لاشك أن سلطة العادات والتقاليد تفوق سلطة الدين عند كثير من الناس في المجتمع اليمني؛ وليس أدل على ذلك من أن &ve; ذلك من أن أبسط سلوك يقوم به شخص ما -مما لم يحرمه الدين وحرمته التقاليد - قد يجعل صاحبه في خانة المذنبين، والمهانين، والخارجين عن قيم المجتمع..
فلو نادى رجل زوجته باسمها –مثلا- وسط أصدقائه فسوف يصبح مسخرة بينهم، ولن يسلم من أذيتهم بقصد وبغير قصد، مع أن الرسول –صلى الله عليه وسلم- كان ينادي زوجاته بأسمائهن أمام الصحابة.
ولهذا نجد المجتمع يحبذ أن تنادى المرأة باسم أبيها أو ابنها أو زوجها او أخيها، حتى أنه إذا لم يجد الرجل كنية لزوجته ، يخترع لها كنيات عجيبة ، غالبا ما تدل على نظرته الدونية لها، وحين يريد أن يكون محترما أمام الناس يسميها بـ(الجماعة أو البيت أو العائلة) ليس من باب احترامه للمرأة نفسها، أو الحفاظ على الخصوصية كما يدعي معظم الرجال، ولكن من باب التحرج من ذكر اسمها أمام الرجال، لأن الثقافة التقليدية ثبَّتت في أذهان الناس أن التصريح باسم المرأة( عيب) ، ويدعم هذا العيب ويؤكده استنكار بعض الناس وإبداء استغرابهم حينما يعرفون اسم بنت رجل أو أخته أو أمه أو زوجته، تلك الاستجابة التي تجعل من معرفة اسم المرأة سبة وعارا يمس رجولة الرجل ، ويلاحقه بعار هذا الاسم بين أصحابه، مرة باسم الدعابة، ومرة كنكاية به، ومرة كتوبيخ وغير ذلك من أنواع السلوك الدنيء، الذي يجعل الرجال والنساء معا يحجمون عن الإفصاح باسم المرأة تجنبا للإهانة من وجهة نظرهم ، وحتى لا يستغل الاسم من قبل الأشرار لأذية صاحبته، أو إهانة أهلها..
هذه الثقافة الاجتماعية التي تعتبر التصريح باسم المرأة عيبا اجتماعيا يترتب عليها ظلم كبير للمرأة، وهذا الظلم يبدأ إخفاء اسم المرأة، ثم إخفاء كل ما له علاقة بحقوقها وواجباتها فيما بعد، وتجعل ذلك الإخفاء خلقا نبيلا ينبغي أن يتمسك به المجتمع، ويربي أبناءه (ذكورا وإناثا) على الدفاع عنه، وبالتالي يتم إنكار حقوق المرأة ، وتزاح المرأة إلى الخلف في كل الأماكن والمواقف بوعي ومن غير وعي؛ فتصبح المرأة ضحية التهميش حتى وإن خرجت للدراسة والعمل؛ فهي في آخر قائمة اهتمامات الرجل في الحقوق والواجبات، سواء أكان التهميش بقصد أم بغير قصد ..
أنا لا ألوم الرجل ولا ألوم المرأة لأنهما معا نتاج ثقافة اجتماعية تدعم التمييز بين الرجل والمرأة على أساس الذكورة والأنوثة فقط، و ليس على أساس أعمالهما، ولا منجزاتهما ولا مستواهما التعليمي، فالرجل هو الأول في ثقافة التمييز كيفما كان، حتى وإن كان عاطلا وجاهلا، والمرأة مرتبطة بثقافة العيب لذلك فهي تأتي بعد الرجل حتى وإن فاقته مكانة وكسبا، وعلما..فهي بعد الرجل في إبداء الرأي، وفي اعتماد رأيها، وفي المهمات الوظيفية، وفي المراكز الوظيفية، وفي الأماكن العامة، وحتى في تناول الأكل عند بعض الأسر ، فلا تأكل المرأة إلا بعد أن يشبع الرجل، وما تبقى عليه يكون من نصيبها..
إن مثل هذا التمييز هو السبب الأول في هدم شخصية المرأة؛ وتتأذى منه النساء المتعلمات بالذات، والمؤلم حقا ألا يشعر الرجل بهذا الأذى، ويتصرف مع المرأة على أساس أنها مخلوق ناقص الأهلية، حتى وإن كانت قيادية، فعند التعامل في المواقف الاجتماعية لا يعترف المجتمع بها، وأبسط عبارة يمكن أن توجه للمرأة إذا وقعت في مشكلة وأرادت أن تعالجها بنفسها أن يقول لها الناس:" لو تحضري ولي أمرك ستحل المشكلة" حتى وإن كان ولي أمرها طفلا فهو المقبول اجتماعيا، لأن ظهور المرأة في المواقف الاجتماعية عيب، وينسحب هذا العيب على كل ما يتعلق بالمرأة كيفما كان مستواها...
لو أن الرجال والنساء –وبخاصة المثقفين والمثقفات- يحاولون مراقبة تصرفاتهم حينما يكونون في مجتمع يجمع الرجال والنساء، لوجدوا نماذج سلوكية عديدة تقوم على ثقافة التمييز ضد المرأة، لكنهم يمرون عليها بدون إدراك لنتائجها، وقد يمارسونها بدون وعي بآثارها المستقبلية.
التمييز على أساس الجنس ظلم وجحود يقع على المرأة ، ويعاني منه الرجل شاء أم أبى، وسيظل هذا التمييز ماثلا في سلوك الذكور والإناث معا إلى أن يتغير مفهوم التمييز إلى مفهوم التميز، ولن يحدث ذلك إلا إذا وضع الرجل والمرأة معا أسسا صحيحة للتميز(غير الجنس) ، أسسا تقوم على ما يمتلكه الفرد من قدرات ومعارف ومهارات وقيم يتمثلها في سلوكه وعمله قولا وفعلا، عندها سوف نغلب الدين على الثقافة الاجتماعية التقليدية، وسيصبح التمييز بين الجنسين قائما على الاكتساب الذي لا يكون إلا بمقدار الجهد المبذول، منطلقا من قوله تعالى: " للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن " صدق الله العظيم (النساء: الاية 32)