بعد الخيام وبيوت الطين... الكرفنات تصل للمتضررين
غزة- عدنان
يتكأ الكهل حسين الشاويش (78 عاما)، الذي يقطن في بيت حانون شمال القطاع على سريره المتواضع، في ردهة منزله الصغير قيد الإنشاء، الذي يقتسمه مع أحد أبنائه الأربعة، متأملا كرفاناً حديداً نصبه فريق من وزارة الأشغال العامة والإسكان على أنقاض منزله المدمر، فالرجل لم يهنأ ببيته الذي بناه بشق النفس، وادخار ما أمكنه من أموال مع أبنائه منذ سنين طويلة، فأحلامه تطايرت مع عاصفة الصواريخ الإسرائيلية التي دمرت منزله المكون من طابقين بالكامل في العدوان الأخير على غزة.
وبعد أن أغلقت سبل البحث عن منزل يستر عائلته المكونة من 33 فردا من أولاده وأحفاده، التي فرقها الاحتلال الإسرائيلي، اضطر مع ضيق الحال إلى بناء بيت متواضع يحتوي على ثلاثة غرف من "الزينكو"، لكنه لم يفلح حتى اللحظة بتجهيزه؛ بسبب غلاء الأسمنت الذي وقف حائلاً أمام جمع عائلته المشردة تحت سقف واحد.
ودفع غلاء الأسمنت أصحاب البيوت المدمرة إلى ابتداع وسائل بدائية للتغلب على معاناتهم، فبنوا بيوتا من الطين الأحمر، يستر عائلاتهم في ظل غلاء الشقق السكنية، فيما فضل الآخرون العيش في مخيمات الإيواء.
وعكفت وزارة الأشغال قبل أيام معدودة على توزيع " كرفانات" حديدية لأصحاب المنازل المدمرة في إطار جهودها في التخفيف من معاناة المواطنين، وضمن مساعدات الإيواء التي تواصل تقديمها لأصحاب المنازل المدمرة.
ورسم ابنه ياسر( 45 عاما) الذي يقطن سويا مع والديه، صورة في مخيلته للكرفان قبل وصوله، باعتبار أنه سيحل جزء يسير من مشكلة عائلته المشردة، لكنه سرعان ما عدل عن أحلامه البنفسجية؛ بعد وصول فريق وزارة الأشغال التي منحته كرفانا مزود بالكهرباء، ولا يحتوي على حمام أو مطبخ.
و يشير المهندس إبراهيم رضوان وكيل وزارة الأشغال إلى أنهم عملوا على توزيع الغرف المتنقلة "الكرفانات" التي وصلتهم من تركيا بأعداد محدودة على المتضررين، الذين يقطنون في مخيمات الإيواء، مشيرًا إلى أن آلية التوزيع كانت بناء على الأولويات والأوضاع التي يعيشها المتضررون.
وألقى ياسر نظرة سريعة داخل الكرفان الذي يشبه حمام بلاستيكي للزراعة في أوج فصل الصيف الملتهب، مشيرا إلى أنه يكفي لاستيعاب أربعة أفراد من جنس واحد على الأكثر.
وبحسب وزارة الأشغال - فان قطاع الإسكان يحتاج لحوالي 63 ألف وحدة سكنية قبل الحرب بسبب النمو السكاني الطبيعي وتعثر البناء بسبب ظروف الإغلاق والحصار، وتضاعف تلك النسبة بعد عمليات التدمير خلال الحرب على غزة .
ويفكر الشاويش في نصب خيمته التي حصل عليها من الأنروا قبالة الكرفان؛ بعد إزالة ما تبقى من ركام منزله ، ليجمع شمل عائلته المشتتة.
وكانت "إسرائيل" شنت هجوما مدمرا على قطاع غزة في 27 / ديسمبر الماضي استمر 22 يوماً، وخلف تدميرا كبيرا في المنازل السكنية والبني التحتية للقطاع.
وذكر مدير مكتب وزير الأشغال المهندس عماد حمادة أن وزارته أعدت خطة لتوزيع " الكرفانات " على أصحاب المنازل المدمرة الأكثر حاجة، وهم بانتظار دفعات أخرى من الكرفانات لم تصل بعد ، مشيرا إلى أن مساحة الكرفان الواحد تبلغ نحو خمسة أمتار وهو مصنع من ألومونيوم ومجهز بالكهرباء.
ويصف الشاويش الحاصل على درجة الماجستير في الفيزياء، ويعمل موظفا في سلطة الطاقة حياة الكرفان بأنها تصلح للتأقلم مع فصل الشتاء، أما الخيمة فيمكنها أن تتناغم مع طقس الصيف الحار، مشيرا إلى أن كلاهما يصلح لفترة مؤقتة من الزمن.
ويقول بلهجة خالية من التفاؤل: كنت متصوراً أن مساحة الكرفان أكبر من ذلك، وأنه سيغطي جزءا من متطلبات العائلة، لكن" ما باليد حيلة"، فالحكومة تريد تقديم أي وسيلة لتخفيف الهم عن المنكوبين، ويضيف" قرر والدي منح الكرفان لابن أخي مجاهد (22 عاما)، ليكون عش الزوجية له في المستقبل.
ويحاول جاهداً أن يكمل غرف منزله المتواضع، مستفيداً من بقايا حطام منزله من قضبان الحديد، وإعادة استصلاح البلاط، فشبح غلاء المواد يطارده مع كل خطوة يخطوها لانجاز حلمه الذي بات يحتضر.
ويعتبر الكرفان بمثابة عهدة لدى الشاويش، لا يحق له تأجيره، أو نقله إلى مكان أخر، فهو وقع على تعهد لوزارة الأشغال بإعادته فور الشروع ببدء الاعمار.
ويأمل الشاويش الذي حصلت عائلته على تعويض مالي بقيمة 12 ألف يوروا من الحكومة الفلسطينية، وأشرفت على النفاد، أن يتم التوصل إلى حلول بشأن المعابر المقفلة، وتتحول الأرقام الفلكية التي تبرع بها المانحون في شرم الشيخ إلى حقيقة تنجدهم من أزمة السكن؛ فبعد أن ضاقت الدنيا به ذرعا انتقل للعيش عند أخته مع أفراده الخمسة ووالديه.
نفس الصورة تألقت على أرض المواطن أبو الحارث سلمان في مكان لا يبعد كثيرا عن الشاويش،باستثناء أن سليمان الذي يعمل موظفا في الجامعة الإسلامية انتقل للعيش مع أبناءه التسعة في شقة سكنية بعد الحرب، وبنى غرفة كبيرة من ألواح الصاج والزينكو قبالة كرفانه.
ويقول ابن أخيه محمد (22 عاما)، الذي تواجد في المكان: يفكر عمي في تحويل الكرفان إلى مطبخ وحمام، وبناء غرفة إضافية متواضعة للعيش بين أروقة بيته المدمر.
الأسر المشردة ضاقت بها السبل بعد تدمير بيوتهم، فمن خيمة إلى بيوت للأقارب ثم بيوت الطين وأخيرا الكرفانات فماذا بعد .. هل سيبقى هذا حالهم يتقلبون على أمل بات شبه مقطوع بعودتهم إلى ديارهم.