهب المالكي ، لعبد السلام العسري :213 .
    (6)ولعلّ من أسباب سوء فهم بعض طلبة العلم ، عدم إدراكهم للفرق بين مصطلح الصلح في الشريعة الإسلامية ، وفي القانون الدولي ، وبيانه : أنَّ المراد بـ ( الصلح ) بالمعنى القانوني الدولي ، هو : عقد اتفاق دائم بين الأطراف المتصالحة . بخلاف معنى الصلح في المصطلح الشرعي الذي يعد رديفا للهدنة في المصطلح الشرعي الفقهي الإسلامي وفي القانون الدولي . وقد بينت ذلك بتفصيل في الجواب على سؤال عن حكم التطبيع مع الكيان الصهيوني نشر في موقع المسلم من قبل ، وهذا رابطه :
    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]


    يتبع
    ادهم الشرقاوى
    ادهم الشرقاوى
    عضو ماسي
    عضو ماسي


    ذكر

    الموازنة بين السياسة الشرعية والسياسات الوضعية Empty رد: الموازنة بين السياسة الشرعية والسياسات الوضعية

    مُساهمة من طرف ادهم الشرقاوى الخميس سبتمبر 04, 2008 4:32 pm

    مجالات السياسة الشرعية وتطبيقاتها(5) [ تطبيق في فقه العلائق الدولية ]


    د. سعد بن مطر العتيبي | 28/2/1428


    المقالة الثانية :
    مجالات السِّيَاسة الشَّرعيَّة من حيث المسائل والأحكام
    (4)

    جاء في الحلقة الماضية إيراد تطبيق تقعيدي وصفي ، يمكن تنزيله على كثير من قضايا الواقع التي تندرج تحت مسائله في كل بلد من البلاد الإسلامية وغيرها ، وذلك ببيان
    فقه السياسة الشرعية المنبثق من أصل علاقة الدولة الإسلامية بغير المسلمين
    وأنَّ الأساس المقصدي الذي تقوم عليه حقيقة العلاقة بين الدولة الإسلامية وغيرها على أساس مقصدي ، وهو تبليغ رسالة الإسلام لغير المسلمين ( الدعـوة ) ، والتعامل معهم وفق ما تمليه الأحكام الإسلامية ، التي تراعي بخاصيتها ظروف متغيرات الزمان والمكان والحال ، وفق قواعد تفسيرية غاية في الدقة وهذه تتمة ذاك التطبيق (1):

    توقفنا في الحلقة الماضية عند الاحتمال الثالث من القسم الثاني المتعلق بالدول والكيانات التي ليس بينها وبين الدولة الإسلامية معاهدات ؛ إذ فيه أن هذه الدول لها أحوال ، وهي :

    إمَّا أن تعلن الحرب على الدولة الإسلامية ؛ وتم الحديث عنه .
    وإمَّا أن لا تعلن تلك الدول والكيانات الحرب على الدولة الإسلامية ؛ وهنا يراعى الفقه السياسي الشرعي بالنظر إلى الدولة الإسلامية ويضعها في أحوال قد توجد في زمن دون غيره أو مكان دون غيره :

    فإمَّا أن تكون الدولة الإسلامية في حال قوة وتمكّن ؛ وهنا تسلك الدولة الإسلامية والأمةُ الطرقَ السلمية أولاً ، للتأثير على هذا النظام وهذا الكيان - مع إشعاره بطريق ثالثة تُفرِض عليه إن لم يقبل الطرق السلمية - من خلال عرض الخيارين التاليين عليه ، وهما :

    1) التحول إلى المنهج الإسلامي عقيدة وشريعة ؛ ويتم بذلك الحصول على جميع مزايا النظام الإسلامي ، ومنها المزايا : السياسية ، والعسكرية ، والقضائية ، والاقتصادية .

    2) القَبول بالحكم الإسلامي ، والانضواء تحت رعاية الدولة الإسلامية ؛ مع بقاء من شاء من الرعايا على الديانة التي هم عليها أفرادا كانوا أو جماعات ؛ ويتم بذلك لهؤلاء الحصول على جميع مزايا النظام الإسلامي الخاصة بالرعايا غير المسلمين ، والتي سبق الإشارة إليها .

    فإن لم يقبل هذا الكيان بذلك ، فإنّ الدولة الإسلامية تسلك طريق فرض العدل المفقود والحرية المسلوبة ؛ للتأثير على هذا النظام من خلال خيار الدولة الإسلامية الثالث ، وهو :

    3) اللجوء إلى الجهاد المشروع من أجل نشر الحرية في اختيار توحيد الله أو ما يعرف في الفقه الإسلامي بـ ( جهاد الطلب ) أو ( جهاد الدعوة ) وغايته إتاحة الحرية الإنسانية ؛ لحماية حق الإنسان في اختيار أن يكون الله عز وجل هو إلهه ، فينضم باختياره إلى الأمة الإسلامية ، أو أن يبقى على دينه ، ويتخلص من الحكم الاستبدادي الظالم ، ويتمتع بالحكم الإسلامي العادل مقابل الضريبة الرمزية التي هي ( الجزية ) التي هي أقل من الزكاة التي يؤتيها المسلم .

    والجهاد الإسلامي يتميز عن غيره من أنواع القتال بأنَّه : يتصف بالمثالية الواقعية ؛ لما يشتمل عليه نظامه من ضمانات إنسانية راقية ؛ فلا عنصرية ولا عرقية ولا إبادة . وتمنح السياسةُ الشرعية الدولةَ الإسلامية مرونة في تسمية الجزية ، فيجوز أن تفرض باسم آخر كـ ( الضريبة ) في مقابل الزكاة . ويمكن أن يطلق عليها مسمى الزكاة لو اقتضت الحال ذلك ، وله أصل من عمل الخلفاء الراشدين ليس هذا محل تفصيله .
    ففي حال قـوة الدولـة الإسلامية قد تبدأ هي بالقتال ، ولا تقبل المسالمة ولا المهادنة ، حتى يُزال الكيان الظالم الجائر ، الذي يقف في وجه إبلاغ الرسالة ، ويمنع النّاس من التعرف عليها و اتباعها ؛ وفي هذا إعمال للآيات الواردة في ذلك ، والتي اتفق العلماء على الأخذ بها وتطبيقها عند تحقق ظروفها .
    ولكنّ هذا الخيار ليس حتماً في حال قوة الدولة الإسلامية ؛ فقد تكون المهادنة والمسالمة لفترة من الزمن تحقق مكاسب عظيمة تفوق مكاسب الحرب والقتال ؛ كما حدث في صلح الحديبية (2) ؛ ومن ثمَّ يشرع للقيادة الإسلامية مهادنة العدو حتى مع القوّة .
    وإمَّا أن تكون الدولة الإسلامية في حال ضعف ؛ وهنا يجب عليها سلوك الطرق السلمية الممكنة ، للدعوة إلى الله وإبلاغ الرسالة الخاتمة والدين الحق ؛ وسلوك جميع السبل السلمية الممكنة التي تسلكها الدولة الإسلامية في تقوية إيمان المسلمين في الداخل بشتى صور الدعوة وتهذيب السلوك وتقوية الإيمان وحمايته من أهل الباطل ، وفي الخارج بتقوية إيمان الأقليات الإسلامية ودعوتها للصراط المستقيم ، وإعانتها في تطبيق الإسلام على الوجه الصحيح ، وحل إشكالاتها الدعوية والفقهية ، والسعي في إقناع غير المسلمين من رعايا الدول المسلمة باعتناق الدين الحق ، كما هو الشأن في حال الدولة المعاهدة من خلال المشاريع الدعوية المباشرة أو الموجودة على أرض الواقع بجهود المسلمين فيها أو من خلال دعم الأقليات وحثها على نشر رسالة الإسلام التي تنتمي إليه ، ونحو ذلك مما هو واقع ومعمول به اليوم في صور كثيرة تحتاج مزيدا من الدعم والتواصل .
    وفي هذه الحال تقتضي المصلحة الشرعية - في الغالب - عقد معاهدة مع الدول والكيانات الأخرى التي ليس بينها وبينها عهد ؛ فيشرع لها حينئذ المسالمة والصلح - بالمعنى الشرعي الذي يعني الهدنة المؤقتة أو المطلقة ، وليس المعنى القانوني الذي يعني الصلح الدائم – لكف شرها أو تحييدها والانتفاع بما يمكن الانتفاع به من العلاقات ضمن هذا العهد ؛ وتكتفي في سياستها العسكرية بالرد على من يبدؤها بالقتال ، مع العمل على تقوية الجيش الإسلامي وإعداد المقاتلين في الأمة ، ونصر المستضعفين ونشر الدين بالوسائل المشروعة قدر المستطاع ، وهذا يعني أنّ جهاد الطلب ( نشر الحرية ) قد يتأخر مدّة الإعداد للقوة الطالبة ، ولكن جهاد الدفع ( ردّ الغزاة وطرد المحتل ) لا يسقط في هذه الحال ولا يؤخّر ؛ لأنَّه فرض عين ، ولا تصح معه المهادنة (3) .

    ومما يندرج تحت ذلك : حال الضرورة ، وذلك أنَّ الضرورة قد توجد مع قوة الدولة الإسلامية وظهورها على غيرها ؛ فقد تمر بضائقة مالية وحالة تزيد الحرب فيها الحال سوءا ، ومع توافر الجند وكثرة العتاد قد يحصل انشغال بحروب المصالح ، كمقاتلة مرتدين ، أو بغاة ، أو دفع كيد الطابور الخامس ، أو نحو ذلك مما لا يسمح بخروج الجند إلى ما وراء الثغور ، لتحقيق أهداف الدولة الإسلامية في نشر الحق والعدل ، وإزالة الكيانات التي تتبنى الظلم والجور ، وتقف في وجه الحرية والعدل ؛ فهنا قد تهادن الدولة الإسلامية تلك الكيانات ، بمال يدفع إليها وتتقوّى به ، أو بغير مال ، أو بمال تدفعه هي دفعاً لما هو أشدّ ضرورة وأعظم ضرراً ؛ كلّ ذلك حسب ما تقتضيه الضرورة الشرعية التي يجب أن يقرِّرها أولو الأمر من العلماء والولاة ؛ على النحو الذي يقرِّره الفقهاء في بيان مشروعية الهدنة ، وبيان مناط تلك المشروعية .
    وهكذا تبقى قاعدة : ارتكاب أدنى المفسدتين لتفويت كبراهما إذا لم يتيسر السلامة منهما جميعاً (4) ؛ وتحصيل أعلا المصلحتين ولو بتفويت الدنيا منهما إذا لم يتيسر تحصيلهما جميعاً (5) .

    وإذا قرأنا الأحكام الإسلامية في هذه المسألة قراءة متكاملة كما هي في أذهان الفقهاء الكبار ، فإنا سنجد تسبيبا كافيا في فهم ما قد يظنه بعض الناس تناقضا منهم . وذلك أنَّ أحكام الإسلام التطبيقية تتصف بخصائص عظيمة منها : الواقعية الشرعية . وفي هذا التقعيد الفقهي و التطبيق السياسي الشرعي الوصفي ، ما عليك إلا أن تنزّله على ما يوافقه مما تفوه به علماء الشريعة الربانيون المعاصرون من أحكام وفتاوى بشأنه ، لتظهر الخلفية السياسية الشرعية لتلك الأحكام والفتاوى في البلاد على اختلافها ، وهكذا كل ما تفرع عن هذه الأحكام من مسائل جليلة ودقيقة . ولا أظنك بحاجة إلى أن أعرض فتاوى علماء بعينهم الآن ، وإن رأيت ذلك فإني فاعل ذلك في حلقات قادمة إن شاء الله تعالى .

    وثمة تفاصيل تحت هذا التطبيق تتفرع عن مسائل مندرجة عنه أو عن مسائل من مجالات سياسية أخرى ، سيأتي الحديث عنها في حينه إن شاء الله تعالى .
    وفي الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى سيكون الحديث عن صور أخرى من صور الضرب الأول من النوع الثاني .




    ----------------------
    (1) تحسن قراءة الحلقة الماضية (21) ولو من بداية الحديث عن القسم الثاني .
    (2) ينظر : مسائل من فقه الكتاب والسنة ، لعمر الأشقر : 261،262 .
    (3) ينظر : المعيار المعرب ، للونشريسي : 2/207 - 209 .
    (4) ينظر : المنثور في القواعد ، للزركشي :1/348 وما بعدها ؛ والأشباه والنظائر ، لابن نجيم : 98 .
    (5)ينظر : المنثور في القواعد ، للزركشي :1/345 ؛ وقواعد الأحكام في مصالح الأنام [ في عدة مواضع ، منها ] :96-97 ؛ ومجموع فتاوى ومقالات متنوعة ، للشيخ عبد العزيز بن باز : 5/293 . وقد بين هذه القاعدة وأكثر التمثيل لها العز ابن عبد السلام رحمه الله في : قواعد الأحكام .
    ادهم الشرقاوى
    ادهم الشرقاوى
    عضو ماسي
    عضو ماسي


    ذكر

    الموازنة بين السياسة الشرعية والسياسات الوضعية Empty رد: الموازنة بين السياسة الشرعية والسياسات الوضعية

    مُساهمة من طرف ادهم الشرقاوى الخميس سبتمبر 04, 2008 4:42 pm

    مجالات السياسة الشرعية وتطبيقاتها (2)


    د. سعد بن مطر العتيبي | 3/2/1428


    المقالة الثانية :
    مجالات السِّيَاسة الشَّرعيَّة من حيث المسائل والأحكام
    (1)
    مجالات السِّيَاسة الشَّرعيَّة من حيث مسائلها لا تخرج في إطارها العام عن الجوانب العملية التي تقبل التَّغَيّر لبنائها على مناط متغيِّر يتغيَّر الحكم الشرعي لمسألته تبعاً لتغيِّر المناط .
    وعليه ، فلا يدخل في مجالات إعمال السياسة الشرعية ما يُعرف بالثوابت في ذاتها ، التي منها ما يتعلق بالمكلفين من الأحكام العقدية ، كالإيمان بالله ووحدانيته والإيمان بالرسل صلوات الله وسلامه عليهم وتصديقهم ، والإيمان بالكتب والملائكة ، والإيمان باليوم الآخر ، وبالقدر خيره وشرِّه ، وتحريم الشرك ، وتحريم موالاة الكفَّار ؛ فهذه وأمثالها ثوابت في الدِّين لا يمكن أن تتغير ، وكذا " الأحكام الشرعية التي تتضمن قواعد هذا الدِّين وأسسه ، والأحكام المعلومة من الدين بالضرورة ، والأحكام التي تحث على الأخلاق والفضائل ، بل وجميع الأحكام الشرعية العملية التي لم تُبن على العرف أو المصلحة أو التي لم تُناط بعلة أو التي لم تصحبها ضرورة ؛ فإنَّها ثابتة ولا يصح جعلها محلّ نظر وتغيير "
    (2) .

    و الجوانب العملية في الشرعيات ليست على إطلاقها ، بل هي من الأمور المتشعِّبة المتشابكة التي تتطلب استقراءً لمسائلها ليصدق ضبطها ضبطا دقيقا يقرِّب فقه السياسة الشرعية فيها لطالب العالم تقريباً يعينه في تطبيقها ؛ وإنما هذه خطوط عريضة في بيان مجالات السياسة الشرعية من حيث المسائل والأحكام ، مع شيءٍ من ضبط هذه المجالات ؛ فيُقال :
    المسائل الفقهية من حيث دخولها تحت السياسة الشرعية بمدلولها الخاص ، وعدمه ، تنقسم إلى قسمين :
    القسم الأول : ما لا يختص به أولو الأمـر ، وليس داخلاً في تدبيرهم بالولاية .
    ومجال هذا القسم : الأحكام التي أنيطت وربطت بأسبابٍ متى وُجِدَت وُجِدَت هذه الأحكام ، دون تعلق بالولاية ، فهذا القسم ليس مختصّاً بأولي الأمر ؛ إذ إنَّه يتبع سببه الشرعي (3) ، فمتى وُجِدَ السبب وُجِدَ الحكم ، كإقام الصلاة ، وإيتاء ما يجب في الأموال من زكاة . ويتجلَّى هذا الأصل في عامَّة المسائل التي توصف بالثوابت كالعبادات ، وأصول الأخلاق والآداب الشرعيَّة وما في معناها .
    وهذا القسم ليس داخلا في السياسة الشرعية بمدلولها الخاص ، التي هي من تدبير أولي الأمر وتصرفاتهم المنوطة بالمصلحة الشرعية .
    تنبيه :
    لا يدخل في هذا القسم ما يتعلق بإطلاق ولي الأمر الشرعي ( قاضيا شرعيا أو مفتياً خبيرا ) وصفاً عقدياً يترتب عليه أحكام عملية للموصوف به في ذاته أو في علاقته بغيره أو علاقة غيره به ، فقد يوجد فيها جوانب عملية تتطلب حكماً شرعياً سياسياً ، ومنها ما يعرف اليوم بأسس التعايش السلمي في المجتمعات وكذلك ما يناقضه ، ولعله يتضح بالمثال في حينه إن شاء الله تعالى ، وإنما أشرت إليه هنا لأهمية استحضاره .

    القسم الثاني : ما كان موكولاً إلى تدبيـر أولي الأمـر .
    ويتجلَّى هذا القسم في المسائل التي تتوفر فيها الأسباب والأوصاف التالية ، أو بعضها (4) :

    1) أن تكون هذه المسائل مما يحتاج إلى نظر وتحرير ، وبَذْل جُهدٍ من عالم بصير ، حَكمٍ عَدْلٍ ، في تحقيق أسبابها ، ومقدار مسبَّباتها ؛ كالتعزيرات ؛ فإنَّها تفتقر إلى تحرير في مقدار الجناية وحال المجني عليه ، حتى تقع المؤاخذةُ على وفق ذلك من غير حيف ؛ وهكذا جميع ما وُكِلَ تقديره إلى اجتهاد الأئمة والحكَّام ، ومن في حكمهم .
    2) أن تكون مما يفضي تفويضه لجميع الناس إلى الفتن و الشحناء ، والقتل والقتال ، وفساد النفس والمال ؛ كإقامة الحدود ، فمع " أنَّها منضبطة في أنفسها ، لا تفتقر إلى تحرير مقاديرها ، غير أنَّها لو فُوِّضت لجميع الناس ، فبادر العامة لجلد الزناة ، وقطع العُداة بالسرقة وغيرها ، اشتدَّت الحَمِيَّات ، وثارت الأَنَفَات ، وغَضِبَ ذوو المُروءات ، فانتشرت الفِتَنُ ، وعَظُمت الإحَنُ ؛ فحسم الشرعُ هذه المادَّة وفَوَّض هذه الأُمورَ لولاةِ الأمور ، فأذعن الناس لهم ، وأجابوا طوعاً وكرهاً ، واندفعت تلك المفاسدُ العظيمة " (5) ، وجباية الجزية ، وأخذ الخراج من أرض العنوة وغيرها (6) .


    3) أن تكون مما قَوِيَ الخلاف فيه مع تعارض حقوق الله تعالى وحقوق الخلق ؛ أو تقاربت فيه المدارك ، وكان النِّزاع فيه في أمر دنيوي ؛ كالأملاك و الرهون والعقود وغيرها ؛ فهذا مِمَّا يَفْتَقِرُ إلى حُكْمِ الحَاكِم - و إنشاء حكم من هذا القبيل ليس لكل من ولي ولاية ؛ قال العلامة القرافي : " لا خلاف بين العلماء أنَّ ذلك ليس لكلّ أحد ، بل إنَّما يكون ذلك لمن حصل له سبب خاص ، وهو ولاية خاصَّة ، ليس كل الولاية تفيد ذلك " ؛ ثم سرد رتب الولايات وبيَّن أحكامها ، وأنَّ من رتب الولايات التي يدخل فيها هذا النوع من الأحكام : الإمامة الكبرى ، وولاية القضاء - (7)؛ فإذا حكم فيها حُكماً مما يقبله ذلك المحلُّ تعين فيه ؛ فلم يُنقض ، ولزم الإذعان إليه (Cool؛ لمصلحة الحكم ؛ " لأنَّ الأحكام لو نُقِضت بالاجتهاد لَمَا استقرَّ حكم ؛ لأنَّ القضاة لو نقضوا الحكم بالاجتهاد لأدَّى ذلك إلى أن ينقض كلُّ حاكم حكمَ من قبله ، ويفضي ذلك إلى تضرُّر المحكوم لـه ، والمحكوم عليه ؛ لأنَّه يُنْزَعُ الحق من أحدهما ، ويُعطى الآخر ، ثم يُنزع من الآخر و يُعطاه غريمه ، ويتسلسل ذلك إلى ما لا نهاية لـه ، ولا يخفى ما فيه من الفساد " (9) ؛ سواء كان ذلك بتغير اجتهاده أو بحكم حاكم آخر ؛ كما يلزم من ذلك اضطراب الأحكام و عدم وثوق الناس بحكم الحاكم ؛ فتفوت المصلحة التي نُصب الحاكم لأجلها ، ولا تُفصل الخصومات (10) .

    4) أن تكون مما يُشرع نقضه من تصرفات الولاة والحكَّام ، وهي المسائل التي صدرت عن حكم قضائيٍ مخالفٍ لما يوجِبُ نقضَه ، من نصٍّ أو إجماعٍ أو قياسٍ (11)؛ أو التي لم تصدر عن حكم قضائيٍ ، ويسوغ لغيرهم من الولاة والحكام النظر فيها ونقضها أو تغييرها ؛ للمصلحة الشرعية ، لا لمجرد التشهي والغرض ، ومن أمثلة ذلك (12) :
    - تولية النوَّاب في الأحكام ، و تأمير الأمراء على الجيوش والسرايا وغير ذلك من الولايات .
    - و الصرف من بيت المال وتقدير مقاديره في كل عطاء ، في الأرزاق للقضاة والعلماء وأئمة الصلاة ، وفي أجور موظفي الدولة عموماً .
    - وتقدير الخراج على الأرضين ، و ما يؤخذ من التجار الأجانب غير المسلمين .
    - واتخاذ الأحمية (13)، من الأراضي المشتركة بين عامة المسلمين .
    - وعقد الصلح بين المسلمين والكفار .
    فهذا كلُّه ؛ لمنْ تصرَّف به ولغيرِ مَنْ تَصَرف به أو قرَّره أو عقْده من الولاة أن يعيد النظر في السبب المقتضي لذلك هل يقتضيه فيبقيه ، أو لا فغيره أو ينقضه ويبطله . وهذا كله مقيد بقاعدة : (تصرف الولاة على الرعية منوط بالمصلحة ) ؛ " فإنَّ كـل من ولي ولاية الخلافة فما دونها إلى الوصية ، لا يحلّ له أن يتصرف ، إلا بجلـب مصلحة أو درء مفسدة " (14). فهذه الأسباب تكاد تكون ضوابط ، لما هو موكولٌ إلى تدبير الحكام و ولاة الأمور ؛ بل ذكر القرافي أنَّ ما اشتمل على أحد الأسباب الثلاثة الأولى ، أو اثنين منها ، صار مفتقراً للحاكم إجماعاً ؛ فإذا لم يوجد شيءٌ منها تَبِعَ حُكْمُ المسألة سَبَبَهُ الشرعي كالقسم الأول ، حَكَمَ به حاكم أو لا (15) .

    والمسائل الفقهية المندرجة تحت هذا القسم – الذي وُكِل تنفيذه إلى أولي الأمر - أنواع ، يأتي بيانها في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى .

    -------------------------
    (1) يحسن مراجعة حلقة مدلول السياسة الشرعية لاستحضار مدلولي السياسة الشرعية ، قبل الدخول في موضوع المجالات ليسهل على طالب العلم استجماع كلياته .
    (2)ينظر : وسطية الإسلام وواقعيته ، للأستاذ الدكتور حسين الترتوري :47 وما بعدها ، مكتبة دنديس : الخليل .
    (3)ينظر : الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام وتصرفات القاضي والإمام ، للقرافي :158 ؛ و أنوار البروق في أنواء الفروق ( الفروق ) ، له أيضاً :4/48 .
    (4)نصَّ على ضبط الأسباب والأوصاف الثلاثة الأولى وأفادها العلامة القرافي – رحمه الله – في جوابه على السؤال ( الثاني والثلاثون ) : ما ضابط ما يفتقر إلى حكم الحاكم ولا يكفي فيه وجود سببه الشرعي … ؛ فبيَّن أنَّ مُوجِب الافتقار إلى حكم الحاكم ثلاثة أسباب ، فبيَّنها بالأمثلة ، كعادته . ينظر : الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام : 151-161 . وينظر : تبصرة الحكام ، لابن فرحون : 1/109 وما بعدها .
    (5)الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام ، للقرافي :153 .
    (6)ينظر : المصدر السابق ؛ ومعين الحكام ، للطرابلسي : 41 .
    (7)المصدر السابق ، للقرافي : 162 و ما بعدها .
    (Coolينظر : المصدر السابق ، للقرافي : 157،80-81 ؛ والفروق ، له : 4/52 ؛ وإدرار الفـروق على أنواء الفروق ، لابن الشاط : 4/52 ، وهي حاشية على " الفروق " مطبوعة معه ؛ و المغني ، لابن قدامة [ مع الشرح الكبير ] : 4/511 ؛ و مختصر الفتاوى المصرية ، لأبي العباس ابن تيمية : 356 ؛ و فتاوى ابن الصلاح : 284- 289، تحقيق د. عبد المعطي أمين قلعجي ، دار الوعي : حلب ، ومطبعة الحضارة العربية : القاهرة .
    (9)قواعد الأحكام في مصالح الأنام ، لعز الدين ابن عبد السلام : 405 ، ط1-1413، تحقيق/ عبد الغني الدقر ، دار الطباع : دمشق . و ج2 ص 47 من طبعة دار القلم بتحقيق الشيخين : د. نزيه حماد ود. عثمان ضميرية ( وهي الطبعة الأكمل ، والله أعلم ) .
    (10)ينظر : الإحكام في أصول الأحكام ، للآمدي :4/203 ، تعليق الشيخ / عبد الرزاق عفيفي ، المكتب الإسلامي : دمشق ، بيروت ؛ وجمع الجوامع ، لتاج الدين السبكي [مع شرح المحلي بحاشية البناني] : 2/391 ، دار الفكر : بيروت ؛ والمختصر في أصول الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل ، لابن اللحام : 166 ؛ والمصادر السابقة .
    وعدم نقض الاجتهاد المستوفي لشروطه إذا اتصل به حكم حاكم ، من القواعد المقررة لدى العلماء في الجملة ، وإن اختلفوا في طريقة تأصيله ؛ وقد حكى الاتفاق على هذه القاعدة عدد من أهل العلم ، منهم الآمدي ، وتاج الدين ابن السبكي ، وابن اللحَّام ، في المصادر السابق ذكرها هنا . وواقع كتب الفقه وشروحها تشهد لذلك ، وإن وقع خلاف في بعض التفريعات .
    (11)ينظر : موجبات نقض الأحكام ، في المصادر السابقة .
    (12)ينظر تعداداً لكثيرٍ من هذه المسائل : الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام ، للقرافي :180-190 ؛ وتبصرة الحكام ، لابن فرحون : 102-109 ؛ ومعين الحكام ، للطرابلسي : 38-41 .
    (13)الأحمية : جمع حمى ، وهو الحريم ؛ لأنَّه يُحْمَى ، أي : يُحفظ . ينظر : طلبة الطلبة ، للنسفي : 103. وصفته في الأصل : أن يحمي إنسان أرضاً من الموات ، يمنع النَّاس رعي ما فيها من الكلأ ؛ ليختص بها دونهم . وكانت العرب في الجاهلية تعرف ذلك ؛ فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه لما فيه من التضييق على الناس ومنعهم من الانتفاع بشيء لهم فيه حق ، و جاءت الشريعة بضبط ذلك بضوابط ؛ فليس لأحد من الناس سوى أئمة المسلمين ، وليس لهم أن يحموا لأنفسهم شيئا ، ولكن لهم أن يحموا مواضع لترعى فيها خيل المجاهدين ، ونعم الجزية ، وإبل الصدقة ، وضوال الناس منها ، التي يقوم الإمام بحفظها لهم ، وماشية الضعيف من الناس ؛ على وجه لا يستضر به من سواه من الناس . وينظر : المغني مع الشرح الكبير : 6/185( ط دار الفكر) .
    (14)الذخيرة ، للقرافي :10/43 ، والقاعدة معروفة مشهورة .
    (15)ينظر : الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام ، للقرافي : 158.

    ادهم الشرقاوى
    ادهم الشرقاوى
    عضو ماسي
    عضو ماسي


    ذكر

    الموازنة بين السياسة الشرعية والسياسات الوضعية Empty رد: الموازنة بين السياسة الشرعية والسياسات الوضعية

    مُساهمة من طرف ادهم الشرقاوى الخميس سبتمبر 04, 2008 4:44 pm

    مجالات السياسة الشرعية وتطبيقاتها (4) [ تطبيق في فقه العلائق الدولية ]


    د. سعد بن مطر العتيبي | 20/2/1428


    المقالة الثانية :
    مجالات السِّيَاسة الشَّرعيَّة من حيث المسائل والأحكام
    (3)

    ذكرت في الحلقة الماضية المسائلَ الفقهية المندرجة تحت القسم الذي وُكِل تنفيذُه إلى أولي الأمر من الأمراء والحكام العلماء أو العلماء إن خلا الزمان عن حاكم مسلم ( الفراغ السياسي ) ، وتم الحديث عن النوع الأول منه ، وعن النوع الثاني والضرب الأول منه ، ثم عن بعض صوره وكان آخرها الصورة التي : تتغير فيها الحال التي قُيِّد الحكم بها . وأن منها : الإذن بقتال الكفَّار في العهد المدني ، دون العهد المكي على اختلاف أحواله ، وهكذا الأحكام التي جاء تشريعها على مراحل اقتضاها اختلافُ الأحوال ، لا وجودُ ناسخ ومنسوخ بينها ، فهي من هذا القبيل .

    وقد وعدت في الحلقة الماضية بإيراد تطبيق تقعيدي وصفي ، يمكن تنزيله على كثير من قضايا الواقع التي تندرج تحته في كل بلد من البلاد الإسلامية وغيرها ، وذلك في قضية يعد الخطأ في فهمها من أخطر قضايا العصر على أهل الإسلام ، وعرض ذلك بلغة عصرية تُقرٍِّب المراد ، ولا سيما أنّ بعض مسائل هذا الضرب صارت محل غواية وفتنة بين فئات من المسلمين مع ما شغّب بسوء فهمه منها أعداء الدين .

    بيان فقه السياسة الشرعية المنبثق من أصل علاقة الدولة الإسلامية بغير المسلمين

    تقوم حقيقة العلاقة بين الدولة الإسلامية بغير المسلمين على أساس مقصدي ، هو تبليغهم رسالة الإسلام ( الدعـوة ) ، والتعامل معهم وفق ما تمليه الأحكام الإسلامية ، التي تراعي بخاصيتها ظروف متغيرات الزمان والمكان والحال ، وفق قواعد تفسيرية غاية في الدقة ، سبق المرور على أصولها في بيان أسس السياسة الشرعية ؛ ولعلَّ فهم هذه الحقيقة يفسِّر بعض مظاهر الشذوذ الفكري في تصرفات بعض المسلمين ، ولا سيما ممن ليس لديهم فهم كاف لذلك ، سواء من ناحية التنظير أو التطبيق .

    وتعامل الدولة الإسلامية مع غيرها - من الدول والكيانات - وفق ما تمليه الأحكام الإسلامية ؛ يختلف باختلاف موقفها من الدعوة الإسلامية ؛ فهو لا يخلو من أحوال يمكن إجمال القول فيها فيما يلي :

    الحال الأولى : أن تقتنع تلك الدول والكيانات بالدعوة الإسلامية ، وتتحول إلى الإسلام ؛ وحينئذ فتعامل معاملة بقية المسلمين تماماً ؛ دون أي اعتبار للعرق أو اللون أو حتى المواقف السابقة من الدعوة الإسلامية . وهذا ما يحصل في زمن الفتوحات كما جرى في العهد النبوي وعهد الخلافة الراشدة وما تلاها في عدد من الأقطار كفتوحات الدولة الإسلامية في الأندلس ثم ما جرى بعد ذلك من فتوحات الدولة الإسلامية العثمانية .

    الحال الثانية : أن تبقى تلك الدول والكيانات على ما كانت عليه ؛ و تقبل العيش في ظل الحكم الإسلامي ، والانضمام إلى الدولة الإسلامية ؛ وهنا تتمتع رعاياها بحقوق رعايا الدولة الإسلاميـة من غير المسلمين ؛ من الحمايـة الإسلامية والحرية الدينية الأصلية ، مقابل دفع الجزية ، ممن يلزمه دفعها وهو القادر على العمل والكسب من الذكور (1) .

    أمَّا غير البالغين ، والنساء ، وكذا غير القادرين على العمل والكسب ؛ كالعجزة والمقعدين ، أو غير المتفرغين لذلك لانقطاعهم في الكنائس و المعابد ، كالرهبان ؛ فهؤلاء يتمتعون بالعيش في ظل الحكم الإسلامي دون أي مقابل ، كما يُفيدون وينتفعون من المرافق والمصالح العامة في الدولة ؛ بل إذا احتاج أحد من هؤلاء للمعونة وجب على الدولة الإسلامية تقديم المعونة له ؛ حتى الذي كان يدفع الضرائب إذا عجز عن دفعها لعجزه عن العمل ، تتوقف الدولة الإسلامية عن مطالبته بالضريبة .

    الحال الثالثة : أن تبقى تلك الدول والكيانات على ما كانت عليه ؛ ولا تقبل العيش في ظل الحكم الإسلامي ، وهي على أضرب :

    الضرب الأول : أن تكون تلك الدولة أو ذلك الكيان قوياً ؛ فهذا لا يُعطى حكماً تطبيقياً واحداً ؛ وإنَّما يختلف التعامل معه باختلاف ظروف الزمان والمكان والحال ؛ وحينئذ فهو على أقسام :

    القسم الأول : الدول والكيانات التي يكون بينها وبين الدولة الإسلامية معاهدات ؛ فهذه يجب التعامل معها وفق ما تم الاتفاق عليه في بنود تلك المعاهدات ؛ والوفاء بذلك وفاء تاماً ، فإنَّ من يخل به - من فرد أو دولة - متوعدٌ في الإسلام ، بالإثم الأخروي والعقوبة الشديدة .

    وحينئذٍ ، يجب على المسلمين دولاً ومنظمات وأفراداً الاستمرارُ في أداء رسالة الدولة الإسلامية في الدعوة ، بسلوك الطرق السلمية الممكنة ، للدعوة إلى الله في تلك الدول والكيانات ؛ وسلوك جميع السبل السلمية التي تسلكها الدولة الإسلامية في تقوية إيمان المسلمين في الداخل والخارج ، وإقناع غير المسلمين من رعاياها بالإسلام ؛ والإفادة من جميع القوانين المعمول بها في تلك الدولة أو الكيان المعاهَد في ذلك ، ودعم الجمعيات والمنظمات والأحزاب التي تقدم خدمات للجالياتِ الإسلامية ، وتتعاطف مع قضايا المسلمين . ولا يجوز سلوك طرق حربية عسكرية في ذلك .

    وهذا ينطبق على كثير من الدول المعاصرة التي بينها وبين أهل الإسلام معاهدات ، وخاصة تلك الدول التي تجد الجاليةُ الإسلامية فيها قدراً من الحريَّة التي تُمكِّنها من التزام دينها والدعوة إليه تحت سقف مقبول من الحرية في ذلك (2) .


    القسم الثاني : الدول والكيانات التي ليس بينها وبين الدولة الإسلامية معاهدات ؛ وهذه لا تخلو :

    إمَّا أن تعلن الحرب على الدولة الإسلامية ؛ وحينئذٍ فيجب على الدولة الإسلامية ، وعلى المسلمين ردّ الاعتداء ودفع العدوان ، واسترداد ما قد يؤخذ من الحقوق وما قد يحتل من الأراضي ؛ وهذا الوجوب على نوعين : وجوب عيني على الدولة التي اعتدي عليها مباشرة ، ووجوب كفائي على بقية المسلمين ( الأمّة ) .

    وهذا كحال الصهاينة المحتلين في فلسطين والأمريكان المحتلين في العراق . وهو ما يفسِّر لنا فتاوى العلماء الربانيين في مشروعية وفرضية الجهاد فيها .

    ومن السياسة الشرعية توقف الوجوب على فئة من المسلمين دون فئة ، إن اقتضته المصلحة الشرعية ، سواء كان بقصد جلب نفع يشرع جلبه أو دفع ضرر يجب دفعه (3) .

    وإمَّا أن لا تعلن تلك الدول والكيانات الحرب على الدولة الإسلامية ؛ لكنها تمنع انتشار الدعوة الإسلامية ، وتحجبها عن الشعب ، وتمنع رعاياها من الدخول في الدين الإسلامي ؛ وبهذا السلوك وهذه السياسة ، يعدّ نظام هذه الدولة نظاماً استبدادياً ؛ يعارض حقوق الإنسان ؛ فيسلب الإنسان حقه في حريته الدينية ، و من ذلك حقّه في اختيار الإسلام ؛ كالشأن في الدول التي أرسل النبي صلى الله عليه وسلم سراياه ورسله لدعوتهم فوقفوا من الدعوة موقف العداء ، فنتج عن سلوك السياسة الشرعية معهم ما عُرِف فيما بعد بالفتوحات الإسلامية .

    ومنه في الزمن المعاصر ما كان يُعرف بالاتحاد السوفييتي سابقا ، وبعض الجمهوريات التي ورثته ، وكالحال في كوبا وغيرها من البلدان الاستبدادية ، وهنا يراعى الفقه السياسي الشرعي بالنظر في حال الدولة الإسلامية وإمكاناتها ، وما تكون فيه من حال قد توجد في زمن دون غيره أو مكان دون غيره ؛ وهذا ما سيأتي تفصيله في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى .

    -------------------------
    (1) فيطالب بإعطاء ( الجزية ) ، التي هي أشبه بالضرائب الرمزية ، وهذا مما يدفعه للعمل ، ومن ثم يساهم في الحد من البطالة ، فلا يبقى عاطلاً عن العمل مع قدرته عليه ؛ ويتمتع حينئذ بالحماية الإسلامية ، والإفادة من المرافق والمصالح العامة .
    (2) وتحت هذا القسم كثير من قضايا السياسة الشرعية التي سيأتي التمثيل ببعضها فيما بعد إن شاء الله تعالى ، ومنها ما يتعلق بالدولة الإسلامية أو برعاياها أو بالجاليات الإسلامية في تلك البلاد .
    (3) ومنه منع العلماء في المملكة العربية السعودية و العراق ، ذهابَ الشباب الراغب في الجهاد من المملكة إلى العراق ، مع أن الجهاد فيه جهاد مشروع ؛ وذلك لما يترتب على ذهاب بعض الأفراد من ضرر كبير يغلب على الظن وقوعه ، في حال السماح بذهاب الشباب للعراق قصد الجهاد ؛ ويتمثل ذلك في مخاطر كثيرة ، منها ما يعود إلى بلاد الإسلام المستقلة : كإيجاد مسوغ لقوى الظلم والطغيان في العراق للاعتداء على البلاد والعباد والمقدسات ، و وضع قلب العالم الإسلامي مأرز الإسلام في دائرة المخاطر التي لا تقارن بمخاطر عدم ذهاب بعض المتطوعين ؛ ومنها ما يعود للمجاهدين في العراق بوصفهم بأوصافٍ تخدِم المحتل ، مع عدم حاجتهم إليها ، والكلام في بيان المفاسد التي تترتب أو يغلب على الظن ترتبها ، يطول .

    يتبع
    ادهم الشرقاوى
    ادهم الشرقاوى
    عضو ماسي
    عضو ماسي


    ذكر

    الموازنة بين السياسة الشرعية والسياسات الوضعية Empty رد: الموازنة بين السياسة الشرعية والسياسات الوضعية

    مُساهمة من طرف ادهم الشرقاوى الخميس سبتمبر 04, 2008 4:45 pm

    مجالات السياسة الشرعية وتطبيقاتها(1)


    د. سعد بن مطر العتيبي | 19/1/1428


    بعد أن انتهى الحديث عن محور مدلول السياسة الشرعية ، ثم محور أسسها ( وهو محور اكتفيت فيه بما أراه أهم من غيره ) - يبدأ الحديث الآن عن المحور الثالث ، وهو : مجالات السياسة الشرعية وتطبيقاتها ، وهو الجانب التطبيقي في الموضوع :

    وسيكون – إن شاء الله تعالى - في مقالات :

    المقالة الأولى : مجالات السِّيَاسة الشَّرعيَّة من حيث الموضوعات

    (1) لا يكاد يخرج عن مجالات السِّيَاسة الشَّرعيَّة ، من حيث موضوعاتها فرع من فروع القانون المعاصر ، وأوجز بيان مجال السياسة الشرعية من حيث الموضوعات فيما يلي :

    المجال الأول :
    الولاية العامّة وما يتفرع عنها من شؤون الحكم ، وإدارته ، وإجراءات تطبيقه ، وآليات تنفيذه ، ومن مصطلحاتها العصرية عند أهل الإسلام : ( نظام الحكم في الإسلام ) ، و ( النظام الإداري الإسلامي ) وهو فن مستقل عن سابقه .

    وهو يشمل موضوعات ما يعرف في القانون المعاصر بـ ( القانون الدستوري ) وما يعرف بـ(القانون الإداري) - وهو مستقل عن سابقه في الحقيقة والتصنيف القانوني الوضعي - ؛ إضافة إلى ما يعرف بعلم السياسية وعلم الإدارة .

    المجال الثاني :
    الشؤون المالية في الدولة ، وما يشرع لولي الأمر سلوكه في إدارة بيت المال ، موارده ومصارفه ، وما يتعلق بذلك من إجراءات تنظيم بيت المال ، وطرائق جباية الأموال إليه وصرفها منه وآليات تنفيذ أحكامها ، ونحو ذلك ، ومن مصطلحاتها العصرية عند أهل الإسلام : ( النظام المالي في الإسلام ) .
    وهو يشمل موضوعات ما يعرف في القانون المعاصر بـ ( القانون المالي ) .

    المجال الثالث :
    الشؤون المالية العامّة ، من حيث تنظيم التداول ، والاستثمار ، وقيم النقود وسبل رفعها والمحافظة عليها ، وما تقتضيه المصلحة الشرعية من تقييد الحاكم لبعض التعاملات المالية ، وما يُسْتَحْدث في ذلك من نظم مشروعة نافعة ؛ و من مصطلحاتها العصرية عند أهل الإسلام : ( السياسة الاقتصادية في الإسلام ) ، و( المعاملات المالية العاصرة ) .
    وهو يشمل موضوعات ما يعرف في القانون المعاصر بـ ( القانون التجاري ) .

    المجال الرابع :
    الشؤون القضائية ، وما يتعلق بها من تنظيمات ، وطرائق إثبات ، ونحوها ؛ ومن مصطلحاتها العصرية : ( السياسة القضائية في الإسلام ) و ( علم القضاء ) وفروعها .
    وهو يشمل موضوعات ما يعرف في القانون المعاصر بـ ( قانون المرافعات ) وما يعرف بقوانين الإجراءات .

    المجال الخامس :
    الشؤون الجنائية والجزائية ، من حيث تنظيم إجراءات تنفيذ ما يثبت من أحكام مقدَّرة شرعاً أو تقدير جزاءات شرعية ملائمة لما يرتكب من جرائم تقتضي التعزير شرعاً ؛ ومن مصطلحاتها العصرية : ( النظام الجنائي في الإسلام ) ، و ( التشريع الجنائي الإسلامي ) .
    وهو يشمل موضوعات ما يعرف في القانون المعاصر بـ ( القانون الجنائي ) .

    المجال السادس :
    الشؤون المتعلقة بالسِّيَر ( العلائق الدولية ) - من شؤون الأمن ، والسلم ، والحرب ؛ ومن مصطلحاتها العصرية : ( النظام الدولي في الإسلام ) ، و ( العلاقات الدولية في الإسلام ) ، ونحوها .
    وهو يشمل موضوعات ما يعرف في القانون المعاصر بـ ( القانون الدولي العام) ، و ( القانون الدولي الخاص ) .

    وهناك موضوعات أخرى وتفاصيل ، هي عند التأمُّل داخلة في بعض هذه الموضوعات ، وإن أُفردت عند البحث ؛ من مثل ما يُعرف بـ( الأحوال الشخصية ) ؛ إذ إنَّ ما يستند إلى السِّيَاسة الشَّرعيَّة منها راجع إلى الشؤون القضائية أو الشؤون الجنائية والجزائية ، أو مشترَك بينها . وكذلك ما يعرف بـ( النظام الإداري ) ؛ فإنَّه داخل في شؤون الحكم ، والشؤون المالية بفروعها . ولكني أردت تقريب الصورة للقاريء الكريم فذكرت بعضها فيما هو الأقرب إليه .

    يتبع
    ادهم الشرقاوى
    ادهم الشرقاوى
    عضو ماسي
    عضو ماسي


    ذكر

    الموازنة بين السياسة الشرعية والسياسات الوضعية Empty رد: الموازنة بين السياسة الشرعية والسياسات الوضعية

    مُساهمة من طرف ادهم الشرقاوى الخميس سبتمبر 04, 2008 4:46 pm

    أسس السياسة الشرعية (13) اتباع سنة الخلفاء الراشدين


    د. سعد بن مطر العتيبي | 13/1/1428


    طريق الاستدلال باتِّبَاعُ سُنَّة الخُلَفَاءْ الراشدين

    ومن أسس السياسة الشرعية اتِّباع سنة الخلفاء الراشدين فيها ، وهو طريق مهم من جهة اتباعهم في الجزئيات وفي طريقة النظر الفقهي المضبوط بحماية المقاصد الشرعية .

    والمراد بالخلفاء الراشدين : الخلفاء الأُول الأربعة : أبو بكر الصديق ، وعمر بن الخطاب ، وعثمان بن عفان ، وعلي بن أبي طالب ، رضي الله عنهم أجمعين .

    فهم المعنيّون عند جماهير العلماء في قول النبي صلى الله عليه وسلم : (( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي … )) " ؛ بل قد حكى الإجماع على ذلك ، ودلَّل عليه غير واحد من العلماء المحققين (1) .

    والمراد بسنَّة الخلفاء الراشدين : ما أفتى به وسنَّه الخلفاءُ الراشدون أو أحدُهم ؛ للأمَّة ، وجمعوا الناس عليه ، ولم يخالف نصّاً ، وإن لم يتقدم من النبي صلى الله عليه وسلم فيه شيءٌ . ذكره ابن القيم رحمه الله في معرض استدلاله للاحتجاج بأقوال الصحابة ، والخلفاء الأربعة هم صفوة الصفوة رضي الله عنهم أجمعين (2) ؛ وهذه المسألة أخص ؛ وهي من باب أولى .
    فهذا يُتَّبع الخلفاء فيه متى تحقق مناطه ، وإن خالف فيه بعض الصحابة باجتهاد ؛ فقد أقرَّ الصحابة بعضهم بعضاً في مسائل تنازعوا فيها ولم يعنف بعضهم بعضاً بها ، قال أبو العباس ابن تيمية رحمه الله : " وقد اتفق الصحابة في مسائل تنازعوا فيها ، على إقرار كل فريق للفريق الآخر على العمل باجتهادهم ؛ كمسائل في العبادات ، و المناكح ، والمواريث والعطاء ، والسياسة وغير ذلك ... وهم الأئمة الذين ثبت النص أنهم لا يجتمعون على باطل ولا ضلالة ودل الكتاب والسنة على وجوب متابعتهم " (3) .
    أمَّا مَا سنَّه الخلفاء الراشدون ، ولم ينقل أنَّ أحداً من الصحابة خالفهم فيه ؛ فهذا من مسائل الإجماع . قال أبو العباس ابن تيمية : " والذي لا ريب فيه أنَّه حجة : ما كان من سنَّة الخلفاء الراشدين الذي سنُّوه للمسلمين ، ولم ينقل أنَّ أحداً من الصحابة خالفهم فيه ؛ فهذا لا ريب أنَّه حجَّة ؛ بل إجماع . وقد دلَّ عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم : (( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي … )) " (4) .

    ومما يحسن التنبيه إليه أنَّ عمل الخلفاء الراشدين يعدّ من مرجحات معاني المنقول عن النبي صلى الله عليه وسلم عند اختلاف الصحابة رضوان الله عليهم فيه (5) .


    -ويدل على حجيَّة الأخذ بسنَّة الخلفاء الراشدين أدلَّة ، منها :
    1) قول النبي صلى الله عليه وسلم : (( فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأمُورِ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ )) رواه أبو داود ، والترمذي ، وابن ماجه ، وغيرهم . و صححه جمع من أهل العلم ، منهم الترمذي ، والبزار ، والحاكم (6) .

    فإنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قرن سنة خلفائه الراشدين بسنته ، وأمر باتباعها كما أمر باتباع سنته ، وأنَّ سنتهم في طلب الاتباع كسنَّة النَّبي صلى الله عليه وسلم ، " وبالغ في الأمر بها حتى أمر بأنَّ يُعض عليها بالنواجذ ؛ وهذا يتناول ما أفتى به جميعهم ، أو أكثرهم ، أو بعضهم ؛ لأنَّه علّق ذلك بما سَنَّه الخلفاء الراشدون ، ومعلوم أنَّهم لم يسنُّوا ذلك وهم خلفاء في آن واحد ؛ فعلم أنَّ ما سنَّهُ كل واحد منهم في وقته فهو من سنَّة الخلفاء الراشدين " قاله ابن القيم رحمه الله (7) ؛ ولو خالفه غيره من الصحابة كان المصير إلى قوله أولى ،كما قال الخطابي رحمه الله (Cool .


    2) قول النبي صلى الله عليه وسلم : (( إِنِّي لا أَدْرِي مَا قَدْرُ بَقَائِي فِيكُمْ فَاقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي وَأَشَارَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ )) رواه الترمذي وابن ماجه ، وحسنه الترمذي ، وصححه ابن حبان والحاكم والذهبي وغيرهم . ففي هذا الحديث أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالاقتداء بأبي بكر وعمر – رضي الله عنهما - زيادة تأكيد على ما في سابقه من الأمر باتباع سنة الخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم .
    3) أنَّ رأيهم أقوى من رأي غيرهم ؛ لأنهم شاهدوا طريق الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في بيان أحكام الحوادث ، وشاهدوا الأحوال التي نزلت فيها النصوص ، والمحال التي تتغير باعتبارها الأحكام ؛ فبهذه الأحوال يترجّح رأيهم على رأي من لم يشاهدوا شيئاً من ذلك (9) ؛ وهم أعرف بالمقاصد ؛ فهم القدوة في فهم الشريعة وما يجري على مقاصدها (10) .

    هذه جملة مختصرة في بيان هذه الطريق ، التي هي من طرائق الاستدلال المهمَّة في مجال السياسة الشرعية ؛ وهي أخصّ من مسألة الأخذ بقول الصحابي التي كثر كلام الأصوليين فيها .
    بخلاف هذه المسألة ، مع تخصيص بعضهم لشواهدها ، من مثل حمل بعض الأصوليين تولية عثمان بن عفان رضي الله عنه بشرط اتباع سيرة الخلفاء الراشدين بقوله : " المراد متابعته في السيرة والسياسة ".
    وظاهر الأدلة أنَّ المراد أعم من ذلك كما سبق بيانه ، والله تعالى أعلم .

    --------------------------
    (1) ينظر : عارضة الأحوذي ، لأبي بكر ابن العربي : 10/146 ؛ وإجمال الإصابة في أقوال الصحابة ، للعلائي : 49 ؛ وشرح الطيبي :1/330 ؛ وجامع العلوم والحكم ، لابن رجب : 2/122 ؛ ومرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح ، لملا علي القاري : 1/109 ؛ و سنة الخلفاء الراشدين – بحث في المفهوم والحجية ، لزيد بو شعراء :98 ، جامعة محمد الخامس بالمغرب .
    (2) ينظر : إعلام الموقعين ، لابن القيم : 4/176 ؛ وجامع العلوم والحكم ، لابن رجب : 2/ 123- 126 ؛ و سنة الخلفاء الراشدين – بحث في المفهوم والحجية ، لزيد بو شعراء :98 ، وما بعدها .. وينظر : تحرير مسألة حجية قول الصحابي في كتب الأصول ، ومن أجمع ما كتب في ذلك كتاب : الصحابي وموقف العلماء من الاحتجاج بقوله ، لشيخنا / د. عبد الرحمن بن عبد الله الدرويش .
    (3) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية : 19/122-123 .
    (4) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية : 20/573-574 .
    (5) ينظر : سنة الخلفاء الراشدين – بحث في المفهوم والحجية ، لزيد بو شعراء :306 .
    (6) قال الحاكم : " وقد استقصيت في تصحيح هذا الحديث بعض الاستقصاء على ما أدى إليه اجتهادي … وقد صحّ هذا الحديث والحمد لله " (المستدرك :1/96-98) ؛ وينظر : جامع العلوم والحكم ، لابن رجب : 2/109 ؛ و إرواء الغليل ، للألباني : 8/107 .
    (7) إعلام الموقعين : 4/176 ؛ وينظر : الاعتصام ، للشاطبي :1/87-88 ؛ والموافقات ، له : 4/290-293،449 ؛ وإجمال الإصابة في أقوال الصحابـة ، للعلائي :49-50 ؛ وجامع العلوم والحكم ، لابـن رجب : 2/120-121 ؛ وكشف الأسرار ، للبخاري : 3/407 ، 414 .
    (Cool معالم السنن : 7/12 ، بحاشية مختصر سنن أبي دواد ، للمنذري ؛ وينظر : شرح السنـة ، للبغوي :1/207 ؛ وتهذيب سنن أبي داود ، لابن قيم الجوزية : 7/12، بحاشية مختصر سنن أبي داود للمنذري .
    (9) ينظر : أصول السرخسي : 2/108 .
    (10) ينظر : روضة الناظر ، لابن قدامة : 1/405 ؛ والموافقات ، للشاطبي : 4/132-133، 293، 409 ؛ وينظر لمزيد الفائدة : عصر الخلافة الراشدة ، لأكرم ضياء العمري :82-85 .


    ادهم الشرقاوى
    ادهم الشرقاوى
    عضو ماسي
    عضو ماسي


    ذكر

    الموازنة بين السياسة الشرعية والسياسات الوضعية Empty رد: الموازنة بين السياسة الشرعية والسياسات الوضعية

    مُساهمة من طرف ادهم الشرقاوى الخميس سبتمبر 04, 2008 4:48 pm

    أسس السياسة الشرعية (12) قاعدة : الأصل في المنافع الإباحة وفي المضار التحريم


    د. سعد بن مطر العتيبي | 26/12/1427


    قاعدة : الأصل في المنافع الإباحة ، وفي المضار التحريم .

    هذه القاعدة تجمع أصلين :

    الأول : الأصل في المنافع الإباحة .

    والمراد به : أنّ المنافع (1) التي لم يرد بشأنها دليل من الشارع ؛ فالقـاعدة في حكمها : الإباحة ؛ حتّى يثبت خلافها الذي هو المنع.

    قال إمام الحرمين الجويني : " فما لم يُعلَم فيه تحريم يجري على حكم الحِلِّ ؛ والسبب فيه أنَّه لا يثبت لله حكمٌ على المكلفين غير مستند إلى دليل ؛ فإذا انتفى دليل التحريم ثَمَّ ، استحال الحكم به " (2) .

    وقال : " من الأصول التي آل إليها مجامع الكلام أنَّه إذا لم يُسْتَيْقَن حجرٌ أو حظرٌ من الشارع في شيءٍ ؛ فلا يثبت فيه تحريم في خلو الزمان " (3) .

    وقال أبو العباس ابن تيمية : " وأمَّا العادات فهي ما اعتاده النَّاس في دنياهم مما يحتاجون إليه ؛ والأصل فيها عدم الحظر ؛ فلا يحظر منه إلا ما حظره الله سبحانه وتعالى … والعادات الأصل فيها العفو ؛ فلا يحظر منها إلا ما حرَّمه وإلا لدخلنا في قول الله تعالى : {قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا} … " (4) .

    حجية الاستدلال بهذا الأصل :

    استُدِلَّ لهذا الأصل بأدلة كثيرة ، منها :

    1- قول الله تعالى : { يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ } [ المائدة :4] قالوا : إذ ليس المراد بالطيب الحلال ، وإلا لزم التكرار ؛ فوجب تفسيره بما يستطاب طبعاً ، وذلك يقتضي حلّ المنافع بأسرها (5) .

    2- وقوله عز وجل : { هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } [سورة البقرة : 29] ؛ حيث إنَّ الله عز وجل ذكر ذلك في معرض الامتنان ، ولا يمتن إلا بالجائز ، واللام تقتضي الاختصاص بما فيه منفعة (6) .

    3- وقوله سبحانه : } قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [الأنعام : 145] ؛ حيث جعل الله عز وجل الأصل الإباحة ، والتحريمَ مستثنى منه (7) .
    وتأمل استدلال أبي العباس ابن تيمية رحمه الله بآية يونس في النقل عنه أعلاه ، فما ألطفه من استدلال !

    4- قول النبي صلى الله عليه وسلم : (( إِنَّ أَعْظَمَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمُسْلِمِينَ جُرْمًا مَنْ سَأَلَ عَنْ شَيْءٍ لَمْ يُحَرَّمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَحُرِّمَ عَلَيْهِمْ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ )) (Cool ؛ حيث ربط صلى الله عليه وسلم التحريم بالمسألة ، ومقتضاه أنَّه كان مباحاً قبل ذلك (9).

    5- قوله صلى الله عليه وسلم : (( مَا أَحَلَّ اللهُ في كِتَابِهِ فَهو حَلالٌ ، وَ مَا حَرَّمَ فهو حرَامٌ ، وَ ما سَكَتَ عنهُ فهو عَفْوٌ ، فَاقبَلُوا من اللهِ عافِيَتَه ، فَإنَّ اللهَ لم يكنْ لِيَنْسى شَيْئاً )) وتلى : } وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا } [مريم : 64] (10) ؛ إذ هو صريح في العفو عمَّا سُكِتَ عنه ، و المعفو عنه هو ما لا حرج في فعله ، وما لا حرج في فعله هو المباح ، وهو محمول على المنافع لا على غيرها ؛ لأنَّ المضار ورد بِشأنها ما يدلُّ على تحريمها مطلقاً ، كما سيأتي في الاستدلال للشطر الثاني من هذه الطريق (11) .

    والثاني : الأصل في المضارّ التحريم .

    وقد يعبر بـ( ـالمنع ) أو ( الحظر ) بدل ( التحريم ) .

    والمراد به : أنَّ ما لم يرد بشأنه دليل من الشارع من المضار فالقاعدة في حكمه ، التحريم (12) ؛ حتى يثبت خلافه .

    قال القرافي : " الأصل في المنافع : الإذن ، وفي المضار المنع ، بأدلة السمع " (13) .

    وقال الإسنوي : " وأمَّا بعد الشرع ؛ فمقتضى الأدلة الشرعية أن الأصل في المنافع الإباحة … وفي المضار – أي مؤلمات القلوب – هو التحريم " (14) .

    حجية الاستدلال بهذا الأصل :

    استُدِلَّ لهذا الأصل بأدلة كثيرة ، منها :

    1- جميـع الآيـات التي دلَّت على تحريـم الضـرر ومنعـه ؛ من مثل قـول الله تعالى : { لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ } [البقرة :233] ، وقوله سبحانه : {وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لَّتَعْتَدُواْ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ } [البقرة:231] ، وقوله تعالى : {وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ وَإِن تَفْعَلُواْ فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ} [البقرة :282] ، وقوله سبحانه : {مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَآ أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَآرٍّ } [النساء : 12] ، وقوله تعالى : {وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ } [الطلاق :6] ، وقوله تعالى : } وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا} [الأعراف : 56] ؛ فهي وإن كانت في قضايا جزئية إلا أنَّ استقراءها يدل على قصد الشارع تحريم كلَّ أنواع الضرر ، ويفيد ذلك أصلاً كلياً يُرجع إليه في كلِّ ما كان من هذا القبيل (15) .

    2- قول النبي صلى الله عليه وسلم : (( لا ضَرَرَ و لا ضِرَار )) (16) ؛ فإنَّه دالٌّ على نفي الضرر مطلقاً ؛ لأنَّه جاء نكرةً في سياق النفي ، والنَّكرة في سياق النفي تعم (17) ؛ قال الزرقاني : " فيه تحريم جميع أنواع الضرر إلا بدليل " (18) .

    وإلى الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى عن سنة الخلفاء الراشدين ، وهي ختام محور أسس السياسة الشرعية وأهم طرق استنباطها التي ينبغي بيانها وتقريبها لمن رام تمييز السياسة الشرعية عن غيرها من السياسات .

    ----------------------
    (1) وقد يعبر عنها بـ " العادات " ؛ لتكون في مقابل العبادات ، إذ الأصل فيها التوقيف .
    (2) غياث الأمم في التياث الظلم ، للجويني : 490 ، وينظر : 502 .
    (3) المصدر السابق : 509-510 .
    (4) القواعد النورانية الفقهية : 176 ، ط1-1416 ، طبعة دار الفتح : الشارقة .
    (5) إرشاد الفحول ، للشوكاني : 2/411 ؛ و رفع الحرج في الشريعة الإسلامية ، لشيخنا د. يعقوب الباحسين : 396
    (6) الإمام في بيان أدلّة الأحكام ، لابن عبد السلام : 86 ، 173 ؛ والمصدرين السابقين .
    (7) إرشاد الفحول ، للشوكاني : 2/411 .
    (Cool رواه البخاري : ك/ الاعتصـام بالكتـاب والسنَّة ، ب/ ما يُكره من كثرة السُّؤال ، ومن تكلُّف ما لا يعنيه وقولـه تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللّهُ عَنْهَا وَاللّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ } [المائدة :101] ، ح(7289) ؛ ورواه مسلم : ك/ الفضائل ، ب/ توقيره صلى الله عليه وسلم وترك إكثار السؤال عمَّا لا ضرورة إليه أو لا يتعلق به تكليف وما لا يقع ونحو ذلك ، ح(2358) واللفظ له .
    (9) إرشاد الفحول ، للشوكاني : 2/411-412 ؛ ورفـع الحـرج في الشريعـة الإسلامية ، لشيخنا د. يعقوب الباحسين : 399.
    (10) رواه البزار - كما في - كشف الأستار عن زوائد البزار ، لنور الدين الهيثمي : 1/78، ح(123) و 3/58 ، ح(2231) ، ط2-1404، ت/حبيب الرحمن الأعظمي ، مؤسسة الرسالة : بيروت – ؛ والحاكم : 2/375 ؛ والدار قطني في السنن [ مع التعليق المغني ] : 2/137، ط- فالكون ، حديث أكادمي : لاهور ؛ والبيهقي في السنن الكبرى : 10/12 ؛ وغيرهم .
    (11) ينظر : رفع الحرج في الشريعة الإسلامية ، د. يعقوب الباحسين : 398 ، وقد استَدَلَّ بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من أنَّه قال : (( الْحَلالُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ وَالْحَرَامُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ وَمَا سَكَـتَ عَنْهُ فَهُوَ مِمَّـا عَفَـا عَنْهُ )) وهـذا حديث فيه مقال ، ويغني عنه الحديث المذكور هنا بمعناه ؛ وينظر : العمل بالاحتياط في الفقه الإسلامي ، منيب بن محمود شاكر : 112 .
    (12) ينظر : إرشاد الفحول ، للشوكاني : 2/409 ؛ و المصدر السابق : 393-394 .
    (13) الذخيرة : 1/151 .
    (14) التمهيد في تخريج الفروع على الأصول : 487 .
    (15) ينظر : رفع الحرج في الشريعة الإسلامية ، د. يعقوب الباحسين : 406 .
    (16) رواه ابن ماجه : ك/ الأحكام ، ب/ من بنى في حقِّه ما يضرّ بجاره ، ح(2340) ؛ وغيره .
    درجته : صححه الحاكم ، ولم يتعقبه الذهبي (المستدرك : 2/58) ؛ وقال ابن الصلاح : " هذا الحديث أسنده الدار قطني من وجوه ، و مجموعها يقوِّي الحديث ويُحَسِّنه ، وقد تقبله جماهير أهل العلم واحتجوا به " . ذكره عنه ابن رجب ، في : جامع العلوم والحكم : 2/211 ؛ وقال النووي : " له طرق يقوي بعضها بعضا " . الأربعين النووية [مع جامع العلوم والحكم ] : 2/207 ؛ وقال العلائي : " للحديث شواهد ينتهي مجموعها إلى درجة الصحة أو الحسن المحتج به " . ذكره عنه المناوي ، في : فيض القدير :6/432 ، دار الفكر : بيروت ؛ وأكد ابن رجب قول النووي السابق (جامع العلوم والحكم :2/210) ؛ ومن المعاصرين قال الشيخ أحمد شاكر : " وخلاصة القول أنا نرى أنَّ حديث أبي سعيد ، حديث صحيح ، والروايات الأخرى شواهد له ، تقوي القول بصحته ، والله أعلم " . تحقيقه لكتاب : الخراج ، ليحيى بن آدم (ت/203) : 95 [ آخر الحاشية (3) من ص : 93] ، ط2، تحقيق وشرح وفهرسة / أحمد محمد شاكر ، مكتبة دار التراث : القاهرة ؛ وصححه الألباني في أكثر من موضع من كتبه ( إرواء الغليل : 3/408) ح(896) .
    (17) ينظر : التمهيد في تخريج الفروع على الأصول ، للإسنوي : 487 .
    (18) شرح الزرقاني على موطأ مالك : 4/32 .
    يتبع

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 07, 2024 11:49 am