الجانب التربوي يؤكد المهمة الأولى والأساسية التي نزل من أجلها القرآن الكريم؛ ليصنع الفرد المسلم، والأمة المسلمة على عين الله عز وجل، وذلك بالتزام القرآن والسنّة اللذين إن تمسكنا بهما لن نضل بعد رسول الله أبداً، ومع خواطر تربوية متفرقة حول بعض آيات الكتاب الكريم المعجز.
هل تتصور أخي المسلم أن الصلاة والزكاة فيهما علاج لكل ما تشكو منه من علل وأمراض وضنك وضيق وهمّ وغمّ؟ فأنت تقف بين يدي الله خمس مرات في اليوم والليلة لتقيم الصلاة التي تحقق الراحة الكاملة وتقيم وتديم الصلة بالله – عز وجل – كما أن إيتاء الزكاة والصدقة يثبت الإيمان، ويحقق اليقين، ويعمق الطهارة في النفس البشرية.. لفظ الإقامة في اللغة من مادته اللغوية، قام أقام يقيم قائم، فيها معنى البناء، فالصلاة يبنيها المسلم فوق أركان، ويعلو ببنائها حتى يبلغ عنان السماء، بل قد تصبح في حقيقتها كما وصفها رسول الله (ص) معراج المؤمن، تصعد به إلى حيث فرضت من أصلها في رحلة الإسراء والمعراج، عند سدرة المنتهى.
وقد بيَّن رسول الله (ص) الصلاة وأهميتها، عندما قال (ص): "مَن أقامها فقد أقام الدين، ومَن هدمها فقد هدم الدين"، فعدم إقامة الصلاة هدم لبنائها.
ومنها الإقامة فيها والسكن، وذلك بعد أن تبنيها تسكن فيها وتسكن إليها، ومنها الإقامة والاعتدال وعدم العوج وعدم الخلل، ومنها الإقامة والمقيم والاستقامة، والمقيم هو المستمر الدائم، ففيها معنى الدوام، لذلك جاءت مرة (الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ) (المعارج/ 23)، مرة (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ) (المعارج/ 34)، والصلاة صلة، فالتدريب على شعيرة الصلاة تدريب على الصلة بالله، وعلى قدر حسن الصلاة يكون حسن الصلة.
أما الزكاة والصدقة، فليس المطلوب جمعها ودفعها للفقير، إنما المطلوب إيتاؤها، أي توصيلها على أحسن وجه، ففي حالة الأمانة قال الله عز وجل: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) (النساء/ 58)، ولذا لم يقل هنا: تؤدّوا الزكاة، أما الزكاة ذاتها ففيها معنى الطهارة والتطهر والنمو والزيادة، لأنك تخرج من كل ما رزقك الله صوراً عديدة من الزكاة: (وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ) (الطلاق/ 7)، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ) (البقرة/ 254)/ وورد في الأثر: "زكاة العلم مدارسته"، وتتصدق من علمك على غير المتعلم، وتتصدق من خبرتك على الآخر الذي ليس له ما أنت فيه من خبرة، وتتصدق من صحتك على العاجز والضعيف، وتتصدق من حلمك على من يجهل عليك، وكل ذلك سماه الرسول (ص) صدقة.. أما الثمرة منها، فهيا نقطفها: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا) (التوبة/ 103)، (وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ) (البقرة/ 265)، تطهير وتنمية وتثبيت، هذه الثمار الطيبة التي تجنيها بعد إخراج الزكاة، ولذلك قال رسول الله (ص): "والصدقة برهان" (رواه مسلم)، أي دليل على صدق الإيمان واليقين، والثقة بما عند الله أوثق مما في يديك.
فهيا نصحح صلاتنا لنقيمها، ونتصل من خلالها برب العرش العظيم، وهيا نراجع زكاتنا فنزكيها ونتزكى بها تزكية الله الكريم.
- لا حول ولا قوة إلا بالله:
كلمة جامعة مانعة شافية بإذن الله، نكررها مرددين مع كل مؤذن في كل وقت صلاة أربع مرات، عندما ينادي "حي على الصلاة" "حي على الفلاح"، فما هو الحول وما هي القوة؟
يا من يشغلكم أمر التغيير والتحويل والتبديل من حال إلى أفضل منه، اعلموا أنه لا حول ولا قوَّة إلا بالله، واعترفوا أننا لا نملك تحويلاً من حال إلى حال، ولا نملك قوةً على ذلك إلا بالله، والحول: هو القوة المعنوية الدافعة من العزم والإصرار والرغبة والهمة والإرادة والقوة، هي الأداة المادية لتنفيذ هذه الرغبة المعنوية، وكل ذلك ليس إلا بالله ومن الله.. (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (الأنفال/ 53)، (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) (الرعد/ 11)، فبداية التغيير نفسك التي بين جنبيك إن استطعت تغييرها لتزداد قرباً من ربك، فأنت على غيرها أقدر بإذن الله، وأولى خطوات ذلك، الخروج والبراءة من حولك وقوتك، إلى حول الله وقوته.
- اليقين الأكيد أنه لا يقع في ملكه إلا ما يريد:
عجيب أن يتكلم القرآن الكريم عن الغيب المستقبلي بصيغة الماضي، إنها طلاقة القدرة الربانية، يستوي تحت سلطانها الموجود والمفقود، يستوي الماضي، والحاضر، والمستقبل، ألم تسمع قول الله عز وجل: (أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ) (النحل/ 1)، ألم تسمع قول الله عز وجل عن أهل الجنة: (وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ) (الأعراف/ 44)، وعن أهل النار: (وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ) (الأعراف/ 50)، وعن الشيطان: (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأمْرُ) (إبراهيم/ 22)، وكلها أحداث في يوم القيامة ذكّرت بالأفعال الماضية التي تؤكدها قبل أن تحدث بسنوات وقرون عديدة.
عندما تسمع قول الله عز وجل دائماً في القرآن: (إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (النحل/ 40)، ويزداد يقينك بأن الأمر على الله عز وجل هيّن، ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، لذا كانت كل المعجزات هي متغيرات لموجودات، إما أن يسلبها الله ما بها، ويزيدها فوق صفاتها.. أو ينقص من خصائصها.
تأمل العصا في يد سيدنا موسى عليه السلام، أليست هي العصا التي أمره الله أن يلقيها هي حية تسعى؟.. وهي التي أمره الله (...أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ) (الشعراء/ 63)، أليست هي التي أمره الله أن (اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا) (البقرة/ 60)، لو كانت كل معجزة بعصا لظننا أن هذه صفات في كل عصا على حدة، ولكنها واحدة أظهرت طلاقة القدرة الإلهية، وتضاءلت الأسباب، فكانت أضعف وأبسط الأسباب لتدل على المسبب سبحانه وتعالى، وتزداد معرفة بالقدرة الإلهية عندما تقرأ الأوامر تصدر إلى كل هذه الكائنات فتنفذ كلها فوراً (وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ) (هود/ 44)، (أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي) (طه/ 39)، تدخل بالأمر الإلهي المباشر إلى قلب امرأة فرعون، بل إلى قلب فرعون رغم أنفه (...وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) (الأنفال/ 24).
وفي خروج ماء زمزم العجيب، طعام وشراب وشفاء، بل والأمان عندما عسكر حولها الركبان، كل ذلك حماية لهاجر الضعيفة، والطفل إسماعيل الأضعف، بعد أن نفَّذ الزوج أمر الله. وأطاعت الزوجة ربها وزوجها، وفوضت أمرها لله "إذن لن يضيعنا"، وأخذت بالأسباب الممكنة، وهي السعي والهرولة ذهاباً وإياباً بين الصفا والمروة، وغاية أملها، أن تجد قافلةً من بعيد تحمل غذاءً وماءً، فرأت الجائزة من ذي الجلال والإكرام، ماء لا يحتاج إلى رفع ولا حمل، بل نبع تحت القدمين الضعيفتين للطفل الصغير، ماء يزيد ولا ينقص، وسيبقى إلى يوم القيامة – بإذن الله – لا تعيش فيه ميكروبات ولا فيروسات ولا طفيليات ولا فطريات، حسب التجارب المعملية التي أجريت عليه في كلية علوم جامعة الملك عبد العزيز بالسعودية، بل وأصبحت شعيرة لكل حاج ومعتمر أن يشرب من ماء زمزم، ليتذكر هذا الدرس، درس التوكل بعد الأخذ بالأسباب، درس تنفيذ أوامر الله وتكاليف الإسلام، والله يخلفك في أهلك ومالك وولدك بأفضل ما يخلف به عباده الصالحين.
- آية في آية:
هل تتصورون أننا أحسن حالاً من كل الأمم السابقة التي رأت المعجزات الحسية والآيات الإلهية؟ إنهم إن كانوا قد رأوا آيةً فإن الله عز وجل قد أرانا الآية في آية أخرى من آيات القرآن الكريم، فنحن قد رأيناها آيتين: آية معجزة حسية في آية معجزة قرآنية، لذلك سنشهد يوم القيامة مع الأنبياء والمرسلين على أقوالهم بأنهم قد بلغوا الرسالة، وذلك بما أبلغنا رسول الله (ص) عن الله – عز وجل – عن الأنبياء والمرسلين؛ لتكونوا شهداء على الناس، وإنه لشرف عظيم (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ) (الزخرف/ 44).
هل تتصور أخي المسلم أن الصلاة والزكاة فيهما علاج لكل ما تشكو منه من علل وأمراض وضنك وضيق وهمّ وغمّ؟ فأنت تقف بين يدي الله خمس مرات في اليوم والليلة لتقيم الصلاة التي تحقق الراحة الكاملة وتقيم وتديم الصلة بالله – عز وجل – كما أن إيتاء الزكاة والصدقة يثبت الإيمان، ويحقق اليقين، ويعمق الطهارة في النفس البشرية.. لفظ الإقامة في اللغة من مادته اللغوية، قام أقام يقيم قائم، فيها معنى البناء، فالصلاة يبنيها المسلم فوق أركان، ويعلو ببنائها حتى يبلغ عنان السماء، بل قد تصبح في حقيقتها كما وصفها رسول الله (ص) معراج المؤمن، تصعد به إلى حيث فرضت من أصلها في رحلة الإسراء والمعراج، عند سدرة المنتهى.
وقد بيَّن رسول الله (ص) الصلاة وأهميتها، عندما قال (ص): "مَن أقامها فقد أقام الدين، ومَن هدمها فقد هدم الدين"، فعدم إقامة الصلاة هدم لبنائها.
ومنها الإقامة فيها والسكن، وذلك بعد أن تبنيها تسكن فيها وتسكن إليها، ومنها الإقامة والاعتدال وعدم العوج وعدم الخلل، ومنها الإقامة والمقيم والاستقامة، والمقيم هو المستمر الدائم، ففيها معنى الدوام، لذلك جاءت مرة (الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ) (المعارج/ 23)، مرة (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ) (المعارج/ 34)، والصلاة صلة، فالتدريب على شعيرة الصلاة تدريب على الصلة بالله، وعلى قدر حسن الصلاة يكون حسن الصلة.
أما الزكاة والصدقة، فليس المطلوب جمعها ودفعها للفقير، إنما المطلوب إيتاؤها، أي توصيلها على أحسن وجه، ففي حالة الأمانة قال الله عز وجل: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) (النساء/ 58)، ولذا لم يقل هنا: تؤدّوا الزكاة، أما الزكاة ذاتها ففيها معنى الطهارة والتطهر والنمو والزيادة، لأنك تخرج من كل ما رزقك الله صوراً عديدة من الزكاة: (وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ) (الطلاق/ 7)، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ) (البقرة/ 254)/ وورد في الأثر: "زكاة العلم مدارسته"، وتتصدق من علمك على غير المتعلم، وتتصدق من خبرتك على الآخر الذي ليس له ما أنت فيه من خبرة، وتتصدق من صحتك على العاجز والضعيف، وتتصدق من حلمك على من يجهل عليك، وكل ذلك سماه الرسول (ص) صدقة.. أما الثمرة منها، فهيا نقطفها: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا) (التوبة/ 103)، (وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ) (البقرة/ 265)، تطهير وتنمية وتثبيت، هذه الثمار الطيبة التي تجنيها بعد إخراج الزكاة، ولذلك قال رسول الله (ص): "والصدقة برهان" (رواه مسلم)، أي دليل على صدق الإيمان واليقين، والثقة بما عند الله أوثق مما في يديك.
فهيا نصحح صلاتنا لنقيمها، ونتصل من خلالها برب العرش العظيم، وهيا نراجع زكاتنا فنزكيها ونتزكى بها تزكية الله الكريم.
- لا حول ولا قوة إلا بالله:
كلمة جامعة مانعة شافية بإذن الله، نكررها مرددين مع كل مؤذن في كل وقت صلاة أربع مرات، عندما ينادي "حي على الصلاة" "حي على الفلاح"، فما هو الحول وما هي القوة؟
يا من يشغلكم أمر التغيير والتحويل والتبديل من حال إلى أفضل منه، اعلموا أنه لا حول ولا قوَّة إلا بالله، واعترفوا أننا لا نملك تحويلاً من حال إلى حال، ولا نملك قوةً على ذلك إلا بالله، والحول: هو القوة المعنوية الدافعة من العزم والإصرار والرغبة والهمة والإرادة والقوة، هي الأداة المادية لتنفيذ هذه الرغبة المعنوية، وكل ذلك ليس إلا بالله ومن الله.. (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (الأنفال/ 53)، (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) (الرعد/ 11)، فبداية التغيير نفسك التي بين جنبيك إن استطعت تغييرها لتزداد قرباً من ربك، فأنت على غيرها أقدر بإذن الله، وأولى خطوات ذلك، الخروج والبراءة من حولك وقوتك، إلى حول الله وقوته.
- اليقين الأكيد أنه لا يقع في ملكه إلا ما يريد:
عجيب أن يتكلم القرآن الكريم عن الغيب المستقبلي بصيغة الماضي، إنها طلاقة القدرة الربانية، يستوي تحت سلطانها الموجود والمفقود، يستوي الماضي، والحاضر، والمستقبل، ألم تسمع قول الله عز وجل: (أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ) (النحل/ 1)، ألم تسمع قول الله عز وجل عن أهل الجنة: (وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ) (الأعراف/ 44)، وعن أهل النار: (وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ) (الأعراف/ 50)، وعن الشيطان: (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأمْرُ) (إبراهيم/ 22)، وكلها أحداث في يوم القيامة ذكّرت بالأفعال الماضية التي تؤكدها قبل أن تحدث بسنوات وقرون عديدة.
عندما تسمع قول الله عز وجل دائماً في القرآن: (إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (النحل/ 40)، ويزداد يقينك بأن الأمر على الله عز وجل هيّن، ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، لذا كانت كل المعجزات هي متغيرات لموجودات، إما أن يسلبها الله ما بها، ويزيدها فوق صفاتها.. أو ينقص من خصائصها.
تأمل العصا في يد سيدنا موسى عليه السلام، أليست هي العصا التي أمره الله أن يلقيها هي حية تسعى؟.. وهي التي أمره الله (...أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ) (الشعراء/ 63)، أليست هي التي أمره الله أن (اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا) (البقرة/ 60)، لو كانت كل معجزة بعصا لظننا أن هذه صفات في كل عصا على حدة، ولكنها واحدة أظهرت طلاقة القدرة الإلهية، وتضاءلت الأسباب، فكانت أضعف وأبسط الأسباب لتدل على المسبب سبحانه وتعالى، وتزداد معرفة بالقدرة الإلهية عندما تقرأ الأوامر تصدر إلى كل هذه الكائنات فتنفذ كلها فوراً (وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ) (هود/ 44)، (أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي) (طه/ 39)، تدخل بالأمر الإلهي المباشر إلى قلب امرأة فرعون، بل إلى قلب فرعون رغم أنفه (...وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) (الأنفال/ 24).
وفي خروج ماء زمزم العجيب، طعام وشراب وشفاء، بل والأمان عندما عسكر حولها الركبان، كل ذلك حماية لهاجر الضعيفة، والطفل إسماعيل الأضعف، بعد أن نفَّذ الزوج أمر الله. وأطاعت الزوجة ربها وزوجها، وفوضت أمرها لله "إذن لن يضيعنا"، وأخذت بالأسباب الممكنة، وهي السعي والهرولة ذهاباً وإياباً بين الصفا والمروة، وغاية أملها، أن تجد قافلةً من بعيد تحمل غذاءً وماءً، فرأت الجائزة من ذي الجلال والإكرام، ماء لا يحتاج إلى رفع ولا حمل، بل نبع تحت القدمين الضعيفتين للطفل الصغير، ماء يزيد ولا ينقص، وسيبقى إلى يوم القيامة – بإذن الله – لا تعيش فيه ميكروبات ولا فيروسات ولا طفيليات ولا فطريات، حسب التجارب المعملية التي أجريت عليه في كلية علوم جامعة الملك عبد العزيز بالسعودية، بل وأصبحت شعيرة لكل حاج ومعتمر أن يشرب من ماء زمزم، ليتذكر هذا الدرس، درس التوكل بعد الأخذ بالأسباب، درس تنفيذ أوامر الله وتكاليف الإسلام، والله يخلفك في أهلك ومالك وولدك بأفضل ما يخلف به عباده الصالحين.
- آية في آية:
هل تتصورون أننا أحسن حالاً من كل الأمم السابقة التي رأت المعجزات الحسية والآيات الإلهية؟ إنهم إن كانوا قد رأوا آيةً فإن الله عز وجل قد أرانا الآية في آية أخرى من آيات القرآن الكريم، فنحن قد رأيناها آيتين: آية معجزة حسية في آية معجزة قرآنية، لذلك سنشهد يوم القيامة مع الأنبياء والمرسلين على أقوالهم بأنهم قد بلغوا الرسالة، وذلك بما أبلغنا رسول الله (ص) عن الله – عز وجل – عن الأنبياء والمرسلين؛ لتكونوا شهداء على الناس، وإنه لشرف عظيم (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ) (الزخرف/ 44).