تعد قضية المعتقلين العراقيين لدى قوات الاحتلال الامريكي والحكومة واحدة من أهم القضايا الخلافية بين القوى السياسية المشاركة في العملية السياسية من جهة ، فضلا عن إنها تشغل بال الكثير من العوائل العراقية ذات الصلة المباشرة بقضايا أبنائهم.
ومما زاد الأمر تعقيدا ، هو غلبة الجانب السياسي على الجانب القانوني في معالجة هذه القضية ، ونحن نعلم جيدا انه ما دخلت السياسية في قضية ما إلا وأربكتها وزادتها غموضا والتباسا.
وتهدف هذه المقالة الى شق طريق في ارض وعرة بهدف الوصول الى وضع رؤية متوازنة تأخذ في نظر الاعتبار التكييف القانوني والجدل السياسي الدائر بخصوص هذه القضية.
وابتداءً، " وعلى الرغم من التحفظ على ماجاء في ديباجة الدستور وكثير من بنوده"، الا انه يمكن القول ان الدستور العراقي في معالجته للحريات أعطى ضمانة واسعة لهذه المسالة ، فالمادة (2) الفقرة (ج) من الدستور تشير الى انه لا يجوز سن قانون يتعارض مع الحقوق والحريات الأساسية الواردة في الدستور، في حين خصص الباب الثاني منه الى معالجة الحقوق والحريات، وتضمن الفصل الأول منه قضايا الحقوق حيث نصت المادة (14) من الدستور الى ان العراقيين متساوون أمام القانون دون تميز، فيما أشارت المادة (15) بان لكل فرد حق الحياة والأمن والحرية، وبالتالي لا يجوز الحرمان من هذه الحقوق أو تقييدها إلا وفقا للقانون وبناء على قرار صادر من جهة قضائية مختصة.فيما أكدت المادة (17) على حرمة المساكن ، وانه لا يجوز تفتيشها أو التعرض لها إلا بقرار قضائي ووفقا للقانون.وفي مجال الاتهام بينت المادة (19) انه لا جريمة إلا بنص ولا عقوبة إلا على الفعل الذي يعده القانون وقت اقترافه جريمة.وان المتهم برئ حتى تثبت أدانته كما أنها كفلت حق المتهم بتوكيل محام في جميع مراحل التحقيق والمحاكمة .وأكدت نفس المادة على انه لا يجوز حبس او توقيف المتهمين في غير ألاماكن المخصصة لذلك وفقا لقوانين السجون المشمولة بالرعاية الصحية والاجتماعية والخاضعة لسلطة الدولة، وأشارت الى مسالة في غاية الأهمية بان أوراق التحقيق الابتدائي يجب ان تعرض على القاضي المختص بمدة لا تتجاوز أربعة وعشرين ساعة من حين القبض على المتهم ، ولا يجوز تمديدها إلا مرة واحدة ، ولا يجوز تمديدها إلا مرة واحدة للمدة ذاتها.
بينما تضمن الفصل الثاني الحريات ،إذ أشارت المادة (35) منه الفقرة(أ) ان حرية الإنسان وكرامتة مصونة، فيما أكدت الفقرة (ب) انه لا يجوز توقيف احد أو التحقيق معه إلا بموجب أمر قضائي ،بينما حرمت الفقرة (ج) جميع أنواع التعذيب النفسي والجسدي والمعاملة غير الإنسانية ، ولا عبرة بأي اعتراف انتزع بالإكراه أو التهديد أو التعذيب ، وانتهى الفصل الثاني بالتا كيد على ان أي تحييد أو تقييد يجب ان لا يمس جوهر الحق والحرية.
لذا فان أسئلة عدة لا بد وان تطرح نفسها ، هل عومل المعتقلون العراقييون داخل السجون الحكومية بما نص عليه الدستور؟ هل حفظت الأجهزة الأمنية كرامة الإنسان العراقي ؟ هل ساوت السلطات التنفيذية والقضائية بين جميع العراقيين دون تميز؟ هل تمت عمليات المداهمة للبيوت والمساكن وفقا للآليات التي اقرها الدستور؟ هل تم تامين أماكن للمعتقلين بالشكل الذي نص عليه الدستور؟ هل تم عرض أوراق التحقيق للمعتقلين أمام القضاء خلال أربعة وعشرين ساعة؟ هل ان المعتقلين لم يتعرضوا للتعذيب او الإكراه لانتزاع اعترافات ؟
لاشك ان هذه الأسئلة وأسئلة أخرى لابد وان تفرض نفسها بنفسها ، ولاشك أيضا ان الإجابة ستكون مرة بمرارة الواقع الذي نعيشه ، فجل الاعتقالات بنيت على شكوك او بلاغات كيدية، ولم تخضع للضوابط والآليات القانونية التي أشار إليها الدستور، وكثير من المعتقلين لا يعرفون لماذا اعتقلوا وبأي ذنب ، كما لم تعرض أوراقهم التحقيقية على القاضي رغم مضي شهور عديدة ،بل وبعضهم سنوات، كما ان عمليات التعذيب والإكراه والتهديد هي أساليب غلب عليها التواتر لتشكل ظاهرة ، تعدت الأعمال الفردية، بالإضافة الى ان عوائل المعتقلين شكوا مرارا وتكرارا بان حياتهم باتت مهددة في زياراتهم لأبنائهم وطالما تعرض البعض منهم للاختطاف والقتل ، كما أنهم عوملوا بكثير من القسوة والاعتداء اللفظي والجسدي من قبل ادارت السجون أو القائمين عليها.
وإذا كانت الحكومة كما هو حال جميع الأنظمة السياسية في العالم هي المعنية الأولى بتحقيق امن المواطن وكرامته وسلامته بما ينسجم ونصوص الدستور التي تستمد شرعيته منه، فأنها مدعوة وبإلحاح على التعامل مع ملف المعتقلين بعقلية المواطنة وروح العدالة ، لا بروح الانتقام والحقد والضغينة وتضارب المصالح والشخصيات، لان من يريد ان يبني دولة القانون عليه أولا ان يحرص اشد الحرص على تطبيق القانون لا احتكار تفسيره أو التجاوز عليه، والمواطن حينما يشعر بان السلطة تسعى الى صون كرامته وأمنه وتحقيق العدل والمساواة، فانه سيكون سعيدا بالرضوخ إليها والعكس صحيح.وبالتالي فان الحديث عن الحريات يغدو بلا معنى في مجتمع ليس بمقدوره حماية مواطنيه أو قرر التمييز بين مواطنيه وفقا لاعتبارات هي ابعد ما تكون عن روح المواطنة الفعلية.
اما فيما يتعلق بالمواثيق الدولية وهذا لا يشمل المعتقلين داخل السجون الحكومية ، وإنما يمتد ليشمل ملف المعتقلين داخل سجون الاحتلال الامريكي، فان القوانين الدولية لحقوق الإنسان والقانون الإنساني قد عالجت هذه المسألة بالتفصيل،على الرغم من ان قوات الاحتلال تعزف عن تطبيقها بالتخفي وراء مسوغات سياسية باتت مستهلكة ولم تعد مقبولة حتى داخل الولايات المتحدة نفسها.
فمعاهدة جنيف لعام 1949 وبروتوكولاهما الإضافيان لسنة 1977 نصت على ان الدول تتعهد باحترام وضمان القانون الإنساني في جميع الأحوال . وفيما يتعلق باحتجاز الأشخاص بدون محاكمة فقد حظرت جميع نصوص حقوق الإنسان هذا الأمر ، فالمادة التاسعة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948 وتم توسيع نطاقها بموجب المادة (9) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لسنة 1966.أكدت على ان جميع الأفراد لهم الحق في الحرية والأمن الشخصي ولا يجوز اعتقال أو احتجاز أي شخص بشكل تعسفي أو حرمانه من حريته إلا اذا كان ذلك مستندا الى قانون ، وشددت على ضرورة إبلاغ أي شخص يجري القبض عليه ،بأسباب ذلك والتهم الموجهة إليه، كما ينبغي عرضه فورا أمام القضاء ، وللإفراد الحق بطلب البت بمشروعية احتجازهم ، وإطلاق سراحهم فيما إذا ثبت ان عملية الاحتجاز غير مشروعة.فضلا عن توفير جميع الضمانات القضائية والمحاكمة العادلة للإفراد دون تمييز.
كما تضمنت المادة العاشرة من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية عدة فقرات أشارت فيها الى ضرورة احترام كرامة الإنسان المعتقل ، وضرورة فصل المتهمين عن الذين ثبتت إدانتهم، وفصل القاصرين عن البالغين وعرضهم بالسرعة القصوى على المحاكم، فيما اعتبرت قرارات الأمم المتحدة ، ومنها القرار ( 43/173) الصادر في 9 كانون الاول عام 1988 المتعلق "بمجموعة المبادئ لحماية جميع الأشخاص تحت اي شكل من أشكال الاحتجاز او السجن، والقرار رقم (45/111 لسنة 1990) ، وقرار المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للامم المتحدة رقم 2076، بمثابة جزء مكمل للمادة (10) من العهد الدولي ، حيث ركزت هذه القرارات على معايير الحد الادني لمعاملة السجناء ، بحث لا تنطوي ظروف الاحتجاز على اي شكل من أشكال التعذيب او المعاملة بطريقة قاسية لا إنسانية أو تحط من الكرامة الإنسانية.مع التاكيد على ان أماكن الاحتجاز يجب ان تفي بالمتطلبات الأساسية وتحافظ على ذا تهم وكرامتهم الإنسانية .
وحرمت اتفاقية جنيف الأولى المادة (50) تعذيب المعتقلين او إيقاع الأذى بهم وعد ذلك من باب الانتهاكات الجسيمة للقانون الإنساني وتعد من قبيل جرائم الحرب، بل ان اتفاقية جنيف الرابعة والبرتوكول الأول ذهب بعيدا ، حينما أشار انه في حالة الاحتلال العسكري لأرض ما يطبق القانون الإنساني على أعمال المقاومة الذين يمكن اعتبارهم وفقا لشروط معينة من المقاتلين ويستفيدون من الضمانات التي يمنحها القانون الإنساني في حال الأسر.وحتى أولئك الذين لا يحصلون على وضع أسير حرب فأنهم وفقا للبرتوكول الأول والمادة (44) الفقرة الرابعة والاتفاقية الثالثة يتمتعون بحماية القانون الدولي الإنساني، بحيث لا تؤثر وضع المحتجز على طريقة معاملته الإنسانية.
وبهذا نجد ان القانون الدولي الإنساني وضع آليات محددة وواضحة بحيث تحمي المعتقلين من التعسف والإيذاء تتمثل بعدم تعرضهم للتعذيب وصون كرامتهم وعرضهم للقضاء ، لكن من خلال تجربة السنوات الماضية نجد ان كثيراً من الأشخاص قد أطلق سراحهم بعد قضائهم شهور او بضع سنين دون محاكمة بعدما أتضح أنهم اعتقلوا لمجرد الشبهة او الاعتقال العشوائي أو البلاغ الكيدي وما شابه ذلك ، والبعض منهم دخل بريئا وخرج وهو يحمل في داخله الكثير من الذكريات السيئة التي تدفع به الى الانتقام ، كما تعرض البعض الآخر الى عملية تأثير فكري قد تدفعه الى مزيد من التشدد نتيجة بقائه فترة طويلة ، وبذلك أسهمت فترة الاعتقال الطويلة الى نتائج خطيرة، ورصدت حالات عديدة للانتهاكات الجسيمة التي هي تعد جريمة يعاقب عليها القانون الدولي ، ويمكن وصف أوضاع السجون مزرية ولا تتناسب مع متطلبات وأحكام القانونين الإنسانية الدولية.
عليه، ينبغي وبصورة ملحة طي هذا الملف بأسرع وقت ممكن ، وإطلاق سراح جميع المعتقلين الذين لم تثبت ادانتهم، والتسريع بعرض المتهمين الى القضاء العادل والمستقل، وتعويض الأبرياء منهم وفقا للمادة (35) التي تنص على حق المتضرر المطالبة بالتعويض عن الضرر المادي والمعنوي الذي أصابه خلال فترة الاعتقال.
كما ان إيجاد حل لهذه المشكلة يسهم بشكل كبير في وضع لبنة أساسية في طريق المصالحة الوطنية ، ويمثل انعطافة مهمة في نهج الحكومة في تعاملها مع المواطنين،ويجسد استجابة لما جاء بالدستور من مبادئ تحقيق العدل والمساواة ، فضلا عن انه سيؤدي الى رفع معاناة الاف العوائل التي تتطلع بأمل لإنهاء مأساة الأبناء ولواعج أمهاتهم .كما ينبغي لأعضاء البرلمان ان يمارسوا دورهم بصفتهم التمثيلية لأبناء الشعب في الضغط على الحكومة من اجل التسريع في ايجاد الحل العادل لمشكلة المعتقلين سواء في السجون الحكومية او سجون الاحتلال ، وان لا ان يكونوا جزءا من المشكلة كما يرى جمهور واسع من المواطنين ،المطلوب هنا هو العدل والمساواة ومن يقول بالمظلومية اولى به ان لا يكون ظالما.
ومما زاد الأمر تعقيدا ، هو غلبة الجانب السياسي على الجانب القانوني في معالجة هذه القضية ، ونحن نعلم جيدا انه ما دخلت السياسية في قضية ما إلا وأربكتها وزادتها غموضا والتباسا.
وتهدف هذه المقالة الى شق طريق في ارض وعرة بهدف الوصول الى وضع رؤية متوازنة تأخذ في نظر الاعتبار التكييف القانوني والجدل السياسي الدائر بخصوص هذه القضية.
وابتداءً، " وعلى الرغم من التحفظ على ماجاء في ديباجة الدستور وكثير من بنوده"، الا انه يمكن القول ان الدستور العراقي في معالجته للحريات أعطى ضمانة واسعة لهذه المسالة ، فالمادة (2) الفقرة (ج) من الدستور تشير الى انه لا يجوز سن قانون يتعارض مع الحقوق والحريات الأساسية الواردة في الدستور، في حين خصص الباب الثاني منه الى معالجة الحقوق والحريات، وتضمن الفصل الأول منه قضايا الحقوق حيث نصت المادة (14) من الدستور الى ان العراقيين متساوون أمام القانون دون تميز، فيما أشارت المادة (15) بان لكل فرد حق الحياة والأمن والحرية، وبالتالي لا يجوز الحرمان من هذه الحقوق أو تقييدها إلا وفقا للقانون وبناء على قرار صادر من جهة قضائية مختصة.فيما أكدت المادة (17) على حرمة المساكن ، وانه لا يجوز تفتيشها أو التعرض لها إلا بقرار قضائي ووفقا للقانون.وفي مجال الاتهام بينت المادة (19) انه لا جريمة إلا بنص ولا عقوبة إلا على الفعل الذي يعده القانون وقت اقترافه جريمة.وان المتهم برئ حتى تثبت أدانته كما أنها كفلت حق المتهم بتوكيل محام في جميع مراحل التحقيق والمحاكمة .وأكدت نفس المادة على انه لا يجوز حبس او توقيف المتهمين في غير ألاماكن المخصصة لذلك وفقا لقوانين السجون المشمولة بالرعاية الصحية والاجتماعية والخاضعة لسلطة الدولة، وأشارت الى مسالة في غاية الأهمية بان أوراق التحقيق الابتدائي يجب ان تعرض على القاضي المختص بمدة لا تتجاوز أربعة وعشرين ساعة من حين القبض على المتهم ، ولا يجوز تمديدها إلا مرة واحدة ، ولا يجوز تمديدها إلا مرة واحدة للمدة ذاتها.
بينما تضمن الفصل الثاني الحريات ،إذ أشارت المادة (35) منه الفقرة(أ) ان حرية الإنسان وكرامتة مصونة، فيما أكدت الفقرة (ب) انه لا يجوز توقيف احد أو التحقيق معه إلا بموجب أمر قضائي ،بينما حرمت الفقرة (ج) جميع أنواع التعذيب النفسي والجسدي والمعاملة غير الإنسانية ، ولا عبرة بأي اعتراف انتزع بالإكراه أو التهديد أو التعذيب ، وانتهى الفصل الثاني بالتا كيد على ان أي تحييد أو تقييد يجب ان لا يمس جوهر الحق والحرية.
لذا فان أسئلة عدة لا بد وان تطرح نفسها ، هل عومل المعتقلون العراقييون داخل السجون الحكومية بما نص عليه الدستور؟ هل حفظت الأجهزة الأمنية كرامة الإنسان العراقي ؟ هل ساوت السلطات التنفيذية والقضائية بين جميع العراقيين دون تميز؟ هل تمت عمليات المداهمة للبيوت والمساكن وفقا للآليات التي اقرها الدستور؟ هل تم تامين أماكن للمعتقلين بالشكل الذي نص عليه الدستور؟ هل تم عرض أوراق التحقيق للمعتقلين أمام القضاء خلال أربعة وعشرين ساعة؟ هل ان المعتقلين لم يتعرضوا للتعذيب او الإكراه لانتزاع اعترافات ؟
لاشك ان هذه الأسئلة وأسئلة أخرى لابد وان تفرض نفسها بنفسها ، ولاشك أيضا ان الإجابة ستكون مرة بمرارة الواقع الذي نعيشه ، فجل الاعتقالات بنيت على شكوك او بلاغات كيدية، ولم تخضع للضوابط والآليات القانونية التي أشار إليها الدستور، وكثير من المعتقلين لا يعرفون لماذا اعتقلوا وبأي ذنب ، كما لم تعرض أوراقهم التحقيقية على القاضي رغم مضي شهور عديدة ،بل وبعضهم سنوات، كما ان عمليات التعذيب والإكراه والتهديد هي أساليب غلب عليها التواتر لتشكل ظاهرة ، تعدت الأعمال الفردية، بالإضافة الى ان عوائل المعتقلين شكوا مرارا وتكرارا بان حياتهم باتت مهددة في زياراتهم لأبنائهم وطالما تعرض البعض منهم للاختطاف والقتل ، كما أنهم عوملوا بكثير من القسوة والاعتداء اللفظي والجسدي من قبل ادارت السجون أو القائمين عليها.
وإذا كانت الحكومة كما هو حال جميع الأنظمة السياسية في العالم هي المعنية الأولى بتحقيق امن المواطن وكرامته وسلامته بما ينسجم ونصوص الدستور التي تستمد شرعيته منه، فأنها مدعوة وبإلحاح على التعامل مع ملف المعتقلين بعقلية المواطنة وروح العدالة ، لا بروح الانتقام والحقد والضغينة وتضارب المصالح والشخصيات، لان من يريد ان يبني دولة القانون عليه أولا ان يحرص اشد الحرص على تطبيق القانون لا احتكار تفسيره أو التجاوز عليه، والمواطن حينما يشعر بان السلطة تسعى الى صون كرامته وأمنه وتحقيق العدل والمساواة، فانه سيكون سعيدا بالرضوخ إليها والعكس صحيح.وبالتالي فان الحديث عن الحريات يغدو بلا معنى في مجتمع ليس بمقدوره حماية مواطنيه أو قرر التمييز بين مواطنيه وفقا لاعتبارات هي ابعد ما تكون عن روح المواطنة الفعلية.
اما فيما يتعلق بالمواثيق الدولية وهذا لا يشمل المعتقلين داخل السجون الحكومية ، وإنما يمتد ليشمل ملف المعتقلين داخل سجون الاحتلال الامريكي، فان القوانين الدولية لحقوق الإنسان والقانون الإنساني قد عالجت هذه المسألة بالتفصيل،على الرغم من ان قوات الاحتلال تعزف عن تطبيقها بالتخفي وراء مسوغات سياسية باتت مستهلكة ولم تعد مقبولة حتى داخل الولايات المتحدة نفسها.
فمعاهدة جنيف لعام 1949 وبروتوكولاهما الإضافيان لسنة 1977 نصت على ان الدول تتعهد باحترام وضمان القانون الإنساني في جميع الأحوال . وفيما يتعلق باحتجاز الأشخاص بدون محاكمة فقد حظرت جميع نصوص حقوق الإنسان هذا الأمر ، فالمادة التاسعة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948 وتم توسيع نطاقها بموجب المادة (9) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لسنة 1966.أكدت على ان جميع الأفراد لهم الحق في الحرية والأمن الشخصي ولا يجوز اعتقال أو احتجاز أي شخص بشكل تعسفي أو حرمانه من حريته إلا اذا كان ذلك مستندا الى قانون ، وشددت على ضرورة إبلاغ أي شخص يجري القبض عليه ،بأسباب ذلك والتهم الموجهة إليه، كما ينبغي عرضه فورا أمام القضاء ، وللإفراد الحق بطلب البت بمشروعية احتجازهم ، وإطلاق سراحهم فيما إذا ثبت ان عملية الاحتجاز غير مشروعة.فضلا عن توفير جميع الضمانات القضائية والمحاكمة العادلة للإفراد دون تمييز.
كما تضمنت المادة العاشرة من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية عدة فقرات أشارت فيها الى ضرورة احترام كرامة الإنسان المعتقل ، وضرورة فصل المتهمين عن الذين ثبتت إدانتهم، وفصل القاصرين عن البالغين وعرضهم بالسرعة القصوى على المحاكم، فيما اعتبرت قرارات الأمم المتحدة ، ومنها القرار ( 43/173) الصادر في 9 كانون الاول عام 1988 المتعلق "بمجموعة المبادئ لحماية جميع الأشخاص تحت اي شكل من أشكال الاحتجاز او السجن، والقرار رقم (45/111 لسنة 1990) ، وقرار المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للامم المتحدة رقم 2076، بمثابة جزء مكمل للمادة (10) من العهد الدولي ، حيث ركزت هذه القرارات على معايير الحد الادني لمعاملة السجناء ، بحث لا تنطوي ظروف الاحتجاز على اي شكل من أشكال التعذيب او المعاملة بطريقة قاسية لا إنسانية أو تحط من الكرامة الإنسانية.مع التاكيد على ان أماكن الاحتجاز يجب ان تفي بالمتطلبات الأساسية وتحافظ على ذا تهم وكرامتهم الإنسانية .
وحرمت اتفاقية جنيف الأولى المادة (50) تعذيب المعتقلين او إيقاع الأذى بهم وعد ذلك من باب الانتهاكات الجسيمة للقانون الإنساني وتعد من قبيل جرائم الحرب، بل ان اتفاقية جنيف الرابعة والبرتوكول الأول ذهب بعيدا ، حينما أشار انه في حالة الاحتلال العسكري لأرض ما يطبق القانون الإنساني على أعمال المقاومة الذين يمكن اعتبارهم وفقا لشروط معينة من المقاتلين ويستفيدون من الضمانات التي يمنحها القانون الإنساني في حال الأسر.وحتى أولئك الذين لا يحصلون على وضع أسير حرب فأنهم وفقا للبرتوكول الأول والمادة (44) الفقرة الرابعة والاتفاقية الثالثة يتمتعون بحماية القانون الدولي الإنساني، بحيث لا تؤثر وضع المحتجز على طريقة معاملته الإنسانية.
وبهذا نجد ان القانون الدولي الإنساني وضع آليات محددة وواضحة بحيث تحمي المعتقلين من التعسف والإيذاء تتمثل بعدم تعرضهم للتعذيب وصون كرامتهم وعرضهم للقضاء ، لكن من خلال تجربة السنوات الماضية نجد ان كثيراً من الأشخاص قد أطلق سراحهم بعد قضائهم شهور او بضع سنين دون محاكمة بعدما أتضح أنهم اعتقلوا لمجرد الشبهة او الاعتقال العشوائي أو البلاغ الكيدي وما شابه ذلك ، والبعض منهم دخل بريئا وخرج وهو يحمل في داخله الكثير من الذكريات السيئة التي تدفع به الى الانتقام ، كما تعرض البعض الآخر الى عملية تأثير فكري قد تدفعه الى مزيد من التشدد نتيجة بقائه فترة طويلة ، وبذلك أسهمت فترة الاعتقال الطويلة الى نتائج خطيرة، ورصدت حالات عديدة للانتهاكات الجسيمة التي هي تعد جريمة يعاقب عليها القانون الدولي ، ويمكن وصف أوضاع السجون مزرية ولا تتناسب مع متطلبات وأحكام القانونين الإنسانية الدولية.
عليه، ينبغي وبصورة ملحة طي هذا الملف بأسرع وقت ممكن ، وإطلاق سراح جميع المعتقلين الذين لم تثبت ادانتهم، والتسريع بعرض المتهمين الى القضاء العادل والمستقل، وتعويض الأبرياء منهم وفقا للمادة (35) التي تنص على حق المتضرر المطالبة بالتعويض عن الضرر المادي والمعنوي الذي أصابه خلال فترة الاعتقال.
كما ان إيجاد حل لهذه المشكلة يسهم بشكل كبير في وضع لبنة أساسية في طريق المصالحة الوطنية ، ويمثل انعطافة مهمة في نهج الحكومة في تعاملها مع المواطنين،ويجسد استجابة لما جاء بالدستور من مبادئ تحقيق العدل والمساواة ، فضلا عن انه سيؤدي الى رفع معاناة الاف العوائل التي تتطلع بأمل لإنهاء مأساة الأبناء ولواعج أمهاتهم .كما ينبغي لأعضاء البرلمان ان يمارسوا دورهم بصفتهم التمثيلية لأبناء الشعب في الضغط على الحكومة من اجل التسريع في ايجاد الحل العادل لمشكلة المعتقلين سواء في السجون الحكومية او سجون الاحتلال ، وان لا ان يكونوا جزءا من المشكلة كما يرى جمهور واسع من المواطنين ،المطلوب هنا هو العدل والمساواة ومن يقول بالمظلومية اولى به ان لا يكون ظالما.