رحلة البحث عن جفرا
رحلة البحث عن جفرا - القصة الحقيقية ...
جفرا...اختزلت معاني الوطن واللجوء والحب والألم في راحتها...تغنت بها حروف الشعراء
والزجالون...جفرا..."ومن لا يعرف جفرا؟ ومن لم يعشق جفرا؟" أسئلة رددها الشاعر
الفلسطيني عزالدين مناصرة...
استيقظنا ذات يوم لنعرف بأن عشاق جفرا لا يعرفونها...بأنها كغيرها وقعت فريسة فخ
"الشعار"...ضاعت بين أوراق السياسة والقرارت الدولية ...وتاهت في أروقة مجلس
الأمن ...جفرا...إحدى الأرقام في صفحة اللجوء القديمة...فلم يعرفها أحد...ومات عاشقها...فهل
نشنق أنفسنا..."ونشرب كأس السم العاري" ...!
قصة الـ"جفرا" هي حكاية من عشرات الحكايات التي صنعت وبلورت التراث الفلسطيني, والتي
تركت بصمتها في الحياة الثقافية الفلسطينية. هذه القصة التي بقيت طي الكتمان منذ عشرات السنين
ستكشف فصولها لأول مرة , في رحلة بحث امتدت من الخليج إلى بيروت إلى دمشق
إلى اسكتلندا إلى الدنيمارك, لعلها تحفظ قبل أن تضيع كغيرها من صفحات التراث الفلسطيني.
جفرا...خلف أسوار عكا
قرية كويكات
ولدت الـ"جفرا" في قرية اسمها "كويكات" في الجزء الشرقي من سهل عكا ,وهي إحدى قرى
قضاء عكا في لواء الجليل الأعلى, وتقع إلى الشمال الشرقي منها وتبعد عنها حوالي 9كم.
وتبلغ مساحة قرية "كويكات" 4723 دونما, وقد اشتغل أهلها في الفلاحة والرعي كباقي
قرى الجليل الأعلى.
كانت الـ"جفرا" وحيدة أبويها فلا إخوة ولا أخوات, ولم تتلق التعليم, في حين كان أولاد القرية الذكور
يتلقون التعليم في مدرسة (كفر ياسيف) القريبة من قرية "كويكات". وتقول الإحصاءات بأن عدد
سكان القرية كان يقارب الـ 1050 في عام 1945، ومتكون من 163 بيتاً.
قرية كويكات
وتقول الحاجة (هـ.ح) , واحدة من العشرة المتبقين من أبناء قرية "كويكات "من جيل النكبة الأولى
حول الحياة في القرية : (( كان أهالي قريتنا يشتغلون بالفلاحة، كان لنا أرض نزرعها بالزيتون.
في "ترم" الصيف كنا نزرع البطيخ والتين والصبر والحمضيات و القمح والشعير والحمص
والبامية والكوسا والخيار من أرضنا و"برسيم" نطعمه للخيل.كنا نزرعه في أول الصيف وفي
شهر 6 نحصدها ثم نضعها على "البيدر"... كنا جميعا فلاحين.
في "ترم" الشتاء كنا نأكل الزيتون الذي حفظناه ونأكل التين الذي جففناه والذي يسمى الـ "قطين"،
من خلال وضعه على أسطحة الدور ليجفف وهو موضوع على "البلان" وهي نبتة يسرها الله لنا
لقضاء حاجات الناس، هذه النبتة مرتفعة عن الأرض وتحتها مجرى هواء وبذلك يجفف التين وهو
معرض للشمس. وكنا نزرع السمسم ونحفظه أيضا للشتاء ونأكله مع "القطين" وكنا أيضا نعتمد
على الذرة الصفراء لفصل الشتاء.
شجر الزيتون في قرية الكويكات
كان أهالي القرية يملكون الكثير من الدجاج والأرانب ويعتمدون عليها في أكلهم.لكن لم يكن كل
الفلاحين يحبون الاشتغال في الزراعة، مع أنهم كانوا يملكون أراضي، فاشتغلوا بالتجارة ومنهم
زوج الـ"جفرا"))
من لم يعشق جفرا ...
"الجفرا" لم يكن اسما بطبيعة الحال، وإنما لقب أطلقه الشاعر "أحمد عبد العزيز علي الحسن"
عليها تشبيها لها بابنة الشاة الممتلئة الجسم. وقد عرف الشاعر بين أبناء القرية باسم "أحمد
عزيز".
أما اسم الجفرا الحقيقي فهو كما تروي لنا الحاجة (هـ.ح) : (( "رفيقة نايف نمر الحسن" من
عائلة "الحسن" وامها "شفيقة إسماعيل". كانت سمراء اللون، ذات ملامح ناعمة، وكانت أمها
خياطة تهتم بابنتها الوحيدة وتحرص عليها وتعززها وتكرمها وتظهرها بأجمل حلة. وكان "أحمد
عزيز" ابن عمها مفتول العضلات ويحترف قول العتابا والزجل ،تقدم لخطبتها وتمت الموافقة
وتزوجوا فعلا وهي في سن الـ16 تقريبا. أما " أحمد عزيز" فكان في حوالي الـ20 من عمره.
وأعراسنا كانت كسائر أعراس الفلاحين في فلسطين، يعزف فيها المجوز والشبابة والدربكة،
وكان الأهالي يرقصون الدبكة نساءا ورجالا.
ولم يتوفقا في زواجهما، وأرادت أمها ان يتم الطلاق وطلقت فعلا. ولم يستمر زواجهما سوى
أسبوع واحد، ولم يكن الطلاق أمرا سهلا فقد قامت بالهروب، وهو قام بملاحقتها حتى استقرت
في بيت أهلها. وتمت محاولات لإرجاع الجفرا لبيت زوجها إلا أنها رفضت ذلك.
بعد ذلك بفترة تزوجت الجفرا من إبن خالتها " محمد إبراهيم العبدالله " .وعندما قطع "أحمد عزيز " أي أمل في رجوع جفرا إليه شعر بمرارة شديدة لحبه الشديد لها.
وكان أهالي القرية يمرون امام بيت الجفرا لأنه يطل على الطريق المؤدية لعين الماء، وكانت هي
أيضا تخرج مع الأهالي متوجهة للعين، فكان يقول فيها شعرا كلما رآها وهي في طريقها للسقاية
من عين الماء، حاملة جرة من فخار :
جفرا يا هالربع نزلت على العين جرتها فضة وذهب وحملتها للزين
جفرا يا هالربع ريتك تقبرينــي وتدعسي على قبري يطلع ميرامية
وقد رزقت الجفرا ونحن في فلسطين بعد زواجها من ابن خالتها بابن اسمه "سامي" وبنت
اسمها "معلا".
أما "أحمد عزيز" فقد استمر بالتشبيب بالجفرا في قصائده وعتاباه ، وجمعها في كتاب أسماه
كتاب "الجفرا".))
وقد لقب الشاعر نفسه بـ"راعي الجفرا"، وذكر الشاعر عز الدين مناصرة بأن الأغنية ولدت
حوالي عام 1939، وأصبحت نمطا غنائيا مستقلا في الأربعينات، وانتشرت في كافة انحاء فلسطين
ثم وصلت بعد عام 1948 إلى الأردن ولبنان وسوريا.
وقد عرف الشاعر الشعبي "أحمد عزيز" بصوته الشجي الحنون، ومن أغانيه (على دلعونا):
ست الجفاري يا ام الصـنارة وأخدت الشهرة عاكل الحارة
لوفُت السـجن مع النظـارة عن كل اوصالك ما يمنعونـا
إجا لعنّا حبــي بــالسهرة راكب عَ كحيلة ووراها مهرة
واسمعت إنو صارت له شهرة بقول الغناني وشعر الفنونـا
ويقول الحاج عبدالمجيد العلي في كتابه عن قرية كويكات : (( كان موقع "أبوعلي" (أحمد عزيز)
في أول الصف روّاسا على تقسيمات الشبابة ونقتطف من بستانه جفرا ويا هالربع بعض المقاطع:
جفرا ويـا هالربـــع بتصيح يـا اعمـامي
ماباخـــذ بنيّكــم لو تصحـنوا عظامي
وان كان الجيزه غصب بالشـرع الإسلامـي
لرمي حالي في البـحر للسمـك في المــيه
تمنيت حـالي أكــون ضابـط بالوظــيفة
لاعمل عليـها حـرس مع وقـف الدوريـه
وقعد لــها خــدام حتى تـظل نظيـفـه
يظلوا يخــدموا فيها في الصبح وعشـية))
والقارئ للأبيات الأخيرة يلحظ بأن الشاعر "أحمد عزيز" يغني على لسان الجفرا التي رفضته
زوجا، ثم لسانه وهو يصف حبه لها.
نتابع
رحلة البحث عن جفرا - القصة الحقيقية ...
جفرا...اختزلت معاني الوطن واللجوء والحب والألم في راحتها...تغنت بها حروف الشعراء
والزجالون...جفرا..."ومن لا يعرف جفرا؟ ومن لم يعشق جفرا؟" أسئلة رددها الشاعر
الفلسطيني عزالدين مناصرة...
استيقظنا ذات يوم لنعرف بأن عشاق جفرا لا يعرفونها...بأنها كغيرها وقعت فريسة فخ
"الشعار"...ضاعت بين أوراق السياسة والقرارت الدولية ...وتاهت في أروقة مجلس
الأمن ...جفرا...إحدى الأرقام في صفحة اللجوء القديمة...فلم يعرفها أحد...ومات عاشقها...فهل
نشنق أنفسنا..."ونشرب كأس السم العاري" ...!
قصة الـ"جفرا" هي حكاية من عشرات الحكايات التي صنعت وبلورت التراث الفلسطيني, والتي
تركت بصمتها في الحياة الثقافية الفلسطينية. هذه القصة التي بقيت طي الكتمان منذ عشرات السنين
ستكشف فصولها لأول مرة , في رحلة بحث امتدت من الخليج إلى بيروت إلى دمشق
إلى اسكتلندا إلى الدنيمارك, لعلها تحفظ قبل أن تضيع كغيرها من صفحات التراث الفلسطيني.
جفرا...خلف أسوار عكا
قرية كويكات
ولدت الـ"جفرا" في قرية اسمها "كويكات" في الجزء الشرقي من سهل عكا ,وهي إحدى قرى
قضاء عكا في لواء الجليل الأعلى, وتقع إلى الشمال الشرقي منها وتبعد عنها حوالي 9كم.
وتبلغ مساحة قرية "كويكات" 4723 دونما, وقد اشتغل أهلها في الفلاحة والرعي كباقي
قرى الجليل الأعلى.
كانت الـ"جفرا" وحيدة أبويها فلا إخوة ولا أخوات, ولم تتلق التعليم, في حين كان أولاد القرية الذكور
يتلقون التعليم في مدرسة (كفر ياسيف) القريبة من قرية "كويكات". وتقول الإحصاءات بأن عدد
سكان القرية كان يقارب الـ 1050 في عام 1945، ومتكون من 163 بيتاً.
قرية كويكات
وتقول الحاجة (هـ.ح) , واحدة من العشرة المتبقين من أبناء قرية "كويكات "من جيل النكبة الأولى
حول الحياة في القرية : (( كان أهالي قريتنا يشتغلون بالفلاحة، كان لنا أرض نزرعها بالزيتون.
في "ترم" الصيف كنا نزرع البطيخ والتين والصبر والحمضيات و القمح والشعير والحمص
والبامية والكوسا والخيار من أرضنا و"برسيم" نطعمه للخيل.كنا نزرعه في أول الصيف وفي
شهر 6 نحصدها ثم نضعها على "البيدر"... كنا جميعا فلاحين.
في "ترم" الشتاء كنا نأكل الزيتون الذي حفظناه ونأكل التين الذي جففناه والذي يسمى الـ "قطين"،
من خلال وضعه على أسطحة الدور ليجفف وهو موضوع على "البلان" وهي نبتة يسرها الله لنا
لقضاء حاجات الناس، هذه النبتة مرتفعة عن الأرض وتحتها مجرى هواء وبذلك يجفف التين وهو
معرض للشمس. وكنا نزرع السمسم ونحفظه أيضا للشتاء ونأكله مع "القطين" وكنا أيضا نعتمد
على الذرة الصفراء لفصل الشتاء.
شجر الزيتون في قرية الكويكات
كان أهالي القرية يملكون الكثير من الدجاج والأرانب ويعتمدون عليها في أكلهم.لكن لم يكن كل
الفلاحين يحبون الاشتغال في الزراعة، مع أنهم كانوا يملكون أراضي، فاشتغلوا بالتجارة ومنهم
زوج الـ"جفرا"))
من لم يعشق جفرا ...
"الجفرا" لم يكن اسما بطبيعة الحال، وإنما لقب أطلقه الشاعر "أحمد عبد العزيز علي الحسن"
عليها تشبيها لها بابنة الشاة الممتلئة الجسم. وقد عرف الشاعر بين أبناء القرية باسم "أحمد
عزيز".
أما اسم الجفرا الحقيقي فهو كما تروي لنا الحاجة (هـ.ح) : (( "رفيقة نايف نمر الحسن" من
عائلة "الحسن" وامها "شفيقة إسماعيل". كانت سمراء اللون، ذات ملامح ناعمة، وكانت أمها
خياطة تهتم بابنتها الوحيدة وتحرص عليها وتعززها وتكرمها وتظهرها بأجمل حلة. وكان "أحمد
عزيز" ابن عمها مفتول العضلات ويحترف قول العتابا والزجل ،تقدم لخطبتها وتمت الموافقة
وتزوجوا فعلا وهي في سن الـ16 تقريبا. أما " أحمد عزيز" فكان في حوالي الـ20 من عمره.
وأعراسنا كانت كسائر أعراس الفلاحين في فلسطين، يعزف فيها المجوز والشبابة والدربكة،
وكان الأهالي يرقصون الدبكة نساءا ورجالا.
ولم يتوفقا في زواجهما، وأرادت أمها ان يتم الطلاق وطلقت فعلا. ولم يستمر زواجهما سوى
أسبوع واحد، ولم يكن الطلاق أمرا سهلا فقد قامت بالهروب، وهو قام بملاحقتها حتى استقرت
في بيت أهلها. وتمت محاولات لإرجاع الجفرا لبيت زوجها إلا أنها رفضت ذلك.
بعد ذلك بفترة تزوجت الجفرا من إبن خالتها " محمد إبراهيم العبدالله " .وعندما قطع "أحمد عزيز " أي أمل في رجوع جفرا إليه شعر بمرارة شديدة لحبه الشديد لها.
وكان أهالي القرية يمرون امام بيت الجفرا لأنه يطل على الطريق المؤدية لعين الماء، وكانت هي
أيضا تخرج مع الأهالي متوجهة للعين، فكان يقول فيها شعرا كلما رآها وهي في طريقها للسقاية
من عين الماء، حاملة جرة من فخار :
جفرا يا هالربع نزلت على العين جرتها فضة وذهب وحملتها للزين
جفرا يا هالربع ريتك تقبرينــي وتدعسي على قبري يطلع ميرامية
وقد رزقت الجفرا ونحن في فلسطين بعد زواجها من ابن خالتها بابن اسمه "سامي" وبنت
اسمها "معلا".
أما "أحمد عزيز" فقد استمر بالتشبيب بالجفرا في قصائده وعتاباه ، وجمعها في كتاب أسماه
كتاب "الجفرا".))
وقد لقب الشاعر نفسه بـ"راعي الجفرا"، وذكر الشاعر عز الدين مناصرة بأن الأغنية ولدت
حوالي عام 1939، وأصبحت نمطا غنائيا مستقلا في الأربعينات، وانتشرت في كافة انحاء فلسطين
ثم وصلت بعد عام 1948 إلى الأردن ولبنان وسوريا.
وقد عرف الشاعر الشعبي "أحمد عزيز" بصوته الشجي الحنون، ومن أغانيه (على دلعونا):
ست الجفاري يا ام الصـنارة وأخدت الشهرة عاكل الحارة
لوفُت السـجن مع النظـارة عن كل اوصالك ما يمنعونـا
إجا لعنّا حبــي بــالسهرة راكب عَ كحيلة ووراها مهرة
واسمعت إنو صارت له شهرة بقول الغناني وشعر الفنونـا
ويقول الحاج عبدالمجيد العلي في كتابه عن قرية كويكات : (( كان موقع "أبوعلي" (أحمد عزيز)
في أول الصف روّاسا على تقسيمات الشبابة ونقتطف من بستانه جفرا ويا هالربع بعض المقاطع:
جفرا ويـا هالربـــع بتصيح يـا اعمـامي
ماباخـــذ بنيّكــم لو تصحـنوا عظامي
وان كان الجيزه غصب بالشـرع الإسلامـي
لرمي حالي في البـحر للسمـك في المــيه
تمنيت حـالي أكــون ضابـط بالوظــيفة
لاعمل عليـها حـرس مع وقـف الدوريـه
وقعد لــها خــدام حتى تـظل نظيـفـه
يظلوا يخــدموا فيها في الصبح وعشـية))
والقارئ للأبيات الأخيرة يلحظ بأن الشاعر "أحمد عزيز" يغني على لسان الجفرا التي رفضته
زوجا، ثم لسانه وهو يصف حبه لها.
نتابع