أعلن عن شروط تعجيزية لتنقلهم
لوائح القهر الإسرائيلية تفصل الغزيين عن الضفة
لوائح القهر الإسرائيلية تفصل الغزيين عن الضفة
بقلم/عدنان
حصار،جوع، فقر، وحرمان من السفر والتنقل، هكذا أضحى حال الغزيين الذين يكتوون جراء العقوبات الإسرائيلية منذ أكثر من عامين، فمع كل يوم يلوح بالأفق معاناة تنكأ سابقتها، ولوائح مضنية لحركة تنقلهم تخالف الأعراف والمواثيق الدولية، والاتفاقيات الموقعة مع السلطة الفلسطينية تحت شعار الأمن، لكنها تهدف لتفتيت النسيج الاجتماعي ، وتعزيز الانفصال الجغرافي والسياسي بين أحضان الوطن.
"الرسالة" رسمت بريشتها بين السطور التالية صورة لمن اكتوى بنيران الفراق، ورأي بعض المختصين.
** فراق مرير
يقضي المسن أبو وائل حبيب من حي التفاح شرق مدينة غزة أمسيته في باحة منزله المكشوفة يتنسم عبير الهواء الطلق؛ بعد يوم حافل بلفحات الحر الشديد، يداعب بأنامله " حبات مسبحة فضية ذات حجم كبير"، تاركا لخياله العنان يسبح في تأمل السماء المضيئة، ويحدو ذهنه الشارد الأمل في معانقة أحفاده الذين لم يراهم بعد.
لم يدرك حبيب الذي شارف على عقده السابع أن رحلة ابنه للبحث عن فرصة عمل في الضفة الغربية ستكلفه متاعب لا حصر لها، وتحرمه من فلذة كبده طيلة عشرة أعوام مضت.
فمنذ ذلك الوقت يعيش سنوات من الحرمان؛ بسبب القيود الإسرائيلية التي وقفت حائلا أمام زيارة ابنه أمجد (30 عاما)؛ بعد تزوجه من فتاة مقدسية، وانتقاله للعيش في مدينة رام الله.
وأعلن الاحتلال الإسرائيلي الأسبوع الماضي، عن وضع لوائح تعجيزية تحظر على سكان قطاع غزة من الانتقال إلى الضفة الغربية ، إلا في حالات إنسانية استثنائية ضمن مساعيها لتكريس الانفصال الجغرافي والسياسي بين شطري الوطن.
وتجمعت في مقلتيه دمعة ساخنة أنذرت بالهطول على وجنتيه التي شقتها التجاعيد ، وهو يقلب بين راحتيه الخشنة صورة لحفيديه الصغار أكبرهما سنا لا يتجاوز ثلاثة أعوام حصل عليها مؤخرا بواسطة الانترنت، ويقول بنبرات يغلبها الحزن والألم: آخر لقاء جمع بيننا يوم حفل زفافه قبل سبعة أعوام، وتمكنت أنا ووالدته فقط من الحضور بسبب الإجراءات الإسرائيلية المعقدة، ويجذب حفيد ابنته مهند البالغ من العمر سبعة عوام من يده عندما أحضر أكواب الشاي للضيوف، مضيفا بكلمات يائسة" حاولت الحصول على تحويله للعلاج في مستشفى المقاصد بمدينة القدس، لمعالجته فهو يعاني من آلام شديدة في عينه اليمنى على أمل من رؤية ولدي ، ولكن عاندني الحظ، وباءت جهودي بالفشل.
ويقول بضيق يكشف عن حجم المرارة التي أطبقت على فؤاده: أي قيود مجرمة تلك التي تحرم الابن من رؤية والدته التي وافتها المنية قبل ثلاثة أعوام، أو حضور حفل أشقائه، واصفا حياته بالتعيسة بسبب عذاب الفراق الطويل.
ويرنو حبيب الذي طعن في السن لإصابته بعدة أمراض مزمنة للقاء ابنه البعيد، لاسيما بعد أن تزوج أبنائه الأربعة وأصبح بحاجة لمن يؤازره في تحمل أعباء الحياة التي أثقلت كاهله.
** بين نارين
ولم تكن معاناة ابنه مجدي بأخف وزنا من والده، فنار الغربة وشوقه لأسرته يخيم على صوته خلال محادثة هاتفية ، ويقول بكلمات موجزة حملت الكثير بين طياتها: أي ظلم ذلك الذي حرمني أن أقطع مسافة لا تتعدى ساعة لإلقاء نظرة الوداع على جثمان والدتي، أو رؤية أسرتي طيلة تلك السنين.
ويشير مجدي إلى أن قدومه لقطاع غزة يعني أمرين أحلاهما مر، إما الاعتقال على معبر بيت حانون، أو الدخول للقطاع وحرمانه من العودة لأسرته؛ بسبب عدم حصوله على بطاقة شخصية كسكان الضفة الغربية.
ويقول مجدي الذي قطع رحلة طويلة عبر الأراضي المصرية والأردنية وصولا للضفة الغربية؛ من أجل العمل في مهنة الخياطة: توجهت بعد زواجي مباشرة إلى مبنى الداخلية بمدينة رام الله للحصول على بطاقة شخصية جديدة، فوضع المسئولون العقدة في طريق المنشار، وأخبروني باستحالة ذلك الأمر نظرا لتوقف التنسيق الأمني مع الجانب الإسرائيلي.
ويضيف أن محاولات زوجته المقدسية بحصوله على بطاقة زرقاء باءت أيضا بالفشل، لاسيما وأنه من سكان قطاع غزة، فالأمر كان يختلف قليلا مع سكان الضفة الغربية على حد قوله.
** حلول إلزامية
ووفقا للوائح الإسرائيلية الظالمة –فهناك ثلاثة معايير لإتاحة حرية الحركة من قطاع غزة إلى الضفة الغربية، بشرط ألا يكون المتقدم للطلب له مشاكل أمنية، ويعاني من مرض مزمن، ولا يوجد له أقارب لرعايته في غزة، أو يكون قاصرا يقل عمره عن 16 سنة يعيش مع أحد الوالدين توفي احدهما في غزة، ويعيش الآخر في الضفة الغربية ، ولا يوجد له أقارب لرعايته في قطاع غزة، أو أن يكون فوق سن 65 سنة وبحاجة لرعاية ، على أن يكون له أقارب من الدرجة الأولى في الضفة الغربية يستطيعون مساعدتهم.
وبحسب الشروط المذكورة- يحصل الشخص على تصريح مؤقت يتم تجديده كل عام لمدة سبع سنوات إذا ثبت انه لم يخل بالأمن الإسرائيلي.
وتعتبر اللوائح الإسرائيلية التي تسمح لتنقل سكان قطاع غزة إلى الضفة الغربية خرق صريح لاتفاقية أسلوا في الحفاظ على وضع الضفة الغربية وقطاع غزة كوحدة إقليمية واحدة، تضرب إسرائيل من خلالها بعرض الحائط مساعي الرئيس الأمريكي باراك أوباما الذي طالبها بالالتزام بمبدأ حل الدولتين، وتخفيف الحصار عن قطاع غزة .
وحرمت تلك اللوائح الجائرة مئات العائلات الغزية، من التنقل للضفة الغربية للعلاج، أو لزيارة ذويهم، ولا يغيب عن البال مبعدو كنيسة المهد الذين يعيشون بعيدا عن عائلاتهم، أو أسرى الحرية الذين عزلهم الاحتلال إلى غزة، فأمرهم لن يكون أهون من السكان الغزيين.
ويشير عصام يونس مدير مركز الميزان لحقوق الإنسان إلى أن "إسرائيل" تسعى لتقييد حركة المواطنين لتحقيق انجازاتها بأشكال مختلفة مخالفة القوانين الدولية، ومتجاوزة اتفاقية أسلوا التي اعتبرت الأرضي الفلسطينية وحدة واحدة.
وقال يونس: تهدف "إسرائيل" من ممارستها الخطيرة لفصل الضفة الغربية عن قطاع غزة جغرافيا وسياسيا، فلوائحها المعقدة تعد أصعب من إجراءات الحصول على لم الشمل، مضيفا أنها تسعى لخلق حقائق على أرض الواقع مستبقة الأحداث لأي عملية تفاوضية، فهي ليست جدية بتحقيق اختراقات سياسية لصالح الفلسطينيين.
بينما اعتبر المختص في الشئون السياسية هاني حبيب تلك اللوائح بمثابة جزء من سياسة إسرائيلية دائمة تتعلق بالتطورات الراهنة على الساحة الفلسطينية، لتبرر حصارها على سكان القطاع، وتضييق الخناق حول رقابهم، وعدم تزويدهم باحتياجاتهم الأساسية.
وقال حبيب"للرسالة": تنتهج "إسرائيل" سياسة إستراتيجية، فهي تختار اللحظات المناسبة لفرض حلول إلزامية على الفلسطينيين، مستغلة حالة الانقسام السياسي، وتجميد العملية التفاوضية لطرح لوائحها العنجهية.
ونوه يونس إلى أن المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي يعتريها الخلل التام، "فإسرائيل" تجاوزت كافة المواثيق الدولية، مؤكدا على ضرورة أن تتخذ السلطات الرسمية ضمانات جدية بهذا الشأن قبل الانخراط في مفاوضات مقبلة، للمحافظة على الوحدة الإقليمية ووحدة الأرض الفلسطينية.
وأوضح يونس أن تلك الممارسات انعكاس للسياسية الإسرائيلية بامتياز التي تحاول خلق حقائق مزيفة تهدد الأمن والسلم الدولي، داعيا المنظمات الحقوقية الدولية لفضح تلك المخططات التي ترتقي لجرائم حرب، و تكرس الانفصال.
وبدوره أكد حبيب على ضرورة رفع دعاوي قضائية لفضح تلك السياسة الإجرامية، وكشفها أمام العالم الغربي، والولايات المتحدة التي تسعى لحل النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي، مشددا على ضرورة عدم تبرير الضغوطات الإسرائيلية بأي شكل من الأشكال، والانصياع لها لتبقى أمر واقع مؤلم على حياة الفلسطينيين.