هذه المقالات المتسلسلة تتناول فئة اجتماعية لها قيمها وسماتها وطريقتها في التفكير
التي تميزها، بل لها أهدافها وأولوياتها التي تختص بها، وتنعكس على أساليبها
ووسائلها وسلوكيات أفرادها، كما أن لها انتشارها وأثرها , فهي تتغلغل في حياتنا
الاجتماعية بشتى مجالاتها؛ الإدارية والاقتصادية والتعليمية والاجتماعية..، وتقدم
هذه الصفحات إجابات – مقترنة بالشواهد والأحوال – لعديد من التساؤلات
حولها:
من هو الانتهازي؟ وكيف نكتشفه؟ وأين نجده؟ وما هي أساليبه؟ وما
مقومات شخصيته؟ وما هو الأسلوب الأمثل للتعامل معه؟ وهل من السهولة أن يصبح المرء
انتهازياً دون أن يشعر؟
الانتهازية في اللغة:
مصطلح مشتق من الفعل
الثلاثي (نهز) بمعنى دفع وحرّك، والنُّهْزَة: الفرصة تجدها من صاحبك، والمناهزة:
المبادرة، يقال ناهزت الصيد فقبضت عليه قبل إفلاته، وانتهزها وناهزها: تناولها من
قرب وبادرها واغتنمها، وانتهز الفرصة أي اغتنمها وبادر إليها.
وهي بهذا
المعنى خُلُق محمود، وأمر مطلوب شرعاً وعقلاً، فما أكثر ما ورد من النصوص في القرآن
والسنة وأقوال العلماء والأئمة التي تحث على المسارعة والمسابقة لعمل الخير
والتنافس فيه والمبادرة بالعمل الصالح، والإنسان العاقل هو الذي يغتنم الفرص
ويستثمرها لتحقيق أهداف سامية ومثل عليا، أو مصالح ذاتية تكتسب بأساليب مشروعة،
فهذا كله عمل مشروع بل واجب شرعي لا يليق التفريط به.
لكن عندما يكون تحقيق
المصلحة الذاتية على حساب مصالح عليا أو أهداف سامية، أو يكون ثمنه تقديم قرابين
بريئة أو على حساب كدح الآخرين أو الإضرار بهم فهذا هو الانتكاس والارتكاس في حمأة
الانتهازية الدنيئة، وهو الموضوع الذي نتناوله .
والانتهازية بهذا المفهوم
السلبي تتطابق ونظرة الفيلسوف الإنجليزي توماس هويز – صاحب المدرسة النفعية –
للإنسان، حيث يصوره بأنه ذئب يتربص بأخيه الإنسان ليفتك به، فهو يسعى دائماً للحصول
على القوة ليقهر بها الآخرين، وهنا ينشأ الصراع لفرض السيطرة وإشباع الرغبات، وإذا
افتقر إلى القوة الكافية لجأ إلى الحيلة والمكر والدهاء والخديعة لكي يقهر غيره،
مما يجعلها تتناغم مع الضلالات الداروينية التي تنظر للعلاقات بين الأفراد والشعوب
والأمم بأنها قائمة على الصراع المستند على منطق: "البقاء للأقوى"
وهي كذلك
تطبيق عملي لنظرية (الغاية تبرر الوسيلة) التي تبناها ميكافيلي، وخصص لها كتابه
المعنون: "الأمير" شرحاً وتأصيلاً، وقد أصبحت داءً عضالاً يفتك بالأمم والشعوب،
ووباء اجتماعياً وخيماً تنهار بسببه الحضارات والمجتمعات عندما يدب في أوصالها
وينتشر في جسدها على حين غفلة منها كالسرطان، ويسري بين جميع شرائحها ومختلف فئاتها
سريان النار في الهشيم، وتتحول هذه المجتمعات تحت تأثيره إلى مجموعات وعصابات من
الانتهازيين النفعيين الذين يضحون بكل شيء من أجل تحقيق مآربهم الخاصة ومنافعهم
العاجلة، ثم لا تسل بعد ذلك عن اضطراب المفاهيم، واختلال الموازين كإفراز طبيعي
لهذه الممارسات؛ فالكذب دهاء، والتعفف بلاهة، والصدق سذاجة، والنصح حسد أو سوء أدب،
والانضباط تعقيد، والباطل حقن والشرف تهمة، وهلم جرا، في سلسلة من المفاهيم
المقلوبة والمعايير المضطربة.
التي تميزها، بل لها أهدافها وأولوياتها التي تختص بها، وتنعكس على أساليبها
ووسائلها وسلوكيات أفرادها، كما أن لها انتشارها وأثرها , فهي تتغلغل في حياتنا
الاجتماعية بشتى مجالاتها؛ الإدارية والاقتصادية والتعليمية والاجتماعية..، وتقدم
هذه الصفحات إجابات – مقترنة بالشواهد والأحوال – لعديد من التساؤلات
حولها:
من هو الانتهازي؟ وكيف نكتشفه؟ وأين نجده؟ وما هي أساليبه؟ وما
مقومات شخصيته؟ وما هو الأسلوب الأمثل للتعامل معه؟ وهل من السهولة أن يصبح المرء
انتهازياً دون أن يشعر؟
الانتهازية في اللغة:
مصطلح مشتق من الفعل
الثلاثي (نهز) بمعنى دفع وحرّك، والنُّهْزَة: الفرصة تجدها من صاحبك، والمناهزة:
المبادرة، يقال ناهزت الصيد فقبضت عليه قبل إفلاته، وانتهزها وناهزها: تناولها من
قرب وبادرها واغتنمها، وانتهز الفرصة أي اغتنمها وبادر إليها.
وهي بهذا
المعنى خُلُق محمود، وأمر مطلوب شرعاً وعقلاً، فما أكثر ما ورد من النصوص في القرآن
والسنة وأقوال العلماء والأئمة التي تحث على المسارعة والمسابقة لعمل الخير
والتنافس فيه والمبادرة بالعمل الصالح، والإنسان العاقل هو الذي يغتنم الفرص
ويستثمرها لتحقيق أهداف سامية ومثل عليا، أو مصالح ذاتية تكتسب بأساليب مشروعة،
فهذا كله عمل مشروع بل واجب شرعي لا يليق التفريط به.
لكن عندما يكون تحقيق
المصلحة الذاتية على حساب مصالح عليا أو أهداف سامية، أو يكون ثمنه تقديم قرابين
بريئة أو على حساب كدح الآخرين أو الإضرار بهم فهذا هو الانتكاس والارتكاس في حمأة
الانتهازية الدنيئة، وهو الموضوع الذي نتناوله .
والانتهازية بهذا المفهوم
السلبي تتطابق ونظرة الفيلسوف الإنجليزي توماس هويز – صاحب المدرسة النفعية –
للإنسان، حيث يصوره بأنه ذئب يتربص بأخيه الإنسان ليفتك به، فهو يسعى دائماً للحصول
على القوة ليقهر بها الآخرين، وهنا ينشأ الصراع لفرض السيطرة وإشباع الرغبات، وإذا
افتقر إلى القوة الكافية لجأ إلى الحيلة والمكر والدهاء والخديعة لكي يقهر غيره،
مما يجعلها تتناغم مع الضلالات الداروينية التي تنظر للعلاقات بين الأفراد والشعوب
والأمم بأنها قائمة على الصراع المستند على منطق: "البقاء للأقوى"
وهي كذلك
تطبيق عملي لنظرية (الغاية تبرر الوسيلة) التي تبناها ميكافيلي، وخصص لها كتابه
المعنون: "الأمير" شرحاً وتأصيلاً، وقد أصبحت داءً عضالاً يفتك بالأمم والشعوب،
ووباء اجتماعياً وخيماً تنهار بسببه الحضارات والمجتمعات عندما يدب في أوصالها
وينتشر في جسدها على حين غفلة منها كالسرطان، ويسري بين جميع شرائحها ومختلف فئاتها
سريان النار في الهشيم، وتتحول هذه المجتمعات تحت تأثيره إلى مجموعات وعصابات من
الانتهازيين النفعيين الذين يضحون بكل شيء من أجل تحقيق مآربهم الخاصة ومنافعهم
العاجلة، ثم لا تسل بعد ذلك عن اضطراب المفاهيم، واختلال الموازين كإفراز طبيعي
لهذه الممارسات؛ فالكذب دهاء، والتعفف بلاهة، والصدق سذاجة، والنصح حسد أو سوء أدب،
والانضباط تعقيد، والباطل حقن والشرف تهمة، وهلم جرا، في سلسلة من المفاهيم
المقلوبة والمعايير المضطربة.