[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] |
أم وأطفالها الأربعة شهداء من عائلة الداية |
أحبة عشنا الحياة بظلهم.. إن الحياة بدونهم لا تذكر"، نقشت تلك الكلمات بحروف بارزة على صورة كبيرة ضمت 23 فردا من عائلة الداية قضوا خلال الحرب الأخيرة في قصف إسرائيلي على حي الزيتون شرق مدينة غزة.
وجسدت هذه العبارة عنوانا لروح العزيمة والصمود في نفوس الأشقاء ( نافذ، محمد، عامر، رضا) هم من تبقى من أفراد العائلة، الذين دفنوا تحت الأنقاض، بدمائهم البريئة على مسمع ومرأى العالم بأسره دون أن يحرك أحدا ساكنا.
رمضان هذا العام كان مذاقه علقما بالنسبة للأشقاء الأربعة، الذين كتب لهم القدر أن يعيشوا في فراق، بعد أن دمر بيت العائلة عن بكرة أبيه في جريمة نكراء نفذتها طائرات الاحتلال الإسرائيلي.
وأمام إلحاح رجال العائلة اضطر محمد الذي فقد أبناءه الأربعة وزوجته ، للزواج من جديد والعيش بمفرده في شقة سكنية يسودها الهدوء، وتزوج شقيقه عامر لينفصل الآخر في بيت مستقل، أما رضا فينتظر عند شقيقه نافذ ريثما يحدد موعد زواجه.
مشاعر يعجز عن وصفها القلم، أو يسردها اللسان حملتها قسمات الشاب محمد في الثلاثينات من عمره، فتارة تشع عيونه ببريق التحدي والصمود، وتارة يسكت لبرهة ، فتفر من عينه دمعة عجز عن حبسها ، ثم يعود ليسرد لـ "الرسالة نت" أجواء رمضان المضطربة بعد رحيل أحبته.
يقول محمد الذي اكتسى حزنا وألما لا يتسع البحر له، مستذكرا شهر رمضان الماضي: لا أشعر بمذاق رمضان الذي انقلب برنامجه هذا العام رأسا على عقب، فوالدتي التي كانت تحرص على إيقاظ الجميع لتناول طعام السحور رحلت، وتركت شاغرا، واختلفت أجواء الصيام التي اعتدتها.
ويصمت محمد عائدا بشريط حياته إلى السادس من يناير الأسود الذي وافق يوم تاسوعاء، فتتراءى أمام عينيه سحابة الدخان والأتربة التي حجبت رؤية منزلهم الذي تحول إلى كومة رماد، ومنظر الجيران الذين اندفعوا من كل حدب وصوب ينبشون بين الركام بحثا عن أحياء أو أموات، ويقول :" غابت ليالي السمر، وأطباق الحلوى لا سيما "البسبوسة" التي كانت تعدها والدته عن مائدة إفطاره."
ويضيف محمد الذي شاهد فراق عائلته:" نفتقد كثيرا لتلك الأمسيات الجميلة التي كانت الوالدة تحفها برعايتها، وتداعب أطفالنا، وتحثنا على زيارة الرحم.
ووفقا لمراكز حقوقية فان عدد الشهداء بلغ تقريبا 1400 شهيدً؛ منهم 895 مدنيًّا، و281 طفلاً، و111 امرأة، بينما بلغ إجمالي الجرحى 4336 جريحًا؛ منهم 1133 من الأطفال، و735 من النساء.
ولم ترحم إسرائيل في حربها العدوانية المدنين العزل، فقد أبادت عائلات بأكملها منها عائلة عبد ربه، والداية، والسموني.
الحديث عن الوالد ترك أثرا عميقا في نفسية محمد الذي يفتقر إلى المائدة الرمضانية مع أفراد العائلة بانتظار مدفع الإفطار، فقد كان والده يساهم في تحضير غالبية أصناف الطعام، ويكثر من الولائم في رمضان، ويصحب أبناءه إلى صلاة التراويح، وزيارة ذوي القربى.
حلم الوالدين بالسفر إلى الديار المقدسة لتأدية فريضة الحج، لم يتحقق بسبب الظروف التي منعت حجاج غزة من السفر العام الماضي، ويتمنى الشقيقان "نافذ" و "رضا" أن يتمكنان من الحج هذا العام لتحقيق حلم والديهما.
في هذه الأيام يحاول الأشقاء أن يستعيدوا تلك الأمسيات الجميلة ، فكل يوم جمعة يكون الإفطار في بيت أحدهم ، وأملهم أن يعيدوا البسمة التي سلبتها صورايخ الاحتلال لعائلتهم المكلومة.
وإن كانت أحاديثهم مختلفة قليلا عن الماضي، إلا أنهم يتذكرون "العائلة الشهيدة"، وينتقد بعضهم الأطباق الرمضانية التي يخلو مذاقها من نفس الوالدة الطيب.
ويغرق الأشقاء في خشوع وسكينة عند سماع آيات من القرآن الكريم، وتشخص أمام أبصارهم صورة شقيقتهم صابرين وصوتها الروحاني في تلاوة وتجويد القرآن، التي صعدت روحها إلى بارئها قبل إنهاء دراستها الجامعية في كلية الشريعة والقانون.
مع أن الشاب محمد غير مقتنع بالبرامج الرمضانية التي تتنافس على تقديمها الفضائيات العربية في شهر رمضان، إلا أن دموعه انهارت لتعلق ابنته الصغيرة الشهيدة قمر بتلك البرامج المسلية.
جدير ذكره أن أطقم الإسعاف والدفاع المدني تمكنت من انتشال 13 جثة لأفراد العائلة من تحت الركام بصعوبة بالغة تم التعرف عليهم فغالبيتهم كانوا أشلاء ممزقة، فيما تحللت تسعة جثث أخرى تحت الأنقاض من بينهم أطفال محمد، وزوجته الحامل في شهرها الثامن.
ويتفق الإخوة فيما بينهم على ولادة العائلة من جديد، وتسمية مواليدهم القادمة بأسماء شهدائهم، وأن ينتقلوا للسكن في بيت يجمعهم كالبيت القديم، ويأمل محمد أن يرزق بطفل يسميه "يوسف" كي يخفف شيئا من همومه التي صاحبته بعد الحرب.
جدير ذكره أن شهداء عائلة الداية هم : فايز الداية وهو رب العائلة (62 عاماً)، وزوجته كوكب (58 عاماً)، وابنتهما رغدة (33 عاماً)، وصابرين (24 عاماً)، وابنهما الأول إياد (37 عاماً)، وزوجته روضة (30 عاماً)، وأطفالهما علي (10 أعوام)، وشرف الدين (4 أعوام)، وختام (9 أعوام)، وضحى (عامان ونصف)، وآلاء (8 أعوام)، ومحمد (شهران)، وأيضاً هناك ابنهما الثاني رامز (25 عاماً) وزوجته صفاء (20 عاماً)، وطفلاهما براء (عامان)، وسلسبيل (أربعة شهور)، والشهيدة نزال (28 عاماً) وهي "حامل في الشهر الخامس"، وأطفالها أماني (6 أعوام)، وقمر (5 أعوام)، وأريج (4 أعوام)، ويوسف (عامان ونصف)، والاب الثالث رضوان (22 عاماً).
تمضي الأيام على رحيل العائلة، وعزيمة الأشقاء لا تعرف اليأس والقنوط في مواصلة الحياة، ، فهل ستحمل السنوات القادمة بشائر خير لتلك العائلة التي أبيدت في جريمة إنسانية، وتعيد لهم البسمة من جديد.
[][ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]]