في هذا الحديث الصحيح يخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن دخول الجنة يكون بحفظ وإحصاء أسماء الله الحسنى· فهل يعني هذا كما يتصور البعض أن الجنة الغالية ينالها المسلم بمجرد حفظ أسماء الله الحسنى أو قراءتها أو كتابتها أو تعليقها؟··· ثم يفعل في حياته ما يشاء·· لا يهم إن كان من الظالمين أم من العادلين أو كان من الصادقين أو الكاذبين؟ أو كان مفتاحا للشر مغلاقا للخير أم مفتاحا للخير مغلاقا للشر؟ أو كان من المسرعين في طاعة الله المبطئين في معصيته أم من المسرعين في معصية الله المبطئين في طاعته؟ أو كان من النمّامين المغتابين اللمّازين··· أم من الحافظين لأعراض الناس؟ أفيكون هذا طريقا إلى الجنة···؟
كلا والله·· وألف ألف كلا·· إذ تكون الجنة حينئذ رخيصة الثمن وقد قال صلى الله عليه وسلم ''ألا إن سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله الجنة''·
إن المعنى من إحصاء أسماء الله الحسنى أن نحيط بها علما وعملا واعتقادا وسلوكا، وأن نعرف ما يجب بها علينا نحو الخالق ونحو النفس ونحو الناس أجمعين·
- فإذا فعلنا هذا وطوّعنا سلوكنا وحياتنا لما تقتضيه الأسماء والصفات، بحيث تكون أعمالنا أثرا من آثار معاني ودلالات أسماء الله الحسنى وصفاته العلى، كنا مؤهلين لدخول الجنة·
''من أحصاها دخل الجنة''·· وبهذا يتحقق الإيمان الحقيقي بأسماء الله وصفاته في حياة المسلم كما دعا إليه القرآن الكريم· وأترككم معاشر المؤمنين مع كلام قيم للإمام ابن القيم في بيان هذه الحقيقة:
''القرآن كلام الله، وقد تجلى الله تعالى فيه لعباده بصفاته:
- فتارة يتجلى في جلباب الهيبة والعظمة والجلال، فتخضع الأعناق وتنكسر النفوس وتخشع الأصوات، ويذوب الكبر كما يذوب الملح في الماء·
- وتارة يتجلى في صفات الجمال، والكمال، فيستنفد حبه في قلب العبد قوة الحب كلها، حسب ما عرفه من صفات جماله ونعوت كماله·
فيصبح فؤاد عبده فارغا إلا من محبته، فتبقى المحبة له طبعا لا تكلّفا·
- وإذا تجلى بصفات الرحمة، والبر واللطف والإحسان، انبعثت قوة الرجاء من العبد وانبسط أمله وقوي طمعه، وسار إلى ربه وحادي الرجاء، يحدو ركاب سيده، وكلما قوي الرجاء جد في العمل·
- وإذا تجلى بصفات العدل، والانتقام والغضب، والسخط والعقوبة وانقمعت النفس الأمّارة، وبطلت أو ضعفت قواها من الشهوة والغضب، واللهو واللعب، والحرص على المحرمات، وانقضت أعنة رعونتها فأحضرت المطية حظها من الخوف والخشية والحذر·
- وإذا تجلى بصفات الأمر والنهي، والعهد، والوصية وإرسال الرسل وإنزال الكتب، وشرع الشرائع، انبعثت منها قوة الامتثال والتنفيذ لأوامره، والتبليغ لها، والتواصي بها، وذكرها وتذكرها والتصديق بالخبر والامتثال للطلب والاجتناب للنهي··
- وإذا تجلى بصفة السمع والبصر والعلم، انبعثت في العبد قوة الحياة، فيستحي من ربه أن يراه على ما يكره، أو يسمع منه ما يكره، أو يخفي في سريرته ما يمقته عليه· فتبقى حركاته، وأقواله وخواطره موزونة بميزان الشرع، غير مهملة ولا مرسلة تحت حكم الطبيعة والهوى·
- وإذا تجلى بصفات الكفاية والحب، والقيام بمصالح العباد وسوق أرزاقهم إليهم، ورفع المصائب عنهم ونصرة لأوليائه وحمايته لهم، ومعيته الخاصة لهم، انبعثت في العبد قوة التوكل عليه، والتفويض إليه والرضا به، وفي كل ما يجريه على عبده، ويقيمه فيه مما يرضى به هو سبحانه·
- واذا تجلى بصفات العز والكبرياء، أعطت نفسه المطمئنة ما وصلت إليه من الذل لعظمته، والانكسار لعزته، والخضوع لكبريائه، وخشوع القلب والجوارح·· فتعلوه السكينة والوقار في قلبه ولسانه، وجوارحه وسمته''·
هكذا يكون الإيمان بالأسماء والصفات عقيدة فاعلة مؤثرة وسلوكا تربويا وأخلاقيا، وأثرا في النفس والعقل والقلب، وثمرة إيجابية على كل صعيد، لأنها شملت حركة حياة الإنسان كلها·
- ولا يكفي أن نؤمن بها في حدود القلب واللسان فقط، وليس الإيمان بها جدلا، عقيما أو دراسة فلسفية أو تقسيما وتنويعا لها، أو بحوثا نظرية أو مجرد إثبات لها وكفى·
- بل ينبغي للمسلم أن يتحلى بمعاني العبودية لله فيها في حدود إنسانيته واستطاعته ''ولله المثل الأعلى''، ''لا يكلف الله نفسا إلا وسعها''··
كما قال ابن قيم الجوزية: (وأكمل الناس عبودية المتعبد بجميع الأسماء والصفات التي يطالع عليها البشر، فلا تحجبه عبودية اسم عن عبودية اسم آخر·
كمن يحجبه التعبد باسمه القدير عن التعبد باسمه الحليم الرحيم، أو يحجبه عبودية اسمه المعطي عن عبودية اسمه المانع)· وهكذا تتربى الشخصية المسلمة المتوازنة· إن علينا أن نصحح صلتنا بالأسماء والصفات ووضعها في موضعها الصحيح، مؤمنين بها كما جاءت في القرآن والسنة بلا تشبيه ولا تعطيل ''ليس كمثله شيء''·· بل بما يليق بجلال الله سبحانه المنزه عن صفات المخلوق، واقفين على معانيها وما ينبغي علينا من عمل وسلوك بما أوتينا من فهم سليم للآيات والأحاديث واستطاعة للامتثال ''ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها''.
كلا والله·· وألف ألف كلا·· إذ تكون الجنة حينئذ رخيصة الثمن وقد قال صلى الله عليه وسلم ''ألا إن سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله الجنة''·
إن المعنى من إحصاء أسماء الله الحسنى أن نحيط بها علما وعملا واعتقادا وسلوكا، وأن نعرف ما يجب بها علينا نحو الخالق ونحو النفس ونحو الناس أجمعين·
- فإذا فعلنا هذا وطوّعنا سلوكنا وحياتنا لما تقتضيه الأسماء والصفات، بحيث تكون أعمالنا أثرا من آثار معاني ودلالات أسماء الله الحسنى وصفاته العلى، كنا مؤهلين لدخول الجنة·
''من أحصاها دخل الجنة''·· وبهذا يتحقق الإيمان الحقيقي بأسماء الله وصفاته في حياة المسلم كما دعا إليه القرآن الكريم· وأترككم معاشر المؤمنين مع كلام قيم للإمام ابن القيم في بيان هذه الحقيقة:
''القرآن كلام الله، وقد تجلى الله تعالى فيه لعباده بصفاته:
- فتارة يتجلى في جلباب الهيبة والعظمة والجلال، فتخضع الأعناق وتنكسر النفوس وتخشع الأصوات، ويذوب الكبر كما يذوب الملح في الماء·
- وتارة يتجلى في صفات الجمال، والكمال، فيستنفد حبه في قلب العبد قوة الحب كلها، حسب ما عرفه من صفات جماله ونعوت كماله·
فيصبح فؤاد عبده فارغا إلا من محبته، فتبقى المحبة له طبعا لا تكلّفا·
- وإذا تجلى بصفات الرحمة، والبر واللطف والإحسان، انبعثت قوة الرجاء من العبد وانبسط أمله وقوي طمعه، وسار إلى ربه وحادي الرجاء، يحدو ركاب سيده، وكلما قوي الرجاء جد في العمل·
- وإذا تجلى بصفات العدل، والانتقام والغضب، والسخط والعقوبة وانقمعت النفس الأمّارة، وبطلت أو ضعفت قواها من الشهوة والغضب، واللهو واللعب، والحرص على المحرمات، وانقضت أعنة رعونتها فأحضرت المطية حظها من الخوف والخشية والحذر·
- وإذا تجلى بصفات الأمر والنهي، والعهد، والوصية وإرسال الرسل وإنزال الكتب، وشرع الشرائع، انبعثت منها قوة الامتثال والتنفيذ لأوامره، والتبليغ لها، والتواصي بها، وذكرها وتذكرها والتصديق بالخبر والامتثال للطلب والاجتناب للنهي··
- وإذا تجلى بصفة السمع والبصر والعلم، انبعثت في العبد قوة الحياة، فيستحي من ربه أن يراه على ما يكره، أو يسمع منه ما يكره، أو يخفي في سريرته ما يمقته عليه· فتبقى حركاته، وأقواله وخواطره موزونة بميزان الشرع، غير مهملة ولا مرسلة تحت حكم الطبيعة والهوى·
- وإذا تجلى بصفات الكفاية والحب، والقيام بمصالح العباد وسوق أرزاقهم إليهم، ورفع المصائب عنهم ونصرة لأوليائه وحمايته لهم، ومعيته الخاصة لهم، انبعثت في العبد قوة التوكل عليه، والتفويض إليه والرضا به، وفي كل ما يجريه على عبده، ويقيمه فيه مما يرضى به هو سبحانه·
- واذا تجلى بصفات العز والكبرياء، أعطت نفسه المطمئنة ما وصلت إليه من الذل لعظمته، والانكسار لعزته، والخضوع لكبريائه، وخشوع القلب والجوارح·· فتعلوه السكينة والوقار في قلبه ولسانه، وجوارحه وسمته''·
هكذا يكون الإيمان بالأسماء والصفات عقيدة فاعلة مؤثرة وسلوكا تربويا وأخلاقيا، وأثرا في النفس والعقل والقلب، وثمرة إيجابية على كل صعيد، لأنها شملت حركة حياة الإنسان كلها·
- ولا يكفي أن نؤمن بها في حدود القلب واللسان فقط، وليس الإيمان بها جدلا، عقيما أو دراسة فلسفية أو تقسيما وتنويعا لها، أو بحوثا نظرية أو مجرد إثبات لها وكفى·
- بل ينبغي للمسلم أن يتحلى بمعاني العبودية لله فيها في حدود إنسانيته واستطاعته ''ولله المثل الأعلى''، ''لا يكلف الله نفسا إلا وسعها''··
كما قال ابن قيم الجوزية: (وأكمل الناس عبودية المتعبد بجميع الأسماء والصفات التي يطالع عليها البشر، فلا تحجبه عبودية اسم عن عبودية اسم آخر·
كمن يحجبه التعبد باسمه القدير عن التعبد باسمه الحليم الرحيم، أو يحجبه عبودية اسمه المعطي عن عبودية اسمه المانع)· وهكذا تتربى الشخصية المسلمة المتوازنة· إن علينا أن نصحح صلتنا بالأسماء والصفات ووضعها في موضعها الصحيح، مؤمنين بها كما جاءت في القرآن والسنة بلا تشبيه ولا تعطيل ''ليس كمثله شيء''·· بل بما يليق بجلال الله سبحانه المنزه عن صفات المخلوق، واقفين على معانيها وما ينبغي علينا من عمل وسلوك بما أوتينا من فهم سليم للآيات والأحاديث واستطاعة للامتثال ''ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها''.