في مزرعة حمضيات ذات مساحة شاسعة تقع في شارع النفق بحي الدرج وسط مدينة غزة- كان العمل يجري على قدم وساق، وجلس المواطن أبو خضر الدحدوح بين عماله يساعدهم في فرز حبات البرتقال داخل علب كرتونية من أجل بيعها لتجار الجملة، في حين اعتلى عدد من العمال الأشجار مستخدمين سلالم حديدية لقطف ثمار البرتقال.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
ومنذ عقد من الزمن امتهن الدحدوح (47 عاما) ، تضمين مزارع الحمضيات " استئجارها وبيعها للتجار"، لكن مع سنوات الحصار تقلصت أرباحه، لعدم تصديره حبة واحدة للخارج، ما دفعه لبيع محصوله للسوق المحلي بربح ضئيل.
واشتهرت مدينة غزة على مدار العقود الماضية بزراعة الحمضيات، وتصديرها للدول العربية والأوروبية، وبعد حرب غزة أصبحت البلد المصدرة تستورد البرتقال ، بسب تجريف الاحتلال الإسرائيلي لمساحات شاسعة من الأراضي الزراعية في حربه على غزة، وعزوف بعض المزارعين عن زراعته.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
ضيف ثقيل
كان الدحدوح في جدال طويل مع أحد التجار الذي حاول جاهدا تخفيض ثمن حمولة سيارته، متذرعا بأسباب عديدة على رأسها منافسة البرتقال المصري للمنتج المحلي، إلا أنه لم يفلح في ثنيه عن خفض مليم واحد من سعرها.
تنحى الدحدوح جانبا، ووقف بظلال إحدى الأشجار منتقدا عملية تهريب الحمضيات عبر الأنفاق، وقال بعقلانية: " لست ضد استيراد البرتقال والفواكه الأخرى، لعلمي اليقين أن مزارع القطاع لا تكفي لسد متطلبات السوق المحلي، ويضيف " كان حريا على المسئولين السماح باستيرادها بعد انتهاء الحمضيات المحلية حتى لا يتأثر المزارع الفلسطيني بخسائر تدفعه لتخفيض سعر برتقاله.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
ونادرا ما يضطر الدحدوح لتخفيض سعر برتقاله في مواجهة المنافس المصري الجديد الذي يغزو الأسواق، ويجذب المتسوقين لكبر حجمه وجودته، مشيرا إلى أن أصحاب المزارع تتمسك بالأسعار لقلة الحمضيات المتوفرة في القطاع.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
وزخرت أسواق القطاع في الآونة الأخيرة بكميات كبيرة من الفواكه والخضروات المصرية كالبرتقال، والليمون، والثوم والبصل وغيرها، ولا يغيب البال عن الأسماك المصرية الرافدة من الأنفاق.
وبلغت خسائر القطاع ا لزراعي نحو 170 مليون دولارا، جراء تجريف مساحات شاسعة خلال العدوان الإسرائيلي، وبحسب تقارير إحصائية لوزارة الزراعة في حكومة غزة – فإن أعمال التجريف زادت عن 20 ألف دونم ، وتم اقتلاع ما يقارب مليون شجرة مثمرة، شكلت أشجار الحمضيات غالبيتها.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
ومؤخرا منعت وزارة الزراعة في غزة إدخال البرتقال من " إسرائيل" بهدف رفع أسعار المنتج المحلي، وتشجيع المزارعين الفلسطينيين على زراعة الحمضيات من جديد لتعويض الكميات التي يحتاجها السوق المحلي.
وعزف بعض المزارعين عن زراعة الحمضيات في قطاع غزة باعتبار أنه زراعة موسمية، ويعزو المزارع
إسماعيل أبو زور اقتلاع أشجار البرتقال من مزرعته قبل أعوام واستبدالها بأشجار الزيتون والمحاصيل الأخرى، بسبب استهلاكها كمية كبيرة من المياه، كما أن التوجه لزراعة المحاصيل الأخرى يعطيه إنتاجا على مدار العام بعكس الحمضيات التي لها موسم واحد في العام.
ويضيف أبو زور (55 عاما) أن الحصار الإسرائيلي أدى إلى كساد زراعة الحمضيات، وتدني أسعاره، إذ أن السوق المحلي لا يغطي أرباحا معقولة بالتوازي مع ما ينفقه من سماد ومياه وأدوية طيلة الموسم.
جودة ولكن..
قبل أن ترسل الشمس أشعتها الذهبية في نهاية الأربعينية الباردة، كان المواطن أبو رمضان حجازي منهمكا في تكديس عشرات الصناديق الممتلئة بفاكهة البرتقال على متن سيارته، على أمل بتوفير مبلغ مالي يساعده في ضيقته الشديدة.
وبمجرد وصوله إلى سوق فراس وسط مدينة غزة تجلت علامات الدهشة على ملامحه، فحبات البرتقال المصري على بسطات أقرنائه أكبر بكثير مما بحوزته، وساور حجازي (40 عاما) خيبة الأمل، لتدفق المتسوقين على بسطات أقرنائه نظرا لجودته غير مكترثين بغلاء سعره ، وصدح بصوت مجلجل لجذب انتباه المتسوقين للقدوم إلى بسطته لكن صياحه ضاع أدراج الرياح رغم انخفاض سعر برتقاله، ما دفعه لمغادرة السوق والتوجه إلى شوارع المدينة لبيع حمولته.
ويبلغ سعر كيلو البرتقال الرافد من الأنفاق ستة شواكل، في حين أن سعر البرتقال المحلي لا يتجاوز الثلاثة شواكل.
وعلى إحدى البسطات صدح صوت البائع محمد خليل مهللا على " برتقال الأنفاق"، فاندفع المتسوقين لرؤية ما لديه من حبات كبيرة من البرتقال الغائب عن عيونهم، وبالكاد تمكن خليل (20 عاما) من السيطرة على زمام الأمور على بسطته، لتلبية المواطنين نداءاته المرتفعة، والتف على محيط عربته مجموعة من المشترين نظرا لجودة برتقاله الرافد من أنفاق التهريب.
ويقول خليل : إنه يحقق ربحا معقولا من البيع، ولا يضطر للوقوف كثيرا في السوق، مشيرا إلى أن برتقاله يباع بسرعة على نقيض البرتقال الغزي الأرخص ثمنا.
وتختلف رغبة المواطنين في شراء البرتقال المصري، فالأغنياء يشترونه من باب التباهي ولجمال منظره، بينما الطبقة المتوسطة تفضل شراء المنتج المحلي لانخفاض ثمنه.
ولا يستغرب المواطن كريم بكير (35 عاما) على استيراد البرتقال المصري، لأن القطاع أصبح يعتمد على الاستيراد في شتى المجالات نظرا لضيق مساحته وتعدد السكان -كما يقول : " لقد ترعرعت على شكل معين لحبة البرتقال، وطعم مذاقها، فالبديل المصري مرتفع الثمن، ولا يكفيني شراء خمسة كيلوات حتى يأكل جميع أبنائي".
ربما يعتبر " برتقال الأنفاق" ضيفا ثقيلا على مزارعي قطاع غزة، يجبرهم على التنحي قليلا عن أرباحهم، لكنهم لا يملكون خيارا مادمت الأسواق شحيحة لا تسد حاجة المواطنين.