صيادو غزة يغامرون بحياتهم في رحلة بحرية ثمنها الموت
بقلم: عدنان - غزة
يسترخي الصياد أبو جهاد القوقا (53 عاما)، تحت خيمة متواضعة من سعف النخيل في مرفأ الصيادين بميناء غزة، بجوار قاربه التالف الذي اخترقته رصاصات الاحتلال الإسرائيلي، يغطي رأسه بوشاح بني، ويتشح معطف صيد من النايون فاقع الصفار ، يمد بصره إلى أفق بلا نهاية، والأمل يحدوه بصيد ثمين ينتشله من براثن فقر محقق مع تزايد مضايقات الزوارق الإسرائيلية المتواصلة، التي تجوب بحر غزة من شماله إلى جنوبه.
يقطع ذهنه الشارد هدير الأمواج المتلاطمة، وصوت محرك زورق إسرائيلي يمشط المنطقة المسموح للصيد فيها، يطلق رصاصات تحذيرية صوب القوارب المتجاوزة للمسافة المحددة، ثم لا يلبث أن يتمترس أمام لقمة عيشهم التي يكثر بها تواجد الأسماك، فيعود القوقا من جديد لصيانة شباكه التالفة، ونسجها مستخدما " مخياط رفيع من الحديد".
ويشير القوقا إلى شباكه المتهالكة التي مزقها خطاف الزوارق الإسرائيلية ويقول:حياة الصيادين أصبحت مأساة، يكتسيهم الإحباط لعدم كسب قوتهم، لاسيما بعد أن قلصت "إسرائيل" المسافة المسموح للصيد فيها إلى ثلاثة أميال بدلا من سبعة أميال، ويتابع بألم: يهدر الصيادون أوقاتهم في المسافة المحددة التي تخلو من الأسماك، وأغلبهم يعود بخفي حنين، أو ببضعة أسماك لا تكفي لغذاء قط صغير.
ويمضي في حديثه وهو يحاول تصليح الثقوب في قاربه وإغلاقها بمادة "الفيبر جلاس": أنا وغيري من الصيادين لا نستطيع هجر تلك المهنة، والعمل في مجال آخر، وفراق البحر، متمنيا أن تثمر جهود السياسيون في القاهرة، ويتم التوصل إلى تهدئة كي تعيد الأيام الخوالي، والصيد في رقعة بحرية أوسع من ذلك.
ولحقت أضرار جسيمة بمرفأ غزة الذي تعرض لقصف البوارج الإسرائيلية إبان العدوان الإسرائيلي على غزة، كما ولحقت أضرار كثيرة بمعدات الصيادين ومراكبهم القابعة في حوض الميناء.
ولم يكن حال الصياد رامي أبو عميرة (24 عاما) بأفضل حالا، فشباكه التي عكف على تصفيتها من الأعشاب البحرية لم تفلح سوى بالتقاط كيلو أو يزيد قليلا من أسماك "السردين" التي بدأ موسمها منذ أيام قليلة، ويقف حائرا في تقسيمها على عماله.
يقول أبو عميرة بسخط: رحلة الصيد أصبحت محفوفة بالخطر وثمنها الموت، فمن يتجاوز الثلاثة أميال يتعرض لوابل من رصاص الزوارق الإسرائيلية، وإذا حاول الصياد سحب الشبكة إلى القارب وبها صيد فأنهم يطلقون النار على المحرك.
وقبل أيام قلية أبحر أبو عميرة على أمل بصيد وفير، وأغرته أسماك "العصافير" التي تطيش على سطح المياه، فتجاوز المسافة المحددة، ليفاجئ بأزيز الرصاص ينهمر على قاربه كوقع المطر، ويصيب زميله رفيق أبو ريالة (22 عاما) بجراح في ساقه أقعدته طريحا في الفراش.
ويخشى أبو عميرة من استمرار الحال الراهن، وفقدان موسم السردين كغيره من المواسم التي ضاعت سدى في ظل المضايقات المتواصلة بحق الصيادين,
ويعتبر أبو عميرة أن تقليص رقعة الصيد جاء ليصب "الزيت على النار"، ويكمل معاناة الصيادين المتفاقمة جراء الحصار المضن منذ عامين، الذي يمنع إدخال قطع غيار للمراكب.
ويقاطع الصياد محسن أبو ريالة حديث زميله والغضب يستشيط عيونه: تطاردك الزوارق الإسرائيلية أينما تتواجد الأسماك، ولو كنت مبحرا لأقل من ميلين، فلديها أجهزة لكشف تجمعات الأسماك" كسوندر" على حد قوله.
ويستاء أبو ريالة كغيره من الصيادين لندرة الأسماك، مشيرا إلى أن الصيد المثمر يبدأ بعد عشرة أميال، فهم الآن لا يجنون أسعار وقود محركات قواربهم من صيدهم المحدود، مما يثقل كاهل أغلب الصيادين فيقعوا فريسة للديون، ومواصلة رحلة بحرية تعيدهم بجيوب خاوية، أو بأسماك لا تسمن ولا تغني من جوع.
وأشار إلى أوضاعهم الصعبة جراء الاعتداءات الإسرائيلية ومواصلة منعهم من الصيد وحرمانهم من الحصول على لقمة العيش، منوهين بأن قوات الاحتلال تتعمد تصعيد الاعتداءات ضدهم لزيادة معاناتهم ومنعهم من مزاولة مهنتهم.
وشاركت عشرات قوارب الصيد في احتجاج على سياسة الاعتداءات نظمته الحملة الفلسطينية الدولية لفك الحصار عن قطاع غزة في شبكة الـمنظمات الأهلية ، استمرت بالتجوال في عرض بحر غزة وعلى متنها عدد كبير من الصيادين وذويهم والـمواطنين ممن رفعوا يافطات مستنكرة للقرصنة الإسرائيلية وإطلاق النار على الصيادين في عرض البحر.
وطالبت الـمجتمع الدولي ومؤسساته الحقوقية والإنسانية بالتحرك الجدي والعاجل لوقف الاعتداءات التي يتعرض لها الصيادون من قبل الاحتلال الإسرائيلي، والوقوف الجدي بجانبهم، مناشدة الضمير العالـمي التدخل لحماية الصيادين الذين يسعون إلى رزقهم وممارسة حقهم الطبيعي في الصيد بمياه قطاع غزة الإقليمية.
* صحافي فلسطيني يقيم في قطاع غزة.
بقلم: عدنان - غزة
يسترخي الصياد أبو جهاد القوقا (53 عاما)، تحت خيمة متواضعة من سعف النخيل في مرفأ الصيادين بميناء غزة، بجوار قاربه التالف الذي اخترقته رصاصات الاحتلال الإسرائيلي، يغطي رأسه بوشاح بني، ويتشح معطف صيد من النايون فاقع الصفار ، يمد بصره إلى أفق بلا نهاية، والأمل يحدوه بصيد ثمين ينتشله من براثن فقر محقق مع تزايد مضايقات الزوارق الإسرائيلية المتواصلة، التي تجوب بحر غزة من شماله إلى جنوبه.
يقطع ذهنه الشارد هدير الأمواج المتلاطمة، وصوت محرك زورق إسرائيلي يمشط المنطقة المسموح للصيد فيها، يطلق رصاصات تحذيرية صوب القوارب المتجاوزة للمسافة المحددة، ثم لا يلبث أن يتمترس أمام لقمة عيشهم التي يكثر بها تواجد الأسماك، فيعود القوقا من جديد لصيانة شباكه التالفة، ونسجها مستخدما " مخياط رفيع من الحديد".
ويشير القوقا إلى شباكه المتهالكة التي مزقها خطاف الزوارق الإسرائيلية ويقول:حياة الصيادين أصبحت مأساة، يكتسيهم الإحباط لعدم كسب قوتهم، لاسيما بعد أن قلصت "إسرائيل" المسافة المسموح للصيد فيها إلى ثلاثة أميال بدلا من سبعة أميال، ويتابع بألم: يهدر الصيادون أوقاتهم في المسافة المحددة التي تخلو من الأسماك، وأغلبهم يعود بخفي حنين، أو ببضعة أسماك لا تكفي لغذاء قط صغير.
ويمضي في حديثه وهو يحاول تصليح الثقوب في قاربه وإغلاقها بمادة "الفيبر جلاس": أنا وغيري من الصيادين لا نستطيع هجر تلك المهنة، والعمل في مجال آخر، وفراق البحر، متمنيا أن تثمر جهود السياسيون في القاهرة، ويتم التوصل إلى تهدئة كي تعيد الأيام الخوالي، والصيد في رقعة بحرية أوسع من ذلك.
ولحقت أضرار جسيمة بمرفأ غزة الذي تعرض لقصف البوارج الإسرائيلية إبان العدوان الإسرائيلي على غزة، كما ولحقت أضرار كثيرة بمعدات الصيادين ومراكبهم القابعة في حوض الميناء.
ولم يكن حال الصياد رامي أبو عميرة (24 عاما) بأفضل حالا، فشباكه التي عكف على تصفيتها من الأعشاب البحرية لم تفلح سوى بالتقاط كيلو أو يزيد قليلا من أسماك "السردين" التي بدأ موسمها منذ أيام قليلة، ويقف حائرا في تقسيمها على عماله.
يقول أبو عميرة بسخط: رحلة الصيد أصبحت محفوفة بالخطر وثمنها الموت، فمن يتجاوز الثلاثة أميال يتعرض لوابل من رصاص الزوارق الإسرائيلية، وإذا حاول الصياد سحب الشبكة إلى القارب وبها صيد فأنهم يطلقون النار على المحرك.
وقبل أيام قلية أبحر أبو عميرة على أمل بصيد وفير، وأغرته أسماك "العصافير" التي تطيش على سطح المياه، فتجاوز المسافة المحددة، ليفاجئ بأزيز الرصاص ينهمر على قاربه كوقع المطر، ويصيب زميله رفيق أبو ريالة (22 عاما) بجراح في ساقه أقعدته طريحا في الفراش.
ويخشى أبو عميرة من استمرار الحال الراهن، وفقدان موسم السردين كغيره من المواسم التي ضاعت سدى في ظل المضايقات المتواصلة بحق الصيادين,
ويعتبر أبو عميرة أن تقليص رقعة الصيد جاء ليصب "الزيت على النار"، ويكمل معاناة الصيادين المتفاقمة جراء الحصار المضن منذ عامين، الذي يمنع إدخال قطع غيار للمراكب.
ويقاطع الصياد محسن أبو ريالة حديث زميله والغضب يستشيط عيونه: تطاردك الزوارق الإسرائيلية أينما تتواجد الأسماك، ولو كنت مبحرا لأقل من ميلين، فلديها أجهزة لكشف تجمعات الأسماك" كسوندر" على حد قوله.
ويستاء أبو ريالة كغيره من الصيادين لندرة الأسماك، مشيرا إلى أن الصيد المثمر يبدأ بعد عشرة أميال، فهم الآن لا يجنون أسعار وقود محركات قواربهم من صيدهم المحدود، مما يثقل كاهل أغلب الصيادين فيقعوا فريسة للديون، ومواصلة رحلة بحرية تعيدهم بجيوب خاوية، أو بأسماك لا تسمن ولا تغني من جوع.
وأشار إلى أوضاعهم الصعبة جراء الاعتداءات الإسرائيلية ومواصلة منعهم من الصيد وحرمانهم من الحصول على لقمة العيش، منوهين بأن قوات الاحتلال تتعمد تصعيد الاعتداءات ضدهم لزيادة معاناتهم ومنعهم من مزاولة مهنتهم.
وشاركت عشرات قوارب الصيد في احتجاج على سياسة الاعتداءات نظمته الحملة الفلسطينية الدولية لفك الحصار عن قطاع غزة في شبكة الـمنظمات الأهلية ، استمرت بالتجوال في عرض بحر غزة وعلى متنها عدد كبير من الصيادين وذويهم والـمواطنين ممن رفعوا يافطات مستنكرة للقرصنة الإسرائيلية وإطلاق النار على الصيادين في عرض البحر.
وطالبت الـمجتمع الدولي ومؤسساته الحقوقية والإنسانية بالتحرك الجدي والعاجل لوقف الاعتداءات التي يتعرض لها الصيادون من قبل الاحتلال الإسرائيلي، والوقوف الجدي بجانبهم، مناشدة الضمير العالـمي التدخل لحماية الصيادين الذين يسعون إلى رزقهم وممارسة حقهم الطبيعي في الصيد بمياه قطاع غزة الإقليمية.
* صحافي فلسطيني يقيم في قطاع غزة.