من مآسي العرب في هذا الزمن الرديء أنهم أصبحوا غير قادرين حتى على عقد قمة عربية، فقد اجتمع وزراء الخارجية و اكتفوا بطرح قضية الحرب الاسرائلية على غزة على مجلس الأمن، ولكن هذا المجلس خذلهم كالعادة. بعد إن حرمت أمريكا الرؤساء والملوك العرب من الالتقاء حتى من أجل التنديد والاستنكار ؟
ظاهريا، اختلفوا حول مكان انعقاد القمة العربية، فريق يقول تنعقد في قطر، البلد الذي برز في مبادرات تسوية الخلافات العربية في المدة الأخيرة، وفريق آخر يقول ينبغي إن تنعقد في مصر التي تحتضن مقر الجامعة العربية حاليا . البلد الحافل تاريخه بالنضال ضد إسرائيل ، وأول المطبعين مع الكيان الصهيوني أيضا .فأيهما نأخذ الأولى أم الثانية .
في قمة دمشق اختلفوا أيضا حول مكان انعقاد القمة، وكان الاختلاف الذي يظهر باطن القضية أو "مربط الفرس " كما يقول العرب نتيجة ضغط غربي أمريكي انطلاقا من تصنيف مفاده محور الشر ومحور الخير ، وطبعا فان من دار في فلك الأمريكيين يمثل محور الخير ، ومن خرج عن فلكهم وتبنى المقاومة أو الممانعة فهو من محور الشر ووصل أصدقاء محور "الخير الأمريكي "الى تخفيض تمثيل حضورهم في القمة السابقة في دمشق فلم يحضر رؤسائهم ولا حتى وزراء خارجيتهم هكذا فعلت مصر والسعودية ...
اختلفوا هذه المرة أيضا حول المكان، ومازال الخلاف قائما حول محور الشر والخير. ففي مصر توجد سفارة اسرائلية، وفي قطر توجد قاعدة عسكرية أمريكية ومكتب اتصال اسرائلي . والاثنان ، إضافة الى السعودية لا يمكنهم رد أي طلب أمريكي.و هم لا يريدون عقد قمة من أجل "حماس" التي تمثل أحد أطراف محور الشراضافة الى حزب اللله وسوريا أي الأطراف الممانعة او المقاومة ... وهذا موقف كثير من الدول العربية التي تدعم محور" الخير "وترفض محور" الشر " الذي تتبناه المقاومة.
و زيادة في هذا "الخير" ، هناك ثلاث دول عربية لها علاقات دبلوماسية كاملة مع إسرائيل هي مصر والأردن وموريتانيا ، و ست دول عربية أخرى لها علاقات دبلوماسية علنية مع اسرائيل في شكل مكاتب تجارية ومكاتب اتصال .منها دول خليجية ومغاربية، إضافة الى هذا هناك دول عربية أخرى لها علاقات سرية .
انحدار على مدى 62عاما
منذ تاريخ 1946 تاريخ انعقاد أول قمة عربية حتى الآن 2009 يبرز الانحدار في مسار القمم العربية والتدهور في المد القومي و القرارات المتخذة . ويظهر هذا الانحدار بوضوح في مقارنة بسيطة بين القمة التي دعت إليها مصر في عهد جمال عبد الناصر في العام 1964لبحث الرد العربي على المشاريع الإسرائيلية الرامية الى تحويل مياه نهر الأردن ، وبين القمة التي دعت إليها مصر في عهد حسني مبارك في العام 2000 لبحث انهيار عملية السلام بعد فشل لقاء "كامب ديفيد الثاني".
فالزخم القوي الذي عرفته القمم الأولى بخصوص القضايا المصيرية للأمة العربية لم يتواصل على مستوى القمم الحالية التي تحولت الى فضاء لالتقاء القادة العرب من أجل اللقاء فقط في غالب الأحيان .وعملية استعراض أهم القرارات التي خرجت بها القمم العربية يعطينا فكرة واضحة عن هذا الانحدار .
فالقمم التي انعقدت في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات كانت أقوى من القمم التي جاءت بعدها .
ولبدأ من أول قمة ،والتي عقدت ب "انشاص " بمصر في العام 1946 والتي ركزت على القضية الفلسطينية كونها كانت محل أطماع ومؤامرات من القوى الدولية ، والأصل في ظهور القمم العربية يعود الى القضية الفلسطينية .
وجاءت القمة الثانية التي عقدت في بيروت في العام 1956 للوقوف الى جنب مصر اثر العدوان الثلاثي واستمر الزخم القومي العربي في قمة الإسكندرية في العام 1964 التي رحبت بمنظمة التحرير الفلسطينية الحديثة النشأة .
اما في قمة الدار البيضاء بالمغرب في العام 1965 فقد تقر ر دعم القضية الفلسطينية عربيا ودوليا وتصفية القواعد الأجنبية .
والآن لا يتم دعم القضية الفلسطينية دوليا خوفا من الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل.بل ويتم استضافة القواعد الأمريكية في أراضي الدول العربية .
وكانت قمة الخرطوم بالسودان في العام 1967هي أقوى القمم العربية على الإطلاق حيث دعت إلى إزالة آثار العدوان الإسرائيلي، و تميزت بما عرف باللاءات الثلاث وهي لا صلح، ولا تفاوض مع إسرائيل، ولا اعتراف بها. ولكن حاليا أصبحت تعقد قمم كقمة القاهرة في العام 2000من أجل ترميم وصيانة عملية السلام القائم بين دول عربية وإسرائيل .
في قمة الرباط بالمغرب في العام 1969 بدأت تطفو الى السطح المهازل العربية ، فقد دعت هذه القمة الى إنهاء عمليات الاقتتال بين الفلسطينيين والأردنيين فيما عرف بسبتمبر الأسود .
وجاءت قمة الجزائر في أعقاب حرب 1973 محاولة لمسايرة ما اعتبره العرب نصرا ، أما قمة الرباط بالمغرب في العام 1974 فلم تزد على ترديد الشعارات السابقة .
و في قمة الرياض بالسعودية في العام 1976 تمت الدعوة الى وقف الحرب الأهلية في لبنان ، تلتها قمة أخرى في نفس العام في القاهرة لنفس الغرض .
قمة بغداد بالعراق التي عقدت في العام 1978 كانت مصيرية أكثر من أي قمة أخرى فقد رفضت اتفاقية "كامب ديفيد " التي وقعها الرئيس المصري الراحل أنور السادات مع إسرائيل، ونقلت مقر الجامعة العربية من مصر الى تونس و قامت بتعليق عضوية مصر ومقاطعتها عربيا .
وكانت هذه القمة محاولة لانبعاث الروح القومية من جديد وتواصلت العملية في قمة تونس في العام 1979 التي دعت الى منع إسرائيل من مياه النيل وأدانت بشكل واضح الولايات المتحدة المؤيدة لإسرائيل وهو الشيء الذي لم يتكرر إطلاقا في القمم التي جاءت بعدها .
في قمة عمان بالأردن التي عقدت في العام 80 19 خفت درجة الزخم العربي.
أما في قمة فاس بالمغرب التي عقدت في العام 1981 فطرحت مسألة البحث في مشروع السلام العربي لأول مرة بصفة علنية ، والواضح أن البلد الذي يحتضن القمة يؤثر بطريقة فعلية على المواضيع التي تناقش فيها والقرارات التي تخرج بها ، وتلتها قمة أخرى في المغرب بالدار البيضاء عقدت في العام 1985 وبحثت القضية الفلسطينية، وتدهور الأوضاع في لبنان، والإرهاب الدولي لأول مرة .
وتوالت القمم بعد ذلك في عمان في العام 1987 والجزائر في العام 1988 حيث دعمت الانتفاضة الفلسطينية ،وفي الدار البيضاء بالمغرب في العام 1989 حيث عادت مصر الى الجامعة العربية .
ثم جاءت قمة بغداد في العام 1990 وبعدها قمة القاهرة في العام نفسه والتي أدانت دخول العراق الى الكويت .وبعدها قمة أخرى في القاهرة في العام 1996 ، وانتهت عشرية التسعينات بقمة واحدة فقط نظرا للخلافات العربية , وفي العام 2000تقرر في قمة القاهرة عقد قمة عربية كل عام ، فكانت القمم متتالية بعد ذلك في عمان ، بيروت ،وشرم الشيخ ، تونس ثم قمة الجزائر 2005 اعلى قمة من حيث التمثيل وبعدها الخرطوم تم الرياض و آخر قمة كانت في دمشق بسوريا لأول مرة والتي عرفت مقاطعة وتخفيض للتمثيل .
والآن ، مازلنا ننتظر قمم جريئة تذكرنا بالمد القومي العربي في الستينات والسبعينات ، لتوقيف الانحدار والتخاذل في مسار القمم التي تحولت في العشريتين الماضيتين الى قمامات ترمى فيها فضلات وأوساخ الخلافات العربية .