يُصاب المرء بالاستغراب والذّهول حينما يعرف أن هذا الشخص الذي يجلس أمام مقسم الهاتف كفيفًا، وتزداد دهشته عندما يعلم بأن هذا الشاب الكفيف يحفظ 80 ألف رقم تلفون أرضي ومتنقّل عن ظهر قلب ولا يستخدم القلم أو الأوراق أو الدليل لمتابعة عمله كموظّف استعلامات في وزارة الشؤون الاجتماعيّة الفلسطينيّة في مدينة رام الله إضافةً إلى عمله سابقًا كمقدّم للبرامج في تلفزيون محلّي في مدينة رام الله. إنّه يتمتّع بروح الدعابة والمرح، الأمر الذي جعل زملاءه في العمل يحبّونه، كما أنّ المتّصلين من خارج الوزارة يتوقون للتعرّف إليه.
وتحدّث الكفيف محمد هاشم عن طفولته وعن المرض الذي أصيب به وأفقده بصره بعد 3 أشهر من ولادته والتحاقه بالمدارس الحكوميّة العاديّة وتطوّعه ناشطًا في مؤسّسات لذوي الاحتياجات الخاصّة، الأمر الذي أدخل في نفسه حافزًا ومشجّعًا لحبّ التطوّع وصقل شخصيّته.
ويقول محمد هاشم إنّه يسكن في قرية المدية التي تبعد عن مكان عمله في مدينة رام الله نحو 35 كيلومترًا حيث يأتي إلى عمله يوميًّا من دون أن يواجه مشاكل تذكر، مشيرًا إلى أنّه تلقّى تعليمه أوّلاً في مدرسة للمكفوفين تسمّى مدرسة "العلائيّة" في مدينة بيت لحم حتى عام 1990، ثم انتقل إلى مدرسة حكوميّة في بلدة نعلين المحاذية لقريته، إلى أن حصل على شهادة الثانويّة العامّة. ساهمت مشاركته في النّشاطات الطلابيّة إضافة إلى الاندماج في المجتمع المحلّي من خلال تطوّعه في برنامج متخصّص لمتابعة ذوي الاحتياجات الخاصّة في تنمية مواهبه وبناء علاقات اجتماعيّة واسعة، كما أنّه عمل لعدة أشهر في تلفزيون محلّي يسمّى تلفزيون الكرمل في مدينة رام الله كمقدّم للبرامج بهدف إيصال رسالة إلى المجتمع أنّ للمعوّق قدرة على القيام بأيّ وظيفة، وهو بحاجة إلى الدعم والتعاون وليس إلى شفقة المجتمع، علمًا بأنّ بعض المعوّقين للأسف، يضيف محمد، يشجّعون المجتمع للشفقة عليهم بدلاً من توفير الإمكانات المتاحة للإنسان المبصر، ولا يحاولون مساعدة أنفسهم إذ يكفي أن يساعدهم المجتمع، مضيفًا أنّه عمل أيضًا في عدّة أشغال وأعمال منها بيع الكاسيتات وأكياس الورق وغير ذلك.
ويتابع محمد سيرة حياته فيقول: "هل تعلم بأنّي عندما أردت أن أتزوّج طلبت يد 13 فتاة من قريتي والقرى المجاورة قبل أن أوفّق بالعثور على الزوجة التي هي بالمناسبة ابنة خالي؟ إنّها متعلّمة ومثقّفة ولديها قناعة تامّة بأنّ الإعاقة ليست مشكلة وهي تتعامل مع الأمر بشكل عادي ولا تشعر بأي إحراج من كونها تزوّجت من رجل كفيف، وقد رزقنا الله طفلاً لكنّه توفّي بعد فترة". مشيرًا إلى أنّه يعيش حياة زوجيّة مليئة بالحبّ والأمل بالمستقبل المشرق مع زوجته وأمّه وشقيقه.
ويضيف محمد أنّه لم يفقد الأمل من أنّ بصره سيعود إليه على الرّغم من أنّ الأطبّاء أبلغوه أخيرًا بفقدان الأمل من ذلك بعدما أصيب بمرض الجفاف عندما كان عمره 3 أشهر فقط، وذلك بسبب الجهل وعدم تقدّم العلم، الأمر الذي أفقده البصر فأصبح كفيفًا ونسبة الرّؤية لديه قليلة جدًّا.
وعن عمله يقول محمد "إنّني أعمل كموظّف في وزارة الشؤون الاجتماعيّة منذ أربع سنوات مسئولا عن السنترال المركزي للوزارة التي يعمل فيها 180 موظّفًا، وأنا أتحدّى أن يقوم الإنسان المبصر بهذه المهمة التي أنجزها بشكل دقيق ولا أعاني من أيّ مشكلة تذكر مع زملائي في العمل لأنّني أحفظ في ذاكرتي 80 ألف رقم هاتف أرضي وجوّال ولا أحتاج أبدًا لاستخدام الورق والقلم لأسجّل الأرقام أو أحفظها في الأرشيف"، معتبرًا أنّ حفظ الأرقام عنده هواية رافقته منذ طفولته، مشيرًا إلى أنّ "مهمّة عامل السنترال شاقّة ويجب أن يتمتّع العاملون فيها باللياقة واللباقة وقوّة الذاكرة، وهذه المواصفات والحمد لله متوافرة عندي".
وحول نظرة المجتمع إليه كمعوّق يقول محمد "إنّ النظرة حتّى الآن خاطئة للمعوّقين. فالمعوّق يمكنّه أن يطوّر نفسه من دون أن يسمح للمجتمع بنظرة الشفقة عليه، والدليل على ذلك أنّي تقدّمت لخطبة 13 فتاة حيث تدخّل فاعلو الخير وكانت أسباب الرفض تعود إلى نظرة المجتمع نحو المعوّق، بمعنى أن يكون الرفض من الأهل أو من الفتاة نفسها. لكنّني تزوّجت في الأخير من إحدى قريباتي التي تؤمن بأنّ الإعاقة ليست عائقًا أمام الإنسان"، مضيفًا أنّ "نساء اليوم وفّر لهنّ المال فقط بغضّ النّظر عمّا إذا كنت كفيفًا أو مبصرًا".
ويؤيّد محمد فكرة أن تكون هناك وسائل إعلام خاصّة بالمعوّقين، مشيرًا إلى أنّ المعوّق يعرف احتياجاته ورغباته واهتماماته أكثر من غيره، منوّها بوجود إذاعة في قطاع غزّة خاصّة بالمعوّقين وتسمّى إذاعة "فرسان الإرادة".
وتحدّث محمد أخيرا عن قانون المعوّقين وقال: "إنّه شرّع لصالح المعوّق وطبّق في عهد حكومة د. سلام فياض الحاليّة، لكنّ الأعداد الكبيرة من المعوّقين أدّت إلى تباطؤ في تطبيقه بشكل مباشر"، مشيرًا إلى أنّ "وزارة الشؤون الاجتماعيّة هي أكثر الوزارات في السلطة الفلسطينيّة التي توظّف أشخاصًا من ذوي الاحتياجات الخاصّة وتصل نسبتهم في الوزارات والمديريّات والدوائر إلى 2 في المئة من مجموع العاملين في الوزارة وهي نسبة جيّدة مقارنة مع بقيّة المؤسّسات علمًا بأنّ القانون الفلسطيني يشترط أن يشكّل المعوّقون 5 في المئة من مجموع العاملين في المؤسّسات الحكوميّة والرسميّة"، منوّها إلى وجود موظّفين معوّقين يعملون في وظائف مرموقة، فعلى سبيل المثال يوجد مدير لدائرة الطفولة في الوزارة وأيضًا أحد مستشاري الوزيرة من ذوي الاحتياجات الخاصّة.
وأخيرًا، دعا محمد المجتمع كافة والقطاعين الحكومي والخاص إلى عدم الاستهانة بقدرات المعوّقين وتوظيفهم.
"المرض أفقده عينيه"
وتحدّث الكفيف محمد هاشم عن طفولته وعن المرض الذي أصيب به وأفقده بصره بعد 3 أشهر من ولادته والتحاقه بالمدارس الحكوميّة العاديّة وتطوّعه ناشطًا في مؤسّسات لذوي الاحتياجات الخاصّة، الأمر الذي أدخل في نفسه حافزًا ومشجّعًا لحبّ التطوّع وصقل شخصيّته.
ويقول محمد هاشم إنّه يسكن في قرية المدية التي تبعد عن مكان عمله في مدينة رام الله نحو 35 كيلومترًا حيث يأتي إلى عمله يوميًّا من دون أن يواجه مشاكل تذكر، مشيرًا إلى أنّه تلقّى تعليمه أوّلاً في مدرسة للمكفوفين تسمّى مدرسة "العلائيّة" في مدينة بيت لحم حتى عام 1990، ثم انتقل إلى مدرسة حكوميّة في بلدة نعلين المحاذية لقريته، إلى أن حصل على شهادة الثانويّة العامّة. ساهمت مشاركته في النّشاطات الطلابيّة إضافة إلى الاندماج في المجتمع المحلّي من خلال تطوّعه في برنامج متخصّص لمتابعة ذوي الاحتياجات الخاصّة في تنمية مواهبه وبناء علاقات اجتماعيّة واسعة، كما أنّه عمل لعدة أشهر في تلفزيون محلّي يسمّى تلفزيون الكرمل في مدينة رام الله كمقدّم للبرامج بهدف إيصال رسالة إلى المجتمع أنّ للمعوّق قدرة على القيام بأيّ وظيفة، وهو بحاجة إلى الدعم والتعاون وليس إلى شفقة المجتمع، علمًا بأنّ بعض المعوّقين للأسف، يضيف محمد، يشجّعون المجتمع للشفقة عليهم بدلاً من توفير الإمكانات المتاحة للإنسان المبصر، ولا يحاولون مساعدة أنفسهم إذ يكفي أن يساعدهم المجتمع، مضيفًا أنّه عمل أيضًا في عدّة أشغال وأعمال منها بيع الكاسيتات وأكياس الورق وغير ذلك.
ويتابع محمد سيرة حياته فيقول: "هل تعلم بأنّي عندما أردت أن أتزوّج طلبت يد 13 فتاة من قريتي والقرى المجاورة قبل أن أوفّق بالعثور على الزوجة التي هي بالمناسبة ابنة خالي؟ إنّها متعلّمة ومثقّفة ولديها قناعة تامّة بأنّ الإعاقة ليست مشكلة وهي تتعامل مع الأمر بشكل عادي ولا تشعر بأي إحراج من كونها تزوّجت من رجل كفيف، وقد رزقنا الله طفلاً لكنّه توفّي بعد فترة". مشيرًا إلى أنّه يعيش حياة زوجيّة مليئة بالحبّ والأمل بالمستقبل المشرق مع زوجته وأمّه وشقيقه.
ويضيف محمد أنّه لم يفقد الأمل من أنّ بصره سيعود إليه على الرّغم من أنّ الأطبّاء أبلغوه أخيرًا بفقدان الأمل من ذلك بعدما أصيب بمرض الجفاف عندما كان عمره 3 أشهر فقط، وذلك بسبب الجهل وعدم تقدّم العلم، الأمر الذي أفقده البصر فأصبح كفيفًا ونسبة الرّؤية لديه قليلة جدًّا.
وعن عمله يقول محمد "إنّني أعمل كموظّف في وزارة الشؤون الاجتماعيّة منذ أربع سنوات مسئولا عن السنترال المركزي للوزارة التي يعمل فيها 180 موظّفًا، وأنا أتحدّى أن يقوم الإنسان المبصر بهذه المهمة التي أنجزها بشكل دقيق ولا أعاني من أيّ مشكلة تذكر مع زملائي في العمل لأنّني أحفظ في ذاكرتي 80 ألف رقم هاتف أرضي وجوّال ولا أحتاج أبدًا لاستخدام الورق والقلم لأسجّل الأرقام أو أحفظها في الأرشيف"، معتبرًا أنّ حفظ الأرقام عنده هواية رافقته منذ طفولته، مشيرًا إلى أنّ "مهمّة عامل السنترال شاقّة ويجب أن يتمتّع العاملون فيها باللياقة واللباقة وقوّة الذاكرة، وهذه المواصفات والحمد لله متوافرة عندي".
وحول نظرة المجتمع إليه كمعوّق يقول محمد "إنّ النظرة حتّى الآن خاطئة للمعوّقين. فالمعوّق يمكنّه أن يطوّر نفسه من دون أن يسمح للمجتمع بنظرة الشفقة عليه، والدليل على ذلك أنّي تقدّمت لخطبة 13 فتاة حيث تدخّل فاعلو الخير وكانت أسباب الرفض تعود إلى نظرة المجتمع نحو المعوّق، بمعنى أن يكون الرفض من الأهل أو من الفتاة نفسها. لكنّني تزوّجت في الأخير من إحدى قريباتي التي تؤمن بأنّ الإعاقة ليست عائقًا أمام الإنسان"، مضيفًا أنّ "نساء اليوم وفّر لهنّ المال فقط بغضّ النّظر عمّا إذا كنت كفيفًا أو مبصرًا".
ويؤيّد محمد فكرة أن تكون هناك وسائل إعلام خاصّة بالمعوّقين، مشيرًا إلى أنّ المعوّق يعرف احتياجاته ورغباته واهتماماته أكثر من غيره، منوّها بوجود إذاعة في قطاع غزّة خاصّة بالمعوّقين وتسمّى إذاعة "فرسان الإرادة".
وتحدّث محمد أخيرا عن قانون المعوّقين وقال: "إنّه شرّع لصالح المعوّق وطبّق في عهد حكومة د. سلام فياض الحاليّة، لكنّ الأعداد الكبيرة من المعوّقين أدّت إلى تباطؤ في تطبيقه بشكل مباشر"، مشيرًا إلى أنّ "وزارة الشؤون الاجتماعيّة هي أكثر الوزارات في السلطة الفلسطينيّة التي توظّف أشخاصًا من ذوي الاحتياجات الخاصّة وتصل نسبتهم في الوزارات والمديريّات والدوائر إلى 2 في المئة من مجموع العاملين في الوزارة وهي نسبة جيّدة مقارنة مع بقيّة المؤسّسات علمًا بأنّ القانون الفلسطيني يشترط أن يشكّل المعوّقون 5 في المئة من مجموع العاملين في المؤسّسات الحكوميّة والرسميّة"، منوّها إلى وجود موظّفين معوّقين يعملون في وظائف مرموقة، فعلى سبيل المثال يوجد مدير لدائرة الطفولة في الوزارة وأيضًا أحد مستشاري الوزيرة من ذوي الاحتياجات الخاصّة.
وأخيرًا، دعا محمد المجتمع كافة والقطاعين الحكومي والخاص إلى عدم الاستهانة بقدرات المعوّقين وتوظيفهم.
عدل سابقا من قبل عدنان في الثلاثاء سبتمبر 01, 2009 1:14 pm عدل 1 مرات