ممـلكـــة ميـــرون

ثقافة المقاومة 32175b77914d249ceca6f7052b89c9fc

ادارة مملكة ميرون
ترحب بكم وتتمنى لكم قضاء اوقات مفيدة
وتفتح لكم قلبها وابوابها
فاهلا بكم في رحاب مملكتنا
ايها الزائر الكريم لو احببت النضمام لمملكتنا؟
التسجيل من هنا
وان كنت متصفحا فاهلا بك في رحاب منتدانا

ادارة مملكة ميرون

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

ممـلكـــة ميـــرون

ثقافة المقاومة 32175b77914d249ceca6f7052b89c9fc

ادارة مملكة ميرون
ترحب بكم وتتمنى لكم قضاء اوقات مفيدة
وتفتح لكم قلبها وابوابها
فاهلا بكم في رحاب مملكتنا
ايها الزائر الكريم لو احببت النضمام لمملكتنا؟
التسجيل من هنا
وان كنت متصفحا فاهلا بك في رحاب منتدانا

ادارة مملكة ميرون

ممـلكـــة ميـــرون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


,,,منتديات,,,اسلامية,,,اجتماعية,,,ثقافية,,,ادبية,,,تاريخية,,,تقنية,,, عامة,,,هادفة ,,,


2 مشترك

    ثقافة المقاومة

    avatar
    sarmaad
    عضونشيط
    عضونشيط


    ذكر

    ثقافة المقاومة Empty ثقافة المقاومة

    مُساهمة من طرف sarmaad الإثنين يونيو 09, 2008 12:51 am

    ثقافة المقاومة


    المقاومة هي فعل وطني نبيل ينطلق من مفهوم واقعي يحاول استعادة التوازن ومن ثم الهجوم ضد مرتكزات العدوان الخارجي أو الداخلي أو بشكل أكثر دقة تدمير فضاء الاحتلال، الجماهير التي تنخرط في فعل المقاومة الوطنية هي الطليعة القائدة التي تعرف أهدافها وتدرك أين تكمن مصالحها وتوظف قدراتها لتطوير المقاومة في كل الأشكال المطلوب التعبير عنها ويعد ذلك الفعل مشروع تماماً. لقد جربت الكثير من دول العالم وشعوبها ذلك الفعل المقاوم النهضوي ومن ضمنها شعبنا العربي المكافح في فلسطين السليبة, وكذلك بقية أقطار أمتنا المبتلاة بالهجمة العدوانية الشرسة التي تستهدف وجودها ومرتكزاتها الحضارية، وفي سجل المنازلة الكبيرة ندرك تفاصيل الفعل الوطني القومي وتأثيره الذي استهدف الوجود الاستعماري في الحقبة السابقة, وكذلك الجهد الوطني الرديف الذي كشف كل أشكال السيطرة المنظورة وغير المنظورة من خلال أساليب التعبير التي تشكل الساتر الأول في المواجهة.

    في الإطلاع على تجارب عالمية تأسست في دول أخرى مثل الاتحاد السوفييتي السابق وفرنسا وألمانيا وفيتنام وكمبوديا وغيرها من مجتمعات حاولت قوى القهر سحقها ووضعها تحت سيطرتها المهينة، لم يكن أمام شعوب تلك الدول غير اللجوء إلى المقاومة وتطوير أساليبها وصولاً إلى التحرير والحرية. من تلك الصورة العالمية الكبيرة التي تشكلت ونجحت في إنجاز مهماتها أنطلق محلقا في هذا الكتاب الجديد الذي أنشر فصوله وأحاول تقديم تلك الصورة الخاصة بالمشهد الثقافي المقاوم واستعراض تجارب المقاومة العالمية ومنجزاتها الثقافية التي رفدت شعلة الرد والتحدي بمنجزات تتداولها الآن شعوب الأرض قاطبة وتستلهم منها الكثير من الدروس والعبر. يأتي هذا الجهد وشعبينا الصابرين في العراق وفلسطين العزيزة، أبناؤهما يخوضون مستبسلين في نضال عنيد ومجيد هو الشعاع القادم والذي سيصنع فجر الأمة ويفتح السبل التي ستساهم في تخليص العالم من الهيمنة الإمبريالية العدوانية. في العراق يقدم الشعب الصابر المظلوم المعتدى عليه صورة جديدة ومغايرة لكل أشكال المقاومة التي حصلت في بقاع العالم ويقف نداً كفوءاً لمنازلة غول العصر. أنني أحيي ذلك الشعب الذي أنتسب إليه وأقدم بين يديه الكريمة هذا الجهد المتواضع.

    التجربة الفرنسية

    كانت فرنسا قد وقعت في قبضة الاحتلال النازي البغيض. في تلك الأيام دب اليأس والخوف وغلف الضباب مصير أبنائها وصار هدير المجنزرات والدبابات والطائرات الألمانية يقض مضاجع أبناء الشعب, كل المظاهر التي كانت ترافق حالة الاحتلال، كل المؤشرات تعلن عن مستقبل أسود ومشوّه تنتظره الأجيال القادمة. مرت أربعة أعوام خلالهما كانت أرض وسماء فرنسا محتلتين, وشعبهما ظل يرسف في الأسر الألماني. حصل كل ذلك بعد شهر حزيران من العام 1940, كل شيء قد تغير بعد الاحتلال. صمت وحزن يطبقان على الأبواب والدروب. لم تعد باريس مدينة النور واللهو والصخب والحب والجمال والفكر الرفيع، بل تحولت إلى مدينة محتلة تتحرك على مساحات ترابها أشباح الاحتلال التي كانت تصادر المستقبل وتفرض قسوتها على الأرض والإنسان. تصاعد الأنين الحزين وصار الشجن كشعاع الشمس يخترق العيون ويستقر في الأعماق، لكن فرنسا ظلت تبحث عن طريق وعن بصيص أمل للخلاص من حالة الاحتلال والأسر. ومن بين ذاك الأنين والشجن والقضبان ارتفع صوت منفرد يغرد للحرية والخلاص سرعان ما صار يدوي في كل أرجاء فرنسا. كان ذلك الصوت يدعو للنهوض ومجابهة رموز الاحتلال وتقوية الفعل النافذ إلى تحرير الأرض والإنسان، إنه صوت الأدب المعارض المقاوم, أيقظ ذلك الصوت فرنسا كلها، جعلها تستفيق وتستوعب صدمة الاحتلال النازي وتجمع شتات قوتها وتتحول نحو الفعل الذي زرع في قلوب أبنائها الشجاعة. أوقدت تلك الأقلام وورش الفنانين مصابيح صارت تتوهج في ليل فرنسا الحالك وتنشر أردية الأمل والحرية وتعلن بوضوح تام عن تقريب يوم الخلاص من الاحتلال الغاشم.

    السلاح الأقوى

    انتبه قادة الفكر في فرنسا إلى أهمية سلاح الكلمة المعارضة والمقاومة، ذلك السلاح القوي الذي يفعل فعله المدمر في صفوف الأعداء, ولذلك اتجهوا دون تردد إلى المسرح والأدب لنشر أفكارهم خلال الحرب العالمية الثانية وبعدها، وهكذا تنادى بعض الكتاب والمفكرين تحت جنح الظلام والتقوا في اجتماع سرّي تم على أثره تأسيس دار للطباعة والنشر تهتم بنشر النتاج الأدبي المعارض لقوى الاحتلال وتوزيعه في مدن وقصبات فرنسا, وكذلك تمويل إنتاج العروض المسرحية ذات التأثير المشابه لتقدم على مسارح فرنسا وتوجيه نداء إلى كتاب المسرح الفرنسي آنذاك للمساهمة في إنجاح الجهد التعبوي غير المباشر ضد الاحتلال النازي. كانت تلك الفكرة جديرة بالاحترام, وقد حصلت على تأييد كبير من لدن الكتاب والفنانين, وأيضا استطاعت أن تجد دعما غير محدود لدى الطبقة البرجوازية التي وظفت الكثير من الأموال في مجال الإنتاج المسرحي دون إثارة حفيظة قوى الاحتلال, وهكذا بدأت صرخة الحرية والتحرير تجد صدى أكبر لها لقد صارت المساحة تتوسع في عمق بحار وشواطئ فرنسا وعلى كل الأرض.

    منشورات نصف الليل
    حول طاولة مستطيلة من خشب قديم اجتمع كتّاب وأدباء وفنانون ومفكرون فرنسيون يمثلون مختلف الاتجاهات السياسية والدينية, وقد أبعدوا عن ذلك الاجتماع رياح الاختلاف السياسي ووضعوا نصب أعينهم مصلحة فرنسا قبل كل شيء. في ذلك الاجتماع جلس الكاتب الروائي الكاثوليكي "فرانسوامورياك" إلى جانب الشاعر "أراجون" رغم الخلاف السائد بينهما. عندما حصل ذلك أدرك قادة المقاومة أن ليل الاحتلال بات يقترب من الزوال. وبعد الاتفاق على جميع مظاهر العمل المطلوب، توقف الجميع عند اختيار اسما لدار النشر. في ذلك الاجتماع عرضت أسماء عديدة, لكن الآراء اتفقت على اسم غريب هو "دار منتصف الليل للنشر والترجمة". كانت حيلة ذكية للعمل بعيدا عن عيون رجال رقابة الاحتلال، وكذلك رمزا للتذكير بليل فرنسا تحت الاحتلال.

    يتبع
    avatar
    sarmaad
    عضونشيط
    عضونشيط


    ذكر

    ثقافة المقاومة Empty رد: ثقافة المقاومة

    مُساهمة من طرف sarmaad الإثنين يونيو 09, 2008 12:53 am

    قرر المجتمعون أن خطواتهم ستبقى تسعى للحركة في ذلك الليل حتى يشرق فجر فرنسا الجديد. وفعلا قامت دار منشورات نصف الليل بأعمال مهمة كانت بمثابة مغامرة محفوفة بالمخاطر تطلبت من كادرها الأدبي والفني العمل بشجاعة استثنائية ورباطة جأش كبيرة والنظر إلى المخاطر الجدية بشيء من الاستخفاف وحرص واقعي يأخذ بالاعتبار ظروف الاحتلال النازي وقسوة الإجراءات العقابية التي وضعها العدو. اعتمدت منشورات نصف الليل خطة سريعة في طبع الكتب في الخفاء ونشرها بين الناس في الخفاء أيضا، وصممت للتوزيع شبكة تصل من خلالها إلى بيوت المتلقين بكل الحيطة والحذر رغم مطاردة الجستابو للعاملين في تلك الشبكة أو التحري عن أسمائهم أو عناوينهم. كان العقاب الذي ينتظر من يقع في قبضة الجستابو هو الإعدام دون رحمة, وغالبا ما كانت المطاردة للعاملين تنتهي بالقتل. لقد تحولت منشورات منتصف الليل إلى نشرة سرية وعمل آخر علني.

    النتاج المسرحي والأدبي المعارض

    المسرح المعارض كان هو العمل العلني الآخر الذي ابتدعته دار منتصف الليل, حيث شهدت باريس في ليل الاحتلال سلسلة من المسرحيات التي عكست الأزمة الأخلاقية لجمهور يرتاب بالمتعاونين مع العدو المحتل وتهزه مخاوف وكراهية مكبوتة من سنوات الحرب والتعذيب والإعدامات. في تلك الأيام الحالكة أوشك شعب فرنسا أن يستسلم لليأس, لكنه وجد متنفسا في المسرح خلال فترة قصيرة عندما صار يتابع عروضا مسرحية غير مألوفة. وفي تلك الفترة لمع اسم اثنان من الكتاب في تلك الموجة الأدبية والفكرية المعارضة هما "جان بول سار تر, وألبير كامو", وكلاهما صار يمثل صرخة استنهاض سرية تطوف أرجاء فرنسا دون قيود. وكان حضور مسرحياتهما يشكل لدى الجمهور الفرنسي ما يوازي الاشتراك في عمل معاد للمحتل الموجود خلف أبواب قاعة العرض المسرحي.

    وحين أعيد افتتاح المسارح بعد سقوط فرنسا عام 1940 تسجل الوثائق أن قوى الاحتلال ممثلة بالرقابة النازية منعت تقديم مسرحية للكاتب الإنجليزي "وليم شكسبير", ولكنها وقعت في الفخ عندما وافقت على مسرحية أخرى للكاتب "جورج برناردشو" هي "القديسة جوان". وكان الرقيب الإعلامي الألماني يعتقد خطأ أن المسرحية معادية للبريطانيين، لكنها في نهاية الأمر تصور البريطانيين وهم يحرقون البطلة القومية الفرنسية, مما جعل الجمهور الفرنسي يدرك مغزى المسرحية بشكل تلقائي.

    إن الحملة لطرد الإنجليز فيما مضى تؤكد الرغبة الحالية لطرد الاحتلال الألماني, وحين بدأ "جون بول سارتر" كتابة مسرحيته المشهورة "الذباب", وذلك في العام 1942 كان حريصا على اختيار موضوع ميثولوجي ليخفي موضوع مسرحيته الأساسي عن الرقيب الألماني وليقدم في الوقت نفسه للجمهور الفرنسي المحاصر دليلا على أن الوضع الفرنسي ليس جديدا، بل هو قديم ويتكرر مع كل حالة ضعف تمر بها فرنسا. وعندئذ وفي عام 1943 بدأت في باريس عروض مسرحية "أنتيجونا" لكاتبها "جان أنوي" التي أيضا حركت انتباه الجماهير لأن بطلتها الصغيرة ترفض بعناد كل أشكال التخاذل والحلول الوسطية. مع تلك المسرحية شعر المشاهد أيضا أن حالة "أنتيجونا" هي تجسيد لحالة الرفض الراهنة، عندما أعلنت أنتيجونا أنه ما من شيء يمنعها من دفن أخيها كان الجمهور الفرنسي ينتشي طربا لذلك الحوار وكأنه يسمع صوت المقاومة الفرنسية فوق خشبة المسرح في ذات الوقت الذي تحيط حراب الأعداء صالة المسرح. شاع أدب القلق والاضطراب, وبفضل ذلك عرفت المكتبات والمسارح نتاجا مختلفا عما كان يسود قبل الحرب. تعرفت باريس على أعمال الكاتب الإيطالي بيراندللو مثل "ست شخصيات تبحث عن مؤلف", وأعمال الكاتب الروسي "أنطوان شيخوف" مثل "الخال فانيا وزمج الماء", وكذلك "البطة المتوحشة" لهنريك أبسن", وغير ذلك من مؤلفات أوروبا مثل "أوبرا القروش الثلاث والأم شجاعة وأبناؤها" للكاتب الألماني "بيرتولد برخت", وكذلك "المحاكمة " للكاتب "كافكا", و"موسيقى الموت الراهبة" للكاتب "فوكنر", ومسرحية "الشياطين" التي مسرحها "ألبيركامو" عن رواية الكاتب الروسي الشهير "ديستيوفيسكي"...

    حاول الأدب والمسرح والفنون عموما المساهمة بعكس التأثيرات المرتبطة بحياة العصر الملموسة, ومنها تأثيرات الحربين العالميتين اللائى أثارتا أدبا دراماتيكيا غزيرا, ومن ذاك "الأرض اللاإنسانية" التي كتبها "فونسوا دي كوريل", وكذلك "القبر تحت قوس النصر" التي كتبها "بول رينال", و"سيجفر يد" لكاتبها "جير ود", و"لن تقع حرب طروادة". صورت تلك الأعمال الإبداعية أزمة الحرب وظلام الأفق الدبلوماسي من خلال جمل عميقة متشائمة وتأملات قاتمة حيث الأحداث تلامس حافة قلب تلك الحرب المدمرة وتعمد إلى تعرية النزاع بين العدالة المتكاملة والانتهازية السياسية وبشاعة الآلام التي سببتها وبمدى الانقلابات التي زعزعت القيم الأخلاقية. إن الكوارث الكبيرة والمصائب المرعبة تخلق الكتاب والشعراء والمبدعين حين تبدأ الشعوب المتعبة بالتنفس، حينذاك تنطلق المخيلات التي زعزعتها مشاهد مخيفة لترسم أشياء يجهلها أولئك الذين لم يشاهدوها.

    كرست تلك السنوات مؤلفات عديدة لتصوير ما حصل في تلك الساعات الرهيبة التي اجتازتها البشرية إلى معبر السلام. كان نتاج تلك الحرب مدهشا في أعمال إبداعية مختلفة وثقت الحرب ونتائج الدمار المادي والمعنوي مثل "الحارقون" لموريس كلا فيل, و"ليالي الغضب" لسالاكرو, والتي عرضت قصة وثائقية عن الاحتلال وفي عام 1946 ألف "جان بول سار تر" الدراما الأكثر عنفا وحدة, والتي أوحت بها المقاومة كتبها بدون خجل أو مدارات "الموتى بدون قبر", حيث أحيت كل التعذيب البغيض. ثم تبعها بوثيقة مدهشة عن ألمانيا النازية المدحورة, والتي أعيد بناؤها، وهي كانت آخر درا مات سار تر المسماة "سجناء التونا", والتي صورت بكفاءة نادرة أدوار العنف الذي غمر الشباب النازي وانتهازية كبار الصناعيين الذين أعادوا بناء ألمانيا التي لم تكد تنهض من خرائبها.

    إن الصراع في أعمال عديدة صور إلى جانب الحرب وويلاتها التناقض والتعارض الكبير بين الصوفية الدينية والميتافيزيقية الملحدة، إلى جانب الموضوع المعاصر الآني الذي فرضته الأيديولوجية السياسية من قبيل "الأخلاق الشخصية وانضباط الحزب السياسي أو المثل الأعلى الثوري في أمة ما، كما هي الحال في "الأيدي القذرة" للكاتب "جون بول سارتر", والمسرحية الرائعة "سوء تفاهم" للكاتب "كامو"، حيث جسدتا بوضوح تفسيرات أخاذة للنزاعات السياسية والأخلاقية التي أثارتها المعارضة، هناك الصراع بين المثل الأعلى الشخصي والخضوع لقضية جماعية. لقد تجاوزت الأعمال الأدبية النماذج السابقة التي أرادت تصوير الموضوع السيكولوجي والأخلاقي وحل بدلها النموذج الأدبي الذي يشكل المسار الصحيح للحياة الاجتماعية والفكرية في الأزمنة العصرية...

    صمت البحر

    من أروع الأعمال الروائية التي نشرتها دار نصف الليل "رواية صمت البحر", وذلك في عام 1942, أحدثت تلك المطبوعة صدى عميقا في نفوس الفرنسيين وهزت مشاعرهم وأثارت لديهم همم الحماسة, وبين ليلة وضحاها صار كاتبها من أشهر كتاب فرنسا كلها, بل ذاعت شهرته أيضا في دول العالم الأخرى, كما ترجمت الرواية إلى جميع اللغات.

    الرواية ظهرت باسم مؤلف اختار لنفسه اسم "فير كور", وهو اسم لمقاطعة فرنسية انتحل المؤلف الحقيقي اسمها تكريما لها لكونه يقوم فيها بأعمال المقاومة السرية ضد الوجود النازي، علما أن جميع الكتاب والشعراء الذين أسسوا "منشورات منتصف الليل" انتحلوا شتى الأسماء المستعارة لإخفاء شخصياتهم الحقيقية خوفا من بطش الألمان. ظلت شخصية الكاتب "فير كور" يلفها الغموض والسرية التامة في فترة الاحتلال, وقد راجت حول ذلك الأمر تكهنات عديدة, ولكنها لم تقترب من حقيقة شخصية الكاتب, وتيقن الجميع أنه كاتب معروف أو شاعر من كبار شعراء فرنسا, ويقودهم إلى ذلك الاعتقاد إمكانيته المذهلة, وجمال أسلوبه, ورقة تعبيره, وتلك الجمل الموشاة بالحس الشاعري, ودقة الوصف لديه, والتحكم الكبير في رسم الأحداث والتكوين الصوري.
    ولكن الحقيقة عندما ظهرت بعد رحيل القوات المحتلة. عرف الجميع أن الكاتب المدعو "فير كور" هو رسام لوحات وليس كاتبا أو شاعرا, وأن روايته "صمت البحر" هي أول عهده بالكتابة والتأليف, إذ لم يسبق له أن خاض في هذا المجال. وقد كتب روايته كجزء من أسلوب النضال ضد الوجود الأجنبي, وهكذا زاد إعجاب أبناء فرنسا به. وفي مذكراته التي تسبق أحداث الرواية يقول "فير كور" أنه كتبها في العام (1941), ونشرت ضمن منشورات المقاومة في العام التالي. والرواية من الحجم الصغير, فهي لا تزيد عن (60 صفحة) يضمها كتيب رسم الكاتب لوحة الغلاف له كانت اللوحة تعبر عن روح فرنسا التي تمردت لتقاوم الدخلاء...

    يتبع ــــــــ
    avatar
    sarmaad
    عضونشيط
    عضونشيط


    ذكر

    ثقافة المقاومة Empty رد: ثقافة المقاومة

    مُساهمة من طرف sarmaad الإثنين يونيو 09, 2008 12:56 am

    عندما تكلم البحر

    القصة التي كتبها "فير كور" في تلك الأيام كانت قد جذبت اهتمام أبناء الشعب الفرنسي, فقد نطقت كما ينطق البحر ويلفظ الزبد على الضفاف وينظف بذلك نفسه بنفسه. لم يقصد الكاتب الجنوح إلى أسلوب الاستخفاف بالمحتل والانتقاص منه, أو بناء قصة بهدف التهجم على الألمان وإظهارهم بمظهر الغزاة المتوحشين, ولكنه عمد إلى طريقة مبتكرة تستند إلى فلسفة النضال, حيث ارتقت الكلمات إلى فعل البندقية عندما اختار مضمونا ينسجم مع روح المعارضة الصامتة التي التزم بها الشعب الفرنسي.

    تتواجه شخصيات رواية صمت البحر في حيز مكاني محدود يرمز إلى حالة الحصار التي فرضها المحتل على أبناء فرنسا, مع أن حالة الحصار معكوسة في نتيجة الرواية أو المحصلة النهائية. فالضابط الألماني "فرنر فون ابرناك" الذي يحاول تحريك الصمت, ثم يغادره وقد شعر بحتمية الهزيمة وبحالة الاختناق وصعوبة التفاعل والعبور على المشاعر لتلك العائلة التي تمثل شريحة من شعب فرنسا. الضابط الذي رسمه "فيركور" بهيئة إنسان رقيق المشاعر, هذبته المدنية وصقلت شخصيته الآداب والفنون, حيث ملأت الموسيقى كل جوارحه بالعطف والرقة والشعور الإنساني المتوازن, استطاعت الدعاية الإعلامية الألمانية المضللة أن تخدعه بعض الوقت, ولكنه الآن يتحرك على مسرح الحقيقة العارية, وهاهو يؤسس لنفسه مرجعية مغايرة تدفعه لكي يدقق في الأمر كثيرا ويتخذ قراره مع نفسه بصمت أيضا. ومنذ البداية يعتذر عن الوضع الذي صنعه الاحتلال: "إنني لشديد الأسف، لو أن في الإمكان أن أتجنب هذا لفعلت". ثم لم تمض لحظات على تلك الجملة الحوارية المشبعة بالأسف حتى يكشف عن فلسفة أخرى مغايرة لتوقعات تلك العائلة التي يجتاحها الرعب. والموقف الصعب عندما يقول: "إنني أشعر بتقدير كبير للأشخاص الذين يحبون وطنهم". منذ تلك اللحظة يكون الضابط الألماني قد اتخذ قراره بعدم قذف نفسه في أتون الحرب الدائرة في الميدان الشرقي, وهو في قرارة نفسه يفضل الموت على أن يعيش ليرى الدمار قد عم كل مكان ولحق بالبشرية عار كبير.

    إن تلك المفاتيح التي أظهرها الكاتب ببراعة وضعت أحداث الرواية في الاتجاه الصحيح ومكنتها من الحصول على صراع متصاعد, مع أن الجو العام يلفه الصمت والرفض, لكن حركة الشخصية المحورية التي تمتلك سعة الأفق في الحياة وسمو الأفكار استخدمها "فير كور" لغرض المقارنة واستحضار حالات الغزاة وما لحق بهم وبالشعوب والبلدان من دمار. إن تلك المقارنة المستترة هي بمثابة شاشة لعرض الطيف السينمائي تتداخل فيها الصور والأفكار لتقول رسالة واضحة موجهة إلى عقول الشعب الذي يئن من ليل الاحتلال والعبودية. إن الدعاية الموجهة التي اعتمدتها ماكينة الإعلام النازي حيث حاولت تصوير واقع الاحتلال القسري بمثابة فتح للبشرية, وهكذا كادت تلك "البروغندة" أن تخدع الكثير من الشعوب وتجند العقول لتحقيق أهدافها.

    من هنا نجد أن الكاتب "فير كور" سعى بدقة لرفع تلك الغشاوة أو ما يسمى بحاجز التضليل ليكشف عن حقيقة المحتل وأهدافه العدوانية واللاإنسانية. كانت مهمة الكاتب صعبة للغاية وهو يتصدى لتلك القضية, فهو في جانب منها يقارن ملمحا إلى حجم الخديعة التي وقع بها الضابط الألماني, وكذلك الشعب الفرنسي الذي يراد له أن يظل صامتا دون مقاومة على وهم آمال ينسجها المحتل, وهي بمثابة سراب خادع. يقول الضابط الألماني فر نر: "لقد أحببت فرنسا دائما. كنت طفلا أثناء الحرب العالمية الأولى, وما كنت أفكر فيه آنذاك لا اعتبار له، ولكني أحببتها دائما منذ ذاك الحين، لكن ذلك كان عن بعد، مثل الأميرة النائية". ثم يكشف عن جوهر تلك الأفكار والباعث الحقيقي لها فيقول: "بسبب والدي، فقد كان وطنيا كبيرا، وكانت الهزيمة عنيفة الألم، ومع ذلك فقد أحب فرنسا؛ كان يعتقد بأن الشمس ستشرق في النهاية على أوروبا". وعندما يجد الصمت مثل أعماق البحر والسكون يلف العيون والقلوب والأجساد يشعر بثقل الانكسار فيعود من جديد ليكسر حاجز الصمت من خلال الكشف عن جانب من شخصيته: "لست عازفا، ولكنني أؤلف الموسيقى، وهذا العمل هو كل حياتي، وهكذا يصبح شيئا مضحكا بالنسبة لي أن أرى نفسي رجل حرب، ومع ذلك فلست نادما على تلك الحرب، كلا فأنا أعتقد أن ذلك سيتمخض عن أشياء عظيمة".

    وفي أول اعتراف يصدر عن الكهل العجوز بعد أن يغادر الضابط إلى غرفته في الطابق العلوي يقول لابنة أخيه: "ربما كان من غير الإنساني أن نرفض التحدث إليه ولو بكلمة واحدة". ثلاثة خصوم ومساحة محدودة من الحس الإنساني أو ما تبقى منه خارج آلة التدمير الحربية المروعة. الضابط الألماني قد وطن نفسه على تلك الحالة, فهو في زياراته يبتعد عن ارتداء الزي الرسمي ليجنب الفتاة وعمها الكهل النظر إلى رمز الاحتلال, ذاك الزي العسكري واختيار ممر خاص للدخول والخروج. دائرة الصمت تتسع وهي تشع من تلك الأجساد المثقلة بدعوات الحرب وأفكار المقاومة. كان يدق الباب ويدخل دون أن ينتظر إجابة, هو على علم بأنهما لن يعطيانهما له، وكان يفعل ذلك في براءة طبيعية، ويأتي ليستدفئ بالنار، هذا هو العذر الذي كان يتعلل به ليخفي صبغته التقليدية. لقد اختار أدب ما بعد الحرب وفي حالة المقاومة الفرنسية مضمونا وشكلا لا يندفعان نحو الرمزية ولا نحو الوهم, بل ينطلقان من منصة ينابيع الآلام, حيث يصبح فيه الامرئي مرئيا, وتصبح فيه الفكرة صورة ملموسة وواقعا, وتصبح فيه أيضا الآلام المبرحة حقيقة حية هائلة، أدبا يعطي العالم مادة للتفكير والحياة.

    الحواجز المضادة

    انطلق الكاتب الفرنسي "فير كور" من حقيقة واقعة حول إمكانية العاطفة وفعلها في تغيير أهداف التفكير والشعور, وهي تنطلق نحو التفاعل والتلاقي, ولكنها تتراجع أمام حقيقة أخرى تفرضها الحواجز المنطلقة من الإيمان والقيم وأفكار الأماني الكبيرة, وخاصة تلك التي سيطرت على أجواء رواية صمت البحر, وأقصد القيم الوطنية التي مثلت العائق الأول أمام تطور التفاعل وبوادر الحب, فقد حاولت الفتاة في البدء منع شعورها وانفعالاتها من الظهور نحو الضابط الألماني, فهو في نظرها ونظر أبناء فرنسا ينتمي إلى قوم فاتحين ومع شفافيته وسمو تفكيره ونبل أخلاقه إلا أنه يمثل أحد الأعداء الغاصبين الذين نال منهم الشعب الفرنسي شتى ألوان العقاب والعذاب والحصار والحرمان والرعب المتواصل, مع أن الفتاة تدرك عن يقين أن أفكارها وجميع مشاعرها تهيم به, فقد وجدت في شاعريته ورقة إحساسه نموذجا تبحث عنه وتتوق إليه, فاستسلمت لحبها بعد أن كافحته طويلا, وقررت في النهاية أن عليها أن تطوي صفحات ذاك الحب وتدفنه بعيدا, وهي لم تصرح به لذاك الفتى العسكري مع أنها كانت تدرك جيدا أنه يبادلها ذات المشاعر والأحاسيس، كمن وضع ذاك الحب في دورق زجاجي ورماه في عمق البحر فصار مع تقادم الأيام يلفه صمت أعماق البحار.

    وفي النهاية التي يصرح فيها الضابط الألماني بحقيقة مشاعره العميقة والتعارض القائم لديه من سلوكية الفعل القسري المرتبط بالاحتلال. كان الموقف الأخير يرسم صورة إنسانية, حيث يهدر صوت الضابط مكتوما وهو يقول لهما: "عليّ أن أدلي لكما بكلام خطير. كل ما قلته هذه الشهور الستة, وكل ما سمعته جدران هذه الغرفة ينبغي نسيانه. لقد رأيت القوم المنتصرين، وتحدثت إليهم، وسخروا مني وقالوا أن السياسة ليست حلم شاعر. ضحكوا مني طويلا ثم قالوا نحن لسنا مجانين, إن الفرصة أمامنا للقضاء على فرنسا وسنقضي عليها لا على قوتها فقط، ولكن على روحها أيضا, ففي روحها يكمن الخطر".

    يعلل الكاتب روح فرنسا وروح كل دولة وشعب بما يملك من عقول مبدعة وكتاب يحركون دفة الحياة. يقول الضابط الألماني فر نر: "هم ينافقون كتابكم، إلا أنهم في نفس الوقت في جميع البلاد التي تحتلها قواتنا قد أقاموا دونهم سدا منيعا منذ زمن. ليس هناك كتاباً فرنسياً يمكن أن يمر فيما عدا المطبوعات الفنية ومختصرات انعكاس الضوء أو قوانين التحول الكيمائي للمعادن... لكن ليس مؤلف من مؤلفات الثقافة العامة، لاشيء, إنهم يريدون إخماد الشعلة إلى الأبد, وأوروبا لن يضيئها بعد اليوم ذلك النور".
    هكذا هو صمت فير كور يقذف في النهاية حمما من الحقائق المعنوية ويقول لا لكل أدوات القمع البربري, ويقف إلى جانب حرية الشعوب في تقرير مصيرها, ويقدر عاليا ذلك النور الذي تحدثه فورة الإبداع الإنساني في مجالات الثقافة والعلوم وقنوات التطور الأخرى.
    غسان الخضراء
    غسان الخضراء
    عضونشيط
    عضونشيط


    ذكر

    ثقافة المقاومة Empty رد: ثقافة المقاومة

    مُساهمة من طرف غسان الخضراء الأربعاء يونيو 25, 2008 4:42 pm


    أخي سرمد
    موضوعك
    مهم للغاية
    شكرا لك
    سلمت يداك

    تقبل مروري
    Anonymous
    زائر
    زائر


    ثقافة المقاومة Empty رد: ثقافة المقاومة

    مُساهمة من طرف زائر الخميس يونيو 26, 2008 6:30 am

    الاخ سرمد

    دائما تتحفنا بمواضيع مهمة
    اتمنى ان ان نراك دائما بكل جديد
    ارجو ان تتقبل مروري
    ودمت
    قلب فلسطين

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 07, 2024 3:40 pm