بداية لا يهمنى إيمان الملحد ولا يحزننى كفره لعلمى التام أن الله تعالى لا ينقص من ملكه كفر كافر ولا يزيد فى ملكه إيمان مؤمن , ولكن ما يجعلنى أكتب فى تلك المسألة أن هؤلاء الملحدين لهم مواقع ومنابر يبثون فيها آراءهم وينشرون فكرهم الذى يعتمد كلية على الهجوم على الله تعالى وكتبه السماوية ورسله المكرمين , فكان لزاما علينا ألا نسكت وأن نهم لإجلاء الحقيقة وتبيان ما يحاول هؤلاء الملحدون طمسه وإخفاء هويته من أجل إنجاح نظرياتهم الهشة والتى تدور وتلف حول إنكار وجود الخالق &CcCcedil;لعظيم والجحود له ولملكوته اللانهائى لمجرد أنهم يريدون ذلك ضاربين بعرض الحائط ما عدا ذلك من آراء ووجهات نظر .
أعجب كثيرا من كلام الملحدين وغرابة ما توصلوا إليه من رأى هو أقرب للهشاشة منه إلى الصلابة , وأقرب إلى الخيال منه إلى الواقع , واقرب إلى السراب منه إلى الحقيقة , فهم يقولون بغير برهان ملموس ويتكلمون بغير إثبات محسوس , ومعظمهم مردوا على الجدال العقيم , وإشعال الحرائق الوهمية وافتعال المعارك الخيالية مع المتمسكين بدينهم الواثقين فى عقائدهم , العابدين لربهم العائذين به سبحانه , ألمتوكلين عليه .
معظمهم كان من أهل الدين السماوى ( إسلامى , مسيحى , يهودى ) ويتحدثون عن مراحل عمرهم المختلفة التى ضاعت منهم سدى وتبعثرت من أيديهم هباءاً منثوراً قبل أن يضعوا أيديهم على الحقيقة الأكيدة التى كانت غائبة عنهم وهى الكفر بالله تعالى وإعلان الحرب عليه وعلى كتبه ورسله واليوم الآخر , وهاهم الآن فرحون مستبشرون بما توصلوا إليه من حقائق على - حد زعمهم - غفل عنها الآخرون المتمسكون بدينهم ( ألسفهاء من وجهة نظرهم ) ولكنهم – أى الملحدون -- بعقولهم الرهيبة وأفكارهم الفذة الخطيرة قد أنهوا عناء البشرية ووضعوا النقاط على الحروف وتوصلوا للحقيقة الغائبة وهى أن الكون ليس له خالق وقد جاء بمحض الصدفة البحتة بما فيه من ذرات ومجرات وعجائب ومعجزات لم يتمكن الإنسان من كشف ستر معظمها وإماطة اللثام عن غالبيتها .
ولست أكتب هنا لأدافع عن دين الله السماوى فالنور لا يحتاج لدليل ولا برهان وهو قادر على تبديد الظلمات ودحرها , ولقد فتح الله الباب على مصراعيه للراغبين فى الإيمان فمرحبا بهم والراغبين فى الكفر فليكفروا كيفما شاءوا وحسابهم على خالقهم , ولكن ما أنا بصدد التعرض له هو تلك الفكرة المسيطرة على هؤلاء الملحدين وهى فكرة تسيير الكون بمزاجهم وطبقا لرغباتهم الخاصة ..
فجل ما يغضبهم أن الله تعالى لم يستأذنهم قبل أن يخلقهم فقد قال لى أحدهم بكل وضوح : وهل أخذ الله رأيى فى مسألة إيجادى على ظهر الأرض ؟؟ فقلت له : وكيف يؤخذ رأيك أثناء كونك عدما ؟ لا بد أن تكون موجودا ليتم أخذ رأيك .. ثم قلت له : وهل تظن لو خيرت بين الوجود والعدم أنك كنت ستختار العدم وترفض الوجود ؟ ...وطالما أنك جئت الحياة رغم أنفك وتمرض وتشفى رغم أنفك وتحيق بك المصائب رغم أنفك وتموت وتدفن فى الطين رغم أنفك وتفقد حياتك وتتحل جثتك دون أن تنبس بحرف واحد , ألا يجب عليك تعظيم القوة التى تفعل ذلك بك وبمليارات البشر وتوقيرها والشهادة لها بالقوة والسلطة والهيمنة والألوهية ؟ .. .. لم يقف الأمر هنا فقط بل قال لى عندما سألته مستنكرا : ألا تخشى من مصيرك بعد الموت ؟ ماذا لو كان ما فى الكتب السماوية صحيحا وكان هناك بعث ونشور بعد الموت وحساب ؟ فقال بكل تبجح : بل أنا الذى سأسأل الله وأقول له لماذا خلقتنى دون موافقتى ..
اختصار وبدون تورية يطالب الملحد بإله (( تفصيل )) على مزاجه ينفذ أحلامه بلا تردد , فإذا استدان مالاً وحل به الفقر فيجب على هذا الإله أن يسارع بإمطاره بالمال الوفير حتى لو كان كسولاً متراخياً عاطلاً , وإذا أصابه مرض فيجب أن يشفيه بأسرع ما يمكن دون أن ينتظر دعاءً أو رجاءاً أو توسلات , وإذا اشتعل حريق فى منزل الملحد فعلى هذا الإله أن يبطل مفعول النار فوراً حتى لو لم يتحرك الملحد لإطفاء النار , فهذا واجب الله ( كما يتوهمون ) لأنه سمى نفسه الرحيم ..والكريم .. والقوى ... الخ فإذا لم يفعل ذلك يعلن الملحد إلحاده ويقرر أن الله وهمُ وخيال فى عقول البسطاء المخدوعين .. ( تعالى الله ) والمؤمنون به مخدوعون وسيتأكدون من ذلك حين يموتون !!
يؤكد نوع من الملحدين عدم وجود بعث بعد الموت ( نموت ونحيا وما نحن بمبعوثين ) ويؤكد صنف آخر أن الناس تموت وتحيا بفعل الدهر ( نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر ) .. فماذا لو فوجىء الملحد بمن يبعثه من مرقده بعد الموت ؟ ( من بعثنا من مرقدنا .. هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون ) .. وماذا سيخسر هذا الملحد ( الكاره لنفسه ) لو ظل مؤمناً بالله مكافحاً فى حياته ( لقد خلقنا الإنسان فى كبد) كبقية البشر معترفاً بالله رباً وبأن الله تعالى خلق الوجود بقانون وحكمة إلهية كبرى لا يمكن لعقلنا المحدود أن يحيط بها كلها علماً ؟؟ فإذا مات وبعث كانت لديه حجته التى يدافع بها عن نفسه , أما لو مات ملحداً وفوجىء بمن ييقظه من سباته العميق فأين يذهب ؟ وما هو مصيره ؟ وكيف يدافع عن موقفه ؟؟ .
إلى أى مدى وصلت النرجسية بهم وعبادة عقولهم والإعتداد بها لدرجة الجنون الذى يهبط بهم لضياع مخيف دون أن يستطيع الواحد منهم أن يرد ردا وافيا أو يجيب إجابة مقنعة عن مصيره وموقفه بعد موته لو كان الأمر صحيحا وكان هناك بعث بعد الموت وجنة ونار .. وهل ستكون لديهم القوة والحجة والبرهان للدفاع عن موقفهم المهين وإلحادهم الغير مبرر ؟ فقد ذكر أحدهم أنه ألحد لأنه ظل يعبد الله بإخلاص شديد طوال عمره الماضى ولما وقع فى ضائقة مالية دعا الله أن يفرجها عنه فلم يستجب له الله بالسرعة المطلوبة وبالمبلغ المناسب , ومنذ ذلك الحين كفر وألحد وراح يدعو على منابر الملحدين وصار نجما لامعاً فى سمائهم .
يريد الملحد أن يكون شريكا لله فى ملكه , فهو يكره الكتب السماوية ويجتهد لكى يفندها ويدحضها ويثبت زيغها ومروقها عن جادة الطريق , ليس ذلك فحسب بل يسأل عن أهمية هذه الكتب وماذا قدمت للبشرية غير الإختلافات والتحزبات والحروب والمناوشات ؟؟ هكذا صور له عقله وخياله .. ويريد أن يحمُل كتب الله ذنوب البشر المنتمين إليها ناسيا أن البشر يصيبون ويخطئون فى الفهم والتأويل والتطبيق , وليسوا ملائكة يسيرون على الأرض وليسوا معصومين وبالتالى كيف نحمل كتب الله ذنوب الناس فى نقص عقولهم أو ضعف بصيرتهم أو عمى أبصارهم عن الحقيقة سواء عن عمد أم عن خطأ ؟ .
مغتاظ جدا – ذلك الملحد – من قوانين الله , يكرهها ولا يريدها فهى عبأ خانق يقيده ويعيق حركاته , يريد أن يكون حرا طليقا لكن الدين يقيده بأخلاقيات وقيم وشروط ومبادىء لابد أن يطبقها فى حياته وهذا ما يجعله حانقا على ما يسمى بالدين , لا يريد حدا يكبح جماح رغباته الجنسية , ولا تشريعا يحرم عليه الخمر والقمار والربا وأكل السحت والغيبة والنميمة وقتل النفس وشهادة الزور , ولا قانونا ربانيا يمنعه من الخوض فى أعراض الرجال والنساء , فهو ضائق ذرعا من كل ذلك ..
جمعنى لقاء ببعضهم بمحض الصدفة دون تخطيط منى لذلك , وجدته يحتسى كأسا من الويسكى , لم أنزعج لأننى أؤمن بكامل الحرية لكل إنسان طالما لا يمسنى بسوء أو ضرر , لكن المؤسف أنه انزعج لأننى رفضت عرضه علىّ لمشاركته كأسا وقلت أن الله قد حرمها علينا فضحك ضحكة مجنونة كأننى قلت نكتة رهيبة , ولم يحترم حريتى كما احترمت حريته , ثم عاود الشرب مرة أخرى وبدأ يهذى بكلماته المضحكة والتى سمعتها من ملاحدة غيره وهو أنه ليس للكون إله وأن الكون جاء بمحض الصدفة وأن حكاية الدين هذه لعبة قديمة وسخيفة يضحك بها أهل السلطة والثروة على الفقراء والمطحونين لكى يظل كل شىء على حاله , وأن أهل السلطة قد أجّروا لتلك الحيلة الخبيثة رجالا إسمهم رجال الدين لتقوية سلطانهم وتأكيد مراكزهم ووضع أياديهم على مقدرات الناس تحت وهم الدين والوعظ والآخرة والجنة والنار و... الخ .
ملحد آخر كان يجلس فى الركن المواجه ويحتسى كوب خمرته ويقول لصاحبه : لا أوافقك الرأى على إنكار وجود الإله فهو موجود فعلا ولكن المشكلة فيما يسمى بالكتب السماوية والتى ينسبونها لله فهذه إكذوبة كبيرة لأن تلك الكتب بما فيها القرآن قد ألفها أصحابها , فقلت له ماذا تقصد ؟ فقال : القرآن من تأليف محمد وهو من كتبه وهو عبارة عن فهمه للدين ومن حق أى إنسان أن يختلف معه أو يؤيده أو يتفق مع جزء منه ويختلف مع ما لا يعجبه .
من وجهة نظرى أن الملحد متأكد من وجود الله وأن الله هو الذى خلقه وخلق الكون وكل شىء ولكن الذى يغضبه هو تلك القوانين والقيود التى تمنعه من الإنطلاق ليعيث فسادا فى كل شىء , هو كان يتمنى أن يرسل الله سطرا واحدا مقتضبا يقول للناس أن الله هو رب كل شىء فافعلوا ما تشاءون ولا تتحرجوا من شىء فهذه الدنيا للمتع بكل أشكالها فتمتعوا فلا مانع عندى من إنطلاقكم , مارسوا الجنس بلا وازع من ضمير , إسرقوا , أقتلوا من يقف فى وجهكم , إشربوا خمورا واسكروا وعربدوا والعبوا فليس هناك حساب ولا عقاب ولا جنة ولا نار ولا موت فأنتم خالدون فى الرذيلة , ولا رادع لظالم ولا محاكمة لمجرم .
أعتقد أنهم كانوا سيسعدون بذلك , فالقيود الدينية وما بها من قوانين وتشريعات تتطلب من الإنسان خلقا قويماً وصراطاً مستقيماً وصبراً على الأمور عظيماً , حتى يصير نموذجا بشريا كريماً , ذلك هو سبب يأسهم وقنوطهم وإلحادهم .. وإلا فليفسر لى أحدهم من الذى خلق هذا الإنسان بما فيه من معجزات تقف أمامها العقول مدهوشة مذهولة بلا حيلة ؟ ومن الذى هيأ كل شىء للإنسان كى يعيش من هواء وماء وزرع وطعام وكائنات ؟ من الذى أوجد هذا الكون اللامحدود ؟ هل هو محض الصدفة ؟ ومن أين أتت هذه الصدفة ؟ ومن هو خالق تلك الصدفة ؟؟ وهل هذه الصدفة كائن له صفات الحياة ؟ أم أنها تعنى الوهم والغيبوبة واللاوعى ؟ وكيف تكون الصدفة بهذه الدقة والحكمة والإحكام والتحكم والكمال الذى تعجز أمامه العقول وتقف مكتوفة لا تستطيع حراكا ؟ ..
يقولون أن الدين هو سبب تخلف أهله وهذه فرية كبيرة فهل حجر الدين على العقل ومنعه من التفكر والبحث والتدبر والإختراع وخدمة البشرية بعلمه ؟ وماذا يضير الإنسان لو كان عالما فى الفضائيات أو الذرات أو العلوم النووية ويبدع للبشر ما يشاءون وهو فى ذات اللحظة مؤمن برب الكون وعظمة رب الكون وقدرته وجبروته .. هل يحول الدين السماوى بين الإنسان وبين العلم وإعمال العقل ؟ بالطبع لا فقد كرم الدين العقل ولولا العقل والفكر والتأمل والتدبر لما فهم الإنسان دينه ولا عرف شيئا فى ملكوت الله تعالى .
أقول لمن آثر الحياة الدنيا وفضلها على حياة الخلود وصبر على عذاب أكيد .. أقول له الإلحاد والكفر بقيوم السماوات والأرض قديمان قدم الزمان والمكان , لا جديد إذا فهى صورة كربونية مكررة , ولكن أحدا منكم يعجز عقله عن وضع جواب شاف لما طرحته من تساؤلات بسيطة فى مقالى البسيط هذا , ولم يؤكد أحدكم ماذا حدث لأسلافه الملحدين بعد موتهم ؟ وطبعا لم يعد لنا أحد المؤمنين بالله ليحكى لنا ماذا حاق به ؟ نعم فنحن هنا على هذه الأرض وفى حياتنا الدنيا ليس لدينا دليل قطعى على ما يحدث للميت بعد موته لأنه لم يعد أحد ويقص علينا قصته ويروى حكايته , ولكن المؤكد أن المؤمن بالله كان أكثر ذكاءا وأخذ حذره واحتاط لنفسه ولم يكن أشد على الرحمن عتيا ولن يكون أولى بجهنم صليا إلا من حارب خالقه ووقف معاندا مفاخرا بعقله المحدود الذى خلقه الله تعالى هو وكل العقول بكلمة كن ..
لم يسأل الملحد نفسه عندما كان عدماً وكان الكون مهيئاً لوجوده بكل أنواع الإمكانات التى تستقبله لكى يعيش ( يتنفس , ويشرب , ويأكل , وينام , ويصحو , ويسعى , ويجلس ...الخ ) .. لم يسأل نفسه أين كان قبل ن ينجح أحد الحيوانات المنوية ( الخاصة بأبيه ) من بين الملايين من أقرانه فى إجتياز عنق الرحم ( الخاص بأمه ) و قطع مسافة رهيبة بين عنق الرحم والبويضة القابعة على جداره ثم يخترقها ليكون الزيجوت ( العلقة ) ثم تطور العلقة و تحولها إلى مضغة ( يكون الجنين مساوياً فى حجمه لما يمضغه الإنسان فى المرة الواحدة ) ثم تحول المضغة إلى عظام ثم كسو العظام لحماً ثم نفخ النفس ( سبب الحياة ) ثم التحول لخلق آخر ( بما فيه من مئات الأجهزة المعقدة المعجزة ) فتبارك الله أحسن الخالقين ..
كل منا بدأ طريقه عندما كان حيوانا منويا قابل بويضة فاخترقها فى عالم ميكروسكوبى معجز لا يراه إلا الله تعالى .. أولا يذكر الإنسان أن الله قد خلقه من قبل ولم يك شيئا ؟ ألم يأت على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا ؟؟ وكم ضرب الكفار أمثلة لإثبات نجاح رأيهم وقوته وثباته .. وقد قال أحدهم لرسول الله الخاتم ( صلى الله عليه وسلم ) : من يحيى العظام وهى رميم ؟ فأوحى الله لرسوله أن يقول له : قل يحييها الذى أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم .. الذى جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون .. أو ليس الذى خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم ؟ بلى وهو الخلاق العظيم ..
عندما أنظر لنفسى فى المرآة وأتأمل خلق الله تعالى ( وفى أنفسكم أفلا تبصرون ) وأتذكر كيف بدأ هذا البناء المذهل المعجز من خليتين ( حيوان منوى وبويضة ) فإننى أخرّ لله ربى ساجداً متضرعاً مسبحاً بحمده , وأسأل نفسى ألا يخجل الكافر والملحد والمشرك من نفسه ؟ كيف يستهين بربه ومولاه وخالقه ؟ وأتذكر قول ربى ( وكان الكافر على ربه ظهيراً ) .
أعجب كثيرا من كلام الملحدين وغرابة ما توصلوا إليه من رأى هو أقرب للهشاشة منه إلى الصلابة , وأقرب إلى الخيال منه إلى الواقع , واقرب إلى السراب منه إلى الحقيقة , فهم يقولون بغير برهان ملموس ويتكلمون بغير إثبات محسوس , ومعظمهم مردوا على الجدال العقيم , وإشعال الحرائق الوهمية وافتعال المعارك الخيالية مع المتمسكين بدينهم الواثقين فى عقائدهم , العابدين لربهم العائذين به سبحانه , ألمتوكلين عليه .
معظمهم كان من أهل الدين السماوى ( إسلامى , مسيحى , يهودى ) ويتحدثون عن مراحل عمرهم المختلفة التى ضاعت منهم سدى وتبعثرت من أيديهم هباءاً منثوراً قبل أن يضعوا أيديهم على الحقيقة الأكيدة التى كانت غائبة عنهم وهى الكفر بالله تعالى وإعلان الحرب عليه وعلى كتبه ورسله واليوم الآخر , وهاهم الآن فرحون مستبشرون بما توصلوا إليه من حقائق على - حد زعمهم - غفل عنها الآخرون المتمسكون بدينهم ( ألسفهاء من وجهة نظرهم ) ولكنهم – أى الملحدون -- بعقولهم الرهيبة وأفكارهم الفذة الخطيرة قد أنهوا عناء البشرية ووضعوا النقاط على الحروف وتوصلوا للحقيقة الغائبة وهى أن الكون ليس له خالق وقد جاء بمحض الصدفة البحتة بما فيه من ذرات ومجرات وعجائب ومعجزات لم يتمكن الإنسان من كشف ستر معظمها وإماطة اللثام عن غالبيتها .
ولست أكتب هنا لأدافع عن دين الله السماوى فالنور لا يحتاج لدليل ولا برهان وهو قادر على تبديد الظلمات ودحرها , ولقد فتح الله الباب على مصراعيه للراغبين فى الإيمان فمرحبا بهم والراغبين فى الكفر فليكفروا كيفما شاءوا وحسابهم على خالقهم , ولكن ما أنا بصدد التعرض له هو تلك الفكرة المسيطرة على هؤلاء الملحدين وهى فكرة تسيير الكون بمزاجهم وطبقا لرغباتهم الخاصة ..
فجل ما يغضبهم أن الله تعالى لم يستأذنهم قبل أن يخلقهم فقد قال لى أحدهم بكل وضوح : وهل أخذ الله رأيى فى مسألة إيجادى على ظهر الأرض ؟؟ فقلت له : وكيف يؤخذ رأيك أثناء كونك عدما ؟ لا بد أن تكون موجودا ليتم أخذ رأيك .. ثم قلت له : وهل تظن لو خيرت بين الوجود والعدم أنك كنت ستختار العدم وترفض الوجود ؟ ...وطالما أنك جئت الحياة رغم أنفك وتمرض وتشفى رغم أنفك وتحيق بك المصائب رغم أنفك وتموت وتدفن فى الطين رغم أنفك وتفقد حياتك وتتحل جثتك دون أن تنبس بحرف واحد , ألا يجب عليك تعظيم القوة التى تفعل ذلك بك وبمليارات البشر وتوقيرها والشهادة لها بالقوة والسلطة والهيمنة والألوهية ؟ .. .. لم يقف الأمر هنا فقط بل قال لى عندما سألته مستنكرا : ألا تخشى من مصيرك بعد الموت ؟ ماذا لو كان ما فى الكتب السماوية صحيحا وكان هناك بعث ونشور بعد الموت وحساب ؟ فقال بكل تبجح : بل أنا الذى سأسأل الله وأقول له لماذا خلقتنى دون موافقتى ..
اختصار وبدون تورية يطالب الملحد بإله (( تفصيل )) على مزاجه ينفذ أحلامه بلا تردد , فإذا استدان مالاً وحل به الفقر فيجب على هذا الإله أن يسارع بإمطاره بالمال الوفير حتى لو كان كسولاً متراخياً عاطلاً , وإذا أصابه مرض فيجب أن يشفيه بأسرع ما يمكن دون أن ينتظر دعاءً أو رجاءاً أو توسلات , وإذا اشتعل حريق فى منزل الملحد فعلى هذا الإله أن يبطل مفعول النار فوراً حتى لو لم يتحرك الملحد لإطفاء النار , فهذا واجب الله ( كما يتوهمون ) لأنه سمى نفسه الرحيم ..والكريم .. والقوى ... الخ فإذا لم يفعل ذلك يعلن الملحد إلحاده ويقرر أن الله وهمُ وخيال فى عقول البسطاء المخدوعين .. ( تعالى الله ) والمؤمنون به مخدوعون وسيتأكدون من ذلك حين يموتون !!
يؤكد نوع من الملحدين عدم وجود بعث بعد الموت ( نموت ونحيا وما نحن بمبعوثين ) ويؤكد صنف آخر أن الناس تموت وتحيا بفعل الدهر ( نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر ) .. فماذا لو فوجىء الملحد بمن يبعثه من مرقده بعد الموت ؟ ( من بعثنا من مرقدنا .. هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون ) .. وماذا سيخسر هذا الملحد ( الكاره لنفسه ) لو ظل مؤمناً بالله مكافحاً فى حياته ( لقد خلقنا الإنسان فى كبد) كبقية البشر معترفاً بالله رباً وبأن الله تعالى خلق الوجود بقانون وحكمة إلهية كبرى لا يمكن لعقلنا المحدود أن يحيط بها كلها علماً ؟؟ فإذا مات وبعث كانت لديه حجته التى يدافع بها عن نفسه , أما لو مات ملحداً وفوجىء بمن ييقظه من سباته العميق فأين يذهب ؟ وما هو مصيره ؟ وكيف يدافع عن موقفه ؟؟ .
إلى أى مدى وصلت النرجسية بهم وعبادة عقولهم والإعتداد بها لدرجة الجنون الذى يهبط بهم لضياع مخيف دون أن يستطيع الواحد منهم أن يرد ردا وافيا أو يجيب إجابة مقنعة عن مصيره وموقفه بعد موته لو كان الأمر صحيحا وكان هناك بعث بعد الموت وجنة ونار .. وهل ستكون لديهم القوة والحجة والبرهان للدفاع عن موقفهم المهين وإلحادهم الغير مبرر ؟ فقد ذكر أحدهم أنه ألحد لأنه ظل يعبد الله بإخلاص شديد طوال عمره الماضى ولما وقع فى ضائقة مالية دعا الله أن يفرجها عنه فلم يستجب له الله بالسرعة المطلوبة وبالمبلغ المناسب , ومنذ ذلك الحين كفر وألحد وراح يدعو على منابر الملحدين وصار نجما لامعاً فى سمائهم .
يريد الملحد أن يكون شريكا لله فى ملكه , فهو يكره الكتب السماوية ويجتهد لكى يفندها ويدحضها ويثبت زيغها ومروقها عن جادة الطريق , ليس ذلك فحسب بل يسأل عن أهمية هذه الكتب وماذا قدمت للبشرية غير الإختلافات والتحزبات والحروب والمناوشات ؟؟ هكذا صور له عقله وخياله .. ويريد أن يحمُل كتب الله ذنوب البشر المنتمين إليها ناسيا أن البشر يصيبون ويخطئون فى الفهم والتأويل والتطبيق , وليسوا ملائكة يسيرون على الأرض وليسوا معصومين وبالتالى كيف نحمل كتب الله ذنوب الناس فى نقص عقولهم أو ضعف بصيرتهم أو عمى أبصارهم عن الحقيقة سواء عن عمد أم عن خطأ ؟ .
مغتاظ جدا – ذلك الملحد – من قوانين الله , يكرهها ولا يريدها فهى عبأ خانق يقيده ويعيق حركاته , يريد أن يكون حرا طليقا لكن الدين يقيده بأخلاقيات وقيم وشروط ومبادىء لابد أن يطبقها فى حياته وهذا ما يجعله حانقا على ما يسمى بالدين , لا يريد حدا يكبح جماح رغباته الجنسية , ولا تشريعا يحرم عليه الخمر والقمار والربا وأكل السحت والغيبة والنميمة وقتل النفس وشهادة الزور , ولا قانونا ربانيا يمنعه من الخوض فى أعراض الرجال والنساء , فهو ضائق ذرعا من كل ذلك ..
جمعنى لقاء ببعضهم بمحض الصدفة دون تخطيط منى لذلك , وجدته يحتسى كأسا من الويسكى , لم أنزعج لأننى أؤمن بكامل الحرية لكل إنسان طالما لا يمسنى بسوء أو ضرر , لكن المؤسف أنه انزعج لأننى رفضت عرضه علىّ لمشاركته كأسا وقلت أن الله قد حرمها علينا فضحك ضحكة مجنونة كأننى قلت نكتة رهيبة , ولم يحترم حريتى كما احترمت حريته , ثم عاود الشرب مرة أخرى وبدأ يهذى بكلماته المضحكة والتى سمعتها من ملاحدة غيره وهو أنه ليس للكون إله وأن الكون جاء بمحض الصدفة وأن حكاية الدين هذه لعبة قديمة وسخيفة يضحك بها أهل السلطة والثروة على الفقراء والمطحونين لكى يظل كل شىء على حاله , وأن أهل السلطة قد أجّروا لتلك الحيلة الخبيثة رجالا إسمهم رجال الدين لتقوية سلطانهم وتأكيد مراكزهم ووضع أياديهم على مقدرات الناس تحت وهم الدين والوعظ والآخرة والجنة والنار و... الخ .
ملحد آخر كان يجلس فى الركن المواجه ويحتسى كوب خمرته ويقول لصاحبه : لا أوافقك الرأى على إنكار وجود الإله فهو موجود فعلا ولكن المشكلة فيما يسمى بالكتب السماوية والتى ينسبونها لله فهذه إكذوبة كبيرة لأن تلك الكتب بما فيها القرآن قد ألفها أصحابها , فقلت له ماذا تقصد ؟ فقال : القرآن من تأليف محمد وهو من كتبه وهو عبارة عن فهمه للدين ومن حق أى إنسان أن يختلف معه أو يؤيده أو يتفق مع جزء منه ويختلف مع ما لا يعجبه .
من وجهة نظرى أن الملحد متأكد من وجود الله وأن الله هو الذى خلقه وخلق الكون وكل شىء ولكن الذى يغضبه هو تلك القوانين والقيود التى تمنعه من الإنطلاق ليعيث فسادا فى كل شىء , هو كان يتمنى أن يرسل الله سطرا واحدا مقتضبا يقول للناس أن الله هو رب كل شىء فافعلوا ما تشاءون ولا تتحرجوا من شىء فهذه الدنيا للمتع بكل أشكالها فتمتعوا فلا مانع عندى من إنطلاقكم , مارسوا الجنس بلا وازع من ضمير , إسرقوا , أقتلوا من يقف فى وجهكم , إشربوا خمورا واسكروا وعربدوا والعبوا فليس هناك حساب ولا عقاب ولا جنة ولا نار ولا موت فأنتم خالدون فى الرذيلة , ولا رادع لظالم ولا محاكمة لمجرم .
أعتقد أنهم كانوا سيسعدون بذلك , فالقيود الدينية وما بها من قوانين وتشريعات تتطلب من الإنسان خلقا قويماً وصراطاً مستقيماً وصبراً على الأمور عظيماً , حتى يصير نموذجا بشريا كريماً , ذلك هو سبب يأسهم وقنوطهم وإلحادهم .. وإلا فليفسر لى أحدهم من الذى خلق هذا الإنسان بما فيه من معجزات تقف أمامها العقول مدهوشة مذهولة بلا حيلة ؟ ومن الذى هيأ كل شىء للإنسان كى يعيش من هواء وماء وزرع وطعام وكائنات ؟ من الذى أوجد هذا الكون اللامحدود ؟ هل هو محض الصدفة ؟ ومن أين أتت هذه الصدفة ؟ ومن هو خالق تلك الصدفة ؟؟ وهل هذه الصدفة كائن له صفات الحياة ؟ أم أنها تعنى الوهم والغيبوبة واللاوعى ؟ وكيف تكون الصدفة بهذه الدقة والحكمة والإحكام والتحكم والكمال الذى تعجز أمامه العقول وتقف مكتوفة لا تستطيع حراكا ؟ ..
يقولون أن الدين هو سبب تخلف أهله وهذه فرية كبيرة فهل حجر الدين على العقل ومنعه من التفكر والبحث والتدبر والإختراع وخدمة البشرية بعلمه ؟ وماذا يضير الإنسان لو كان عالما فى الفضائيات أو الذرات أو العلوم النووية ويبدع للبشر ما يشاءون وهو فى ذات اللحظة مؤمن برب الكون وعظمة رب الكون وقدرته وجبروته .. هل يحول الدين السماوى بين الإنسان وبين العلم وإعمال العقل ؟ بالطبع لا فقد كرم الدين العقل ولولا العقل والفكر والتأمل والتدبر لما فهم الإنسان دينه ولا عرف شيئا فى ملكوت الله تعالى .
أقول لمن آثر الحياة الدنيا وفضلها على حياة الخلود وصبر على عذاب أكيد .. أقول له الإلحاد والكفر بقيوم السماوات والأرض قديمان قدم الزمان والمكان , لا جديد إذا فهى صورة كربونية مكررة , ولكن أحدا منكم يعجز عقله عن وضع جواب شاف لما طرحته من تساؤلات بسيطة فى مقالى البسيط هذا , ولم يؤكد أحدكم ماذا حدث لأسلافه الملحدين بعد موتهم ؟ وطبعا لم يعد لنا أحد المؤمنين بالله ليحكى لنا ماذا حاق به ؟ نعم فنحن هنا على هذه الأرض وفى حياتنا الدنيا ليس لدينا دليل قطعى على ما يحدث للميت بعد موته لأنه لم يعد أحد ويقص علينا قصته ويروى حكايته , ولكن المؤكد أن المؤمن بالله كان أكثر ذكاءا وأخذ حذره واحتاط لنفسه ولم يكن أشد على الرحمن عتيا ولن يكون أولى بجهنم صليا إلا من حارب خالقه ووقف معاندا مفاخرا بعقله المحدود الذى خلقه الله تعالى هو وكل العقول بكلمة كن ..
لم يسأل الملحد نفسه عندما كان عدماً وكان الكون مهيئاً لوجوده بكل أنواع الإمكانات التى تستقبله لكى يعيش ( يتنفس , ويشرب , ويأكل , وينام , ويصحو , ويسعى , ويجلس ...الخ ) .. لم يسأل نفسه أين كان قبل ن ينجح أحد الحيوانات المنوية ( الخاصة بأبيه ) من بين الملايين من أقرانه فى إجتياز عنق الرحم ( الخاص بأمه ) و قطع مسافة رهيبة بين عنق الرحم والبويضة القابعة على جداره ثم يخترقها ليكون الزيجوت ( العلقة ) ثم تطور العلقة و تحولها إلى مضغة ( يكون الجنين مساوياً فى حجمه لما يمضغه الإنسان فى المرة الواحدة ) ثم تحول المضغة إلى عظام ثم كسو العظام لحماً ثم نفخ النفس ( سبب الحياة ) ثم التحول لخلق آخر ( بما فيه من مئات الأجهزة المعقدة المعجزة ) فتبارك الله أحسن الخالقين ..
كل منا بدأ طريقه عندما كان حيوانا منويا قابل بويضة فاخترقها فى عالم ميكروسكوبى معجز لا يراه إلا الله تعالى .. أولا يذكر الإنسان أن الله قد خلقه من قبل ولم يك شيئا ؟ ألم يأت على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا ؟؟ وكم ضرب الكفار أمثلة لإثبات نجاح رأيهم وقوته وثباته .. وقد قال أحدهم لرسول الله الخاتم ( صلى الله عليه وسلم ) : من يحيى العظام وهى رميم ؟ فأوحى الله لرسوله أن يقول له : قل يحييها الذى أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم .. الذى جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون .. أو ليس الذى خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم ؟ بلى وهو الخلاق العظيم ..
عندما أنظر لنفسى فى المرآة وأتأمل خلق الله تعالى ( وفى أنفسكم أفلا تبصرون ) وأتذكر كيف بدأ هذا البناء المذهل المعجز من خليتين ( حيوان منوى وبويضة ) فإننى أخرّ لله ربى ساجداً متضرعاً مسبحاً بحمده , وأسأل نفسى ألا يخجل الكافر والملحد والمشرك من نفسه ؟ كيف يستهين بربه ومولاه وخالقه ؟ وأتذكر قول ربى ( وكان الكافر على ربه ظهيراً ) .