[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
اهداء من القلب الى القلب
تمتمة الربيع
كأنَّ الأرض من كفن الشتاء بُعثت من جديد, بـ رداء ربيع جمع الألوان في كفتيّه ونفخ في الأرض السلام. قوقعة الرماد
تحطّمت وفقاعات الضباب تفجرت. حين كنت أصعد الجبل مسافرة إلى قممه الشاهقة, كنت أرسم كل لوحة تمرّ امامي
عيني لـ أرسلها لك, وأقطف من العبير نسيجا لـ أغزل لك أكاليل شوق تعبق في روحك نسيمات تشبه هذه التي تعانق
خلايا الذات فـ تجدد فيها متعة النفس والحياة. تماما كما كان يشغلني الشتاء في وطني, حين كنت أقص عليك روعة
المطر هناك, ورقصات الغيوم قرب صفحة البحر وغلاف السماء, لكن عدسة التصوير ما زالت حائرة, فكيف لها أن
تحمل هذا الكم من معالم الإبداع في وطني, وحيرتي جزء منها, فكيف لي أن أحدّثك عن سفري وفرحتي دون أن
تشاركني شيئا من هذا الخيال.
كنت واثقة أنّك قريب مني رغما عن الحدود الحمقاء التي تفصل بيننا. فـ أنت كما تشبه أحلامي, فـ إنّك تشبه كل لوحة
جمال هنا, كل زهرة تحمل على بتلاتها شيئا من ملامحك, لهذا أجتهدت في قطف بعض أوراق أبقيها بين دفات دفاتري
لأشعر بوجودك أكثر, وليطولك بقاؤك معي الى الأبد.
كنت منشغلة في حديثي الروح عنك, ولم أنتبه أنني أيقظت طيرا من جوقة أحلامه الخاصة, فـ أفزعني وأفزعته وطار
الى صخرة قريبة, أذهلني وكدت أطلق صرخة توقظ الجبل من سباته, لكنني نسيت خوفي حين رأيت على جناح الطائر
نقش يشبه حروفك..! أعلم أنّك تبتسم من جنوني وتحسب حديثي هذا مجرد هذيان جميل. لهذا عكفت على خطف صورة
لهذا الطير لتتاكد أن هذياني هذا ما هو إلا حقيقة ساطعة كـ شمس غمرت الوديان فرحا ونورا.
سبحانك ربي.. الوان الجمال كلها نُحتت على سفوح هذا المكان, في أعشاش طيور لا تقبل إلا بالفضاء مسكنا لها,
وبزهور شقّت لسيقانها متنفسا رغم قسوة الصخور, وأراني أتعلم منها أن الإرادة في الروح سلاح قوّة لا يكتب في
المعارك إلا النصر الأكيد.
أترى هذه الغربان هنا, يقولون أنها لا تنعق سوى على الخراب, لكنهم مخطئون. الغربان في وطني أجنحة من الرخام
الأسود العتيق, لا تنعق على الحطام, فكيف تنعق على أرض تحمل في أحشائها تاريخ لو أبصره العقلاء جيدا لـ علموا
ان المجد سلسبيل تفجرت عيناه جداول سقي ترتوي منها الجبال والبلدان والسفوح والمروج والحقول...!
أتعلم أن القمر أيضا كان رفيق سفري هنا, فـ أنظر اليه كيف اتخذ له مكانا بين الغيوم يسترق النظر إلي كلما حدّثت
الروابي عنك! أتعلم, سمعته يخبّرني ويخبّرك, بأن الأحلام حين تشبهنا لا تموت ..والحلم حين يقف أمام عاصفة الوهم
ينتصر, فما كان بالأمس مستحيلا, فاليوم وغدا ماثل أمامنا وبين أيدينا أسير, لأن الأرض لا تعاند إلا من يحاول صعود
السماءعلى سلالم من غبار, وأنا وأنت شيّدنا في ساعات سهر طويلة سلالم لا تنكسر, وجهزنا لأحلامنا وسائد غيوم لا
تذبل!
ما زلت أحمل احاديثا طويلة, عن زهور اللوز حين تكلل أغصانها تيجان من لؤلؤ نفيس, وعن صوت الرياح حين
تهمس للأشجار حكايا لا يتقن الإستماع إليها احد سوانا.. أما لوحة الغروب فهي أسطورة منفرد جمالها, تشبه قرص
فضي لمع بريقه في الأفق البعيد..
لكنني سأغادر الآن, لأن الليل حين يأتي, تنام الزهور وتغادر الاطيار المكان, وما زلت كطفلة صغيرة, أخشى السير
وحيدة في الظلام!
العصماء