بسم الله الرحمن الرحيم
ماذا نقصد بالقيم ؟
القيمـــة هي صفة في شيء تجعله موضع تقدير واحترام أي أن هذه الصفة تجعل ذلك الشيء مطلوبًا ومرغوبًا فيه ، سواءً كانت الرغبة عند شخص واحد ، أو عند مجموعة من الأشخاص . مثال ذلك إن للنسب عند الأشراف قيمة عالية ، وللحكمة عند العٌلماء قيمة عظيمة ، وللشجاعة عند الأمراء قيمة مرغوبة ، ونحو ذلك
العدل
عندما تختفي أنوار العدل عن البشر ، يغشاهم الهرج والمرج ، ويتفشى الظلم بينهم بشكلٍ فظيع ، حيث تجد القويّ يفتك بالضعيف ، والقادر يسلب حق العاجز ، والغالب يُريق دم المغلوب ، والراعي يهضم حق المرعى ، والكبير يقهر الصّغير ، ولا يخرجهم من هذا الوضع المشين ، إلاّ " العدل " سعادتهم ، وقاعدة أمنهم واستقرارهم . فما هو العدل وما أنواعه ، وما ثمرته ، وكيف طبقّه المسلمون في حياتهم ؟ ؟
أسئلة وتساؤلات تأتي الإجابة عنها في الفقرات الآتية
مفهوم العدل؟
المراد بالعدل ؟
إعطاء كل ذي حق حقه ، إن خيرًا فخير ، وإن شرًا فشر ، من غير تفرقة بين المستحقين ولأهمية العدل ومنزلته ، بعث الله رسله وأنزل كتبه ، لنشره بين الأنام ،
والقسط ؟
العدل ، وهو قوام الدنيا والدين ، وسبب صلاح العباد والبلاد ، به قامت السموات والأرض ، وتألفت به الضمائر والقلوب والتأمت به الأمم والشعوب ، وشمل به الناس التناصف والتعاطف ، وضمهم به التواصل والتجانس ، وارتفع به التقاطع والتخالف .
وضعه الله تعالى لتوزّع به الأنصبة والحقوق ، وتقدر به الأعمال والأشخاص ، إذ هو الميزان المستقيم ، الذي لا تميل كفته ، ولا يختل وزنه ، ولا يضطرب مقياسه ، فمن رام مخالفته ، وقصد مُجانيته ، عرّض دينه للخبال ، وعمرانه للخراب ، وعزته للهوان ، وكثرته للنقصان ، وما من شيء قام على العدل ، واستقام عليه ، إلاّ أمن الانعدام ، وسلم من الانهيار .
ومن أهم دعائم السعادة ، التي ينشدها البشر في حياتهم ، أن يطمئنوا على حقوقهم وممتلكاتهم ، وأن يستقر العدل فيما بينهم ، وإلاّ فلا يعرف على وجه الأرض شيء أبعث للشقاء والدّمار ، وأنفى للهدوء والاستقرار بين الأفراد والجماعات ، من سلب الحقوق .
إذن العدل قيمة ضرورية في الإسلام
عمل الإسلام على إثباتها ، وإرسائها بين الناس ، حتى ارتبطت بها جميع مناحي تشريعاته ونظمه ، فلا يوجد نظام في الإسلام إلاّ وللعدل فيه مطلب ، فهو مرتبط بنظام الإدارة والحكم ، والقضاء ، وأداء الشهادة ، وكتابة العهود والمواثيق بل إنه مرتبط أيضًا بنظام الأسرة والتربية ، والاقتصاد والاجتماع ، والسلوك ، والتفكير ، إلى غير ذلك من أنظمة الإسلام المختلفة وهذا يدل بوضوح على أن الإسلام ضمن قيمة العدل في جميع مجالات الحياة ، بل إنه ركز كافة أهدافه على ضوئها ، مما شهد له التاريخ على سلامة المجتمعات التي حكمها ، من الانهيار الخطير في الأخلاق ، وأمنها من اضطراب الموازين والمعايير ، وصانها من دمار النفوس ، وخراب العمران .
أنواع العدل
يمكن تقسيمه إلى أنواع باعتبارات مختلفة ، منها :
تقسيم العدل باعتبار زمانه ومكانه :
والعدل بهذا الاعتبار ينقسم إلى قسمين :
1- عدل في الدنيا : وهو يشمل الحياة البشرية كلها ، منذ أن خلق الله آدم - عليه السلام - إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها .
ومعلوم أن رسل الله وأنبياءه ، موزعون على الأزمان والأجيال بالتعاقب ، ليقيموا العدل بين الناس ، إذ الناس يختلفون ويختصمون ، ويؤثر فيهم الهوى والشهوة ، فيقع الظلم بينهم ، فجاء الأنبياء بالعدل لرفع ذلك الظلم ، ومنع ضرره ، ولولاهم ، لفسدت حياة الناس وخربت عليهم الديار . وفي قصة ابني آدم - عليه السلام وهما قابيل وهابيل - التي خلّد ذكرها القرآن ما يعطي صورة واضحة على خطورة الظلم وضرره ، حيث إنه أول معصية أودت بحياة إنسان على وجه الأرض ، ويؤكد على ضرورة العدل ، كي تعيش البشرية في أمن وسلام واستقرار . وهذا العدل الدنيوي عدل تبين لأنه يقوم على حسب وسع البشر في تطبيقهم لمقتضيات العدل الإلهي المثبت في أحكامه وشرائعه .
2- عدل في الآخرة : وهو الذي استأثر به الله تعالى يوم القيامة ، إذ قد يفلت الظالم في الدنيا من سلطة الحكم العادل ، الذي يرد عليه ظلمه ، ويؤاخذه بذنبه ، كما أن من التزم العدل في الدنيا ، يتشوق إلى الأجر العظيم ، الذي أعده الله له يوم القيامة مقابل التزامه وصبره وتحمله . وفي هذا وذاك ،
وهذا هو العدل المطلق لأن الذي يتولى القيام به هو الله تعالى الذي لا يعزب عنه مثقال حبة أو ذرة في السماوات ولا في الأرض .
تقسيم العدل باعتبار عمومه وشموله:
والعدل بهذا الاعتبار يعمّ الإنسان والحيوان وسائر الكائنات . أما شموله للإنسان فتدّل عليه أدلة كثيرة ،
والخطاب للعقلاء ، فكل عاقل مطالب بإقامة العدل في حياته ، مع نفسه وغيره ، حتى لو كان الغير عدوّه وخصمه لأن سلطان العدل ، ليس له حدود ، فهو يتجاوز حدود الدين والعقيدة ، ويتجاوز حدود القرابة والنّسب ، ويتجاوز حدود الأرض أو الوطن ، فمن كان له حق لآخر ، فلا يظلمه ، بحجة أنه يختلف معه في الدّين أو النسب ، أو الوطن ، بل الواجب عليه أن يعطيه حقه لإنسانيته ، إذ العدل حق يشترك فيه جميع الناس .
وأما شموله للحيوان ، فلأن الإنسان مأمور بعدم ظلمه وإيذائه ، سواء كان بحبس أو تجويع أو تحميل له فوق طاقته أو غير ذلك ، وقد دخلت امرأة النار في هرة ، حبستها من غير أن تطعمها أو تخلي سبيلها فتأكل من حشاش الأرض ودخل رجل الجنة في كلبٍ وجده يلهث ويأكل التراب من شدة العطش ، فنزل في البئر ، فملأ خفّه ماء ، فسقاه ، فشكر الله له ، وأدخله الجنة فالحيوان وإن كان لا يستطيع هو بنفسه أن يحقق العدل في حياته - لعدم تكليفه حيث لا يعقل الخطاب عن المكلف - إلا أن الذين يعيشون معه مطالبون بالعدل معه ، والكف عن أذيته .
وأما شمول العدل لسائر الكائنات ، فهو ما نراه ونلحظه في حركة الكائنات التي تسبح في الأرض ، أو التي تسبح في الفضاء ، فإنها تتحرك حركة عادلة ، فمنها ما يلاحظ عدله في الحركة بين السرعة والبطء ، كالليل والنّهار ، والشمس والقمر ، والنجوم والكواكب ، ومنها ما يكون عدله مركوزًا في حركته بين الزيادة والنقصان ، كالماء واليابسة ، فإن الماء لو طغى على اليابسة ، لهلك كل شيء يقطن اليابسة ، كما أنه لو نقص ، لهلك كل كائن يعيش في الماء . ومن الكائنات ما عدله ملاحظ في طبيعته وتكوينه البيولوجي والكيمائي ، كالحيوانات التي تدبّ على الأرض وما من شيء في الكون ، إلاّ وقد رُكّز " العدل " في نظام حياته ، مما فيه الحياة أو نظام حركته ، مما لا حياة فيه ، ولكنه يسير ويتحرك .
تقسيم العدل باعتبار تعلقه بالإنسان
والعدل بهذا الاعتبار ينقسم إلى قسمين :
عدل فردي
وهو ما كان مظهرًا للتوازن النفسي لدى الفرد ، وذلك أن تناسب قوى المرء الثلاث - العقل والغضب والشهوة - أمر راجع إلى الإنسان نفسه ، إما لذاته ، نتيجة تأملاته وأفكاره الفردية ، وإما بتأثير غيره ، عن طريق العلم والمعرفة والإدراك مثال ذلك : عدل الإنسان في نفسه ، بأن يعدل في جسده وروحه ، وعقله وفكره ، وأخذه وعطائه ، وعمله ونشاطه ، ونحو ذلك من الأمور التي تخص الفرد في هذه الحياة .
عدل جماعي
وهو ما روعي فيه حقوق الآخرين ، وما يجب نحوهم من احترام وتقدير أي أن الإنسان يعتدل في أخذ ما له من حقوق ، وأداء ما عليه من واجبات . مثال ذلك : عدل الإنسان في بيعه وشرائه ، وفي حكمه وقضائه ، وشهادته وأمانته ، ومنعه وعطائه ، وغير ذلك من المظاهر الاجتماعية الكثيرة ، التي يجري فيها العدل بين الفرد وغيره . فالحاكم الأعلى أو الرّئيس - وهو إنسان فرد - يجب عليه إزاء الجماعة أن يتبع قواعد العدل في توليتها ، وذلك بإسناد الأعمال إلى أهلها من ذوي الكفاءة والخبرة . والقاضي يجب أن يراعي العدل بين الخصمين ، بإعطاء كل ذي حق حقه ، وإلزام من عليه الحق أن يدفعه لمستحقه .
والزوج كذلك عليه أن يعامل زوجته أو زوجاته بالعدل ، ويعطي كل واحدة منهن حقها المشروع ، من النفقة والسكن ، والمبيت والركوب ، والطعام واللباس ونحوه . والأب مطالب بالعدل بين أبنائه ، في التربية والتعليم ، والصحة ، والمنع والعطاء ، وألاّ يفضل أحدًا على آخر إلاّ بحقّه وقد ثبت كل ذلك بنصوص صريحة ومباشرة قال الله وقال { اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم }
ثمرة العدل
إن المجتمع الذي يضمن نظامه العدل ، لا بدّ أن يجني في حياته ثمرات عظيمة ومنافع كثيرة ، نذكر منها ما يلي :
أ - العدل مشعر للناس بالاطمئنان والاستقرار ، وحافز كبير لهم على الإقبال على العمل والإنتاج ، فيترتب على ذلك : نماء العمران واتساعه ، وكثرة الخيرات وزيادة الأموال والأرزاق ، ولا يخفى أن المال والعمل ، من أكبر العوامل لتقّدم الدّول وازدهارها ، بينما في المقابل تكون عواقب الاعتداء على أموال الناس وممتلكاتهم ، وغمطهم حقوقهم ، هي الإحجام عن العمل ، والركود عن الحركة والنشاط ، لفقد الشعور بالاطمئنان والثقة بين الناس . وهذا يؤدي بدوره إلى الكساد الاقتصادي ، والتأخر العمراني ، والتعثر السّياسي يقول ابن خلدون : [ اعلم أن العدوان على الناس في أموالهم ، ذاهب بآمالهم في تحصيلها واكتسابها ، لما يرونه حينئذ من أنّ غايتها ومصيرها ، انتهابها من أيديهم ، وعلى قدر الاعتداء ونسبته يكون انقباض الرّعايا عن السّعي في الاكتساب ، والعمران ووفوره ، ونفاق أسواقه إنما هو بالأعمال ، فإذا قعد الناس عن المعاش ، كسدت أسواق العمران ، وانتقصت الأموال ، وَابْذَعَرَّ- أي تفرق - الناس في الآفاق ، وفي طلب الرّزق ، فخفّ ساكن القطر ، وخلّت دياره ، وخربت أمصاره ، واختل باختلافه حال الدّولة ].
ب- أنه بغير العدل ، يتحيّن الناس الفرصة ، للثورة على الحكومة الظالمة ، وخلع يد الطاعة عن أعناقهم ، ذلك أن النفوس مجبولة على حبّ من أحسن إليها ، وكره من أساء إليها ، وليس هناك إساءة أشد من الظلم ، وأفدح من الجور ، ولذلك تقوم الثورات كل حين ، وتزداد الانتفاضات هنا وهناك ، لتقويض كابوس الظلم ، ورفع وطأته عن كاهل الشعوب . وما قيام " الثورة الفرنسية " في أوروبا ، والانتفاضة الفلسطينية في الشرق الأوسط ومقاومة التمييز العنصري في أمريكا وجنوب أفريقيا إلاّ صورة معبرة عن فقدان العدل في تلك الأماكن وانتشار الظلم فيها ، فأسفر عن إعلان غضب شعوب المنطقة على الظلم وأهله ، وكراهيتها لأساليب القمع والاضطهاد ، والتعذيب والتنكيل ، والطغيان والاستبداد التي تمارسها السّلطات القائمة في تلك المناطق ضد شعوبها .
تطبيقات العدل في الإسلام
طبّق المسلمون " العدل " في أعلى صوره ، بدءًا برسول الله ، فقد وضع نفسه في مصاف مرتبة البشر ، ولم يحمله شرفه العظيم للامتياز عن الناس تبريرًا لأخذ حقوقهم من غير وجه حق ، بل كان نموذجًا رائعًا في إقامة العدل ، حتى على نفسه الكريمة رغم كونه نبي الله ورسوله . فقد رُوى أن { أسيد بن حضير كان رجلا صالحا ضاحكا مليحا ، فبينما هو عند رسول الله ، يحدث القوم ويضحكهم ، طعن رسول الله في خاصرته ، فقال : أوجعتني . قال " اقتص " قال : يا رسول الله إن عليك قميصا ، ولم يكن عليّ قميص . قال : فرفع رسول الله قميصه ، فاحتضنه ، ثم جعل يقبل كشحه ، فقال : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، أردت هذا } ( ) وهذا من أروع الأمثلة على العدل ، الذي سيظلّ يعجز عن تحقيقه أعظم الزعماء إنصافًا مع رعاياه عبر القرون والأجيال . ومثال آخر في تطبيق العدل في الإسلام ، عمر بن الخطاب أمير المؤمنين ، الذي لم تزد قيمة شهادته على شهادة غيره من الناس لمجرد كونه أميرًا . فقد روي عنه أنه كان يمر ليلًا - على عادته - ليتفقد أحوال رعيته ، فرأى رجلًا وامرأة على فاحشة ، وجمع الناس وخطب فيهم : " ما قولكم أيها الناس في رجل وامرأة رآهما أمير المؤمنين على فاحشة ؟ فرد عليه عليّ بن أبي طالب : يأتي أمير المؤمنين بأربعة شهداء ، أو يجلد حد القذف ، شأنه شأن سائر المسلمين .
ولم يملك أمير المؤمنين إلاّ أن يمسك عن ذكر أسماء الجناة ، حيث أدرك أنه لا يستطيع أن يأتي بباقي نصاب الشهادة وأنه لا فرق في هذا بينه وبين سائر المسلمين .
ومثال آخر : عليّ بن أبي طالب الخليفة الرابع ، افتقد درعه - يوما من الأيام - فوجدها عند رجل نصراني ، فاختصمه إلى شريح القاضي ، فقال عليّ مدعيا : الدّرع درعي ، ولم أبع ولم أهب ، وسأل شريح النصراني في ذلك فقال : ما الدّرع إلاّ درعي ، وما أمير المؤمنين عندي بكاذبٍ . فالتفت القاضي إلى أمير المؤمنين عليّ ، فقال : يا أمير المؤمنين ، إن النصراني صاحب اليد على الدّرع ، وله بذلك حقٌ ظاهر عليها ، فهل لديك بيّنة على خلاف ذلك تؤيد ما تقول ؟ فقال أمير المؤمنين أصاب شريح ، مالي بيّنة ، وقضى شريحٌ بالدرع للنصراني ، وأخذ النصراني الدّرع وانصرف بضع خطوات ، ثم عاد فقال أما أني أشهد أن هذه أحكام الأنبياء ، أمير المؤمنين يدنيني إلى قاضيه ، فيقضي لي عليه ، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، الدّرع درعك يا أمير المؤمنين ، اتبعت الجيش وأنت منطلق من صفين ، فخرجت من بعيرك الأورق . فقال علي : أما وقد أسلمت فهي لك وغير ذلك من الأمثلة الكثيرة ، التي تدلّ على تطبيق العدل في الإسلام في أعلى درجاته
مأخوذ عن
موسوعة المفاهيم الاسلامية
ماذا نقصد بالقيم ؟
القيمـــة هي صفة في شيء تجعله موضع تقدير واحترام أي أن هذه الصفة تجعل ذلك الشيء مطلوبًا ومرغوبًا فيه ، سواءً كانت الرغبة عند شخص واحد ، أو عند مجموعة من الأشخاص . مثال ذلك إن للنسب عند الأشراف قيمة عالية ، وللحكمة عند العٌلماء قيمة عظيمة ، وللشجاعة عند الأمراء قيمة مرغوبة ، ونحو ذلك
العدل
عندما تختفي أنوار العدل عن البشر ، يغشاهم الهرج والمرج ، ويتفشى الظلم بينهم بشكلٍ فظيع ، حيث تجد القويّ يفتك بالضعيف ، والقادر يسلب حق العاجز ، والغالب يُريق دم المغلوب ، والراعي يهضم حق المرعى ، والكبير يقهر الصّغير ، ولا يخرجهم من هذا الوضع المشين ، إلاّ " العدل " سعادتهم ، وقاعدة أمنهم واستقرارهم . فما هو العدل وما أنواعه ، وما ثمرته ، وكيف طبقّه المسلمون في حياتهم ؟ ؟
أسئلة وتساؤلات تأتي الإجابة عنها في الفقرات الآتية
مفهوم العدل؟
المراد بالعدل ؟
إعطاء كل ذي حق حقه ، إن خيرًا فخير ، وإن شرًا فشر ، من غير تفرقة بين المستحقين ولأهمية العدل ومنزلته ، بعث الله رسله وأنزل كتبه ، لنشره بين الأنام ،
والقسط ؟
العدل ، وهو قوام الدنيا والدين ، وسبب صلاح العباد والبلاد ، به قامت السموات والأرض ، وتألفت به الضمائر والقلوب والتأمت به الأمم والشعوب ، وشمل به الناس التناصف والتعاطف ، وضمهم به التواصل والتجانس ، وارتفع به التقاطع والتخالف .
وضعه الله تعالى لتوزّع به الأنصبة والحقوق ، وتقدر به الأعمال والأشخاص ، إذ هو الميزان المستقيم ، الذي لا تميل كفته ، ولا يختل وزنه ، ولا يضطرب مقياسه ، فمن رام مخالفته ، وقصد مُجانيته ، عرّض دينه للخبال ، وعمرانه للخراب ، وعزته للهوان ، وكثرته للنقصان ، وما من شيء قام على العدل ، واستقام عليه ، إلاّ أمن الانعدام ، وسلم من الانهيار .
ومن أهم دعائم السعادة ، التي ينشدها البشر في حياتهم ، أن يطمئنوا على حقوقهم وممتلكاتهم ، وأن يستقر العدل فيما بينهم ، وإلاّ فلا يعرف على وجه الأرض شيء أبعث للشقاء والدّمار ، وأنفى للهدوء والاستقرار بين الأفراد والجماعات ، من سلب الحقوق .
إذن العدل قيمة ضرورية في الإسلام
عمل الإسلام على إثباتها ، وإرسائها بين الناس ، حتى ارتبطت بها جميع مناحي تشريعاته ونظمه ، فلا يوجد نظام في الإسلام إلاّ وللعدل فيه مطلب ، فهو مرتبط بنظام الإدارة والحكم ، والقضاء ، وأداء الشهادة ، وكتابة العهود والمواثيق بل إنه مرتبط أيضًا بنظام الأسرة والتربية ، والاقتصاد والاجتماع ، والسلوك ، والتفكير ، إلى غير ذلك من أنظمة الإسلام المختلفة وهذا يدل بوضوح على أن الإسلام ضمن قيمة العدل في جميع مجالات الحياة ، بل إنه ركز كافة أهدافه على ضوئها ، مما شهد له التاريخ على سلامة المجتمعات التي حكمها ، من الانهيار الخطير في الأخلاق ، وأمنها من اضطراب الموازين والمعايير ، وصانها من دمار النفوس ، وخراب العمران .
أنواع العدل
يمكن تقسيمه إلى أنواع باعتبارات مختلفة ، منها :
تقسيم العدل باعتبار زمانه ومكانه :
والعدل بهذا الاعتبار ينقسم إلى قسمين :
1- عدل في الدنيا : وهو يشمل الحياة البشرية كلها ، منذ أن خلق الله آدم - عليه السلام - إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها .
ومعلوم أن رسل الله وأنبياءه ، موزعون على الأزمان والأجيال بالتعاقب ، ليقيموا العدل بين الناس ، إذ الناس يختلفون ويختصمون ، ويؤثر فيهم الهوى والشهوة ، فيقع الظلم بينهم ، فجاء الأنبياء بالعدل لرفع ذلك الظلم ، ومنع ضرره ، ولولاهم ، لفسدت حياة الناس وخربت عليهم الديار . وفي قصة ابني آدم - عليه السلام وهما قابيل وهابيل - التي خلّد ذكرها القرآن ما يعطي صورة واضحة على خطورة الظلم وضرره ، حيث إنه أول معصية أودت بحياة إنسان على وجه الأرض ، ويؤكد على ضرورة العدل ، كي تعيش البشرية في أمن وسلام واستقرار . وهذا العدل الدنيوي عدل تبين لأنه يقوم على حسب وسع البشر في تطبيقهم لمقتضيات العدل الإلهي المثبت في أحكامه وشرائعه .
2- عدل في الآخرة : وهو الذي استأثر به الله تعالى يوم القيامة ، إذ قد يفلت الظالم في الدنيا من سلطة الحكم العادل ، الذي يرد عليه ظلمه ، ويؤاخذه بذنبه ، كما أن من التزم العدل في الدنيا ، يتشوق إلى الأجر العظيم ، الذي أعده الله له يوم القيامة مقابل التزامه وصبره وتحمله . وفي هذا وذاك ،
وهذا هو العدل المطلق لأن الذي يتولى القيام به هو الله تعالى الذي لا يعزب عنه مثقال حبة أو ذرة في السماوات ولا في الأرض .
تقسيم العدل باعتبار عمومه وشموله:
والعدل بهذا الاعتبار يعمّ الإنسان والحيوان وسائر الكائنات . أما شموله للإنسان فتدّل عليه أدلة كثيرة ،
والخطاب للعقلاء ، فكل عاقل مطالب بإقامة العدل في حياته ، مع نفسه وغيره ، حتى لو كان الغير عدوّه وخصمه لأن سلطان العدل ، ليس له حدود ، فهو يتجاوز حدود الدين والعقيدة ، ويتجاوز حدود القرابة والنّسب ، ويتجاوز حدود الأرض أو الوطن ، فمن كان له حق لآخر ، فلا يظلمه ، بحجة أنه يختلف معه في الدّين أو النسب ، أو الوطن ، بل الواجب عليه أن يعطيه حقه لإنسانيته ، إذ العدل حق يشترك فيه جميع الناس .
وأما شموله للحيوان ، فلأن الإنسان مأمور بعدم ظلمه وإيذائه ، سواء كان بحبس أو تجويع أو تحميل له فوق طاقته أو غير ذلك ، وقد دخلت امرأة النار في هرة ، حبستها من غير أن تطعمها أو تخلي سبيلها فتأكل من حشاش الأرض ودخل رجل الجنة في كلبٍ وجده يلهث ويأكل التراب من شدة العطش ، فنزل في البئر ، فملأ خفّه ماء ، فسقاه ، فشكر الله له ، وأدخله الجنة فالحيوان وإن كان لا يستطيع هو بنفسه أن يحقق العدل في حياته - لعدم تكليفه حيث لا يعقل الخطاب عن المكلف - إلا أن الذين يعيشون معه مطالبون بالعدل معه ، والكف عن أذيته .
وأما شمول العدل لسائر الكائنات ، فهو ما نراه ونلحظه في حركة الكائنات التي تسبح في الأرض ، أو التي تسبح في الفضاء ، فإنها تتحرك حركة عادلة ، فمنها ما يلاحظ عدله في الحركة بين السرعة والبطء ، كالليل والنّهار ، والشمس والقمر ، والنجوم والكواكب ، ومنها ما يكون عدله مركوزًا في حركته بين الزيادة والنقصان ، كالماء واليابسة ، فإن الماء لو طغى على اليابسة ، لهلك كل شيء يقطن اليابسة ، كما أنه لو نقص ، لهلك كل كائن يعيش في الماء . ومن الكائنات ما عدله ملاحظ في طبيعته وتكوينه البيولوجي والكيمائي ، كالحيوانات التي تدبّ على الأرض وما من شيء في الكون ، إلاّ وقد رُكّز " العدل " في نظام حياته ، مما فيه الحياة أو نظام حركته ، مما لا حياة فيه ، ولكنه يسير ويتحرك .
تقسيم العدل باعتبار تعلقه بالإنسان
والعدل بهذا الاعتبار ينقسم إلى قسمين :
عدل فردي
وهو ما كان مظهرًا للتوازن النفسي لدى الفرد ، وذلك أن تناسب قوى المرء الثلاث - العقل والغضب والشهوة - أمر راجع إلى الإنسان نفسه ، إما لذاته ، نتيجة تأملاته وأفكاره الفردية ، وإما بتأثير غيره ، عن طريق العلم والمعرفة والإدراك مثال ذلك : عدل الإنسان في نفسه ، بأن يعدل في جسده وروحه ، وعقله وفكره ، وأخذه وعطائه ، وعمله ونشاطه ، ونحو ذلك من الأمور التي تخص الفرد في هذه الحياة .
عدل جماعي
وهو ما روعي فيه حقوق الآخرين ، وما يجب نحوهم من احترام وتقدير أي أن الإنسان يعتدل في أخذ ما له من حقوق ، وأداء ما عليه من واجبات . مثال ذلك : عدل الإنسان في بيعه وشرائه ، وفي حكمه وقضائه ، وشهادته وأمانته ، ومنعه وعطائه ، وغير ذلك من المظاهر الاجتماعية الكثيرة ، التي يجري فيها العدل بين الفرد وغيره . فالحاكم الأعلى أو الرّئيس - وهو إنسان فرد - يجب عليه إزاء الجماعة أن يتبع قواعد العدل في توليتها ، وذلك بإسناد الأعمال إلى أهلها من ذوي الكفاءة والخبرة . والقاضي يجب أن يراعي العدل بين الخصمين ، بإعطاء كل ذي حق حقه ، وإلزام من عليه الحق أن يدفعه لمستحقه .
والزوج كذلك عليه أن يعامل زوجته أو زوجاته بالعدل ، ويعطي كل واحدة منهن حقها المشروع ، من النفقة والسكن ، والمبيت والركوب ، والطعام واللباس ونحوه . والأب مطالب بالعدل بين أبنائه ، في التربية والتعليم ، والصحة ، والمنع والعطاء ، وألاّ يفضل أحدًا على آخر إلاّ بحقّه وقد ثبت كل ذلك بنصوص صريحة ومباشرة قال الله وقال { اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم }
ثمرة العدل
إن المجتمع الذي يضمن نظامه العدل ، لا بدّ أن يجني في حياته ثمرات عظيمة ومنافع كثيرة ، نذكر منها ما يلي :
أ - العدل مشعر للناس بالاطمئنان والاستقرار ، وحافز كبير لهم على الإقبال على العمل والإنتاج ، فيترتب على ذلك : نماء العمران واتساعه ، وكثرة الخيرات وزيادة الأموال والأرزاق ، ولا يخفى أن المال والعمل ، من أكبر العوامل لتقّدم الدّول وازدهارها ، بينما في المقابل تكون عواقب الاعتداء على أموال الناس وممتلكاتهم ، وغمطهم حقوقهم ، هي الإحجام عن العمل ، والركود عن الحركة والنشاط ، لفقد الشعور بالاطمئنان والثقة بين الناس . وهذا يؤدي بدوره إلى الكساد الاقتصادي ، والتأخر العمراني ، والتعثر السّياسي يقول ابن خلدون : [ اعلم أن العدوان على الناس في أموالهم ، ذاهب بآمالهم في تحصيلها واكتسابها ، لما يرونه حينئذ من أنّ غايتها ومصيرها ، انتهابها من أيديهم ، وعلى قدر الاعتداء ونسبته يكون انقباض الرّعايا عن السّعي في الاكتساب ، والعمران ووفوره ، ونفاق أسواقه إنما هو بالأعمال ، فإذا قعد الناس عن المعاش ، كسدت أسواق العمران ، وانتقصت الأموال ، وَابْذَعَرَّ- أي تفرق - الناس في الآفاق ، وفي طلب الرّزق ، فخفّ ساكن القطر ، وخلّت دياره ، وخربت أمصاره ، واختل باختلافه حال الدّولة ].
ب- أنه بغير العدل ، يتحيّن الناس الفرصة ، للثورة على الحكومة الظالمة ، وخلع يد الطاعة عن أعناقهم ، ذلك أن النفوس مجبولة على حبّ من أحسن إليها ، وكره من أساء إليها ، وليس هناك إساءة أشد من الظلم ، وأفدح من الجور ، ولذلك تقوم الثورات كل حين ، وتزداد الانتفاضات هنا وهناك ، لتقويض كابوس الظلم ، ورفع وطأته عن كاهل الشعوب . وما قيام " الثورة الفرنسية " في أوروبا ، والانتفاضة الفلسطينية في الشرق الأوسط ومقاومة التمييز العنصري في أمريكا وجنوب أفريقيا إلاّ صورة معبرة عن فقدان العدل في تلك الأماكن وانتشار الظلم فيها ، فأسفر عن إعلان غضب شعوب المنطقة على الظلم وأهله ، وكراهيتها لأساليب القمع والاضطهاد ، والتعذيب والتنكيل ، والطغيان والاستبداد التي تمارسها السّلطات القائمة في تلك المناطق ضد شعوبها .
تطبيقات العدل في الإسلام
طبّق المسلمون " العدل " في أعلى صوره ، بدءًا برسول الله ، فقد وضع نفسه في مصاف مرتبة البشر ، ولم يحمله شرفه العظيم للامتياز عن الناس تبريرًا لأخذ حقوقهم من غير وجه حق ، بل كان نموذجًا رائعًا في إقامة العدل ، حتى على نفسه الكريمة رغم كونه نبي الله ورسوله . فقد رُوى أن { أسيد بن حضير كان رجلا صالحا ضاحكا مليحا ، فبينما هو عند رسول الله ، يحدث القوم ويضحكهم ، طعن رسول الله في خاصرته ، فقال : أوجعتني . قال " اقتص " قال : يا رسول الله إن عليك قميصا ، ولم يكن عليّ قميص . قال : فرفع رسول الله قميصه ، فاحتضنه ، ثم جعل يقبل كشحه ، فقال : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، أردت هذا } ( ) وهذا من أروع الأمثلة على العدل ، الذي سيظلّ يعجز عن تحقيقه أعظم الزعماء إنصافًا مع رعاياه عبر القرون والأجيال . ومثال آخر في تطبيق العدل في الإسلام ، عمر بن الخطاب أمير المؤمنين ، الذي لم تزد قيمة شهادته على شهادة غيره من الناس لمجرد كونه أميرًا . فقد روي عنه أنه كان يمر ليلًا - على عادته - ليتفقد أحوال رعيته ، فرأى رجلًا وامرأة على فاحشة ، وجمع الناس وخطب فيهم : " ما قولكم أيها الناس في رجل وامرأة رآهما أمير المؤمنين على فاحشة ؟ فرد عليه عليّ بن أبي طالب : يأتي أمير المؤمنين بأربعة شهداء ، أو يجلد حد القذف ، شأنه شأن سائر المسلمين .
ولم يملك أمير المؤمنين إلاّ أن يمسك عن ذكر أسماء الجناة ، حيث أدرك أنه لا يستطيع أن يأتي بباقي نصاب الشهادة وأنه لا فرق في هذا بينه وبين سائر المسلمين .
ومثال آخر : عليّ بن أبي طالب الخليفة الرابع ، افتقد درعه - يوما من الأيام - فوجدها عند رجل نصراني ، فاختصمه إلى شريح القاضي ، فقال عليّ مدعيا : الدّرع درعي ، ولم أبع ولم أهب ، وسأل شريح النصراني في ذلك فقال : ما الدّرع إلاّ درعي ، وما أمير المؤمنين عندي بكاذبٍ . فالتفت القاضي إلى أمير المؤمنين عليّ ، فقال : يا أمير المؤمنين ، إن النصراني صاحب اليد على الدّرع ، وله بذلك حقٌ ظاهر عليها ، فهل لديك بيّنة على خلاف ذلك تؤيد ما تقول ؟ فقال أمير المؤمنين أصاب شريح ، مالي بيّنة ، وقضى شريحٌ بالدرع للنصراني ، وأخذ النصراني الدّرع وانصرف بضع خطوات ، ثم عاد فقال أما أني أشهد أن هذه أحكام الأنبياء ، أمير المؤمنين يدنيني إلى قاضيه ، فيقضي لي عليه ، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، الدّرع درعك يا أمير المؤمنين ، اتبعت الجيش وأنت منطلق من صفين ، فخرجت من بعيرك الأورق . فقال علي : أما وقد أسلمت فهي لك وغير ذلك من الأمثلة الكثيرة ، التي تدلّ على تطبيق العدل في الإسلام في أعلى درجاته
مأخوذ عن
موسوعة المفاهيم الاسلامية