.
يقول تعالى:
{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }المائدة3
{إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }البقرة173
{قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }الأنعام145
ونُلاحظ أن تحريم لحم الخنزير أتى واضحا ثلاث مرات فى قرآننا الكريم وبكلام صريح واضح.
قال الدكتور منصور فى تعليق له على أحد من اعترضوا على فتواه بأن دُهن الخنزير حلال:
[السياق القرآنى عن خلق الانسان جنينا ونهايته ميتا لا علاقة له بالسياق القرآنى عن الحلال و الحرام فى أكل الأنعام .لو كان الخنزير كله محرما لقال الله جل وعلا ( حرمت عليكم الميتة و الدم والخنزير ) ولكنه جل وعلا قال ( ولحم الخزير ) ليخصص جزءا من الخنزير فقط هو ما يطلق عليه اللحم . وهناك جزء آخر من الخنزير ومن الأنعام هو الشحم أى الدهن ، وطالما لم يرد ذكره فهو حلال . والفارق بين اللحم و الشحم أن االلحم لا ينصهر بالنار عكس الشحم أو الدهن؟؟؟ . ومنهج القرآن الكريم فى التشريع أن تأتى المحرمات بالتفصيل والاستثناءات وبكل وضوح ، ومن هنا فلا يمكن لنا أن نتجاهل التحديد باللحم فقط فى حرمة الأكل من الخنزير ـ ويكون الباقى منه حلالا فى الأكل. وجدير بالذكر أن الله جل وعلا حين عاقب بنى اسرائيل على بغيهم فى التشريع فانه جل وعلا حرّم عليهم ما كان حلالا من قبل ، وجاء التشريع الجديد لهم بالتفصيل والاستثناءات : يقول جل وعلا : ( وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذى ظفر ، ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم . ذلك جزيناهم ببغيهم ، وإنا لصادقون ) ( الأنعام 146)]
قال الدكنور منصور: [السياق القرآنى عن خلق الانسان جنينا ونهايته ميتا لا علاقة له بالسياق القرآنى عن الحلال و الحرام فى أكل الأنعام .]
فهذا الكلام فيه مُغالطة، فالدكتور منصور يعرف جيدا أن المعترض ذكر الآية بغرض تعريف معنى كلمة اللحم من القرآن، وهو المنهج المُتفق عليه. ولذلك فالآية لها علاقة وثيقة بما نحن بصدده. فاللحم فى المصطلح الطبى هو العضلات muscles، أو flesh أو meat بلغة رجل الشارع، أما بلغة القرآن فاللحم كل ما يكسوا العظام ، والدليل هما الآيتين التالييتن:
{أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىَ يُحْيِـي هَـَذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }البقرة259
{ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} المؤمنون14
فاللحم فى هذه الآيات هو كل ما يكسوا العظام من أنسجة رخوة أى soft tissues فاللحم فى المُصطلح القرآنى يشمل: العضلات والأحشاء الداخلية والأوعية الدموية والليمفاوية والأعصاب والجلد، والشحم أى الدهن، إلخ.
ويقول سبحانه وتعالى:
{وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }النحل14
{وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }فاطر12
يقول الدكتور أحمد: [ولكنه جل وعلا قال ( ولحم الخزير ) ليخصص جزءا من الخنزير فقط هو ما يطلق عليه اللحم .]
فبنفس المنطق هل نأكل لحم السمك فقط الذى خصصه القرآن بالذكر حسب تعريف الدكتور أحمد، ونترك الباقى الذى لم يذكره القرآن بما فيه دهن السمك الذى يحتاجه العواجيز أمثالنا لما فيه من دهون omega 3 للوقاية من تصلب الشرايين؟
وكذلك قال سبحانه عن طعام أهل الجنة:
{وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ }الواقعة21
فهل سنأكل لحمها فقط ونمتنع عن أكل شحمها، أم سوف تكون مُحللة فى الجنة؟
وقال تعالى أيضا:
{وَأَمْدَدْنَاهُم بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ }الطور22
هل سيكون اللحم منزوع الدهن، أى لحم أحمر (lean meat)؟
وقال تعالى أيضا:
{لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ }الحج37
فهل سينال الله شحومها التى لم يذكرها؟ أم أن معنى الآية أن الله لن يصله منها أى جُزء؟
{وَعَلَى الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِبَغْيِهِمْ وِإِنَّا لَصَادِقُونَ }الأنعام146
فهذه الآية بها استثناءين:
1- استثناء غير ظاهر وهو:حرمنا عليهم شحومها: أى حرمنا عليهم مما يُؤكل منها (أى من لحمها) الجزء المدعو بالشحم
2- استثناء ظاهر وهو: إلا ما حملت .......
فاللحم هو كل ما يكسو العظم، والدهن و الدم المسفوح استثناء من الأصل وهو اللحم.
{قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }الأنعام145
فهنا نأكل كل شيء يُمكن أكله فى الذبيحة ما عدا الدم المسفوح.
[ومنهج القرآن الكريم فى التشريع أن تأتى المحرمات بالتفصيل والاستثناءات وبكل وضوح]
قال تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ }الحجرات12
أى أن من يغتب أخيه فكأنما أكل لحمه ميتا، وقد أمرنا الله باجتناب الغيبة. فهل إذا قلت أن أكل لحم الإنسان حرام أُتهمت بأنى أُحلل ما حرمه الله؟
وهل إذا قال سبحانه:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ }المائدة1
فاستنتجت أن عدم الوفاء بالعقود حرام، قلتم لى أنى أُحرم ما حلله الله؟
وكذلك يقول جلا وعلا:
{كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ }الصف3
فهل أكون مُخطئا إن قلت أن ما يمقته الله هو حرام؟
لقد قمتم يا أهل القرآن بوضع منهج به بعض القواعد فى التحريم والتحليل فأدت بكم فى بعض الأحيان إلى نتائج لا تقبلها النفس السوية المتطهرة التى تُريد أن تتزكى، فحللتم: زواج الـمُتعة او تأقيت الزواج، وإتيان المرأة من دبرها، والسحاق، كما يبدو لى من بعض الردود التى أتلقاها، كما حللتم دُهن الخنزير.
فقواعد الحرام والحلال عندكم بحاجة إلى مُراجعة فى المنهج، فعدم فعل ما أمر الله به حرام، وما يمقته الله تعالى أو يكرهه حرام، أم لديكم مصطلح آخر؟
نختم الحديث ببعض الآيات عن الدهن ومشتقاته للتدبر:
{وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَاء تَنبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِّلْآكِلِينَ }المؤمنون20 (أى بزيت الزيتون)
{فَإِذَا انشَقَّتِ السَّمَاء فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ }الرحمن37 (أى مُحمرَّةٌ متغيرة اللون كالزيت المغلى)
{وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ }القلم9 (أى أحبوا أن تلين كالدهن ولا تتشدد، أى تتنازل قيلا فيتنازلون قليلا بمعنى كلمة: compromise الإنجليزية، فتصلوا إلى اتفاق. ولكن لا تنازل فى: لا إله إلا الله!
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يقول تعالى:
{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }المائدة3
{إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }البقرة173
{قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }الأنعام145
ونُلاحظ أن تحريم لحم الخنزير أتى واضحا ثلاث مرات فى قرآننا الكريم وبكلام صريح واضح.
قال الدكتور منصور فى تعليق له على أحد من اعترضوا على فتواه بأن دُهن الخنزير حلال:
[السياق القرآنى عن خلق الانسان جنينا ونهايته ميتا لا علاقة له بالسياق القرآنى عن الحلال و الحرام فى أكل الأنعام .لو كان الخنزير كله محرما لقال الله جل وعلا ( حرمت عليكم الميتة و الدم والخنزير ) ولكنه جل وعلا قال ( ولحم الخزير ) ليخصص جزءا من الخنزير فقط هو ما يطلق عليه اللحم . وهناك جزء آخر من الخنزير ومن الأنعام هو الشحم أى الدهن ، وطالما لم يرد ذكره فهو حلال . والفارق بين اللحم و الشحم أن االلحم لا ينصهر بالنار عكس الشحم أو الدهن؟؟؟ . ومنهج القرآن الكريم فى التشريع أن تأتى المحرمات بالتفصيل والاستثناءات وبكل وضوح ، ومن هنا فلا يمكن لنا أن نتجاهل التحديد باللحم فقط فى حرمة الأكل من الخنزير ـ ويكون الباقى منه حلالا فى الأكل. وجدير بالذكر أن الله جل وعلا حين عاقب بنى اسرائيل على بغيهم فى التشريع فانه جل وعلا حرّم عليهم ما كان حلالا من قبل ، وجاء التشريع الجديد لهم بالتفصيل والاستثناءات : يقول جل وعلا : ( وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذى ظفر ، ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم . ذلك جزيناهم ببغيهم ، وإنا لصادقون ) ( الأنعام 146)]
قال الدكنور منصور: [السياق القرآنى عن خلق الانسان جنينا ونهايته ميتا لا علاقة له بالسياق القرآنى عن الحلال و الحرام فى أكل الأنعام .]
فهذا الكلام فيه مُغالطة، فالدكتور منصور يعرف جيدا أن المعترض ذكر الآية بغرض تعريف معنى كلمة اللحم من القرآن، وهو المنهج المُتفق عليه. ولذلك فالآية لها علاقة وثيقة بما نحن بصدده. فاللحم فى المصطلح الطبى هو العضلات muscles، أو flesh أو meat بلغة رجل الشارع، أما بلغة القرآن فاللحم كل ما يكسوا العظام ، والدليل هما الآيتين التالييتن:
{أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىَ يُحْيِـي هَـَذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }البقرة259
{ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} المؤمنون14
فاللحم فى هذه الآيات هو كل ما يكسوا العظام من أنسجة رخوة أى soft tissues فاللحم فى المُصطلح القرآنى يشمل: العضلات والأحشاء الداخلية والأوعية الدموية والليمفاوية والأعصاب والجلد، والشحم أى الدهن، إلخ.
ويقول سبحانه وتعالى:
{وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }النحل14
{وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }فاطر12
يقول الدكتور أحمد: [ولكنه جل وعلا قال ( ولحم الخزير ) ليخصص جزءا من الخنزير فقط هو ما يطلق عليه اللحم .]
فبنفس المنطق هل نأكل لحم السمك فقط الذى خصصه القرآن بالذكر حسب تعريف الدكتور أحمد، ونترك الباقى الذى لم يذكره القرآن بما فيه دهن السمك الذى يحتاجه العواجيز أمثالنا لما فيه من دهون omega 3 للوقاية من تصلب الشرايين؟
وكذلك قال سبحانه عن طعام أهل الجنة:
{وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ }الواقعة21
فهل سنأكل لحمها فقط ونمتنع عن أكل شحمها، أم سوف تكون مُحللة فى الجنة؟
وقال تعالى أيضا:
{وَأَمْدَدْنَاهُم بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ }الطور22
هل سيكون اللحم منزوع الدهن، أى لحم أحمر (lean meat)؟
وقال تعالى أيضا:
{لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ }الحج37
فهل سينال الله شحومها التى لم يذكرها؟ أم أن معنى الآية أن الله لن يصله منها أى جُزء؟
{وَعَلَى الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِبَغْيِهِمْ وِإِنَّا لَصَادِقُونَ }الأنعام146
فهذه الآية بها استثناءين:
1- استثناء غير ظاهر وهو:حرمنا عليهم شحومها: أى حرمنا عليهم مما يُؤكل منها (أى من لحمها) الجزء المدعو بالشحم
2- استثناء ظاهر وهو: إلا ما حملت .......
فاللحم هو كل ما يكسو العظم، والدهن و الدم المسفوح استثناء من الأصل وهو اللحم.
{قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }الأنعام145
فهنا نأكل كل شيء يُمكن أكله فى الذبيحة ما عدا الدم المسفوح.
[ومنهج القرآن الكريم فى التشريع أن تأتى المحرمات بالتفصيل والاستثناءات وبكل وضوح]
قال تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ }الحجرات12
أى أن من يغتب أخيه فكأنما أكل لحمه ميتا، وقد أمرنا الله باجتناب الغيبة. فهل إذا قلت أن أكل لحم الإنسان حرام أُتهمت بأنى أُحلل ما حرمه الله؟
وهل إذا قال سبحانه:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ }المائدة1
فاستنتجت أن عدم الوفاء بالعقود حرام، قلتم لى أنى أُحرم ما حلله الله؟
وكذلك يقول جلا وعلا:
{كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ }الصف3
فهل أكون مُخطئا إن قلت أن ما يمقته الله هو حرام؟
لقد قمتم يا أهل القرآن بوضع منهج به بعض القواعد فى التحريم والتحليل فأدت بكم فى بعض الأحيان إلى نتائج لا تقبلها النفس السوية المتطهرة التى تُريد أن تتزكى، فحللتم: زواج الـمُتعة او تأقيت الزواج، وإتيان المرأة من دبرها، والسحاق، كما يبدو لى من بعض الردود التى أتلقاها، كما حللتم دُهن الخنزير.
فقواعد الحرام والحلال عندكم بحاجة إلى مُراجعة فى المنهج، فعدم فعل ما أمر الله به حرام، وما يمقته الله تعالى أو يكرهه حرام، أم لديكم مصطلح آخر؟
نختم الحديث ببعض الآيات عن الدهن ومشتقاته للتدبر:
{وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَاء تَنبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِّلْآكِلِينَ }المؤمنون20 (أى بزيت الزيتون)
{فَإِذَا انشَقَّتِ السَّمَاء فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ }الرحمن37 (أى مُحمرَّةٌ متغيرة اللون كالزيت المغلى)
{وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ }القلم9 (أى أحبوا أن تلين كالدهن ولا تتشدد، أى تتنازل قيلا فيتنازلون قليلا بمعنى كلمة: compromise الإنجليزية، فتصلوا إلى اتفاق. ولكن لا تنازل فى: لا إله إلا الله!
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته