وأما بالنسبة إلى الحقل السياسي فقد أشارت فاطمة الزهراء (عليها الصلاة والسلام) إلى نقطة جوهرية في الحكم، وذلك في خطبتها الشريفة وضمن بيانها لفلسفة الأحكام حيث قالت:
(وطاعتنا نظاماً للملة)[1].
فاذا أراد الناس النظام والسعادة الدنيوية أيضاً، فعليهم بطاعة أهل البيت (عليهم السلام).
وإنما كانت الطاعة لأهل البيت (عليهم السلام) نظاماً للأمة في أحكامها وعقائدها وأخلاقها ومعاملاتها وسائر شؤونها، لأن الإسلام الذي يطبقه المعصوم كالرسول وأمير المؤمنين علي وغيرهما (عليهم الصلاة والسلام) يوفر للأمة الإيمان والرخاء والسعادة ويظهر الكفاءات وينميها، ويكون أسلوب الحكم فيه حكماً بالتساوي بين الناس دون مراعاة طبقية أو قومية أو عرقية أو ما أشبه، ويكون حكماً بالاستشارة دون استبداد وإلجاء وإكراه، كما ورد في القرآن الحكيم: (وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ)[2].
وكما قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام): (لكم عليّ حق المشورة) يعني ان من حق الأمة أن يعطوا المشورة لقياداتها.
وهذا لا يختص بالإمام (عليه السلام) فحسب، بل يشمل كل حاكم إسلامي بطريق أولى كما لا يخفى، فان المعصوم (ع) الذي لا يخطأ إذا كان للناس عليه حق المشورة فكيف بغيره وان ارتفعت مكانته ما ارتفع.
ولا بأس هنا ببيان بعض التوضيح لسياسة الرسول (صلى الله عليه وآله) والإمام أمير المؤمنين (ع) وأهل بيته الطاهرين (عليهم السلام) ليعلم مدى صحة قول فاطمة الزهراء (عليها السلام): (وطاعتنا نظاماً للملة).
الحكم الإسلامي يوفر الحريات
ان الحكم الإسلامي الذي كان يتمثل في رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين علي (عليه السلام) والتي أكدت عليه فاطمة الزهراء (عليها السلام) في خطبتها الشريفة، يضمن للأمة الحرية والسعادة، فان الحريات الإسلامية في مختلف ميادين الحياة، أمثال حرية التجارة، حرية الزراعة، حرية الصناعة، حرية السفر، حرية الإقامة، حرية العمران، حرية التجمّع، حرية إبداء الرأي، حرية الكتابة، حرية الانتخابات، وسائر الحريّات الأخرى، هي من أهم ما توجب تقدم الإنسان إلى الأمام وتضمن له السعادة الدنيوية والأخروية.
الانحراف يوجب التأخر
بخلاف الانحراف، فان الانحراف عن سياسة الرسول (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الطاهرين (عليهم السلام) هو انحراف الإيمان والأخوة الإسلامية والحريات المشروعة، بل هو ضرب للكفاءات، وتعميم للاستبداد بعدم الاستشارة وعدم التساوي وما أشبه ذلك، وهذا يوجب تأخر الإنسان وتشتّت الأمة، فان نتيجة الانحراف ترجع أولاً إلى صاحبه ثم غيره، فالانحراف يوجب عدم التمكن من التقدم في مختلف ميادين الحياة.
والتاريخ خير شاهد على ذلك، حيث نرى أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين علياً (عليه السلام) حكما، وأن بني أمية حكموا أيضاً، وكم فرق بين الحكمين!.
انحراف الأمويين
فلم تكن حصيلة حكم بني أمية إلا الدمار للمسلمين في أيامهم، والا الدمار لبني أمية أنفسهم أيضاً، وقد طارد المسلمون بني أميّة تحت كل حجر ومدر فقتلوهم، ومثلوا بجثثهم، ونبشوا قبورهم، وأخرجوهم منها وأحرقوا أجسادهم، وضربوهم بالسياط وهم أموات، كما ضربوهم بها وهم أحياء، وشردوهم في البراري والقفار، وكان الجيش الذي وجّهه (أبو مسلم) عليهم إذا استولى على نساء بني أمية يفجر بهن، لاعتقادهم بأنهن كفار حرب، وهكذا عادت نتيجة الانحراف الأموي إلى الأمويّين أنفسهم.
كما انهم يلعنون على المنابر وسائر الكتب ووسائل الإعلام منذ ذلك الحين إلى هذا اليوم، بل وسيبقى اللعن إلى الأبد.
فالانحراف يسبب دمار المنحرف أولاً وقبل كل أحد.
حكومة الرسول (صلى الله عليه وآله) العادلة
وبالعكس نرى حكومة رسول الله (صلى الله عليه وآله) العادلة التي وفرت للمسلمين والأمة بأجمعها الخير والرفاه والاحسان.. بقيت وستبقى معززة مكرمة..
ولا يخفى أن هكذا حكومة ترجع بالخير إلى قائدها أيضاً، فرسول الله (صلى الله عليه وآله) يذكر الآن وسيذكر إلى يوم القيامة على المنابر والمآذن وفي الكتب وسائر الوسائل بكل احترام، لأنه (صلى الله عليه وآله) طبّق الموازين الإسلامية التي ذكرناها..
فكانت في عهده (صلى الله عليه وآله) أموال المسلمين وأعراضهم وأرواحهم في أمن وأمان، بل وغير المسلمين أيضاً كذلك إلا المحاربين وذلك في ميدان الحرب وبشروط مذكورة في باب الجهاد.
عدم مصادرة الأموال
ثم إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) على شدة حاجته وحاجة أصحابه إلى المال لم يتناول حتّى درهماً واحداً من أحد في غير الاطار الإسلامي العام، فكان (صلى الله عليه وآله) يشدّ حجر المجاعة على بطنه[3] وكان أحياناً يجوع ثلاثة أيام من دون أن يتناول شيئاً، وقد رهن درعه الحربية عند يهودي لأجل الطعام في قصة مشهورة[4].
وفي الحديث إن فاطمة الزهراء (عليها السلام) جاءت بكسرة خبز لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال (صلى الله عليه وآله): ما هذه الكسرة؟
قالت: قرص خبزته ولم تطب نفسي حتى أتيتك بهذه الكسرة.
فقال (صلى الله عليه وآله): اما انه أول طعام دخل فم أبيك منذ ثلاثة أيام.
وقال (صلى الله عليه وآله): ان أهل الجوع في الدنيا هم أهل الشبع في الآخرة، وان أبغض الناس إلى الله المتخمون الملأ، وما ترك العبد أكلة يشتهيها إلا كانت له درجة في الجنة[5].
فاطمة (عليها السلام) تقتدي بأبيها
وكذلك كانت فاطمة الزهراء (عليها الصلاة والسلام) فقد رهنت بعض ألبستها عند يهودي لأجل أصوع من الشعير..
وفي المناقب: أنها (عليها السلام) رهنت كسوة لها عند امرأة زيد اليهودي في المدينة واستقرضت الشعير فلما دخل زيد داره قال: ما هذه الأنوار في دارنا، قالت: لكسوة فاطمة، فأسلم في الحال وأسلمت امرأته وجيرانه حتى أسلم ثمانون نفساً[6].
وكانت (عليها الصلاة والسلام) يصفّر لونها ويلصق بطنها بظهرها وتغور عيناها من الجوع، وكان أولادها يرتعشون كما يرتعش الفرخ[7].
وقد سبق في تفسير سورة (هل أتى)[8] أنهم (عليهم السلام) أطعموا الفقير والأسير واليتيم، وصاموا ثلاثة أيام بالماء، ومع ذلك لم يأخذوا حتى درهما من أغنياء المسلمين، مع العلم أن في ذلك الوقت كان للمسلمين أغنياء.
وهكذا بالنسبة إلى أصحاب الصفة من أصحاب الرسول (صلى الله عليه وآله) حيث كانوا ثلاثمائة أو أكثر وكانوا في أشد الفقر، ولكن الرسول(صلى الله عليه وآله) لم يأخذ لهم حتى درهماً واحداً من أصحابه الأغنياء بعنوان أو بآخر، وكان بعض أصحاب الصفة من الفقر بحيث يغمى عليه من الجوع أحياناً، وبحيث إن ساتر بعضهم لم يكن يكفي لستر عورته في حالة السجود.
ولا يخفى انه لما استطاع رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (ع) من تطبيق معظم قوانين الإسلام انتزع الفقر من البلاد الإسلامية.
ولكن قبل ذلك حيث جعل رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأمر من الله عزوجل الحقوق الشرعية: الخمس والزكاة والجزية والخراج، وطبق قوانين المالية الإسلامية، لم يتناول حتى درهماً واحداً من المسلمين بالقوة.
وهذا كان نموذجاً من صيانة الأموال في عهده (صلى الله عليه وآله).
صيانة الأرواح في حكومته (صلى الله عليه وآله)
وبالنسبة إلى صيانة الأرواح والأمن الجسدي والروحي في الحكومة الإسلامية، فكان المجتمع يعيش بسلام وأمان، والنبي (صلى الله عليه وآله) لم يزهق روحاً واحداً من غير حق، وكانت حروبه حروباً مثالية وكانت جميعها دفاعية، فحين كان الاعتداء من جانب الكفار كان(صلى الله عليه وآله) يكتفي بأقل قدر من الضرورة في الحرب، ثم يعفو[9].
عفو الرسول (صلى الله عليه وآله)
وقد عفى رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن أشد المعاندين له وهو أبو سفيان ومن أشبه، حينما استولى عليهم، فقال لهم: (ألا بئس جيران النبي كنتم، لقد كذبتم وطردتم وأخرجتم وفللتم ثم ما رضيتم حتى جئتموني في بلادي تقاتلوني.. فاذهبوا فأنتم الطلقاء)[10].
وعفى (صلى الله عليه وآله) عن وحشي الذي قتل حمزة عم النبي (صلى الله عليه وآله) سيد الشهداء.. وهكذا[11].
وعفى (صلى الله عليه وآله) عن هبّار الذي قتل ابنته زينب (عليها السلام) وقتل جنينها..
فإن هبار بن الأسود بعد أن جنى ما جنى وأهدر النبي (صلى الله عليه وآله) دمه، جاء إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله..
فقبل النبي (صلى الله عليه وآله) إسلامه..
فخرجت سلمى مولاة النبي (صلى الله عليه وآله) فقالت لهبار: لا أنعم الله بك عينا، أنت الذي فعلت وفعلت..
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن الإسلام محا ذلك.. ونهى عن التعرض له.
وعن ابن عباس قال: حينما كان هبار يعتذر إليه (صلى الله عليه وآله)، رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو يطأطأ رأسه استحياءً مما يعتذر هبار! ويقول له: قد عفوت عنك[12].
قبول الشفاعة
ثم إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا أمر بقتل شخصٍ لجرمه، كان (صلى الله عليه وآله) يبدي عطفاً وحناناً، فإذا قيل له: هلا عفوت عنه، عفى عنه..
وفي التاريخ: إن النضر بن الحارث بن كلدة كان رجلاً من الكفار ومفسداً، فقتله المسلمون بأمره (صلى الله عليه وآله)، فجاءت أخته إلى الرسول (صلى الله عليه وآله) وقالت:
في قومها والفحل فحل معرق***أمحمد ولأنت صنو بخيبه
منّ الفتى وهو المغيظ المخنق***ما كان ضرّك لو مننت وربما
فكانت (الأخت) كافرة والمقتول كان كافراً مفسداً مستحقاً للقتل، لكن لما أنشدت الأبيات للرسول (صلى الله عليه وآله) رقّ لها الرسول (صلى الله عليه وآله)، وقال: لو كنت شفعت فيه قبل أن يقتل لكنت عفوت عنه[13].
إلى غير ذلك من الأمثلة.
عفوه (صلى الله عليه وآله) عن المتآمرين
يتابع
(وطاعتنا نظاماً للملة)[1].
فاذا أراد الناس النظام والسعادة الدنيوية أيضاً، فعليهم بطاعة أهل البيت (عليهم السلام).
وإنما كانت الطاعة لأهل البيت (عليهم السلام) نظاماً للأمة في أحكامها وعقائدها وأخلاقها ومعاملاتها وسائر شؤونها، لأن الإسلام الذي يطبقه المعصوم كالرسول وأمير المؤمنين علي وغيرهما (عليهم الصلاة والسلام) يوفر للأمة الإيمان والرخاء والسعادة ويظهر الكفاءات وينميها، ويكون أسلوب الحكم فيه حكماً بالتساوي بين الناس دون مراعاة طبقية أو قومية أو عرقية أو ما أشبه، ويكون حكماً بالاستشارة دون استبداد وإلجاء وإكراه، كما ورد في القرآن الحكيم: (وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ)[2].
وكما قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام): (لكم عليّ حق المشورة) يعني ان من حق الأمة أن يعطوا المشورة لقياداتها.
وهذا لا يختص بالإمام (عليه السلام) فحسب، بل يشمل كل حاكم إسلامي بطريق أولى كما لا يخفى، فان المعصوم (ع) الذي لا يخطأ إذا كان للناس عليه حق المشورة فكيف بغيره وان ارتفعت مكانته ما ارتفع.
ولا بأس هنا ببيان بعض التوضيح لسياسة الرسول (صلى الله عليه وآله) والإمام أمير المؤمنين (ع) وأهل بيته الطاهرين (عليهم السلام) ليعلم مدى صحة قول فاطمة الزهراء (عليها السلام): (وطاعتنا نظاماً للملة).
الحكم الإسلامي يوفر الحريات
ان الحكم الإسلامي الذي كان يتمثل في رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين علي (عليه السلام) والتي أكدت عليه فاطمة الزهراء (عليها السلام) في خطبتها الشريفة، يضمن للأمة الحرية والسعادة، فان الحريات الإسلامية في مختلف ميادين الحياة، أمثال حرية التجارة، حرية الزراعة، حرية الصناعة، حرية السفر، حرية الإقامة، حرية العمران، حرية التجمّع، حرية إبداء الرأي، حرية الكتابة، حرية الانتخابات، وسائر الحريّات الأخرى، هي من أهم ما توجب تقدم الإنسان إلى الأمام وتضمن له السعادة الدنيوية والأخروية.
الانحراف يوجب التأخر
بخلاف الانحراف، فان الانحراف عن سياسة الرسول (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الطاهرين (عليهم السلام) هو انحراف الإيمان والأخوة الإسلامية والحريات المشروعة، بل هو ضرب للكفاءات، وتعميم للاستبداد بعدم الاستشارة وعدم التساوي وما أشبه ذلك، وهذا يوجب تأخر الإنسان وتشتّت الأمة، فان نتيجة الانحراف ترجع أولاً إلى صاحبه ثم غيره، فالانحراف يوجب عدم التمكن من التقدم في مختلف ميادين الحياة.
والتاريخ خير شاهد على ذلك، حيث نرى أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين علياً (عليه السلام) حكما، وأن بني أمية حكموا أيضاً، وكم فرق بين الحكمين!.
انحراف الأمويين
فلم تكن حصيلة حكم بني أمية إلا الدمار للمسلمين في أيامهم، والا الدمار لبني أمية أنفسهم أيضاً، وقد طارد المسلمون بني أميّة تحت كل حجر ومدر فقتلوهم، ومثلوا بجثثهم، ونبشوا قبورهم، وأخرجوهم منها وأحرقوا أجسادهم، وضربوهم بالسياط وهم أموات، كما ضربوهم بها وهم أحياء، وشردوهم في البراري والقفار، وكان الجيش الذي وجّهه (أبو مسلم) عليهم إذا استولى على نساء بني أمية يفجر بهن، لاعتقادهم بأنهن كفار حرب، وهكذا عادت نتيجة الانحراف الأموي إلى الأمويّين أنفسهم.
كما انهم يلعنون على المنابر وسائر الكتب ووسائل الإعلام منذ ذلك الحين إلى هذا اليوم، بل وسيبقى اللعن إلى الأبد.
فالانحراف يسبب دمار المنحرف أولاً وقبل كل أحد.
حكومة الرسول (صلى الله عليه وآله) العادلة
وبالعكس نرى حكومة رسول الله (صلى الله عليه وآله) العادلة التي وفرت للمسلمين والأمة بأجمعها الخير والرفاه والاحسان.. بقيت وستبقى معززة مكرمة..
ولا يخفى أن هكذا حكومة ترجع بالخير إلى قائدها أيضاً، فرسول الله (صلى الله عليه وآله) يذكر الآن وسيذكر إلى يوم القيامة على المنابر والمآذن وفي الكتب وسائر الوسائل بكل احترام، لأنه (صلى الله عليه وآله) طبّق الموازين الإسلامية التي ذكرناها..
فكانت في عهده (صلى الله عليه وآله) أموال المسلمين وأعراضهم وأرواحهم في أمن وأمان، بل وغير المسلمين أيضاً كذلك إلا المحاربين وذلك في ميدان الحرب وبشروط مذكورة في باب الجهاد.
عدم مصادرة الأموال
ثم إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) على شدة حاجته وحاجة أصحابه إلى المال لم يتناول حتّى درهماً واحداً من أحد في غير الاطار الإسلامي العام، فكان (صلى الله عليه وآله) يشدّ حجر المجاعة على بطنه[3] وكان أحياناً يجوع ثلاثة أيام من دون أن يتناول شيئاً، وقد رهن درعه الحربية عند يهودي لأجل الطعام في قصة مشهورة[4].
وفي الحديث إن فاطمة الزهراء (عليها السلام) جاءت بكسرة خبز لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال (صلى الله عليه وآله): ما هذه الكسرة؟
قالت: قرص خبزته ولم تطب نفسي حتى أتيتك بهذه الكسرة.
فقال (صلى الله عليه وآله): اما انه أول طعام دخل فم أبيك منذ ثلاثة أيام.
وقال (صلى الله عليه وآله): ان أهل الجوع في الدنيا هم أهل الشبع في الآخرة، وان أبغض الناس إلى الله المتخمون الملأ، وما ترك العبد أكلة يشتهيها إلا كانت له درجة في الجنة[5].
فاطمة (عليها السلام) تقتدي بأبيها
وكذلك كانت فاطمة الزهراء (عليها الصلاة والسلام) فقد رهنت بعض ألبستها عند يهودي لأجل أصوع من الشعير..
وفي المناقب: أنها (عليها السلام) رهنت كسوة لها عند امرأة زيد اليهودي في المدينة واستقرضت الشعير فلما دخل زيد داره قال: ما هذه الأنوار في دارنا، قالت: لكسوة فاطمة، فأسلم في الحال وأسلمت امرأته وجيرانه حتى أسلم ثمانون نفساً[6].
وكانت (عليها الصلاة والسلام) يصفّر لونها ويلصق بطنها بظهرها وتغور عيناها من الجوع، وكان أولادها يرتعشون كما يرتعش الفرخ[7].
وقد سبق في تفسير سورة (هل أتى)[8] أنهم (عليهم السلام) أطعموا الفقير والأسير واليتيم، وصاموا ثلاثة أيام بالماء، ومع ذلك لم يأخذوا حتى درهما من أغنياء المسلمين، مع العلم أن في ذلك الوقت كان للمسلمين أغنياء.
وهكذا بالنسبة إلى أصحاب الصفة من أصحاب الرسول (صلى الله عليه وآله) حيث كانوا ثلاثمائة أو أكثر وكانوا في أشد الفقر، ولكن الرسول(صلى الله عليه وآله) لم يأخذ لهم حتى درهماً واحداً من أصحابه الأغنياء بعنوان أو بآخر، وكان بعض أصحاب الصفة من الفقر بحيث يغمى عليه من الجوع أحياناً، وبحيث إن ساتر بعضهم لم يكن يكفي لستر عورته في حالة السجود.
ولا يخفى انه لما استطاع رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (ع) من تطبيق معظم قوانين الإسلام انتزع الفقر من البلاد الإسلامية.
ولكن قبل ذلك حيث جعل رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأمر من الله عزوجل الحقوق الشرعية: الخمس والزكاة والجزية والخراج، وطبق قوانين المالية الإسلامية، لم يتناول حتى درهماً واحداً من المسلمين بالقوة.
وهذا كان نموذجاً من صيانة الأموال في عهده (صلى الله عليه وآله).
صيانة الأرواح في حكومته (صلى الله عليه وآله)
وبالنسبة إلى صيانة الأرواح والأمن الجسدي والروحي في الحكومة الإسلامية، فكان المجتمع يعيش بسلام وأمان، والنبي (صلى الله عليه وآله) لم يزهق روحاً واحداً من غير حق، وكانت حروبه حروباً مثالية وكانت جميعها دفاعية، فحين كان الاعتداء من جانب الكفار كان(صلى الله عليه وآله) يكتفي بأقل قدر من الضرورة في الحرب، ثم يعفو[9].
عفو الرسول (صلى الله عليه وآله)
وقد عفى رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن أشد المعاندين له وهو أبو سفيان ومن أشبه، حينما استولى عليهم، فقال لهم: (ألا بئس جيران النبي كنتم، لقد كذبتم وطردتم وأخرجتم وفللتم ثم ما رضيتم حتى جئتموني في بلادي تقاتلوني.. فاذهبوا فأنتم الطلقاء)[10].
وعفى (صلى الله عليه وآله) عن وحشي الذي قتل حمزة عم النبي (صلى الله عليه وآله) سيد الشهداء.. وهكذا[11].
وعفى (صلى الله عليه وآله) عن هبّار الذي قتل ابنته زينب (عليها السلام) وقتل جنينها..
فإن هبار بن الأسود بعد أن جنى ما جنى وأهدر النبي (صلى الله عليه وآله) دمه، جاء إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله..
فقبل النبي (صلى الله عليه وآله) إسلامه..
فخرجت سلمى مولاة النبي (صلى الله عليه وآله) فقالت لهبار: لا أنعم الله بك عينا، أنت الذي فعلت وفعلت..
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن الإسلام محا ذلك.. ونهى عن التعرض له.
وعن ابن عباس قال: حينما كان هبار يعتذر إليه (صلى الله عليه وآله)، رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو يطأطأ رأسه استحياءً مما يعتذر هبار! ويقول له: قد عفوت عنك[12].
قبول الشفاعة
ثم إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا أمر بقتل شخصٍ لجرمه، كان (صلى الله عليه وآله) يبدي عطفاً وحناناً، فإذا قيل له: هلا عفوت عنه، عفى عنه..
وفي التاريخ: إن النضر بن الحارث بن كلدة كان رجلاً من الكفار ومفسداً، فقتله المسلمون بأمره (صلى الله عليه وآله)، فجاءت أخته إلى الرسول (صلى الله عليه وآله) وقالت:
في قومها والفحل فحل معرق***أمحمد ولأنت صنو بخيبه
منّ الفتى وهو المغيظ المخنق***ما كان ضرّك لو مننت وربما
فكانت (الأخت) كافرة والمقتول كان كافراً مفسداً مستحقاً للقتل، لكن لما أنشدت الأبيات للرسول (صلى الله عليه وآله) رقّ لها الرسول (صلى الله عليه وآله)، وقال: لو كنت شفعت فيه قبل أن يقتل لكنت عفوت عنه[13].
إلى غير ذلك من الأمثلة.
عفوه (صلى الله عليه وآله) عن المتآمرين
يتابع